تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة : احكام التخلي

اشارة

سرشناسه : فاضل موحدی لنکرانی، محمد، - 1310

عنوان و نام پديدآور : تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة : احكام التخلي/ بقلم محمد الموحدی اللنکرانی

مشخصات نشر : [قم]: محمد الموحدی اللنکرانی، 1409ق. = 1368.

مشخصات ظاهری : ص 492

شابک : بها:1500ریال

يادداشت : عنوان روی جلد: تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: النجاسات و احکامها.

یادداشت : کتابنامه بصورت زیرنویس

عنوان روی جلد : تفصیل الشریعه فی شرح تحریر الوسیله: النجاسات و احکامها.

عنوان دیگر : تفصیل الشریعه

موضوع : فقه جعفری -- رساله عملیه

موضوع : طهارت

موضوع : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1279. تحریر الوسیله -- برگزیده

شناسه افزوده : خمینی، روح الله، رهبر انقلاب و بنیانگذار جمهوری اسلامی ایران، 1368 - 1280. تحریر الوسیله. شرح

رده بندی کنگره : BP183/9/خ8ت3023724 1368

رده بندی دیویی : 3422/297

شماره کتابشناسی ملی : م 68-950

فصل في أحكام التخلّي

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

مسألة 1: يجب في حال التخلّي كسائر الأحوال ستر العورة عن الناظر المحترم

رجلًا كان أو امرأة حتى المجنون و الطفل المميّزين، كما يحرم النظر إلى عورة الغير و لو كان المنظور مجنوناً أو طفلًا مميّزاً، نعم لا يجب سترها عن غير المميز كما يجوز النظر إلى عورة الطفل غير المميز، و كذا الحال في الزوجين و المالك و مملوكته ناظراً و منظوراً، و أمّا المالكة و مملوكها فلا يجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر بل إلى سائر بدنه أيضاً على الأظهر، و العورة في المرأة هنا القبل و الدبر و في الرجل هما مع البيضتين، و ليس منها الفخذان و الاليتان بل و لا العانة و العجان، نعم في الشعر النابت أطراف العورة الأحوط

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 4

الاجتناب ناظراً و منظوراً، و يستحب ستر السرّة و الركبة و ما بينهما (1).

..........

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين: المقام الأوّل: في وجوب ستر عورة النفس و حرمة النظر إلى عورة الغير و ثبوت الحكمين في حال التخلّي كسائر الأحوال ممّا لا خلاف فيه و لا إشكال، بل ربّما يعدّ من المسائل الضروريّة، و يدلّ عليه- مضافاً إلى ذلك- من الكتاب قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ» «1» الآية بتقريب أنّ المراد من غضّ البصر ليس هو غضّه عن كلّ شي ء، كما أنّه ليس المراد غضّ البصر عن المحرّمات بمعنى غمض العين و الاجتناب عنها، بل المراد منه غضّ البصر عن فروج الغير كما يدلّ عليه ذكر الفروج بعده، و عليه فيكون المراد من قوله تعالى: «وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ» هو حفظ الفرج من أن ينظر إليه بملاحظة السياق، فالآية الشريفة بظاهرها تدلّ

على كلا الحكمين من دون حاجة- في مقام الاستدلال بها- إلىٰ ما ورد في تفسيرها و هو ما رواه الصدوق من أنّه سأل الصادق عليه السلام عن قول اللّٰه عزّ و جلّ: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ، فقال: كلّ ما كان في كتاب اللّٰه- عزّ و جلّ- من حفظ الفرج فهو من الزنا إلّا في هذا الموضع فانّه للحفظ من أن ينظر إليه «2». و ما عن تفسير العمّاني عن علي عليه السلام في قوله تعالى: «قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ»، معناه لا ينظر أحدكم إلى فرج أخيه المؤمن أو يمكّنه من النظر إلى فرجه، ثمّ قال: قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ؛ أي ممّن يلحقهن النظر كما جاء في حفظ الفروج،

______________________________

(1) سورة النور: آية 30.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة، الباب الأول، ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 5

..........

______________________________

فالنظر سبب إيقاع الفعل من الزنا و غيره «1». و لا يخفى أنّه لو لم نقل بظهور الآية بنفسها في ذلك فإثبات الحكم بها و لو بمعونة ما ورد في تفسيرها مشكل؛ لكون الروايتين مرسلتين لا يجوز الاعتماد عليهما، و إن كان يمكن الاعتماد على الاولى لكونها غير مسندة إلى الرواية بل إلى الإمام عليه السلام فتدبّر.

و دعوى أنّ المراد من حفظ الفرج في الآية هو حفظه عن كلّ ما يترقّب منه من الاستلذاذات. و الاستلذاذ به قد يكون بلمسه و قد يكون بالنظر إليه و قد يكون بغير ذلك من الوجوه؛ لأنّ حفظ الفرج فيها غير مقيّد بجهة دون جهة، مدفوعة- مضافاً إلى أنّ وجوب ستر

العورة لا يختصّ بما إذا كان النظر مشتملًا على لذّة و ريبة، بل هو ثابت مطلقاً، و الآية على هذا التقدير لا تفي بإثباته- بأنّ الآية على ما ذكر لا تثبت كلا الحكمين لأنّه لا دلالة لها على حرمة نظر الغير فتدبّر. و يدلّ على الحكمين المذكورين من السنّة الأخبار الكثيرة المستفيضة التي جمعها في «الوسائل» في الباب الأوّل من أبواب أحكام الخلوة و منها ما رواه حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام عن النبي صلى الله عليه و آله في حديث المناهي قال: إذا اغتسل أحدكم في فضاء من الأرض فليحاذر على عورته، و قال: لا يدخل أحدكم الحمّام إلّا بمئزر، و نهى أن ينظر الرجل إلى عورة أخيه المسلم، و قال: من تأمّل عورة أخيه المسلم لعنه سبعون ألف ملك، و نهى المرأة أن تنظر إلى عورة المرأة، و قال:

من نظر إلى عورة أخيه المسلم أو عورة غير أهله متعمّداً أدخله اللّٰه مع المنافقين الذين كانوا يبحثون عن عورات الناس، و لم يخرج من الدنيا حتّى يفضحه اللّٰه إلّا أن يتوب «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة، الباب الأول، ح- 4.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة، الباب الأول، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 6

..........

______________________________

و قد ورد في جملة من الأخبار: «عورة المؤمن على المؤمن حرام» و لو نوقش فيها بأنّ المراد بالعورة هي الغيبة كما يؤيّده جملة من النصوص الواردة في تفسيرها، و أُغمض عن إمكان الجواب بأنّ تفسيرها بذلك لا يدلّ على كون المراد منها في جميع الموارد ذلك، كيف و قد جمع في بعض الروايات بين هذا التعبير و بين التطبيق

على مسألة النظر، و لكن مثل رواية حسين لا تجري فيه هذه المناقشة بوجه للمسبوقية بالنهي عن دخول الحمّام إلّا بمئزر و الاشتمال على كلمة النظر الظاهرة في الرؤية، كما أنّ التعبير ب «النهي» أوّلًا و الاخبار بلعن سبعين ألف ملك ثانياً ظاهر، بل صريح في كون المراد هو النهي التحريمي، و عليه فلا يبقى مجال لاحتمال مجرّد الكراهة الذي احتمله بعض متأخّر المتأخّرين لو لم يكن مخافة خلاف الإجماع كما نقله صاحب المصباح قدس سره، و الظاهر أنّ منشأ احتماله رواية ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام: أ يتجرّد الرجل عن صبّ الماء ترىٰ عورته أو يصبّ عليه الماء أو يرى هو عورة الناس؟ قال: كان أبي يكره ذلك من كلّ أحد «1». و فيه: وضوح أنّ المراد بالكراهة ليست هي الكراهة المصطلحة المقابلة للحرمة لأنّه اصطلاح فقهي حادث، و الظاهر منها هي المبغوضية و الحرمة عند عدم وجود القرينة على الخلاف، و لو سلم ظهورها في الكراهة المصطلحة فأظهرية روايات الحرمة فيها قرينة على عدم كون المراد بها ما هو معناها الظاهرة فيه كما هو ظاهر. ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على الحكمين الإطلاق بالإضافة إلى الجميع و الشمول لهم فلا فرق بين الرجل و المرأة و البالغ و غيره، نعم في غير المميّز من

______________________________

(1) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الثالث، ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 7

..........

______________________________

الطفل و المجنون الظاهر عدم الشمول لأنّه لا يفهم عرفاً من وجوب التستّر إلّا وجوبه عمّن له إدراك و شعور، و لذا لا يفهم وجوبه عن البهائم و الحيوانات، كما أنّ الظاهر عدم حرمة النظر

إلى عورة غير المميّز- مجنوناً كان أو طفلًا- لما ذكر من أنّه لا يفهم عرفاً منها إلّا ذلك. و أمّا المميّز فيجب التستّر منه و يحرم النظر إلى عورته و إن لم يكن مكلّفاً لصغر أو جنون لإطلاق الأدلّة و عدم الملازمة بين كونه غير مكلّف و بين عدم الوجوب و الحرمة كما هو واضح. و أمّا الزوجان فيجوز لكلّ منهما النظر إلى عورة الآخر مطلقاً؛ لأنّه يدلّ عليه- مضافاً إلى أنّ النظر من اللوازم العادية للوطء الجائز شرعاً- و إلى ما دلّ على جواز الاستمتاع له منها بكلّ شي ء، و كذا العكس؛ إلّا ما استثنى. و من الواضح أنّ النظر إلى العورة من مصاديق الاستمتاع، و إلى جريان اسيرة القطعية المتّصلة من المتشرّعة بذلك ما روي عن النبي صلى الله عليه و آله أنّه قال: للزوج ما تحت الدرع و للابن و الأخ ما فوق الدرع و لغير ذي محرم أربعة أثواب درع و خمار و جلباب و إزار «1» و غير ذلك ممّا يدلّ عليه. و أمّا الاستدلال للجواز في الزوجين باستثناء الأزواج و ما ملكت أيمانهم في الآية الآمرة بالتحفّظ على الفرج فيرد عليه انّ الآية الدالّة على حفظ الفرج من النظر الذي هو المقصود في المقام لا يكون مشتملًا على هذا الاستثناء، و الآية المشتملة على الاستثناء لا يكون المقصود من حفظ الفرج فيها ما هو المنظور في المقام، بل المراد حفظه من الزنا و نحوه، و يؤيّده- مضافاً إلى كون الظاهر منها ذلك عرفاً- الروايتان المتقدّمتان في تفسير الآية التي استدللنا بها في المقام.

______________________________

(1) رواه الطبرسي في «مجمع البيان» في ذيل قوله وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ الآية.

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 8

..........

______________________________

و أمّا المالك فيجوز له النظر إلى عورة مملوكته لأولويّة النظر من الوطء الجائز شرعاً و كون الأوّل من اللوازم العادية للثاني، نعم لا بدّ من التقييد بما إذا لم تكن مزوّجة و لا في العدّة و إلّا فمقتضى الروايات الواردة فيه عدم جواز النظر إلى عورتها من دون فرق في ذلك بين ما إذا كانت مدخولًا بها لزوجها و عدمه. كما أنّه إذا كان الأمَة محلّلة للغير لا بدّ من الاقتصار في جواز النظر إلى عورتها على مورد يجوز له وطئها و هو ما إذا لم تكن حاملًا من المحلّل له أو موطوءته و لم تستبرأ؛ لأنّه مع عدم جواز الوطء و المفروض عدم دليل على جواز النظر غير جواز الوطء يكون مقتضى الأدلّة المتقدّمة ثبوت الحكمين بالإضافة إليها أيضاً.

و منه يعلم انّ كلّ مورد لا يجوز للمالك وطء المملوكة لا يجوز النظر إلى عورتها و هذه الموارد كثيرة و قد تعرّض لها صاحب الوسائل في الباب الثامن عشر من أبواب نكاح العبيد و الإماء، و عليه فالحكم بالجواز مطلقاً- كما في المتن- غير تامّ. و أمّا المالكة فلا يجوز لها النظر إلى عورة مملوكها و لا مملوكتها؛ لعدم الدليل على الجواز بعد اقتضاء الأدلّة المتقدّمة الحرمة، كما انّه لا يجوز لهما النظر إلى عورتها لذلك، بل لا يجوز فيما إذا كان مملوكاً النظر إلى سائر بدن المالكة و بالعكس؛ لعدم استفادة الجواز من شي ء من الأدلّة و عدم اقتضاء الملكية، لذلك فإنّ مقتضى الأدلّة جواز الوطء بالإضافة إلى المالك و المملوكة فقط في غير ما استثنى و لازم جواز الوطء جواز النظر أيضاً للأولوية و للملازمة

العادية من ناحية الوطء كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّه يستفاد من إطلاق المتن أنّه لا فرق في حرمة النظر إلى عورة الغير و وجوب الستر عنه بين المسلم و الكافر و مقتضى إطلاق الأدلّة المتقدّمة أيضاً ذلك، إلّا أنّه ربّما يستشكل في خصوص حرمة النظر إلى عورة الكافر، بل ربّما يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 9

..........

______________________________

بالجواز كما هو المحكي عن الصدوق و تبعه الوسائل و الحدائق قدس سرهم. وجه الاستشكال المناقشة في إطلاق الأدلّة المتقدّمة نظراً إلى أنّ الأخبار الواردة في ذلك مقيّدة بالمؤمن أو المسلم أو الأخ، و الآية أيضاً لا دلالة لها على المدّعي، امّا أوّلًا؛ فلأنّ الظاهر منها أنّها ناظرة إلى الجامعة الإسلامية و متكفّلة لبيان وظيفة بعضهم بالإضافة إلى بعض آخر فلا إطلاق لها حتّى تشمل غير المسلمين، و أمّا ثانياً فلأنّها على تقدير إطلاقها لا بدّ من تقييدها بالروايات المشتملة على الأخ أو المؤمن أو المسلم، و السرّ فيه انّ تقييد موضوع الحكم بوصف أو بغيره من القيود يدلّ على أنّ الحكم في القضية لم يترتّب على الطبيعة بإطلاقها و إنّما ترتّب على الحصّة المتّصفة بذلك الوصف أو القيد لأنّه لو لا ذلك لكان التقييد لغواً و هذا أمر متوسّط بين القول بالمفهوم و بين إنكاره؛ لعدم اقتضائه نفي الحكم عن غير مورد القيد رأساً و لا مدخليته في ثبوت الحكم كذلك، و عليه فالتقييد في المقام يدلّ على أنّ الحرمة لم تترتّب على النظر إلى عورة طبيعي البشر و إنّما هي خاصّة بحصّة معيَّنة و هذا يكفينا في الحكم بجواز النظر إلى عورة الكافر. و أمّا وجه الفتوى بالجواز فهو روايتان: إحداهما:

مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار «1». ثانيتهما: مرسلة الصدوق التي رواها في الفقيه قال: و روي عن الصادق عليه السلام أنّه قال: إنّما أكره النظر إلى عورة المسلم، فامّا النظر إلى عورة من ليس بمسلم مثل النظر إلى عورة الحمار «2». و ربّما يناقش في الاستدلال بهما من جهتين:

______________________________

(1) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب السادس، ح- 1.

(2) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب السادس، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 10

..........

______________________________

احداهما: إنّهما ساقطتان عن الاعتبار لضعفهما من حيث السند بالإرسال. ثانيتهما: إعراض الأصحاب عنها لإطلاق كلماتهم في حرمة النظر إلى عورة الغير- من دون أن يقيّد بمثل المسلم. و أُجيب عن الاولى بأنّه و إن كان لا يتفاوت في المراسيل بين ابن أبي عمير و غيره من جهة عدم اعتبار شي ء منها إلّا أنّ روايته في المقام عن غير واحد معناه انّ الرواية وصلت إليه من جماعة من الرواة لعدم صحّة هذا التعبير فيما إذا رواها واحد أو اثنان، و تلك الجماعة نطمئن بوثاقة بعضهم على الأقلّ لأنّه من البعيد أن يكون كلّه من غير موثّقين. و عن الثانية- مضافاً إلى أنّ كبرى سقوط الرواية عن الحجّية بإعراض الأصحاب لا يمكن الالتزام بها- انّ إعراضهم عن الرواية لم يثبت بوجه لأنّه من المحتمل أن يستندوا في الحكم بحرمة النظر مطلقاً إلى ترجيح الأدلّة المعارضة و تقديمها على رواية الجواز كما ربّما يظهر من كلام شيخنا الأنصاري قدس سره، فتركهم العمل على طبقها من جهة مخالفة الرواية لإطلاق الآية و الروايات.

و الجواب امّا عن الاستشكال امّا بالإضافة إلى الآية الكريمة فهو أنّه لا ريب في عدم اختصاص الحكم المذكور فيها بالمسلم و إن كان النبي صلى الله عليه و آله واسطة في تبليغ الحكم إليهم ضرورة أنّ التكاليف و الأحكام مشتركة بين المسلم و الكافر فهل يرتضي أحد بالقول بأنّه يجوز للكافر النظر إلى عورة الغير و لا يكون مكلّفاً بهذا الحكم أصلًا، فالتكليف الذي تتضمّنه الآية مشترك بين المسلم و الكافر و لا مجال لدعوى كونها ناظرة إلى الجامعة الإسلامية و متكفّلة لبيان تكليف بعضهم بالإضافة إلى بعض فقط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 11

..........

______________________________

و أمّا الروايات الواردة في هذا الباب فهي و إن كانت مشتملة على التقييد بالأخ أو المسلم أو المؤمن إلّا أنّ الظاهر انّ القيد المذكور فيها كالقيد المذكور في الآية الشريفة و لا دلالة لشي ء منها على تضيق دائرة التكليف، فكما أنّه يحرم للكافر النظر إلى عورة المسلم بمقتضى الأدلّة كذلك لا يجوز للمسلم النظر إلى عورة الكافر بمقتضى تلك الأدلّة و إلّا فاللّازم قصر الحكم على المسلم ناظراً و منظوراً و لا يرتضي به أحد. و أمّا عن الاستدلال: فرواية ابن أبي عمير و إن كانت معتبرة مع الإرسال أيضاً بخلاف مرسلة الصدوق- على تقدير كونها رواية اخرى مغايرة لرواية ابن أبي عمير- لأنّها منسوبة إلى الإمام عليه السلام بطريق الرواية و النقل و لا تكون حال الرواية معلومة فلا وجه لاعتبارها إلّا أنّ الظاهر إعراض الأصحاب عنها و احتمال كون إطلاق الفتاوى ناشئاً عن ترجيح الأخبار المعارضة من غرائب الامور فهل يحتمل في حقّهم ثبوت المعارضة عندهم بين المطلق و المقيّد المتنافيين خصوصاً

مع ثبوت القيد في الأدلّة المطلقة أيضاً، فلو كانت مرسلة ابن أبي عمير معمولًا بها لديهم لم يكن محيص من تخصيص الحرمة بخصوص عورة المسلم و الحكم بالجواز بالإضافة إلى عورة الكافر فاحتمال ثبوت المعارضة و ترجيح أخبار الحرمة لا مجال له أصلًا فلا يبقى إلّا الإعراض و مهجورية الرواية و قد تقرّر في محلّه انّ الإعراض يكشف عن وجود الخلل في الرواية و فتوى الصدوق- فقط- بالخلاف المستفاد من مجرّد نقل الرواية لا يقدح في تحقّق الإعراض و ثبوته فالأحوط لو لم يكن أقوى لزوم الاجتناب عن النظر إلى عورة الكافر أيضاً. المقام الثاني: في المراد من العورة التي يجب سترها و يحرم النظر إليها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 12

..........

______________________________

فنقول: لا إشكال في كون القبل و الدبر عورة في المرء و المرأة و هما مع البيضتين في المرء فقط لدلالة العرف عليه و كون المتفاهم لديه من الأدلّة الواردة في الباب من الآية و الرواية المعبّرة فيهما بالفرج أو العورة هو هذا المقدار دون الزائد عليه مع وجود روايات مشتملة على تفسير العورة: مثل مرسلة أبي يحيى الواسطي عن بعض أصحابه عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: العورة عورتان، القبل و الدبر، و الدبر مستور بالاليتين فإذا سترت القضيب و البيضتين فقد سترت العورة «1». و يظهر منها انّ لفظ «القبل» شامل للبيضتين أيضاً. و رواية الميثمي عن محمد بن حكيم قال: لا أعلمه إلّا قال: رأيت أبا عبد اللّه عليه السلام أو من رآها متجرّداً و على عورته ثوب فقال: إنّ الفخذ ليست من العورة «2».

و مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: الفخذ ليس

من العورة «3». و إسناد الصدوق الحكم المذكور إلى الإمام عليه السلام من دون أن يروى عنه، يشعر بل يدلّ على اعتماده على الرواية و كونها معتبرة عنده، ففي الحقيقة يصير ذلك بمنزلة الشهادة على صدورها لكون رواتها موثقة بنظره فلا موقع للإشكال عليها بمثل الإرسال، لأنّ هذا النحو من الإرسال- في قبال ما إذا أسنده إلى الرواية كما في مرسلة الصدوق المتقدّمة آنفاً لا يضرّ بالاعتماد عليها كما لا يخفى. و يؤيّد ما ذكر ما رواه الصدوق باسناده عن عبيد اللّٰه المرافقي انّه دخل

______________________________

(1) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الرابع، ح- 2.

(2) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الرابع، ح- 1.

(3) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الرابع، ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 13

..........

______________________________

حمّاماً بالمدينة فأخبره صاحب الحمّام أنّ أبا جعفر عليه السلام كان يدخله فيبدأ فيطلي عانته و ما يليها ثمّ يلف إزاره على أطراف إحليله و يدعوني فأطلي سائر بدنه «1».

و قد يستدلّ على أنّ العورة ما بين السرّة و الركبة بما رواه بشير النبال قال:

سألت أبا جعفر عليه السلام عن الحمّام فقال: تريد الحمّام؟ قلت: نعم، فأمر بإسخان الماء ثمّ دخل فاتّزر بإزار فغطّى ركبتيه و سرّته إلى أن قال: ثمّ قال: هكذا فافعل «2». و فيه- مضافاً إلى ضعف السند- ما لا يخفى من عدم الدلالة. و بما رواه الحسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه أنّه قال: إذا زوّج الرجل أمَته فلا ينظرن إلى عورتها، و العورة ما بين السرّة و الركبة «3». و فيه- مضافاً إلى ضعف السند- انّه لا دلالة لها على انّ العورة مطلقاً بهذا المعنى المذكور فيها بل ظاهرها

انّ المراد بعورة الأمَة المزوّجة من الغير التي يحرم النظر إليها هو ما بين السرّة و الركبة غايتها أن يكون المراد بعورة النساء هو ما ذكر لا أن تكون العورة مطلقاً بهذا المعنى. و يؤيّد ما ذكر تطبيق العورة على جميع بدن المرأة في بعض الروايات، لكن من الواضح انّ العورة بالمعنى المقصود في المقام تغاير العورة بالمعاني المقصودة في غيره فلا ينبغي الاختلاط بين المقامات. ثمّ إنّه على تقدير دلالة الروايتين على كون المراد بالعورة مطلقاً هو ما بين السرّة و الركبة يكون مقتضى الجمع بينهما و بين الروايات المتقدّمة الدالّة كثير منها على نفي كون الفخذ من العورة هو حملهما على الاستحباب و الحكم باستحباب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الثامن عشر، ح- 1.

(2) الوسائل: أبواب آداب الحمام، الباب الخامس، ح- 1.

(3) الوسائل: أبواب نكاح العبيد و الإماء الباب الرابع و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 14

..........

______________________________

ستر هذا المقدار، كما انّه يحمل عليه أيضاً حديث الأربعمائة، المروي في الخصال عن علي عليه السلام إذا تعرّى أحدكم (الرجل خ ل) نظر إليه الشيطان فطمع فيه فاستتروا، ليس للرجل أن يكشف ثيابه عن فخذيه و يجلس بين قوم «1». و عليه فيتّضح الوجه في استحباب ستر السرّة و الركبة و ما بينهما المذكور في المتن في آخر المسألة بعد البناء على التسامح في أدلّة السنن. بقي الكلام في الشعر النابت أطراف العورة التي احتاط فيه بالاجتناب في المتن ناظراً و منظوراً و لعل الوجه فيه احتمال كونه من العورة، و لكن يرد عليه انّ مجرّد الاحتمال مع عدم دلالة شي ء من الروايات الواردة في تفسير العورة

على كونه منها لا يكفي في لزوم الاحتياط و ستر القضيب و البيضتين لا يلازم ستر الشعر النابت أطرافها كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّه لا إشكال في وجوب التّستّر فيما لو علم وجود الناظر بالفعل، كما انّه لا إشكال أيضاً في الوجوب فيما لو علم بتجدّده على تقدير كشفها كما لو علم بوجود الناظر في الحمّام فدخله مكشوف العورة، و الظاهر أيضاً حرمة الدخول فيه إذا علم بأنّه يقع نظره إلى عورة الغير على تقدير الدخول فيه، و ذلك لأنّه يصدق عليه انّه فعل ذلك اختياراً و إن كان شي ء من النظر و عدم التستّر لا يكون في نفسه أمراً اختيارياً. و في مورد الشكّ في وجود الناظر أو في وقوع النظر على عورة الغير فقد قوى المحقّق الهمداني قدس سره الجواز بعد الاستشكال في الحكم من جهة انّ الأصل براءة الذمّة عن التكليف كغيره من الشبهات الموضوعية، و من جهة أنّه لو بنى على إعمال هذا الأصل لوقع المكلّف غالباً في مفسدة مخالفة الواقع. و قد أورد عليه بعض الأعلام بأنّ دقيق النظر يقتضي عدم جريان البراءة في المقام نظراً إلى أنّ الأمر في قوله تعالى: «و يحفظوا فروجهم» انّما تعلّق بالمحافظة و قد أخذ في مفهوم «المحافظة» احتمال ينافي صدقها بحيث لو لم يعتن بالاحتمال صدق ترك المحافظة لدى العرف، و إذا لم يستر عورته في موارد الشكّ في وجود الناظر صدق عدم التحفّظ على عورته. و فيه- مع أنّ مقتضى هذا الإيراد الفرق بين الحكمين بوجوب التستّر مع احتمال وجود الناظر و عدم حرمة النظر في مورد الشكّ لأنّ عنوان «المحافظة» إنّما يكون مأخوذاً في موضوع الحكم الأوّل دون الثاني- انّ كلمة

«الحفظ» لا يراد بها إلّا التستّر و الإخفاء و يؤيّده استعمال هذه الكلمة في موارد اريد بها التحفّظ عن الزنا و نحوه كما عرفت في الرواية الواردة في تفسير الآية. و من المعلوم أنّه لا يمكن الالتزام بلزوم الاجتناب و رعاية الاحتياط في موارد إمكان الزنا و احتماله إذا كان مقتضى الأصل و شبهه عدم كونه كذلك كما لا يخفى، فالظاهر ما قوّاه المحقّق المذكور و إن كان الأحوط خلافه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب الملابس الباب العاشر، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 15

مسألة 2- يكفي الستر بكل ما يستر

و لو بيده أو يد زوجته- مثلًا- (1).

______________________________

(1) لأنّ الواجب في باب ستر العورة بمقتضى الآية و الروايات المتقدّمة إنّما هو إخفائها عن الغير بثوب أو يد- أعمّ من يده و يد زوجته- مثلًا- أو غيرهما من الأشياء الحائلة بينها و بين النظر لأنّ الغرض إنّما هو حفظها عن الناظرين و هو يحصل بكل ما يوجب اختفائها عن نظر الغير و لو كان لأجل الظلمة أو البُعد المفرط أو شبههما و لا يكون بين تلك الأشياء الحائلة اختلاف من حيث المرتبة في السّتر في هذا المقام الذي يكون متعلّقاً للتكليف النفسي و إن كان بينها فرق- احتمالًا في الستر الصلاتي الذي هو من شرائط الصلاة و اللّازم تحصيله و لو فيما لا يكون هناك ناظر أصلًا كما إذا كان الرجل في البيت وحده و صلّى فيه حيث إنّه ذهب المشهور إلى جواز التستّر بكل شي ء يتحقّق به السّتر حتّى الطلي بالطين و نحوه اختياراً من غير فرق بين الثوب و الحشيش و الورق و الطين و غيره، و التزم بعض بالترتيب بين الثوب و غيره فلم يجوز

السّتر بما عدا الثوب لدى التمكّن منه و عند تعذّره أجاز الستر بكلّ شي ء حتّى الطين، و عن بعضهم انّه جعل الطين متأخّراً عن غيره في الرتبة مع التزامه بتقدّم الثوب على ما عداه من الحشيش و نحوه، و صاحب الجواهر قدس سره لم ير الطلي بالطين من مصاديق الستر المعتبر في الصلاة أصلًا، إلّا أنّ ذلك كلّه إنّما يكون مرتبطاً بالستر الصلاتي، و أمّا السّتر في المقام فلا خفاء و لا خلاف في تحقّقه بكلّ ما يتحقّق الستر به من دون مزية لبعض المصاديق على الآخر من هذه الجهة. ثمّ إنّ ظاهر الأدلّة إنّما هو أنّ المحرم وجوب ستر العورة و حرمة النظر إليها، و من المعلوم انّ المراد منها هو نفسها و عينها، و عليه فلا يلزم ستر الحجم و لا مانع من النظر إليه لعدم صدق النظر إلى العورة حينئذٍ نعم لو كان الحاجب رقيقاً في الغاية بحيث لا يصدق عليه السّتر بنظر العرف أصلًا يكفي ذلك في السّتر الواجب.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 16

مسألة 3- لا يجوز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج،

بل و لا في المرآة و الماء الصافي (1).

______________________________

(1) امّا عدم جواز النظر إلى عورة الغير من وراء الزجاج فلأنّ الزجاج لا يكون مانعاً عن رؤية الشي ء أصلًا بحجمه و لونه، و بعبارة اخرىٰ بتمام خصوصيّاته التي تظهر بالنظر و الرؤية، و إنّما يكون مانعاً عن اللمس، فإذا كان الحكم مترتّباً على الرؤية و النظر كما في المقام فالزجاج لا يقدح في ترتّبه و الأدلّة غير قاصرة عن إفادة ثبوته، نعم لو كان الحكم مترتّباً على اللمس و نحوه فمجرّد لمس الزجاج لا يوجب ثبوته و تحقّقه لعدم كون لمس الزجاج

لمساً لما ورائه و هذا واضح جدّاً، و أمّا عدم الجواز في المرآة و الماء الصافي مع أنّ ما في المرآة و الماء الصافي ليس هو نفسها بل صورتها و لأجله يتحقّق الفرق بينه و بين ما وراء الزجاج فإنّه هو بعينه بخلاف ما في المرآة مثلًا فإنّه صورته فللصدق العرفي و إن كان هناك فرق بنظر العرف من حيث المرتبة بين النظر إلى العين و النظر إلى الصورة في المرآة إلّا انّه لا يكون خارجاً عن النظر إلى العين أيضاً، بل يعدّ مرتبة من النظر إليها و هذا بخلاف النظر إلى الصورة المنقوشة منها في الجدار أو القرطاس فإنّ الظاهر انّه لا يكون عند العرف من النظر إلى العورة، فالفارق هو العرف و الحاكم بالاشتراك أيضاً هو العرف و لا يبتني ذلك على مسألة انّ الرؤية هل تكون بخروج الشعاع أو بالانطباع فإنّ الاختلاف على تقديره لا بدّ و أن يكون ملحوظاً بالإضافة إلى المرئي لا بلحاظ الرؤية فتدبّر. نعم يمكن المناقشة من جهة أنّ النظر إلى ما في المرآة و الماء الصافي لا يكون من مصاديق النظر إلى العورة بوجه و لا يعدّ عند العرف منها، و لكن هي مندفعة بالمراجعة إليهم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 17

مسألة 4- لو اضطرّ إلى النظر إلى عورة الغير كما في مقام العلاج- فالأحوط أن ينظر إليها في المرآة

المقابلة لها إن اندفع الاضطرار بذلك، و إلّا فلا بأس (1).

______________________________

(1) إن قلنا بجواز النظر إلى ما في المرآة و شبهه اختياراً فلا شكّ في تعيّنه في حال الاضطرار إلى النظر إلى العورة مع اندفاع الاضطرار بذلك، كما إذا أمكنت المعالجة معه، و ذلك لعدم تحقّق الاضطرار إلى المحرّم، المسوغ له على ما هو المفروض. و أمّا إن لم نقل

بذلك بل قلنا بالحرمة اختياراً كما هو المختار، فمع اندفاع الاضطرار بالنظر إلى ما في المرآة يكون الوجه في تعيّنه و لو احتياطاً ما عرفت من حكم العرف بضعف مرتبة النظر إلى ما في المرآة بالإضافة إلى النظر إلى العين و إن كان كلّ منهما من مصاديقه لكن اختلافهما في المرتبة لا يكاد ينكر، و عليه فالأمر يدور بين التساوي بينهما من حيث الحكم و بين كون الحكم في العين آكد و أقوى لأقوائية مرتبته إذ لا مجال لاحتمال إقوائية النظر إلى ما في المرأة أصلًا، و مع ثبوت الاحتمالين لا يتحقّق الاضطرار إلى ارتكاب ما هو آكد و أقوى احتمالًا فلا وجه لتسويغه ارتكابه، و أمّا النظر إلى ما في المرآة فهو جائز بمقتضى الاضطرار على كلا التقديرين سواء كان هناك التساوي من حيث الحكم أم لم يكن، فجوازه مسلّم و جواز الآخر مشكوك، و مقتضى الاحتياط اللّازم في مثل المقام عدم التعدّي في حال الاضطرار عن المرتبة الضعيفة إلى المرتبة الشديدة فتدبّر. مضافاً إلى بعض الروايات الواردة في أخبار الخُنثى المروية في أبواب ميراث الخُنثى الدالّة على تعيّن الكشف في المرأة لينظر العدول أو العدلان أنّها هل تبول من فرج الذكر أو الانثى لكنّها ضعيفة من حيث السَّند و لأجله لا تصلح للدلالة بل للتأييد فقط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 18

مسألة 5- يحرم في حال التخلّي استدبار القبلة و استقبالها بمقاديم بدنه

و هي الصدر و البطن و إن أمال العورة عنها، و الميزان هو الاستدبار و الاستقبال العرفيان، و الظاهر عدم دخل الركبتين فيهما، و الأحوط ترك الاستقبال بعورته فقط و إن لم تكن مقاديم بدنه إليها، و الأحوط حرمتهما حال الاستبراء بل الأقوى لو خرج معه

القطرات، و لا ينبغي ترك الاحتياط في حال الاستنجاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 19

و إن كان الأقوى عدم حرمتهما فيه، و لو اضطرّ إلى أحدهما تخيّر و الأحوط اختيار الاستدبار، و لو داره أمره بين أحدهما و ترك الستر عن الناظر اختار الستر، و لو اشتبهت القبلة بين الجهات و لم يمكن له الفحص و يتعسّر عليه التأخير إلى أن تتّضح القبلة يتخيّر بينها، و لا يبعد لزوم العمل بالظنّ لو حصل له (1).

..........

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات: المقام الأوّل: في أنّه يحرم في حال التخلّي الاستدبار و الاستقبال في الجملة كما هو المشهور بين أصحابنا الإمامية بل المتسالم عليه عندهم، و لم ينقل الخلاف فيه إلّا عن جماعة من متأخّري المتأخّرين كصاحب المدارك قدس سره حيث ذهب إلى كراهتهما، و لا فرق عند المشهور بين الصحاري و الأبنية، و حكى عن ظاهر السلّار، التفصيل بينهما بالحرمة في الاولى و الكراهة في الثانية، و عن المفيد قدس سره إباحتها أي الثانية- مثل ما يقوله الشافعي، و عن ابن الجنيد استحباب ترك الاستقبال في الصحراء، و لم يتعرّض لحكم الاستدبار فيها و لا لحكم البنيان أصلًا، و عن بعض العامّة التفصيل بين الاستقبال و الاستدبار، و عن بعضهم الجواز فيهما أي في الصحاري و الأبنية جميعاً. و كيف كان العمدة في إثبات أصل الحكم في المقام هي الشهرة العظيمة المحقّقة بل التسالم بينهم على ما عرفت لأنّ الأخبار الواردة في الباب غير قابلة للاستناد إليها لضعف سندها و لاشتمالها على ما لا يلتزم به أحد مثل حرمة استقبال الريح و استدبارها و إن كان يمكن توجيه الاشتمال

بأنّه بمجرّده لا يصلح للتصرّف فيما ظاهره الحرمة فإنّ قيام القرينة على إرادة الكراهة من النهي في حكم لا يوجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 20

..........

______________________________

خروج النهي الآخر المقرون الظاهر في الحرمة عن ظهوره ضرورة ثبوت ظهورين كلّ واحد منهما يتّصف بالحجّية و الاقتران و وحدة السياق لا يوجب عدم الحجّية و لكن المناقشة في الأخبار من جهة السند غير قابلة الاندفاع. و يقع الكلام بعد ذلك في أنّ الشهرة هل تكون مستندة إلى تلك الأخبار بمعنى أنّ الأصحاب اعتمدوا عليها في مقام الافتاء بهذا الحكم فتكون الشهرة جابرة لضعفها فتصير هذه الروايات كالأخبار الصحيحة فيجب النظر في مدلولها و الحكم على طبق مضمونها و لو لم يقل به المشهور، أو انّ المدار على الشهرة، فكلّ مورد تحقّقت فيه الشهرة تجب متابعة المشهور دون ما لم تتحقّق فيه؟ و الثمرة بينهما تظهر فيما بعد، و الظاهر هو الأوّل و عليه فاللّازم ذكر الروايات الواردة في الباب فنقول: منها: مرفوعة علي بن إبراهيم التي رواها الكليني عنه قال: خرج أبو حنيفة من عند أبي عبد اللّه عليه السلام و أبو الحسن موسى عليه السلام قائم و هو غلام فقال له أبو حنيفة: أين يضع الغريب ببلدكم؟ فقال: اجتنب أفنية المساجد، و شطوط الأنهار، و مساقط الثمار، و منازل النزال، و لا تستقبل القبلة بغائط و لا بول، و ارفع ثوبك، وضع حيث شئت «1». و منها: ما رواه أيضاً عن محمد بن يحيى باسناده رفعه قال: سُئل أبو الحسن عليه السلام: ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها «2». و

منها: رواية حسين بن زيد عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام انّ النبي صلى الله عليه و آله قال في حديث المناهي: إذا دخلتم الغائط فتجنّبوا القبلة «3».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 1.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 2.

(3) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 21

..........

______________________________

و منها: مرسلة الصدوق قال: و نهى رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله عن استقبال القبلة ببول أو غائط «1». و منها: رواية عيسى بن عبد اللّه الهاشمي، عن أبيه عن جدّه عن علي عليهم السلام قال:

قال النبي صلى الله عليه و آله: إذا دخلت المخرج فلا تستقبل القبلة و لا تستدبرها و لكن شرّقوا أو غرّبوا «2». و منها: مرفوعة عبد الحميد بن أبي العلاء و غيره قال: سُئل الحسن بن علي عليهما السلام: ما حدّ الغائط؟ قال: لا تستقبل القبلة و لا تستدبرها، و لا تستقبل الريح و لا تستدبرها «3». و كيف كان فلا إشكال في هذا المقام في ثبوت الحكم بنحو الإجمال، و إنّ الحرمة في مقابل الكراهة محقّقة سواء كان مدركها الشهرة و التسالم أو الأخبار المعتضدة المنجبرة بها كما لا يخفى. ثمّ إنّ ظاهر هذه الروايات إطلاق الحكم و شموله للصحاري و الأبنية و ربّما يستدلّ على التفصيل بينهما بحسنة ابن بزيع قال: دخلت على أبي الحسن الرضا عليه السلام و في منزله كنيف مستقبل القبلة و سمعته يقول: من بال حذاء القبلة ثمّ ذكر فانحرف عنها إجلالًا للقبلة و تعظيماً لها لم يقم من مقعده ذلك حتّى يغفر له «4». و فيه: انّه

لا دلالة لها على جواز الاستقبال في الأبنية لأنّ مجرّد كون الكنيف مستقبل القبلة لا يدلّ على جواز الاستقبال في حال البول و الغائط إلّا أن يكون بنائه بأمر الإمام عليه السلام و لم يعلم ذلك من الرواية، بل الظاهر عدمه؛ لأنّ كراهته

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 4.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 5.

(3) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 6.

(4) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثاني، ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 22

..........

______________________________

ممّا لا إشكال فيه، و مجرّد ذكر الثواب على الفعل دون العقاب على الترك لا يدلّ على عدم وجوب الانحراف و استحبابه لما نرى من ذكر الثواب في الأخبار الكثيرة على فعل بعض الواجبات. المقام الثاني: في أنّ المحرّم هل هو الاستقبال و الاستدبار بالبدن أي بمقاديمه- في حال البول أو الغائط أو الاستقبال و الاستدبار بنفس البول أو الغائط؟

و تظهر الثمرة فيما لو استقبل القبلة مثلًا بمقاديم بدنه و أمال بوله عنها إلى المشرق أو المغرب فيحرم على الأوّل دون الثاني، و كذا فيما لو استقبل المشرق أو المغرب بالمقاديم و حرّف بوله نحو القبلة فيحرم على الثاني دون الأوّل. و لسان الأخبار من هذه الجهة مختلف فظاهر مرفوعة علي بن إبراهيم الثاني كذيل رواية حسين بن زيد و ظاهر صدرها الأوّل كسائر الروايات. و دعوى انّ المحرّم إنّما هو الاستقبال بمقاديم البدن و التعبير بالاستقبال بالغائط أو البول إنّما هو للملازمة العادية بينهما لأنّ الغالب عدم انفكاك الثاني عن الأوّل. مدفوعة باحتمال العكس و كون المحرّم هو الاستقبال بالبول أو الغائط و التعبير بالاستقبال بمقاديم البدن إنّما

هو لعدم انفكاكه عادةً عن الأوّل. كما انّ دعوى ثبوت الحكمين و تحقّق التحريمين لأنّ النسبة بين الأدلّة عموم من وجه و لا منافاة بينها حتّى ترجّح إحداهما في مورد الاجتماع على الاخرىٰ، و يؤيّدها الجمع بينهما في رواية حسين بن زيد المتقدّمة فإنّه لو كان هناك حكم واحد لكان المناسب بيانه فقط مع انّه عليه السلام ذيّل كلامه بنهي رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله عن استقبال القبلة ببول أو غائط و ليس ذلك إلّا لكون المقصود ببيان الحكمين. مدفوعة بأنّ الظاهر بل المقطوع عدم ثبوت الحكمين و عدم تحقّق التحريمين و نهي الرسول صلى الله عليه و آله قد عرفت أنّه لا يكون ذيلًا لرواية حسين بن زيد بل رواية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 23

..........

______________________________

مستقلّة رواها الصدوق في محكي الفقيه مرسلة و لا تكون جزءاً للرواية السابقة و لا رواية مستقلّة من راوي تلك الرواية، نعم يمكن الإيراد بها على ما ذكرنا من وجوه المناقشة في جميع الروايات الواردة في الباب من حيث السند بناء على ما مرّ مراراً من اعتبار هذا النوع من المرسلات فتدبّر. و حينئذٍ فمع كلا الاحتمالين لا دليل على حرمة الاستقبال بالمقاديم فقط و لا على حرمة الاستقبال بالبول أو الغائط فقط، فإنّ القدر المتيقّن هي حرمة الاستقبال بهما دون أحدهما لأنّ ثبوتها فيه مشكوك يجري فيه أصالة الاباحة. و ممّا ذكرنا يظهر النظر فيما أفاده بعض الأعلام من انّه لو كان المدرك في أصل الحكم هي الروايات و لو بناء على انجبار ضعفها بعملهم كان المتعيّن هو الحكم بحرمة كلّ من الأمرين لاشتمال جملة من الأخبار على الأوّل و

دلالة جملة اخرى على الثاني، و حيث لا تنافي بين الحكمين فلا مانع من الالتزام بحرمة كلا الأمرين، غاية الأمر تعارف الاجتماع في البين، نعم لو قلنا بأنّ المدرك هو التسالم و الإجماع فلا مناص من القول بحرمة المجمع لأنّه المتيقّن منه. وجه النظر ما عرفت من وضوح عدم ثبوت الحكمين في المقام بحيث لو كان مستقبل القبلة بالمقاديم و بالبول كان هناك مخالفتان و استحقاق لعقوبتين، مع انّه لو قيل بثبوت الحكمين فهو إنّما يكون بالنسبة إلى الاستقبال فقط لأنّ اختلاف لسان الأخبار إنّما هو بالإضافة إليه، و أمّا الاستدبار فليس في الأدلّة ما يدلّ على تحريمه ببول أو غائط بل ظاهرها تحريمه بمقاديم البدن فتعميم الحكم بالنسبة إليه أيضاً في غير محلّه، نعم روى الشيخ قدس سره في الخلاف بطريق عامي عن النبي صلى الله عليه و آله ما يدلّ على تحريم الاستقبال أو الاستدبار ببول أو غائط و لكنّها رواية عامّية لا يجوز الاعتماد عليها أصلًا، مع انّ تفكيك الاستدبار أو الاستقبال بالغائط عنهما بالمتخلّي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 24

..........

______________________________

ممّا لا يمكن عادة بخلاف البول. ثمّ إنّ عبارات الأصحاب كمدلول الروايات مختلفة فتظهر من بعضهم حرمة الاستقبال و الاستدبار الظاهرة في الاستقبال و الاستدبار بالمقاديم، و عن بعض آخر التصريح بذلك، و عن ثالث حرمة الاستقبال و الاستدبار بالبول أو الغائط، و بالجملة فالشهرة لا تكون قائمة على خصوص أحد الاحتمالين حتى يعتمد عليها في الحكم بالتحريم من دون الاحتياج إلى الأخبار الواردة في الباب. و الحقّ انّه بعد ما عرفت من كون الشهرة جابرة لضعف اسناد أخبار المقام و انّ اللّازم هو النظر في

مدلولها و قد عرفت ظهور أكثرها في حرمة استقبال المتخلّي و استدباره و انّه لا يكون هناك إلّا حكم واحد و تحريم فارد، فالظاهر حينئذٍ هو الفتوى بذلك كما في المتن، نعم مقتضى الاحتياط ترك الاستقبال و الاستدبار بالبول و الغائط أيضاً. ثمّ إنّ الظاهر بمقتضى الفهم العرفي انّ المراد بالمقاديم التي يوجب اتّصاف الشخص بكونه مستقبلًا أو مستدبراً هي الصدر و البطن و انّ الركبتين لا مدخلية لهما في هذه الجهة، كما انّ الاستقبال بهما لا يكون معتبراً في حال الصلاة أيضاً؛ لأنّه تجوز الصلاة متربّعاً للقاعد أو مطلقاً في بعض الحالات كالتشهّد و نحوه مع انّ الركبتين لا تكونان حينئذٍ إلى القبلة و الفرق بين المقام و بين باب الصلاة إنّما هو في الوجه حيث إنّه يعتبر الاستقبال بالوجه في باب الصلاة أيضاً، و أمّا هنا فالوجه خارج عن الحكم و لا مدخليّة له فيه نفياً و إثباتاً و السرّ فيه انّ الاستقبال أو الاستدبار إنّما يكون متقوّماً بما ذكر من الصدر و البطن كما يظهر بمراجعة العرف و الوجه لا يكون له دخل فيه عندهم و اعتباره في باب الصلاة إنّما هو لقيام الدليل على اعتبار الاستقبال به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 25

..........

______________________________

زائداً على الصدر و البطن و هو الأمر المستفاد من قوله تعالى: «وَ حَيْثُ مٰا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ»* «1» و النهي عن الالتفات يميناً أو شمالًا الوارد في بعض الروايات، و أمّا المقام فحيث لم يرد فيه دليل على مدخلية الوجه زائداً على الصدر و البطن أيضاً. ثمّ إنّه لا إشكال في الحرمة فيما لو استقبل القبلة أو استدبرها قائماً أو جالساً

و أمّا النائم المضطجع أو المستلقي فالظاهر عدم إمكان تحقّق العنوانين في حقّهما لأنّه لا يعقل أن يكون الإنسان في آن واحد مستقبلًا لجهتين متخالفتين أو مستدبراً لهما فمع كونه مستقبلًا لما فوقه أو ما تحته أو مستدبراً لواحد منهما كيف يمكن أن يكون مستقبلًا للقبلة أو مستدبراً لها أيضاً، و الأخبار الواردة في المحتضر الدالّة على وجوب جعله نحو القبلة لا دلالة لها على كون الاستقبال في نظر الشارع أعمّ ممّا هو بنظر العرف و انّه يصدق على مثل المضطجع الذي يكون رجلاه إلى القبلة انّه مواجه لها حقيقة و على المستلقي الذي يكون كذلك انّه مستدبر لها كذلك فلا يتعدّىٰ عن موردها إلى مثل المقام و عليه فينتفي الحكم بالإضافة إلى غير القائم و الجالس. المقام الثالث: في أنّه هل الحكم بالحرمة يختصّ بحال البول أو التغوّط أو يشمل حال الاستبراء بل حال الاستنجاء أيضاً؟ أقول: امّا حال الاستبراء فربّما يقال فيه بالحرمة سيما إذا كان مستلزماً لخروج قطرة من البول أو أزيد نظراً في صورة الاستلزام إلى صدق الاستقبال بالبول أو حاله لأنّه لا مدخلية للكثرة في ترتّب الحكم أصلًا، و لذا ينتقض الوضوء بمجرّد خروج قطرة من البول و لو كان ذلك لأجل عدم الاستبراء، و في صورة عدم

______________________________

(1) سورة البقرة: 144.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 26

..........

______________________________

الاستلزام إلى ما ربّما يستفاد من بعض الروايات المتقدّمة من النهي عنهما إذا دخل المخرج أو الأمر بالتجنّب عن القبلة إذا دخلتم الغائط، و من المعلوم انّ مجرّد الدخول و إن ان لا يوجب توجّه هذا الحكم إلّا أنّ الحكم باختصاصه بخصوص الحالين بحيث لا يشمل حال الاستبراء

أيضاً يحتاج إلى دليل، و عليه فالأحوط لو لم يكن أقوى رعاية الحكم في هذه الحالة أيضاً. و ربّما اجيب عن صورة الاستلزام بأنّ الحكم في لسان الدليل قد يتعلّق لخروج البول من مخرجه و لا إشكال حينئذٍ في انّ خروج القطرة يكفي في ترتّب الحكم كما في مثال الوضوء المذكور و قد يتعلّق بالبول أو البول إلى القبلة و لا تأمّل- حينئذٍ- في عدم ترتّب الحكم على مجرّد خروج قطرة أو قطرتين لأنّه لا يصدق بذلك أنّه قد بال و مع عدم صدقه لا مانع من استقبال القبلة أو استدبارها. و الجواب عن صورة عدم الاستلزام انّ التعبير بدخول المخرج أو الغائط في الروايتين كناية عرفاً عن نفس الحالتين حالة البول أو التغوّط و لا يستفاد منه الزائد عليهما فلا مجال لتوسعة الحكم خصوصاً لو قلنا بأنّ المدرك هي نفس الشهرة و التسالم لا الأخبار المنجبرة بها كما لا يخفى. و أمّا الاستنجاء فقد يتشبّث لشمول الحكم له برواية عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: الرجل يريد أن يستنجي كيف يقعد؟ قال: كما يقعد للغائط، قال: و إنّما عليه أن يغسل ما ظهر منه، و ليس عليه أن يغسل باطنه «1».

بتقريب انّه كما انّ القعود للغائط مستقبل القبلة أو مستدبرها حرام كذلك القعود للاستنجاء بمقتضى الرواية. و لكن يرد على الاستدلال بها انّ الظاهر انّ المراد من السؤال هو كيفية

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب السابع و الثلاثون، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 27

..........

______________________________

القعود حال الاستنجاء و مسألة الاستقبال و الاستدبار سواء كان وصفاً للمتخلّي أو خصوصية للبول أو التغوّط لا

ترتبط بكيفية القعود حاله أو القعود للغائط، و بعبارة اخرى ظاهر الرواية هو السؤال عن كيفية الجلوس من حيث هو لا بالإضافة إلى الامور الخارجة عن حقيقته، و يؤيّده ذيل الرواية الدالّ على أنّ المراد من الصدر هو الرد على العامّة حيث إنّهم يقعدون للاستنجاء نحواً آخر من زيادة التفريج و إدخال الأنملة، و يؤيّده أيضاً صحيحة إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليه السلام قال: في الاستنجاء يغسل ما ظهر منه على الشرج و لا يدخل فيه الأنملة «1».

هذا و يمكن الاستدلال للشمول ببعض الروايات المتقدّمة بالتقريب المتقدّم في الاستبراء و لكن الجواب المذكور يجري هنا بنحو أوضح كما لا يخفى و مع ذلك فلا ينبغي ترك الاحتياط بالرعاية في هذه الحالة أيضاً.

المقام الرابع: فيما لو اضطرّ إلى واحد من الاستقبال و الاستدبار في حال التخلّي فهل لا يكون ترجيح في البين فيتخيّر بين الأمرين أو أن الترجيح مع الاستدبار فيراعى جانبه و يترك الاستقبال؟ ربّما يقال بالثاني نظراً إلى انّ المناط توهين القبلة و عدم رعاية حرمتها، و عليه فلا بدّ من الاستدبار لئلّا يلزم ذلك. و فيه انّه لم يعلم انّ المناط ذلك لو لم نقل بالعلم بالعدم؛ لأنّه لو كان كذلك لكان اللّازم عدم حرمة الاستدبار من رأس لأنّه أقلّ توهيناً من الجهتين غير المحرّمتين فالمناط غير معلوم. نعم يمكن أن يقال بعد دلالة الروايات على ثبوت كلا الحكمين و المفروض وجود التزاحم بين البين لعدم القدرة على امتثال التكليفين انّ مقتضى قاعدة باب التزاحم الجارية في جميع موارده الحاكمة بالتخيير مع عدم ثبوت الأهمّية لأحدهما أو احتمالها له ترجيح جانب الاستدبار لأنّ الاستقبال محتمل الأهمية و لو بلحاظ فتوى غير

واحد بتعين الاستدبار في المقام، و عليه فالاحتياط الوجوبي

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع و العشرون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 28

..........

______________________________

يقتضي تعين الاستدبار كما أفاده الماتن دام ظلّه «1». المقام الخامس: فيما لو اشتبهت القبلة؛ فامّا أن تتردّد بين الجهتين المتخالفتين المتقابلتين فيجب له أن لا يستقبلهما و لا يستدبرهما بالاستقبال إلى واحدة من الجهتين الاخريين، و لو تردّدت بين الجهتين غير المتقابلتين فإن قلنا بأنّ الجهات لا تزيد على أربع فالحكم كما لو اشتبهت و تردّدت بين الجهات الأربع، و إن قلنا: إنّ الجهات ثمانية فالواجب عليه استقبال غير الجهتين المحتملتين لإمكانه على الفرض، و إن تردّدت بين الجهات الأربع فلا مناص من التخيير بينها مع عدم إمكان التأخير إلى أن تتّضح القبلة و إن تردّدت بين أزيد منها بناء على عدم اختصاص الجهات بالأربع فالذي يظهر من المصباح انّ الحكم كما في الشبهة غير المحصورة التي قام النصّ و الإجماع على عدم وجوب الاحتياط فيها و فرّع عليه عدم وجوب الفحص عن القبلة عند إرادة التخلّي في الفرض المذكور. و لكن لا يخفى انّ المقام لا يكون من مصاديق الشبهة غير المحصورة لعدم إضافة الجهات على الثمانية و حينئذٍ فيصير كالخمر المردّد بين ثمانية إناءات و لا سبيل لأحد إلى الالتزام بعدم وجوب الاحتياط فيها من باب كون الشبهة غير محصورة، و على هذا فاللّازم الفحص عن القبلة عند إرادة التخلّي لئلّا يستقبلها أو يستدبرها، و ما أفاده قدس سره من كون طريقة المتشرّعة على عدم الفحص عنها عند

______________________________

(1) و لو دار الأمر بين أحدهما و بين ترك الستر عن الناظر المحترم

قال في المتن:

اختار الستر: و الوجه فيه القطع بأهمية الثاني في الشريعة على ما هو المرتكز في أذهان المتشرعة و الشاهد له الأخبار الواردة في المسألتين فإن الناظر فيها يقطع بأهمية الستر عن الناظر المحترم بالإضافة إلى ترك الاستقبال و الاستدبار بل يمكن أن يقال بأنه لو كان الدليل في المقام هي الشهرة و التسالم لا يكون هناك دليل على حرمة الأمرين مع الدوران بينهما و بين ترك الستر لأن القدر المتيقن أنما هو ثبوت الحرمة في غير مثل هذه الصورة فتدبر (صح).

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 29

..........

______________________________

إرادة التخلّي ممنوع جدّاً، نعم مع عدم إمكان الفحص لا مناص من التخيير. و هل يلزم عليه العمل بالظنّ غير المعتبر لو حصل له أم لا؟ نفى البعد عن اللزوم في المتن؛ لأنّه بعد ما كان مقتضى حكم العقل الاحتياط في الشبهات المحصورة و انّه لا يجوز الإقدام على شي ء من محتملاته إلّا إذا استلزم الجرح فيرفع اليد عن وجوب الاحتياط معه بمقدار يندفع به الضرورة و لا بدّ حينئذٍ من الاقتصار على المحتمل الذي كان احتمال كونه قبلة أبعد من سائر المحتملات لحكم العقل بترجيح جانب هذا الاحتمال على غيره، بل ربّما يقال بأنّ المستفاد من صحيحة زرارة قال:

قال أبو جعفر عليه السلام: يجزي التحرّي أبداً إذا لم يعلم أين وجه القبلة «1». حجّية الظنّ شرعاً في باب القبلة مطلقاً من دون إشعار بالاختصاص بباب الصلاة و التحقيق في محلّه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب القبلة الباب السادس، ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 31

فصل في الاستنجاء

مسألة 1- يجب غسل مخرج البول بالماء مرّتين على الأحوط،

و إن كان الأقوى كفاية المرّة في الرجل مع الخروج عن مخرجه الطبيعي،

و الأفضل ثلاث، و لا يجزي غير الماء، و يتخيّر في مخرج الغائط بين الغسل بالماء و المسح بشي ء قالع للنجاسة كالحجر و المدر و الخرق و نحوها، و الغسل أفضل، و الجمع بينهما أكمل، و لا يعتبر في الغسل التعدّد بل الحدّ النقاء، بل الظاهر في المسح أيضاً كذلك، و إن كان الأحوط الثلاث و إن حصل النقاء بالأقلّ، و إن لم يحصل بالثلاث فإلى النقاء، و يعتبر فيما يمسح به الطهارة فلا يجزي النجس و لا المتنجّس قبل تطهيره، و يعتبر أن لا يكون فيه رطوبة سارية فلا يجزي الطين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 32

الخرقة المبلولة، نعم لا تضرّ النداوة التي لا تسري (1).

..........

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين: المقام الأوّل: في تطهير مخرج البول؛ و الكلام فيه إنّما هو من جهتين: الجهة الاولىٰ: في أنّه هل يتعيّن فيه الغسل بالماء أم يجزي غيره و الظاهر هو الأوّل لأنّه يدلّ عليه مضافاً إلى ما عرفت و ستعرف من أنّ زوال التنجّس عن المتنجّس إنّما يتحقّق بالغسل بالماء بمقتضى الأخبار الكثيرة التي يستفاد منها ذلك- في خصوص المقام روايات بعضها صريح في تعين الغسل بالماء و معناه عدم كفاية غير الغسل من المسح و الدلك و عدم كفاية غير الماء من المائعات و لو كان ماءً مضافاً و هذه الروايات كثيرة أيضاً: منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة إلّا بطهور و يجزيك عن الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله «1». و صراحتها في تعين الغسل

و كذا ظهورها في كون المراد من الغسل هو الغسل بالماء ممّا لا مجال للمناقشة فيه. و منها: رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال: يجزي من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزي من البول إلّا الماء «2».

و منها: رواية يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الوضوء الذي افترضه اللّٰه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال؟ قال: يغسل ذكره و يذهب الغائط ثمّ يتوضّأ مرّتين مرّتين «3». و منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بال

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع، ح- 1.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع، ح- 6.

(3) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع، ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 33

..........

______________________________

في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذاه؟ قال: قال: يغسل ذكره و فخذيه «1».

و منها: غير ذلك من الروايات الدالّة على تعين الغسل بالماء. و يظهر من جملة من الروايات عدم التعين: كرواية عبد اللّه بن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط؟ قال: كل شي ء يابس زكى «2».

و رواية سماعة قال: قلت لأبي الحسن عليه السلام: إنّي أبول ثمّ أتمسّح بالأحجار فيجي ء منّي البلل ما يفسد سراويلي؟ قال: ليس به بأس «3».

و رواية حنان بن سدير قال: سمعت رجلًا سأل أبا عبد اللّه عليه السلام فقال: إنّي ربّما بلت فلا أقدر على الماء، و يشتدّ ذلك عليّ؟ فقال: إذا بلت و تمسحت فامسح ذكرك بريقك فإن وجدت شيئاً

فقل: هذا من ذاك «4».

و أنت خبير بأنّ الرواية الاولى مضافاً إلى المناقشة في سندها، و إلى أنّ نفس السؤال فيها يدلّ على أنّ اعتبار التطهير بالماء كان أمراً واضحاً مفروغاً عنه غاية الأمر حصول الشبهة في بعض الفروع لا دلالة لها على حصول التطهير و تحقّقه بغير الغسل بالماء أيضاً فإنّ الظاهر أنّ المراد بالزكي هو الطاهر من حيث عدم تأثيره في تنجّس ملاقيه لا مع الرطوبة لا الزكيّ بمعنى الطاهر في مقابل النجس و المتنجس، و القرينة على ذلك العموم المدلول عليه بلفظة «كلّ» الشامل للأعيان

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الواحد و الثلاثون، ح- 2.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الواحد و الثلاثون، ح- 5.

(3) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثالث عشر، ح- 4.

(4) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثالث عشر، ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 34

..........

______________________________

النجسة اليابسة كالعذرة اليابسة النجسة و غيرها، و عليه فالمراد انّ مسح الذكر بالحائط لا يوجب تنجّس الحائط لا انّه يحصل الطهارة له بالمسح بالحائط و إلّا يلزم أن يكون مجرّد اليبوسة كافية في عروض الطهارة للمتنجّس مطلقاً من غير حاجة إلى الغسل بالماء، بل و إلى المسح و الدلك أيضاً فتدبّر. و الرواية الثانية و إن كانت ظاهرة الدلالة إلّا انّه يرد على الاستناد إليها مضافاً إلى معارضتها في خصوص موردها بصحيحة العيص المتقدّمة لوضوح عدم الفرق بين الفخذ و السراويل من هذه الجهة أنّها ضعيفة من حيث السند جدّاً مع انّها موافقة للعامّة و المظنون صدورها على تقديره للتقية و نحوها. و الرواية الثالثة لا دلالة لها على الاجتزاء بغير الغسل بالماء أصلًا، بل الظاهر كونها

كالروايات السابقة الدالّة على انحصار تطهير مخرج البول في الغسل بالماء و ذلك لأنّ المراد بمسح الذكر بالريق هو مسح المواضع الطاهرة منها و الأمر به إنّما هو لتلبيس الأمر عليه عند وجدان البلل فهي ظاهرة في نجاستها عند عدم المسح بالريق أو العلم بكونها منه، و ممّا ذكرنا يظهر انّ حمل الرواية على التقية كما فعله بعضهم بعيد بعد كون الرواية ظاهرة في انحصار المطهر بالغسل بالماء إذ لا وجه لهذا الحمل بعد هذا الظهور كما هو ظاهر. مضافاً إلى انّه مع قطع النظر عمّا ذكرنا نقول: إنّ غاية ما يستفاد منها و كذا من الرواية السابقة عدم كون الذكر المتنجّس بالبول منجساً للريق أو البلل الخارج منه و لا يوجب فساد السراويل و شبهه و أين هذا من الدلالة على حصول الطهارة للمخرج بالتمسّح كما لا يخفىٰ. فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا محيص في هذه الجهة من القول بتعيّن الغسل بالماء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 35

..........

______________________________

الجهة الثانية: في أقلّ ما يجزي في غسل البول، قال المحقّق قدس سره في الشرائع:

«و أقلّ ما يجزي مثلًا ما على المخرج». أقول: هذا هو المشهور و العمدة في مستندهم رواية نشيط بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السلام: قال: قال: سألته كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ فقال:

مثلا ما على الحشفة من البلل «1».

و نوقش في الاستدلال بها بضعف السند لاشتماله على مروك بن عبيد و هو مجهول. و لكن نقل في محكي الخلاصة عن الكشي أنّه حكى عن محمد بن مسعود انّه قال: سألت علي بن الحسن الفضّال عن مروك بن عبيد بن سالم بن أبي حفصة

فقال: ثقة، شيخ، صدوق. و لكن في السّند أيضاً هيثم بن أبي مسروق النهدي و هو أولى بالمناقشة من مروك إذ لم يرد قول بوثاقته، نعم ذكر النجاشي في ترجمته انّه قريب الأمر، و مراده منه كما يستفاد من المواضع الاخر هو كونه قريباً إلى الإمامية من حيث المذهب بمعنى عدم التباعد بين مذهبه و مذهب الإمامية كثيراً، و هذا التعبير لو لم يدلّ على قدحه لا يدلّ على وثاقته بوجه، نعم حكى عن العلّامة قدس سره انّه صحّح في بعض الموارد السند المشتمل على الهيثم المذكور. و لكن الذي يسهّل الخطب في المقام انجبار السند على تقدير الضعف بفتوى المشهور قديماً و حديثاً على طبق مضمون الرواية، بل عبّروا في فتاويهم بعين متنها و ليس ذلك إلّا لكون الرواية معتبرة عندهم خصوصاً مع ملاحظة كون العبارة خارجة عن العبارات المتداولة المعروفة في المحاورات العرفية. و بالجملة المناقشة في الاستدلال بالرواية من جهة السند ممّا لا ينبغي أن يصغى إليه.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب السادس و العشرون، ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 36

..........

______________________________

و أمّا الدلالة فغير خفيّ انّ ظاهرها هو وجوب غسل المخرج بضعف ما عليه من القطرة أو أزيد، و توهّم انّ البلل بمعنى الرطوبة و هي من الأعراض، و الماء لا يكون مثلًا له لأنه من الجواهر فيجب رفع اليد عن ظاهر الرواية، مدفوع بوضوح كون المراد منه في المقام هي ما يشمل القطرة مثلًا الموجودة في المحلّ و قد ورد نظيره في الأخبار أيضاً حيث عبَّر فيها عمّا يخرج من الذكر بعد الاستبراء، بالبلل المشتبه فراجع. نعم ربّما يحتمل في الرواية أن يكون المراد

بالمثلين الغسلتين و لكنّه من الضعف بمكان. و مثله في الضعف احتمال أن يكون المراد من السؤال أقلّ مقدار يحتاج إليه في الاستنجاء من البول فتكون الرواية متعرّضة لهذا المعنى لا لكيفية التّطهير فلا ينافي اعتبار تعدّد الغسل نظير ما ورد في الوضوء و الغسل من استحباب التوضّي بمدّ من الماء و الغسل بصاع منه. و لكن هذا الاحتمال مضافاً إلى كونه بعيداً عن ظاهر اللفظ مناف لاعتبار تعدّد الغسل إذ لا يمكن اجتماع التعدّد مع المثلين لأنّ الغسل الواحد لا يكاد يتحقّق بدون ذلك؛ لأنّه يعتبر في صدقه جري الماء و قاهريّته. و من الواضح انّه يلزم أن يكون الماء أكثر من المغسول في تحقّق الغسل، و من هنا ربّما يحتمل في رواية اخرى لنشيط بن صالح عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجزي من البول أن تغسله بمثله «1». أن يكون قد وقع الاشتباه في الكتابة و كان الأصل «بمثليه» لأنّ الجمع بين الغسل و المثل ممّا لا يمكن كما عرفت و مع جريان هذا الاحتمال في هذه الرواية لا مجال لتوهّم صلاحيتها للمعارضة مع الرواية الاولى مضافاً إلى كونها مرسلة و إلى عدم خلوّ

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب السادس و العشرون، ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 37

..........

______________________________

متنها عن الاضطراب كما هو غير خفيّ و إلى انّه قد احتمل الشيخ قدس سره أن يكون قوله «بمثله» راجعاً إلى البول لا إلى ما بقي منه على الحشفة. و ممّا ذكرنا ظهر الخلل فيما أفاده بعض الأعلام من انّ أقصى ما هناك انّ الرواية بإطلاقها تقتضي كفاية الغسل مرّة و لا تكون

صريحة في ذلك لأنّ مثلَي ما على الحشفة قد يصبا مرّة واحدة و قد يصبا مرّتين و لا تقييد في الرواية بأحدهما، و دعوى انّ القطرة الاولى بملاقاتها مع البلل الكائن على الحشفة يخرج عن كونها ماء مطلقاً ممّا لا يصغى إليه؛ لأنّ القطرة إذا وصلت إلى الحشفة سقطت عنها القطرة العالقة على المحلّ، كما انّ القطرة الثانية إذا وصلت إليها سقطت عنها القطرة الاولى لا محالة و معه لا تجتمع القطرتان في رأس الحشفة ليخرج الماء عن إطلاقه بالامتزاج. وجه الخلل ما عرفت من انّه يعتبر في صدق الغسل جري الماء و قاهريّته و هي لا تتحقّق إلّا بكثرته بالإضافة إلى المغسول، و عليه فكيف يمكن أن يكون المراد من الرواية تعدّد الغسل و حصول كلّ واحد من الغسلتين بالمثل، و عليه فدلالة الرواية على كفاية الغسل مرّة لا تكون بالإطلاق حتّى يمكن تقييده. و هنا روايات اخر تدلّ على الاجتزاء بالمرّة: منها: صحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة في الجهة الاولى الواردة في الوضوء الذي افترضه اللّٰه على العباد لمن جاء من الغائط أو بال، بتقريب انّ ظاهرها بقرينة السؤال كونها مسوقة لبيان تمام ما هو الواجب عليه، فترك التعرّض دليل على عدم اعتبار التعدّد في الغسل خصوصاً مع تصريحه عليه السلام بالتكرار في الوضوء مع كونه مستحبّاً. و أنت خبير بأنّ الظاهر كون المراد بالوضوء هو الوضوء الشرعي المقابل للغسل و عليه فيكون ذكر غسل الذكر و إذهاب الغائط من باب المقدّمة، و عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 38

..........

______________________________

فلا مجال للاستدلال بهما، و الدليل على ذلك انّه لو كان المراد به هو الوضوء اللغوي بمعنى الغسل

بالفتح لكان قوله عليه السلام: يتوضّأ مرّتين مرّتين غير مناسب مع السؤال. إن قلت: لو كان المراد بالوضوء هو المعنى المعروف عند المتشرّعة يلزم أيضاً ما ذكر من عدم المناسبة بين السؤال و الجواب، إذ مورد السؤال بناءً عليه إنّما هو كيفية الوضوء، و لا يستفاد ذلك من الجواب أصلًا، فلا بدّ من أن يكون المراد به هو معناه اللغوي، و عليه فيكون قوله عليه السلام: و يتوضّأ مرّتين مرّتين غير مرتبط بالسؤال و لا بأس به لأنّه مذكور تبعاً. قلت: ظاهر الجواب انّ السؤال إنّما هو من الوضوء بالمعنى الشرعي و المناسبة بينه و بين السؤال إنّما هو اشتهار جواز التوضّي أزيد من مرّتين مرّتين، بين العامّة، فمقصود السائل إنّما هو السؤال عن خصوص هذه الجهة من الوضوء بلحاظ الاشتهار المذكور لا السؤال عن أصل كيفية الوضوء. و يؤيّد ما ذكرنا انّ الوضوء بالمعنى اللغوي الشامل للاستنجاء بالماء ممّا لم يفرضه اللّٰه على العباد بخلاف الوضوء بالمعنى المعهود فإنّ الظاهر انّ التعبير بمثل ذلك إنّما هو فيما ورد حكمه في القرآن المجيد، و فيما ثبت حكمه من طريق السنّة لا يكون هذا التعبير بمعهود كما هو غير خفي على المتتبّع. و منها: صحيحة ابن المغيرة قال: قلت له: هل للاستنجاء حدّ؟ قال: لا، حتّى ينقى ما ثمّة، قال: قلت له: فإنّه ينقى ما ثمة و يبقى الريح قال: الريح لا ينظر إليها «1».

بتقريب انّ الاستنجاء عامّ يشمل الاستنجاء من البول أيضاً. و لكن ربّما يناقش في دلالتها بالانصراف إلى الاستنجاء من الغائط، خصوصاً

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثالث عشر، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 39

..........

______________________________

مع

التعبير بالنقاء الذي لا يناسب الاستنجاء من البول، فإنّ المناسب له، التنشيف و نظائره بل ربّما يقال: إنّ الاستنجاء لغة بمعنى إنقاء موضع الغائط؛ لأنّه من النجو فلا يشمل موضع البول بوجه و إن كان في كلمات الفقهاء قدس سرهم قد يستعمل بالمعنى الأعمّ بل و في الروايات أيضاً كما في رواية نشيط بن صالح المتقدّمة. هذا، و لكن لو منعنا الاختصاص اللغوي أو الانصراف العرفي و قلنا بأنّ الاستنجاء في السؤال عام يشمل الاستنجاء من البول أيضاً فلا مجال لجعل الذيل قرينة على إرادة خصوص الاستنجاء من الغائط كما أفاده بعض الأعلام و غيره، لأنّه لا منافاة بين أن يكون السؤال الأوّل عامّاً و الثاني خاصّاً إذ حكم السؤال الأوّل إنّما هو مع قطع النظر عن الثاني بحيث لا بدّ من فرضه كالعدم إذ لا يجوز للإمام عليه السلام بيان الحكم بنحو الإطلاق مع كونه غير مراد اتّكالًا على انّ السائل إنّما يسأل بعده عن بعض الخصوصيات الذي ينطبق على المقيّد المراد. فجعل الذيل قرينة على كون المراد من الصدر خصوص الاستنجاء من الغائط على تقدير العموم مع قطع النظر عن الذيل ممّا لا مجال له أصلًا، فالرواية حينئذٍ تدلّ على كفاية مجرّد الغسل في الاستنجاء من البول و لا دليل على تقييد النقاء فيها إلّا ما يدلّ على عدم كفاية حصول النقاء بغير الماء في مقام تطهير مخرج البول فيقتصر عليه، و أمّا اعتبار تعدّد الغسل فلا دليل عليه حتّى يقيّد به إطلاق النقاء. و منها: صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا انقطعت درة البول فصبّ الماء «1». فإنّ إطلاقها يقتضي جواز الاجتزاء بصبّ الماء مرّة واحدة.

و فيه: أنّ الصحيحة إنّما هي بصدد بيان انّ الاستبراء من البول لا يكون معتبراً في طهارة مخرجه، بل يكفي مجرّد صبّ الماء بعد انقطاع الدرة بلا فصل و لا تكون بصدد

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الواحد و الثلاثون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 40

..........

______________________________

بيان كيفية التطهير من جهة اعتبار التعدّد، كما انّه لا يستفاد منها اعتبار خصوص الغسل بالماء أيضاً. ثمّ إنّه يمكن الاستدلال للاكتفاء بالغسل الواحد ببعض الأخبار الاخر أيضاً و إن لم يظهر منهم الاستدلال به، أظهرها في الدلالة رواية هارون بن حمزة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: يجزيك من الغسل و الاستنجاء ما ملئت (بلت خ ل) يمينك «1».

بتقريب أنّ المراد ليس كفاية هذا المقدار الذي يكفي في بلّة اليمين في الغسل و الاستنجاء إذ لا معنى للاكتفاء بهذا المقدار في الغسل الذي أقلّ ما يكفي فيه من الماء ما يبلّ جميع البدن، فاللّازم أن يكون المراد بيان الكيفية التي يحصل بها التطهير و انّه يكفي في الغسل و الاستنجاء مجرّد حصول البلّة التي هي أقلّ مراتب الغسل، و حيث إنّه يكفي في الاستنجاء من الغائط المسح بالأحجار أو بغيرها و لا يعتبر فيه الغسل بالماء فلا بدّ من أن يكون المراد منه الاستنجاء من البول فقط و حينئذٍ- فتدلّ الرواية على انّه لا يعتبر في تطهير مخرج البول إلّا أقل ما به يتحقّق مسمّى الغسل. و ممّا ذكرنا ظهر انّه لا وجه لتفسير الاستنجاء بالتطهير من المني بقرينة ذكر الغسل كما عن الوافي أو بالوضوء بقرينة ذكر اليمين كما عن مجمع البحرين فإنّ ذكر الغسل أو اليمين لا دلالة

له على كون المراد بالاستنجاء غير ما هو معناه بحذف اللغة و ما هو المتفاهم منه عند العرف و انّ التحقيق في معنى الرواية ما ذكرنا. و قد استدلّ لعدم الاجتزاء بالمرّة بالأخبار الكثيرة الواردة في حكم البول إذا أصاب الجسد أو الثوب و انّه يجب صبّ الماء عليه مرّتين أو غسله كذلك التي منها:

صحيحة البزنطي قال: سألته عن البول يصيب الجسد؟ قال: صبّ عليه الماء مرّتين «2»

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثالث عشر، ح- 2.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب السادس و العشرون، ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 41

..........

______________________________

فإنّما هو ماء. و منها: صحيحة محمد عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن البول يصيب الثوب؟

قال: اغسله مرّتين «1». بتقريب انّه لا خصوصية بنظر العرف للجسد أو الثوب، بل ذلك إنّما هو حكم البول في أي محلّ كان. بل يمكن أن يقال بدلالة مثل صحيحة البزنطي الواردة في صابة البول الجسد للبول الخارج من المخرج فإنّه بول أصاب الجسد و عليه فلا حاجة إلى دعوى إلغاء الخصوصية بل الرواية بإطلاقها تشمل المقام، و يؤيّد الشمول التعليل الواقع فيها بأنّه ماء لعدم اختصاصه بالبول الذي أصاب غير المخرج كما لا يخفى. و لكن لا يخفى انّ دعوى إلغاء الخصوصية مدفوعة بعدم الجواز بعد انّه يحتمل قويّاً ثبوت الفرق بين الاستنجاء و غيره بوجود بعض التسهيلات في خصوصه كما في الاستنجاء من الغائط فإنّه يكفي فيه المسح بالأحجار أو بغيرها على ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى مع انّه لا إشكال في عدم الاكتفاء بغير الماء لو أصاب الغائط الجسد أو الثوب. و بالجملة: مع احتمال التفاوت و ثبوت

الفرق بين الموردين بالتسهيل في التطهير في المقام لأجل كثرة الابتلاء أو غيرها خصوصاً مع ثبوته في الاستنجاء من الغائط لا مجال لإلغاء الخصوصية و تعميم الحكم بالإضافة إلى مخرج البول المتنجّس به أيضاً. و أمّا دعوى شمول مثل رواية البزنطي فهي أيضاً مندفعة بأنّ الظاهر من الإصابة للجسد و إن كان معناها الملاقاة هي الإصابة إلى سائر مواضع الجسد كما هو المنسبق إلى أذهان أهل العرف و لا يشمل نفس المخرج خصوصاً مع ملاحظة انّ الظاهر كون المراد بالبول هو البول النجس قبل الإصابة و البول الذي أصاب

______________________________

(1) الوسائل: أبواب النجاسات الباب الأول، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 42

..........

______________________________

المخرج لا يتّصف بالنجاسة قبل الإصابة إليه لعدم كونه في الباطن نجساً كما سيأتي البحث عنه في النجاسات و أمّا التعليل بقوله عليه السلام: فإنّما هو ماء، فانّما هو ناظر إلى كفاية مجرّد الصبّ و انّه لا حاجة إلى الدلك و شبهه. و بعبارة اخرى لا دلالة له على اعتبار مرّتين في جميع الموارد بل مفاده نفي إيجاب شي ء زائد على مجرّد الصبّ كما لا يخفىٰ، فهذه الأخبار لا يمكن استفادة حكم المقام منها و إن أصرّ عليه بعض الأعلام. و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا انّ الأقوى عدم اعتبار تعدّد الغسل و إن كان هو الأحوط، و الظاهر عدم اختصاص الحكم بالذكر بل يعمّ الانثى و الخُنثى و من ليس له ذكر أو ليس له حشفة و غيرها من الفروض لعدم مدخلية خصوصية الحشفة، و ذكرها في بعض الأخبار إنّما هو لكون السائل مذكّراً و الغالب فيه أن يكون ذا حشفة، كما انّ ذكر الرجل أو

الذكر كذلك، هذا مضافاً إلى خلوّ بعض الأخبار المتقدّمة بل أكثرها عن ذكرها أو ذكر ما يساويها. و عليه فالظاهر شمول الحكم لجميع الفروض، نعم لا مجال لاختصاص مورد الاخبار بالبول الخارج من المخرج المعتاد فلو خرج من غيره كما إذا خرج من البطن الذي حدثت فيه ثقبة فالظاهر أن حكمه حكم من أصاب البول إلى جسده أو ثوبه فيعتبر فيه التعدّد. و أمّا التفصيل بين الرجل و المرأة و شبهها في المتن بالحكم بكفاية المرّة فيه و عدم كفايتها فيها بنحو الاحتياط الوجوبي فمنشؤه النظر إلى أنّ عمدة الدليل على الكفاية ما ورد في البول الخارج من الحشفة، و عليه فيحتمل الاختصاص بالرجل و تجري في المرأة الروايات الدالّة على اعتبار التعدّد الواردة في الثوب أو الجسد أو استصحاب عدم حصول الطهارة بالغسل مرّة. و لكن ممّا عرفت ظهر أنّه لا وجه لهذا الاحتياط الوجوبي بعد اقتضاء الأدلّة الاكتفاء بالمرّة في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 43

..........

______________________________

جميع الموارد كما عرفت، إذن فالاحتياط لا يتجاوز عن الاستحباب في جميع الموارد أيضاً. المقام الثاني: في تطهير مخرج الغائط و الكلام فيه أيضاً يقع من جهتين: الجهة الاولى: في تعيّن الغسل فيه أيضاً كالبول و عدمه و الظاهر فيه عدم التعين للأخبار الدالّة عليه التي منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المتقدّمة في المقام الأوّل، قال: لا صلاة إلّا بطهور و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله، و أمّا البول فإنّه لا بدّ من غسله. فإنّ قوله عليه السلام: و يجزيك، يدلّ على عدم تعين الماء و كفاية الاستنجاء

بالأحجار سيّما مع المقابلة بقوله عليه السلام: و أمّا البول... ثمّ إنّ الاستنجاء بالماء أو بالتمسّح بالأحجار أو بغيرها إنّما يختصّ بما إذا تنجّس شي ء من ظاهر البدن و أطراف المقعدة بخروج الغائط فلو فرض خروجه من غير أن يتنجّس به شي ء منه فالظاهر عدم وجوب الاستنجاء أصلًا لعدم لزوم غسل الباطن كما يدلّ عليه بعض الروايات، فالحكم بلزوم الاستنجاء إنّما يختصّ بغير هذه الصورة. ثمّ إنّه ذكر في المتن انّ الغسل أفضل و الجمع بينهما أكمل. و أقول: امّا أفضلية الغسل فلما يأتي في المسألة الآتية في تفسير كلمات القوم و تصريحاتهم بأنّه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين و الأثر و لا يجب في الاستنجاء بغير الماء إلّا إزالة العين فقط من انّ الاستنجاء بالأحجار و شبهها لا يكون مؤثّراً في حصول الطهارة، بل هو محكوم بالعفو كما يستفاد من الروايات الواردة فيه، و عليه فالغسل الذي يؤثّر في حصول الطهارة بلا خلاف و لا إشكال يكون أفضل، مضافاً إلى دلالة بعض تلك الروايات بنفسه على الأفضلية فانتظر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 44

..........

______________________________

و أمّا أكملية الجمع فيمكن الاستناد لها بما ورد عن علي عليه السلام من قوله: كنتم تبعرون بعراً و أنتم اليوم تثلطون ثلطاً فاتبعوا الماء الأحجار «1». بعد حمله على الاستحباب و البناء على التسامح في أدلّة السنن لأنّه حديث عامّي و استفادة الاستحباب من أخبار من بلغ بناء على كون المراد من الأكملية ما ينطبق على مزية الاستحباب شرعاً. الجهة الثانية: في اعتبار التعدّد في الغسل و فيما يتمسّح به من الأحجار و شبهها و عدم اعتباره و نقول: امّا الغسل فلا دليل على

اعتبار التعدّد فيه في هذا المقام بل حدّه النّقاء. و أمّا ما يتمسّح به فاستظهر في المتن عدم الاعتبار فيه أيضاً و إن احتاط بالثلاث مع حصول النقاء به أو بالأقلّ و في المسألة وجوه بل أقوال: من القول بأنّ حدّه النقاء و لا يجب أزيد ممّا يحصل به النقاء بل يستحبّ التمسّح بالثلاثة و القول بأنّ الواجب المسح بالثلاثة بحيث لا يجتزئ بأقلّ من ذلك و إن حصل النقاء بالأقل و من وجوب ذلك تعبّداً و إن كان حدّه النقاء. و قد استدلّ للثاني بالأخبار الكثيرة الواردة في الاستنجاء بالأحجار: منها: صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على انّه يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار بذلك جرت السنّة من رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله تقريب الاستدلال انّ الظاهر كون الإمام عليه السلام في مقام بيان أقل ما يكفي في الاستنجاء بالأحجار، يؤيّده بل يدلّ عليه التعبير بالاجزاء الظاهر في انّه أقلّ المجزئ كما هو الشائع في استعمال هذا اللفظ، و عليه فيكون المراد من «السنّة» السنة بمعنى الفرض و الوجوب. هذا، و لكن التأمّل في الرواية يقضي بأنّ الإمام عليه السلام إنّما كان في مقام

______________________________

(1) لسان العرب مادة «ثلط».

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 45

..........

______________________________

بيان الفرق بين البول و الغائط و انّه لا بدّ في الأوّل من الغسل بالماء بخلاف الثاني فإنّه يكفي فيه الاستحجار و غيره. و يمكن الجواب عنه بأنّه لو كان الإمام عليه السلام في مقام بيان الفرق من جهة تعيّن الغسل بالماء في البول و عدم تعيّنه في الغائط فقط دون بيان الكمّية أيضاً لما كان هناك حاجة إلى ذكر العدد أصلًا، بل يمكن له

التعبير بقوله يجزيك من الاستنجاء الحجر من دون ذكر العدد و لا الإتيان بصيغة الجمع الذي يحتاج إلى مئونة زائدة لا محالة، و عليه فلا ينبغي المناقشة في انّ الإتيان بالعدد المستلزم للإتيان بصيغة الجمع في مقام بيان أقلّ ما يجتزئ به إنّما هو لإفادة عدم الاكتفاء بما دون ذلك المقدار و الشاهد له هو الفهم العرفي فانّه لا يكون مثل هذا التعبير مع جواز ما دونه من العدد بمتناسب عند العرف أصلًا. و إن شئت قلت: إنّ الإتيان بالقيد في الكلام الصادر من المتكلّم العاقل الملتفت لا بدّ و أن يكون لإفادة شي ء لا يمكن إفادته بدونه. و دعوى انّ القيد الوارد مورد الغالب لا دلالة له على شي ء زائد على الحكم المطلق كما في قوله تعالى: «وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ» «1». مدفوعة مضافاً إلى منع الكبرىٰ كما قد حقّق في محلّه بالمنع من كون القيد في المقام وارداً مورد الغالب لعدم كون حصول النقاء بالتمسّح بثلاثة أحجار بغالبي، و بالجملة لا يمكن رفع اليد عمّا هو مقتضى ظاهر الرواية المتفاهم منه عرفاً من اعتبار الثلاثة بمعنى عدم الاجتزاء بأقلّ منها كما لا يخفى. و منها: رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزئ من الغائط المسح بالأحجار، و لا يجزئ من البول إلّا الماء «2». و الظاهر أيضاً دلالتها على

______________________________

(1) سورة النساء: الآية 23.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثلاثون، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 46

..........

______________________________

اعتبار الأحجار «بصيغة الجمع» التي يكون أقلّها الثلاثة و إلّا لا وجه للإتيان بهذه الصيغة مع افتقارها إلى مئونة زائدة كما هو ظاهر. و منها: موثّقة

زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسّح بالأحجار، فقال: كان الحسين بن علي عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار «1». و نوقش فيها بأنّها لا تدلّ على عدم الوجوب لو لم نقل بدلالتها على عدمه من حيث إنّ ظاهرها اختصاص التمسّح بالثلاثة بالحسين عليه السلام مع انّه لو كان واجباً لما كان مختصّاً به عليه السلام. و الجواب عنها: انّه لا بدّ من ملاحظة ما هو محطّ نظر السائل و مورد سؤاله و إنّ سؤاله هل يكون عن العدد اللّازم في الأحجار التي يتمسّح بها بحيث كان غرض السائل انّ الأحجار التي تستعمل في الاستنجاء من الغائط ما ذا كمّها و مقدارها، أو انّ سؤاله إنّما هو عن أصل التمسّح بالأحجار و انّه هل يكفي مكان الغسل بالماء أم لا؟ و بعبارة اخرى: كان سؤاله عن جواز الاكتفاء به في الاستنجاء من الغائط، و المناقشة إنّما تتمّ على التقدير الأوّل، مع انّ الظاهر هو الاحتمال الثاني و لا دلالة للرواية بوجه على اختصاص ذلك بالحسين عليه السلام، بل غاية مفادها جواز التمسّح بالأحجار لاستمراره عمله عليه السلام على ذلك، بل يستفاد من حكاية العمل في مقام بيان الحكم و الإتيان بذكر العدد مدخليّته في الحكم، فالرواية دليل على عدم جواز الاقتصار على ما دونه فتدبّر. و منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: جرت السنّة في اثر الغائط بثلاثة أحجار أن يمسح العجان و لا يغسله، و يجوز أن يمسح رجليه و لا يغسلهما «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثلاثون، ح- 1.

(2) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثلاثون، ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 47

..........

______________________________

و عدم وجوب مسح العجان بناءً على ما في فسّره في مجمع البحرين من انّه ما بين الخصية و حلقة الدبر لا يدلّ على عدم اعتبار الثلاثة في الاستنجاء بغير الماء، و يؤيّد هذه الروايات خبر عامّي روي عن سلمان رضى الله عنه قال: نهانا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله أن نستنجي بأقلّ من ثلاثة أحجار و روايات اخرى نبوية عامّية. و في مقابلها روايات اخرى تدلّ على عدم اعتبار الثلاثة أصرحها صحيحة ابن المغيرة المتقدّمة «1» النافية لنفي الحدّ للاستنجاء و انّه لا بدّ أن ينقى ما ثمة. و نوقش فيها بوجهين: أحدهما: ما عن شيخنا الأنصاري قدس سره من انّ ذيل الرواية و هو قوله: قلت: ينقى ما ثمة و يبقى الريح؟ قال: الريح لا ينظر إليها، ظاهرة في إرادة النقاء بالماء؛ لأنّ الريح الباقية في المحلّ إنّما يستكشف باستشمام اليد، و مزاولة اليد المحلّ إنّما هي في الاستنجاء بالماء. و الجواب عنها مضافاً إلى منع كون استكشاف بقاء الريح في المحل متوقّفاً على مزاولة اليد المحلّ إذ كما يمكن الاستشمام باليد يمكن الاستكشاف بغير اليد من الأشياء الملاقية له أو باليد بعد التمسّح بالأحجار ما عرفت سابقاً من عدم كون الذيل في مثل هذه الرواية ممّا يكون مشتملًا على سؤال آخر و جواب كذلك قرينة على تخصيص الصدر الذي هو سؤال و جواب مستقلّ و مورد السؤال هو الاستنجاء و ثبوت الحدّ له و الجواب ينفي ثبوت الحدّ مع انّ السؤال عن الحدّ ربّما يلائم الاستنجاء بغير الماء كما لا يخفى وجهه، فالإنصاف عدم تمامية هذه المناقشة بوجه. و من هذا يظهر الجواب عن المناقشة الاخرى التي أفادها بعض الأعلام

و هو

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثالث عشر، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 48

..........

______________________________

انّ المراد بالنقاء لو كان يعمّ التمسّح لكان الأولى بل المتعيّن أن يسأل عن الأجزاء أيضاً لتخلّفها في المحلّ و عدم زوالها بالتمسّح، بل لو كانت الرواية ناظرة إلى الأعمّ منه لم يبق موجب للسؤال عن بقاء الريح بوجه و ذلك لأنّ التمسّح غير قالع للأجزاء الصغار و هي مستتبعة لبقاء الريح بلا كلام، و مع العفو عن الاجزاء المذكورة كيف يكون بقاء الريح مخلّاً بالطهارة و هذا بخلاف ما إذا اختصّت الرواية بالغسل فإنّ بقاء الريح أمر لا يلازمه بل قد تزول به و قد لا تزول كما إذا كان الغائط عفناً جدّاً، و عليه فللسؤال عن بقاء الريح مجال. وجه الظهور ما عرفت من انّ اختصاص السؤال في الذيل بالاستنجاء بالماء لا يلازم اختصاص السؤال الأوّل و الجواب عنه أيضاً به بعد كون اللفظ عامّاً خالياً عن الدلالة و الإشعار بالاختصاص بالكلّيّة. و كيف يمكن بيان الحكم بالنحو الكلّي اعتماداً على مجي ء سؤال آخر بعد ذلك و صلاحيته للتخصيص و صيرورته قرينة عليه، مع انّ السؤال عن الريح بلحاظ كونه هو الذي يدركه الإنسان بالاستشمام و الاجزاء الصغار على تقدير وجودها لا يمكن إدراكها لعدم كونه في محلّ يمكن أن ينظر و يدرك و ملازمة بقاء الريح مع الاستنجاء بالأحجار ممنوعة كما انّ بقاء الريح مع الغسل لا يتّفق إلّا نادراً يفرض كالمعدوم.

فالإنصاف انّ هذه المناقشة أيضاً غير متّجهة، و إنّ دلالة الصحيحة على أنّ الحدّ في الاستنجاء بغير الماء إنّما هو النقاء ظاهرة واضحة و هناك بعض الروايات الدالّة على

الاجتزاء بما دون الثلاثة لكنّها لا تخلو عن المناقشة و اللّازم ملاحظة طريق الجمع بين الأخبار أيضاً الواردة في المقام المتعارضة من جهة دلالة طائفة منها على عدم الاجتزاء بما دون الثلاثة و بعضها على انّ الحدّ هو النقاد. فنقول: قال في المصباح ما ملخّصه: «إنّ إطلاق نفي الحدّ في هذه الرواية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 49

..........

______________________________

قابل للتقييد مضافاً إلى دعوى وروده مورد الغالب من عدم حصول العلم بالنقاء قبل استعمال الثلاثة غالباً فتنزل الرواية على ما لا ينافي اعتبار الثلاثة التي لا تنفك عنها الأفراد الغالبة، و دعوى خروج المقيّدات مخرج الغالب كما يؤيّدها استبعاد التعبّد بالمسح بعد النقاء مدفوعة أوّلًا: بأنّ هذه الدعوى في المقيّدات لها وجه لو كانت الثلاثة كافية في النقاء و الغلبة في حصوله بها ممنوعة فإنّما المسلم عدم حصول النقاء غالباً بما دونها لا حصوله بخصوص الثلاثة، و ثانياً: بأنّه لا يجوز رفع اليد عن ظاهر المقيّد بمجرّد احتمال ورود القيد مورد الغالب، و إنّما يخلّ ذلك في التمسّك بالإطلاق لأنّه لا يجوز إهمال الخصوصية المستفادة من ظاهر الكلام بمجرّد احتمال عدم كونها قيداً في الواقع، بل لا بدّ من الجزم بذلك». و لكن الذي أفاده سيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن دام ظلّه في مباحثه الفقهية من درسه على ما قرّرته انّ مقتضى الجمع العرفي كون ذكر الثلاثة في تلك الأخبار إنّما هو لحصول النقاء بها غالباً و توقّفه عليها كذلك لا لبيان نفي كون النقاء حداً فإنّ مناسبة الحكم و الموضوع المرتكزة في أذهان العرف ربّما تقضي بأنّ اعتبار الثلاثة إنّما هو لتوقّف تحقّق النقاء عليها إذ من البعيد عندهم أن يكون

الشارع قد تعبّدهم بلزوم استعمال الثلاثة و إن حصل النقاء بما دونها خصوصاً مع ملاحظة انّ حدّ الاستنجاء بالماء ليس إلّا النقاء بلا إشكال و ليس كالبول حتّى يجب فيه التعدّد. و بالجملة: صحيحة ابن المغيرة صريحة في نفي الحدّ فكيف يمكن أن تقيّد بما يدلّ بظاهره على انّ حدّ الاستنجاء ثلاثة أحجار فلا بدّ من رفع اليد عن هذا الظهور خصوصاً مع ما عرفت من مناسبة الحكم و الموضوع المرتكزة عندهم. أقول: صحيحة ابن المغيرة و إن كانت صريحة في نفي الحدّ إلّا أنّ شمولها للاستنجاء بغير الماء إنّما هو بالظهور، كيف و قد عرفت المناقشتين في شمولها لغير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 50

..........

______________________________

الماء و عليه فدلالتها على نفي الحدّ في الاستنجاء بالأحجار إنّما هي بالإطلاق و الظهور و مقتضى الجمع العرفي بين المطلق و المقيّد حمل الأوّل على الثاني و المناسبة المذكورة لا تقتضي رفع اليد عمّا هو ظاهر الأدلّة و اقتضاء الجمع بينهما كما لا يخفى. و قد انقدح ممّا ذكرنا انّ ما ذهب إليه المشهور من اعتبار الثلاثة في التمسّح بالأحجار هو الذي يقتضيه التدبّر في مفاد الروايات و وجه الجمع بينها، نعم يمكن أن يقال باختصاص ذلك بخصوص الأحجار لأنّ الأدلّة الظاهرة في ذلك إنّما وردت في خصوص الأحجار فلا مجال حينئذٍ لرفع اليد عن إطلاق الصحيحة بالإضافة إلى غير الأحجار، نعم لو قيل باختصاصها بالاستنجاء كما أفاده الشيخ الأعظم و البعض المتقدّم فيمكن الحكم بلزوم الثلاثة مطلقاً نظراً إلى أنّ الخصوصية ملغاة بنظر العرف كما انّه يمكن دعوى انّ الدليل المقيّد بعد كون خصوصية الحجرية ملغاة منه بنظرهم يوجب التصرّف في الإطلاق

و حمله على اعتبار الثلاثة مطلقاً في الاستنجاء بغير الماء، فالأحوط لو لم يكن أقوى اعتبارها في غير الأحجار أيضاً. ثمّ إنّه لا إشكال و لا خلاف في أنّه إذا لم يتحقّق النقاء بالثلاثة فلا بدّ من الزيادة عليها إلى أن يتحقّق و الدليل عليه مضافاً إلى إمكان دعوى وضوح كون مجرّد المسح ثلاث مرّات لا يكون مؤثّراً في الطهارة أو العفو مع بقاء العين و عدم زوالها ضرورة انّ التقليل لا أثر له في المقام، فزوال العين ممّا لا بدّ منه في كلّ من الغسل و المسح انّه لو قلنا: بأنّ حدّ الاستنجاء النقاء فقط من دون فرق بين ما إذا كان بالماء أو بغيره من الأحجار و شبهها بحيث لو حصل بما دونها لا تجب الزيادة عليه فمستند لزوم الزيادة حينئذٍ واضح، و أمّا لو لم نقل بذلك بل بثبوت الحدّ في الاستنجاء بغير الماء و انّه هو الثلاثة التي تدلّ عليها الروايات المتقدّمة فيشكل الحكم في المقام لأنّ عمدة تلك الروايات هي صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، و الاستدلال بها إنّما كان مبتنياً على أن يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 51

..........

______________________________

معنى الرواية أن الثلاثة أقلّ المجزئ، و عليه فالرواية متعرّضة لجانب النقيصة و انّه لا يكتفى بأقلّ من الثلاثة و لا تعرض لها لجانب الزيادة، فالمرجع حينئذٍ امّا صحيحة ابن المغيرة بناءً على شمولها للاستنجاء بغير الماء، أو الأصل بناءً على اختصاص الصحيحة به. و أمّا لو كان معنى الرواية هو عدم لزوم الزيادة كما ربّما يمكن أن يدّعى انّه الشائع في استعمال لفظ الاجزاء أو كان معناها انّ

الثلاثة تمام الموضوع بحيث لا يكفي أقلّ منها و لا تلزم الزيادة عليها فالرواية تدلّ على خلاف مطلوبهم كما هو ظاهر، كما انّه لو كانت الرواية ناظرة إلى نفي لزوم الغسل بالماء في الاستنجاء من الغائط فهي أجنبيّة عن الدلالة على المقام بمراحل. و لكن قد عرفت انّ الأظهر في معنى الرواية بحسب ما هو المتفاهم عند العرف هو الاحتمال الأوّل الذي مرجعه إلى أنّ الثلاثة أقلّ المجزئ من دون تعرّض لجانب الزيادة و انّه لا بدّ من استفادة حكم الزيادة من رواية اخرى و بدونها لا بدّ من الرجوع إلى الأصل. و يمكن أن يستأنس لحكم المقام بموثّقة أبي خديجة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار لأنّهم كانوا يأكلون البسر و كانوا يبعرون بعراً فأكل رجل من الأنصار الدبا فلانَ بطنه فاستنجى بالماء فبعث إليه النبي صلى الله عليه و آله قال:

فجاء الرجل و هو خائف يظنّ أن يكون قد نزل فيه شي ء يسوؤه في استنجائه بالماء فقال له: هل عملت في يومك هذا شيئاً؟ فقال: نعم يا رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله انّي و اللّٰه ما حملني على الاستنجاء بالماء إلّا انّي أكلت طعاماً فلانَ بطني فلم تغن عنّي الحجارة شيئاً فاستنجيت بالماء، فقال له رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: هنيئاً لك فإنّ اللّٰه عزّ و جلّ قد أنزل فيك آية فكنت أوّل التوّابين و أوّل المتطهّرين «1». و طريق

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الرابع و الثلاثون، ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 52

..........

______________________________

الاستيناس من وجهين: أحدهما: قوله عليه السلام: كان الناس يستنجون بثلاثة أحجار

لأنّهم كانوا يأكلون البسر، حيث إنّ ظاهره انّ الاكتفاء بالثلاثة إنّما هو لكونهم يأكلون البسر و لازمه حصول النقاء بها لعدم توقّفه على أزيد منها. ثانيهما: قوله أي الرجل الأنصاري: فلم تغن عنّي الحجارة شيئاً، من حيث إنّه لو كان الواجب في الاستنجاء هو استعمال الثلاثة و لو لم يحصل النقاء بها لم يكن وجه لعدم إغناء الحجارة، و ليس ذلك إلّا لكون المرتكز في أذهانهم إنّما هو لزوم الاستعمال إلى حدّ حصول النقاء، و هذا لا ينافي ما ذكرناه من عدم الاكتفاء بما دون الثلاثة لو حصل النقاء به كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّ ظاهر المتن بل صريحه انّه لا خصوصية للحجر في الاستنجاء بغير الماء بل يجوز التمسّح بكلّ جسم قالع صالح لإزالة النجاسة، و الظاهر انّه لا خلاف فيه، بل ادّعى الإجماع على جواز الاستنجاء بكلّ شي ء طاهر مزيل للنجاسة إلّا ما استثنى و هذا هو العمدة في مستند الجواز بعد عدم كون خصوصية الحجرية المستفادة من صحيحة زرارة المتقدّمة ملغاة بنظر العرف لاحتمال كونها دخيلة في حصول الطهارة أو ثبوت العفو. نعم قد يتمسّك للجواز بإطلاق «النقاء» الوارد في صحيحة ابن المغيرة المتقدّمة، و لكن الإنصاف كما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره- انّ الرواية متعرّضة لبيان حدّ الاستنجاء فقط و المقدار الذي يجب أن يستنجى إلى ذلك المقدار لا لبيان ما يستنجى به كما يشعر بذلك التعبير ب «الحدّ» و بكلمة «حتّى» كما في بعض نسخ الرواية، نعم لو ثبت الجواز بدليل آخر فالرواية تدلّ على وجوب التمسّح به إلى حدّ النقاء، و أمّا أصل الجواز فلا يكاد يثبت بها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 53

..........

______________________________

كما

انّه ربّما يتمسّك للجواز بصحيحة يونس بن يعقوب المتقدّمة و لكن قد عرفت أنّ الظاهر كونها مسوقة لبيان كيفية الوضوء في قبال العامّة، و التعرّض لغسل الذكر و إذهاب الغائط إنّما هو من باب المقدّمة، و عليه لا يمكن التمسّك بإطلاقها و الحكم بأنّ الواجب في باب الاستنجاء إنّما هو إذهاب الغائط بأيّ شي ء أمكن، فالعمدة في المستند ما عرفت من عدم الخلاف، بل الإجماع على عدم الفرق بين الحجر و غيره. بقي الكلام في هذه المسألة في الأمرين اللذين اعتبرهما الماتن دام ظلّه في ما يمسح به فنقول: الأوّل: الطهارة، فلا يجزي التمسّح بالنجس و لا بالمتنجّس قبل تطهيره، و لا بدّ من فرض الكلام فيما إذا لم يكن المحلّ رطباً تسري النجاسة ممّا يتمسّح به إليه أو انّ العين لم تصبه أصلًا كما إذا أصابت الغائط فقط و إلّا فاعتبار الطهارة واضح لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه، فالكلام إنّما هو في هذا الفرض و الدليل على اعتبار الطهارة فيه أيضاً مضافاً إلى الإجماع المدّعى و الارتكاز الثابت عند المتشرّعة على أن النجس و المتنجّس لا يكونان مطهّرين في الشريعة المطهّرة، بل و لا يوجبان العفو- صحيحة زرارة المتقدّمة بناءً على أن يكون قوله عليه السلام: و يجزيك من الاستنجاء ثلاثة أحجار، ناظراً إلى الصدر الذي يفيد اشتراط الصلاة بالطهارة، و متفرّعاً عليه، فإنّه حينئذٍ يكون بصدد بيان حصول الطهارة التي هي شرط للصلاة أو العفو المجوز للدخول فيها، و حينئذٍ فاللّازم بمقتضى التفريع صدق عنوان الطهور الذي هو بمعنى الطاهر في نفسه المطهّر لغيره على الأحجار المستعملة في الاستنجاء أيضاً كما يصدق على الماء المستعمل في غسل البول، و من الظاهر انّه

متوقّف على كونه طاهراً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 54

..........

______________________________

هذا و لكن الاستفادة من الصحيحة بهذه الكيفية خلاف ما هو المتفاهم منها عند العرف، بل ربّما يقال: إنّ عدم تقييد الأحجار بشي ء مع كونه في مقام البيان من هذه الجهة دليل على عدم مدخلية شي ء من القيود كما هو الشأن في جميع المطلقات. كما انّ موثقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن التمسّح بالأحجار فقال:

كان الحسين بن علي عليهما السلام يمسح بثلاثة أحجار «1».

تدلّ على عدم اعتبار شي ء زائد بتقريب انّ الجواب و إن كان مشتملًا على حكاية الفعل، و الفعل لا إطلاق له إلّا أنّه حيث تكون الحكاية لبيان الحكم الشرعي و كان المقصود منها بين الجواب عن السؤال فلو كان بعض القيود معتبراً في الأحجار لكان اللّازم ذكره و مع عدمه يستفاد عدم مدخلية شي ء آخر إلّا أن يقال: إنّ السؤال فيها إنّما هو عن أصل جواز التمسّح بالأحجار لا عن الكيفية و الخصوصيات المعتبرة فيه كما مرّ استظهاره سابقاً. و كيف كان فالعمدة في المقام هو الإجماع المدّعى بل المحقّق على اعتبار الطهارة فيما يتمسّح به بضميمة ما عرفت من ارتكاز المتشرّعة. الثاني: أن لا يكون فيه رطوبة سارية فلا يجزي التمسّح بالطين و لا الخرقة المبلولة، نعم لا تقدح النداوة التي لا تسري، و الدليل على اعتبار هذا الأمر انّه مع وجود الرطوبة المسرية يتنجّس المحلّ لا محالة و التمسّح إنّما يكفي في حصول الطهارة إذا لم يتنجّس المحلّ بغير الغائط من النجاسات و المتنجّسات لأنّ غاية ما يستفاد من الأدلّة الواردة في التمسّح هو الاكتفاء به في الاستنجاء من الغائط، و أمّا

لو فرض وجود نجاسة اخرى أو متنجّس و لو كان منشأ تنجّسه هذا الغائط بعينه فلا دليل على الاكتفاء به خصوصاً بعد ملاحظة الأخبار الواردة الدالّة على لزوم الغسل بالماء و سيأتي البحث عن هذه الجهة في المسألة السادسة. نعم مجرّد النداوة غير السارية لا تقدح لعدم الدليل على اعتبار اليبوسة فيما يتمسّح به، بل غايته عدم الرطوبة السارية الموجبة لتنجّس المحلّ كما عرفت.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الثلاثون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 55

مسألة 2- يجب في الغسل بالماء إزالة العين و الأثر

أعني الأجزاء الصغار التي لا ترى و في المسح يكفي إزالة العين، و لا يضرّ بقاء الأثر (1).

______________________________

(1) قد وقع التصريح في كلمات الأعلام بأنّه يجب في الاستنجاء بالماء إزالة العين و الأثر، و لا يجب في الاستنجاء بغير الماء إلّا إزالة العين فقط، و هذا الكلام مورد للاستشكال من وجهين: الوجه الأوّل: في المراد من الأثر الذي تجب إزالته في الغسل دون المسح. الوجه الثاني: الفرق بين المقامين من جهة اعتبار إزالة الأثر في الأوّل دون الثاني. أمّا الوجه الأوّل فنقول فيه: إنّه ربّما يقال كما انّه قد قيل بأنّ المراد بالأثر هو اللّون، و ربّما يناقش فيه بأنّه من الأعراض و لا يصدق عليه اسم العذرة حتّى يجب غسلها أيضاً. و لكن لا يخفى انّه ليس المراد باللون هو اللون الذي لا تجب إزالته في الغسل بالماء أيضاً نظراً إلى انّ لون الشي ء يعدّ مغايراً له عرفاً لا من أجزائه كما هو كذلك بنظر العقل نظير لون الدم الباقي على الثوب غير الزائل بغسله. بل المراد به هو اللون الذي يعدّ بنظر العرف أيضاً انّه من أجزاء العين

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 56

..........

______________________________

الزائلة و آثارها، و من شئونه انّه لو باشره الرجل بيده الرطبة لأحسّ فيه لزوجة و لصوقة، و من المعلوم انّ الغسل لا يتحقّق إلّا بإزالته و إن كان تحقّق النقاء بغير الماء لا يتوقّف عليها و لكن ذلك لا يخرجه عن كونه تتمّة للعين الزائلة و جزءاً لها. و بالجملة: حكمهم بوجوب إزالة العين و الأثر دليل على كون المراد بالأثر هو الذي يجب غسله لكونه جزءاً باقياً و إلّا فلا وجه لوجوب غسله أصلًا كما انّه لا يجب غسل لون الدم الباقي على الثوب بعد غسله بالنحو المتعارف في غسل الثوب المتنجّس بالدّم، و عليه فالأثر هنا يغاير اللون في المثال، و حينئذٍ فلا بدّ من أن يكون المراد من الأثر الذي لا تجب إزالته في الاستجمار هو هذا المعنى؛ إذ لا مجال لتوهّم الفرق بكون الأثر في الغسل يعدّ عذرة يجب غسله بخلافه في المسح فإنّه لا يعدّ بنظر العرف عذرة، لأنّ العرف و إن كان حاكماً بالفرق بين الغسل و المسح و انّ الأوّل لا يكاد يتحقّق إلّا بإزالة الأثر أيضاً دون الثاني إلّا انّه من الواضح انّه ليس ذلك مستنداً إلى كون شي ء واحد عذرة في مقام و غير عذرة في مقام آخر، فلا محيص من أن يقال: إنّ الأثر الباقي بعد الاستجمار هو ما يكون من أجزاء العذرة بحيث يجب غسله بالماء لو استنجى به. و قد انقدح ممّا ذكرنا انّ القائل بكون مراد القوم من الأثر هو اللون إن كان مراده باللون هو مثل اللون الباقي في مثال الثوب فالظاهر انّ مرادهم منه ليس ما ذكره، و إن كان

مراده منه ما ذكرنا فهو يرجع إلى ما أفاده الماتن دام ظلّه من كون المراد بالأثر هو الأجزاء الصغار التي لا ترى. و أمّا الوجه الثاني فالفارق بين الغسل و المسح في لزوم إزالة الأثر في الأوّل دون الثاني هو العرف كما عرفت؛ لأنّه و إن كان الأثر عبارة عن الأجزاء الصغار الباقية من العين إلّا انّه حيث يمكن إزالتها بالغسل و المفروض كونه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 57

..........

______________________________

تتمّة للعين الزائلة فلا مناص عرفاً من اعتبار إزالته، و أمّا في المسح الذي لا يكاد يكون المقصود به إلّا المسح على النحو المتعارف المعتاد، و من الواضح انّ المسح بهذه الكيفية لا يزيل الأثر بهذا المعنى فلا مجال من الالتزام بعدم اعتبار إزالته بعد قيام الدليل على أصل جواز التمسّح بدلًا عن الغسل، فالفارق هو العرف بعد ملاحظة الدليل على جواز كلا الأمرين. نعم هنا شي ء و هو انّ الأثر بالمعنى المذكور الذي لا تجب إزالته في المسح هل يكون طاهراً بعد تحقّق المسح حتّى يستلزم ذلك الالتزام بتخصيص عمومات نجاسة العذرة و إخراج هذا الفرد من حكمها، أو انّه ليس بطاهر بل عذرة معفو عنها في الصلاة و غيرها؟ و الالتزام بالتخصيص يتوقّف على وجود دليل يدلّ على طهارته إذ مجرّد جواز الصلاة معه أعمّ من الطهارة، و ليس في الأخبار ما يمكن أن يستشعر منه ذلك عدا صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه يجزي من الاستنجاء ثلاثة أحجار نظراً إلى أنّ الحكم بكفاية الأحجار في الاستنجاء من الغائط بعد نفي الصلاة إلّا بطهور ظاهر في أنّ المسح بالأحجار إنّما يؤثّر في حصول الطهارة المعتبرة في الصلاة المنتفية

عند عدمها خصوصاً مع ملاحظة ما مرّ من أنّ تطبيق عنوان الطهور على الأحجار المستعملة في الاستنجاء مع انّه عبارة عن الطاهر لنفسه و المطهر لغيره لا يتمّ إلّا على تقدير حصول الطهارة للمحلّ، و لكن قد عرفت انّه بعيد عمّا هو المتفاهم من الرواية عند العرف، بل التعبير بالاجزاء لو لم يكن قرينة على عدم حصول الطهارة فلا أقلّ من أن يكون مانعاً عن ظهوره في حصول الطهارة إلّا أن يقال: إنّ التعبير به إنّما هو بلحاظ العدد و انّ أقلّ المجزي هو الثلاثة المذكورة فيها. و كيف كان فالرواية غايتها إنّها مشعرة بذلك، و أمّا الدلالة فلا، و معه لا يجوز رفع اليد عن العمومات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 58

..........

______________________________

الدالّة على نجاسة العذرة. مع انّه يظهر من بعض الأخبار انّه لا تحصل الطهارة بالمسح بالأحجار بل يتوقّف حصولها على الغسل بالماء: كصحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر عن أبيه عن آبائه عليهم السلام انّ النبي صلى الله عليه و آله قال لبعض نسائه: مُري نساء المؤمنين أن يستنجين بالماء و يبالغن فإنّه مطهرة للحواشي و مذهبة للبواسير «1».

فإنّ ظاهرها انّ تطهير الحواشي و هو حواشي الدبر الذي هو عبارة عن حلقته يتوقّف على الاستنجاء بالماء و لا يحصل بالاستنجاء بغيره. و موثقة أبي خديجة المتقدّمة الواردة في الرجل الأنصاري الدالّة على نزول آية في شأنه و انّه هو أوّل التوّابين و أوّل المتطهّرين، فإنّه لو كان الاستنجاء بالأحجار أو بغيرها سوى الماء مؤثّراً في حصول الطهارة و لم يكن هناك فرق بين أقسام الاستنجاء من هذه الجهة لما كان وصف التطهّر مختصّاً بالرجل فضلًا عن أن

يكون أوّل المتطهّرين فتدبّر. و المحكي عنهم في المسألة قولان؛ و الظاهر عدم اتّصاف شي ء من القولين بالموافقة للمشهور و إن كان ربّما ينسب القول بالطهارة إلى ظاهر كلمات الأكثر إلّا انّه مضافاً إلى كونهم من المتأخّرين يعارضه ادّعاء بعضهم كالمحقّق و العلّامة- الإجماع على القول بالعفو كما هو المحكيّ عنهما، و على ما ذكر فينحصر مستند المسألة في النصوص الواردة، و قد عرفت انّه مضافاً إلى أنّ التخصيص يحتاج إلى الدليل و مع عدمه تبقى العمومات الواردة في نجاسة الغائط على حالها يكون ظاهر الأخبار أيضاً ذلك فلا محيص عن القول بالعفو، و عليه فاللازم الاقتصار على خصوص الأحكام و الآثار التي عفى عنها بمقتضى الدليل لأنّه لم يرد نصّ بهذا اللفظ حتّى يدّعى ظهوره في العموم بالإضافة إلى جميع أحكام النجاسة، بل هو مقتضى الجمع بين تلك العمومات و بين الأدلّة الواردة في بعض الموارد الدالّة على معاملة الطهارة معها فيه؛ كصحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في الصلاة و انّه لا تتحقّق إلّا بالطهور، فتجب متابعتها و عدم التعدّي عنها إلى الموارد الخالية عن الدليل كما لا يخفى.

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب التاسع، ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 59

مسألة 3- إنّما يكتفى بالمسح في الغائط إذا لم يتعد المخرج

على وجه لا يصدق عليه الاستنجاء، و أن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج حتّى إذا خرج مع الغائط نجاسة اخرى كالدم يتعيّن الماء (1).

______________________________

(1) لا إشكال بل لا خلاف في عدم اجزاء غير الماء في صورة التعدّي عن المخرج بعد عدم صدق الاستنجاء عليه و اختصاص أدلّة جواز التمسّح بالاستنجاء كما عرفت في مثل رواية زرارة المتقدّمة إنّما الكلام في المراد من المخرج بعد وضوح

انّه لا يكون المراد ظاهره الذي هو عبارة عن الموضع الذي يخرج منه الغائط ضرورة انّه بناء عليه ينحصر مورد الاستنجاء بغير الماء من الأحجار و شبهها بما إذا خرج الغائط نحو خروج البعرة، و هو مستلزم لرفع اليد عن الأخبار الكثيرة الواردة في الاستنجاء بغير الماء، مع انّ كثيراً منها صادر من الصادقين عليهما السلام. و من المعلوم انّ أغذية نوع الناس لم تكن في ذلك الزمان منحصرة بالبسر كما في صدر الإسلام و ما قبله على ما تدلّ عليه الرواية العامّية المتقدّمة عن علي عليه السلام انّه قال:

إنّكم كنتم تبعرون بعراً... خصوصاً مع كون أكثر الرواة من أهل الكوفة، و حال الكوفة في ذلك الزمان معلوم.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 60

..........

______________________________

و بالجملة لا ينبغي الارتياب في أنّه لا يكون مرادهم من لفظ «المخرج» ما هو ظاهره بحسب اللغة، و من هنا اختلفت عباراتهم في تفسيره و بيان المراد منه.

و الذي يوافقه التحقيق في المراد من هذا اللفظ ما يظهر من السيّد قدس سره في «الانتصار» حيث قال في مقام الردّ على العامّة الطاعنين على فقهائنا الإمامية (رض) القائلين بالفرق بين البول و الغائط بجواز الاستجمار في الثاني دون الأوّل و انّه لا يكفي فيه إلّا الغسل، و بيان الفرق بينهما: «و يمكن أن يكون الوجه في الفرق بين نجاسة البول و نجاسة الغائط انّ الغائط قد لا يتعدّى المخرج إذا كان يابساً، و يتعدّى إذا كان بخلاف هذه الصفة، و لا خلاف في انّ الغائط متى تعدّى المخرج فلا بدّ من غسله بالماء لأنّه مائع جار و لا بدّ من تعدية المخرج و هو في وجوب تعدّيه

له أبلغ من رقيق الغائط فوجب فيه ما وجب فيما يتعدّى المخرج من مائع الغائط و لا خلاف في وجوب غسل ذلك». و ظاهره انّ المراد بالغائط المتعدّي الذي لا يجزي فيه إلّا الغسل هو الذي له نحو من الميعان و الجريان نظير البول الذي يسري إلى أطراف المخرج، فكما انّه يتعيّن الغسل بالماء في الثاني يتعيّن في الأوّل أيضاً مع انّ البول في التعدّي أبلغ من رقيق الغائط فيصير المراد انّه إذا تعدّى عن محلّ العادة لا يكفي فيه إلّا الغسل فيوافق مع ما رواه الجمهور عن علي عليه السلام ممّا تقدّم. و بالجملة: فالظاهر أنّ مرادهم بالمخرج محلّ العادة فإذا تجاوز و تعدّى عنه كما فيمن لانَ بطنه و نظائره فلا تجزي الأحجار و نظائرها، و يؤيّده ما عرفت من انّه لو كان حدّ الاستنجاء الذي يجوز بالاستجمار أقلّ من ذلك يلزم طرح أخبار الاستنجاء بغير الماء خصوصاً مع ملاحظة تعارفه في ذلك الزمان على ما يستفاد منها. ثمّ إنّ الحكم في صورة التعدّي عن المخرج بالمعنى المذكور هل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 61

..........

______________________________

هو وجوب غسل خصوص المقدار الذي تعدّى أو وجوب غسل المجموع؟ و الظاهر هو الثاني كما يظهر من استثنائهم صورة التعدّي عن أدلّة جواز الاستنجاء بالأحجار و إن كان يمكن توجيه الأوّل بأنّ الاستثناء إنّما هو بملاحظة خروجه عن صدق الاستنجاء و من الظاهر أنّ الخروج عن صدقه إنّما يختص بالمقدار المتعدّى و لا وجه لخروج غير ذلك المقدار عن هذا العنوان و مع ذلك فظاهر كلماتهم هو الثاني. ثمّ إنّه لو شكّ في التعدّي عن الحدّ الذي يجوز الاستجمار إلى ذلك الحدّ

فإن كانت الشبهة موضوعية فالأصل عدمه لو قلنا بجريان الأصل في اعدام موضوعات الأحكام و إلّا فالمرجع هو استصحاب النجاسة أو حكمها، كما انّ المرجع هو الاستصحاب لو كانت الشبهة حكمية كما لا يخفى وجهه. بقي الكلام في اعتبار أن لا يكون في المحلّ نجاسة من الخارج، بل لا يكون الغائط مشتملًا على نجاسة اخرى كالدم مثلًا و الوجه في اعتبار الأوّل واضح لأنّ الأخبار الواردة في كفاية التمسّح و الاجتزاء به مكان الغسل إنّما دلّت على الجواز فيما إذا تنجّس المحلّ بالغائط الخارج منه، و أمّا إذا تنجّس بغيره أيضاً من نجاسة خارجية فلم يدلّ دليل على الكفاية فيه أيضاً لو لم نقل بقيام الدليل على عدمها و هو ما يدلّ على تعيّن الغسل بالماء في مثل الدم و شبهه، و منه يظهر الوجه في اعتبار الثاني أيضاً ضرورة أن مورد الأخبار جواز التمسّح في الاستنجاء من الغائط لا منه و من شي ء آخر خرج منه، و لا فرق فيما ذكرنا بين القول بتنجّس المحلّ بالنجاسة الخارجية أو بما خرج مع الغائط و بين القول بعدمه لأنّه على التقدير الثاني و إن لم يكن هناك تنجّس جديد إلّا أنّ تبدّل حكم المحلّ بملاقاتها بعد ثبوت الأثر الزائد لها ممّا لا يكاد ينكر و هذا كما في مثل المتنجّس بالدم الملاقي للبول فإنّه لا محيص فيه من اعتبار التعدّد و إن كان الدم لا يحتاج إليه أصلًا فلا فرق بين التقديرين في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 62

مسألة 4- يحرم الاستنجاء بالمحترمات،

و كذا بالعظم و الروث على الأحوط، و لو فعل فحصول الطهارة محلّ إشكال، خصوصاً، في العظم و الروث، بل حصول

الطهارة مطلقاً حتّى في الحجر و نحوه محلّ إشكال، نعم لا إشكال في العفو عن غير ما ذكر (1).

______________________________

(1) امّا حرمة الاستنجاء بالمحترمات كالكتب المقدّسة المحترمة فلاستلزام الاستنجاء بها الهتك المحرّم، بل ربّما يوجب الارتداد و الكفر كما هو ظاهر. و أمّا حرمة الاستنجاء بالعظم و الرّوث فلأنّها متسالم عليها عند الأصحاب و عن غير واحد دعوى الإجماع عليها، نعم حكى التردّد فيه عن العلّامة قدس سره في التذكرة مع انّه ادّعى الإجماع على المنع في بعض كتبه الآخر، و الأخبار الكثيرة الواردة في هذا الباب و إن كان كلّها غير نقيّ السند إلّا أنّ الشهرة العظيمة بل الإجماع يكفي في انجبار ضعفها. نعم وقع الكلام في انّه إذا عصى و استنجى بشي ء من المذكورات فهل لا يتحقّق الأثر المترتّب على الاستنجاء من الطهارة أو العفو أم لا يكون في البين إلّا مجرّد عصيان و مخالفة نهي تحريمي من دون أن يكون مستلزماً للفساد بمعنى عدم ترتّب الأثر المترقّب عليه. و لا بدّ في استكشاف حصول الطهارة أو العفو و عدم حصوله أوّلًا: من ملاحظة انّ الدليل الوارد في الاستنجاء بغير الماء هل يشمل الاستنجاء بالمذكورات أم لا؟

و ثانياً: من ملاحظة أنّه على تقدير الشمول هل الدليل الدالّ على تحريم الاستنجاء بها يدلّ على الفساد أم لا؟

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 63

..........

______________________________

أمّا الجهة الاولى فقد عرفت انّ عمدة الدليل على التعدّي عن الأحجار الواردة في مثل صحيحة زرارة المتقدّمة هو الإجماع على جواز التمسّح بغير الأحجار أيضاً و إلّا فصحيحة ابن المغيرة و رواية يونس المتقدّمتان لا دلالة لهما على هذه الجهة بوجه، فالعمدة هو الإجماع و حينئذٍ نقول:

إنّ القدر المتيقّن من الإجماع على التعدّي عن الأحجار غير الاستنجاء بالمحترمات و كذا بالعظم و الرّوث، فالاستنجاء بشي ء من المذكورات لم يقم دليل على الاكتفاء و الاجتزاء به فلا وجه لحصول الطهارة به أو العفو. و أمّا الجهة الثانية فعلىٰ فرض الشمول نقول: إنّ الاستنجاء بالمحترمات لا يكون النهي عنه إلّا نهياً تكليفياً نفسياً و القول بفساده يبتني على دعوى الملازمة بين الفساد و الحرمة و لكنّها ممنوعة جدّاً فإنّ الملازمة بين الحرمة و الفساد إنّما هي فيما إذا كانت الحرمة متعلّقة بالعبادات لا بالمعاملات بالمعنى الأعمّ كما حقّق في الاصول، و عليه فإذا تحقّق منه العصيان و استنجى بشي ء من المحترمات فالاستنجاء صحيح و يترتّب عليه الأثر المترقّب من الطهارة أو العفو. و أمّا الاستنجاء بالعظم و الرّوث فقد عرفت انّه ورد فيه روايات و عمدتها رواية ليث المرادي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن استنجاء الرجل بالعظم أو البعر أو العود قال: امّا العظم و الرّوث فطعام الجنّ و ذلك ممّا اشترطوا على رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله فقال: لا يصلح بشي ء من ذلك «1». و ظاهر السؤال هو السؤال عن الجواز الوضعي و انّ الاستنجاء بشي ء من المذكورات هل يؤثّر في ترتّب الأثر المقصود أم لا، و ظاهر الجواب مع قطع النظر عن حديث الجنّ عدم صلاحيتها

______________________________

(1) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الخامس و الثلاثون، ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 64

..........

______________________________

لذلك الظاهر في عدم ترتّب الأثر عليه إلّا انّه مع ملاحظة ذلك الحديث ظاهره الكراهة التكليفية غير الملازمة مع الفساد بوجه، و لذا استفاد صاحب الوسائل قدس سره

من هذه الرواية و شبهها مجرّد الكراهة و جعل عنوان الباب كراهة الاستنجاء بالعظم و الروث، و عليه فيتحقّق الإشكال في أصل الحكم بالحرمة على تقدير كون المستند هي الروايات المنجبرة بالشهرة فإنّ الانجبار إنّما هو بالإضافة إلى السند، و أمّا من جهة الدلالة فلا وجه للانجبار، بل هي منوط باجتهاد الناظر و قد عرفت انّه لا دلالة لها إلّا على مجرّد الكراهة خصوصاً مع اشتمال رواية ليث على ذكر العود أيضاً و الظاهر انّه لا قائل بالتحريم فيه. ثمّ إنّه لو قطع النظر عن الروايات الواردة و استند في الحكم بالحرمة إلى نفس الإجماع و الشهرة يتوجّه الإشكال من ناحية اخرى و هو انّ كلمات المجمعين مختلفة لظهور بعضها في الحرمة التكليفية و عدم التعرّض للحرمة الوضعية، بل صرّح بعضهم بنفيها و انّ المعصية لا يوجب الفساد و ظهور البعض الآخر في الحرمة الوضعية و عدم التعرّض للتكليفية بل التصريح بعدمها، و حينئذٍ فإن قلنا بأنّ مستند المجمعين لا يكون إلّا تلك الروايات الواردة في الباب فالإجماع يخرج عن الاصالة و لا يكون حجّة مستقلّة، بل اللّازم ملاحظة الروايات و قد عرفت عدم ظهورها في شي ء من الأمرين، و إن قلنا بأنّ مستندهم شي ء آخر غير الروايات- و إن كان هذا الاحتمال بعيداً جدّاً فهل يتحقّق لنا علم إجمالي بثبوت واحد من التكليفين في الواقع أو انّ اختلافهم يكشف عن الشكّ في أصل ثبوت تحريم واقعي و لا يتحقّق لنا علم إجمالي أصلًا؟ الظاهر هو الثاني و إن كان الاحتياط لا ينبغي أن يترك خصوصاً في الحرمة التكليفية فتدبّر. ثمّ إنّ استشكال المتن في حصول الطهارة حتّى في مثل الحجر مبني على ما تعرّضنا

له في ذيل المسألة المتقدّمة من انّ أخبار الاستنجاء بغير الماء هل يستفاد منها حصول الطهارة كالغسل بالماء أو انّ مقتضى الجمع بينها بعد عدم دلالتها على حصول الطهارة في نفسها و بين عمومات نجاسة الغائط هو الالتزام بالعفو فراجع.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 65

مسألة 5- لا يجب الدلك باليد في مخرج البول،

نعم لو احتمل خروج المذي معه فالأحوط الدلك (1).

______________________________

(1) امّا عدم وجوب الدلك باليد مع عدم خروج المذي و عدم احتماله أيضاً فلأنّه لا حاجة إليه بعد زوال البول بمجرّد الغسل أو الصبّ و إن شئت قلت: إطلاق الأمر بالغسل أو الصبّ يقتضي عدم وجوبه. و أمّا وجوبه الاحتياطي مع احتمال خروج المذي المانع من وصول الماء إلى البشرة فلاحتمال وجود الحاجب و المانع عن وصوله إليها و قد تقرّر في محلّه انّ أصالة عدم المانع لا يترتّب عليها أثر شرعي إلّا على القول باعتبار الاصول المثبتة، كما انّ دعوى ثبوت السيرة من المتشرّعة قديماً و حديثاً على عدم الاعتناء باحتمال وجود الحاجب أيضاً مدفوعة بعدم ثبوتها بحيث يكشف عن رضى المعصوم بذلك، بل يمكن أن يقال بكون مورد السيرة هي صورة الاطمئنان بالعدم أو الغفلة عن الوجود بالكلّية فتدبّر. و كيف كان فمع احتمال وجود الحاجب لا يحصل العلم بوصول الماء إلى البشرة المتنجّسة و مع عدمه لا يكاد يتحقّق إحراز الموافقة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 67

فصل في الاستبراء

اشارة

و كيفيته على الأحوط الأولى أن يمسح بقوّة ما بين المقعد و أصل الذكر ثلاثاً ثمّ يضع سبّابته مثلًا تحت الذكر و إبهامه فوقه، و يمسح بقوّة إلى رأسه ثلاثاً ثمّ يعصر رأسه ثلاثاً، فإذا رأى بعده رطوبة مشتبهة لا يدري انّها بول أو غيره فيحكم بطهارتها و عدم ناقضيتها للوضوء لو توضّأ قبل خروجها بخلاف ما إذا لم يستبرأ فإنّه يحكم بنجاستها و ناقضيتها، و هذا هو فائدة الاستبراء، و يلحق به في الفائدة المزبورة على الأقوى طول المدّة و كثرة الحركة بحيث يقطع بعدم بقاء شي ء في المجرى و

ان البلل المشتبه نزل من الأعلى فيحكم بطهارته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 68

و عدم ناقضيته (1).

..........

______________________________

(1) الظاهر انّ الاستبراء الذي وردت فيه روايات لا يكون متعلّقاً لحكم وجوبي أو استحبابي لعدم كونه شرطاً لحصول الطهارة و عدم قيام دليل على استحبابه و الأخبار الواردة فيه مفادها الإرشاد و بيان ما يتخلّص به عن انتقاض الوضوء بالبلل المشتبه و عروض النجاسة للبدن أو الثوب أيضاً، فالغرض هو التخلّص عن ذلك و الفرار عن الابتلاء بما ذكر من زوال الطهارة الحدثية أو عروض النجاسة الخبثية و لا دلالة لشي ء منها على استحبابه بعنوانه، و لو حصلت الفائدة المزبورة من غير طريق الاستبراء كطول المدّة و كثرة الحركة يكفي في تحقّق المرشد إليه فالاستبراء بعنوانه لا يكون متعلّقاً للوجوب الشرطي و لا للاستحباب النفسيّ. و أمّا كيفيّته المؤثِّرة في حصول الفائدة المذكورة فقد اختلفت كلماتهم في عدد المسحات المعتبرة فيه فذهب المشهور كما في المتن إلى اعتبار أن تكون المسحات تسعاً، و عن جماعة من الأصحاب كفاية الستّ بالمسح من مخرج النجو إلى أصل القضيب ثلاثاً و ينتره ثلاثاً، و عن المفيد قدس سره في «المقنعة» انّه يمسح باصبعه الوسطى تحت انثييه إلى أصل القضيب مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ثمّ يضع مسبحته تحت القضيب و إبهامه فوقه و يمرّهما عليه باعتماد قوى من أصله إلى رأس الحشفة مرّة أو مرّتين أو ثلاثاً ليخرج ما فيه من بقيّة البول، و الظاهر منه عدم اعتبار العدد أصلًا و المدار على الاطمئنان بالنقاء. و عن علم الهدى و ابن الجنيد 0 انّ المسحات المعتبرة في الاستبراء ثلاث و هو بأن ينتر الذكر من أصله

إلى طرفه ثلاثاً. و منشأ الاختلاف هو اختلاف الروايات المتعدّدة الواردة في المقام: منها: رواية عبد الملك بن عمر، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول ثمّ يستنجي ثمّ يجد بعد ذلك بللًا قال: إذا بال فخرط ما بين المقعدة و الانثيين ثلاث

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 69

..........

______________________________

مرّات و غمز ما بينهما ثمّ استنجى فإن سال حتّى يبلغ السوق فلا يبالي «1».

و منها: رواية حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يبول قال:

ينتره ثلاثاً ثمّ إن سال حتّى يبلغ السّوق فلا يبالي «2».

و منها: رواية صحيحة أو حسنة لمحمد بن مسلم قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام:

رجل بال و لم يكن معه ماء؟ قال: يعصر أصل ذكره إلى طرفه ثلاث عصرات و ينتر طرفه فإن خرج بعد ذلك شي ء فليس من البول و لكنّه من الحبائل «3».

و الكلام في مفاد هذه الروايات تارة من جهة عدد المسحات المعتبرة في الاستبراء و اخرى من حيث الترتيب و انّه هل لها دلالة على اعتباره أم لا؟ امّا من الجهة الاولى فربّما يقال: بأنّ القاعدة تقتضي الاكتفاء بكلّ ما ورد في النصوص لاستبعاد تقييد بعضها ببعض، كما انّه قد اجيب عنه بأنّه لا مانع من تقييد المطلق منها بالمقيّد كسائر الموارد المشتملة على المطلق و المقيّد، و عليه فمقتضى القاعدة تقييد رواية عبد الملك الدالّة على كفاية التمسّح بما بين المقعدة و الانثيين ثلاثاً و غمز ما بينهما برواية حفص الدالّة على اعتبار مسح القضيب ثلاثاً، كما انّ مقتضاها تقييد رواية حفص برواية محمد بن مسلم المشتملة على مسح الحشفة ثلاثاً أيضاً، و يتحصّل من

ذلك انّ المعتبر في الاستبراء تسع مسحات كما هو المشهور. نعم ذكر في الجواهر: انّ الضمير في قوله عليه السلام- ما بينهما في رواية عبد الملك يرجع إلى المقعدة و الانثيين مع انّ غمز ما بينهما لم يقل أحد بوجوبه فلا مناص من طرحه مع انّ الظاهر انّ الضمير يرجع إلى الانثيين و المراد من ما

______________________________

(1) الوسائل: أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث عشر، ح- 2.

(2) الوسائل: أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث عشر، ح- 3.

(3) الوسائل: أبواب أحكام الخلوة الباب الحادي عشر، ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 70

..........

______________________________

الموصولة هو القضيب باعتبار وقوعه بين الانثيين فهو كناية عن الذكر و لم يصرّح به حياءً، و المراد من غمز الذكر هو عصره و مسحه بقوّة. نعم قد عرفت انّ إطلاقها يقيد برواية حفص الدالّة على مسح القضيب ثلاثاً بعد رجوع الضمير فيها إلى البول المستفاد من كلمة «يبول» في السؤال. بل ربّما يقال: بأنّه يستفاد من نفس رواية حفص اعتبار تسع مسحات نظراً إلى أنّ معنى «ينتره» انّه يجذب البول، و انجذاب البول المتخلّف في الطريق لا يتحقّق بعصر نفس القضيب لأنّ الاختبار أقوى شاهد على أنّ المتخلّف من البول بين المقعدة و أصل القضيب أكثر من المتخلّف في القضيب بحيث لو عصرت ما بينهما لرأيت انّ البول يتقاطر من القضيب بأزيد ممّا يخرج في مسح القضيب. و عليه فالرواية تدلّ على اعتبار عصر ما بين المقعدة و نهاية القضيب و جذب البول المتخلّف فيما بينهما ثلاثاً، و ما بين المقعدة و نهاية الذكر قطعات ثلاث و هي ما بين المقعدة و الانثيين و القضيب و الحشفة و مسح كلّ

منها ثلاثاً يبلغ التسع. بل ربّما يقال باستفادة ذلك من رواية محمد بن مسلم أيضاً؛ لأنّ أصل الذكر الوارد في الرواية ظاهره العروق التي يقوم عليها الذكر و لم يرد به آخر القضيب، كما انّ أصل الشجر يطلق على العروق المنشعبة المتشتّتة تحت الأرض و هي التي يقوم بها الشجر، و هذه العروق هي الكائنة فيما بين المقعدة و الانثيين، و عليه فالرواية تدلّ على اعتبار المسح فيما بين المقعدة و طرف الذكر ثلاث مرّات، و قد يتوهّم انّ قوله عليه السلام: و ينتر طرفه، لا دلالة له على نتر الطرف ثلاثاً و لكنّه يندفع بأنّه لم يرد بهذا القول ان مسح أصل الذكر مغاير مع نتر طرفه بل الظاهر انّه أراد المسح من أصل الذكر إلى نهايته ثلاث مرّات و دفعاً لتوهّم عدم اعتبار نتر الحشفة أضاف هذا القول.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 71

..........

______________________________

أقول: أمّا ما افيد في معنى رواية حفص ففيه انّ الظاهر رجوع الضمير إلى البول بمعنى الذكر و القضيب لا البول في مقابل الغائط، و معنى النتر على ما في اللغة هو المدّ و المسح و يدلّ عليه إضافة النتر إلى الطرف رواية محمد بن مسلم، و عليه فلا دلالة لرواية حفص إلّا على اعتبار مسح القضيب و مدّه و لا دلالة لها على اعتبار مسح ما بين المقعدة و الانثيين. كما انّ ما افيد في معنى رواية محمد بن مسلم مخدوش مضافاً إلى ظهور كون قوله عليه السلام: و ينتر طرفه، في أنّه في مقام إفادة أمر زائد على ما تدلّ عليه الجملة الاولى لا في مقام دفع توهّم عدم اعتبار نتر الحشفة بأنّ

كلمة «الأصل» قد تستعمل في مقابل نفس الشي ء كما يقال أصل الشجر في مقابل نفس الشجر. و من الواضح انّ المراد به حينئذٍ هي العروق التي يقوم عليها الشي ء و تكون مغايرة لنفس ذلك الشي ء، و قد تستعمل في مقابل بعض أجزاء الشي ء، و عليه فلا مجال لأن يكون خارجاً عن نفس الشي ء كما في المقام فإنّ كلمة الأصل قد استعملت في مقابل الطرف الذي هو جزء من الذكر و لا وجه لأن يكون الأصل- حينئذٍ- خارجاً عن أجزائه أصلًا خصوصاً مع ملاحظة عدم وضوح كون أصل الذكر هي العروق الكائنة فيما بين المقعدة و الانثيين لأكثر الناس بل كثيرهم فكيف يكون متعلّقاً للحكم الشرعي؟ و بالجملة: لا خفاء في انّ المراد بأصل الذكر ما يقابل طرفه الذي يكون المراد به هي الحشفة. و على ما ذكرنا ينقدح انّه لا دلالة لشي ء من الروايات على اعتبار عصر الحشفة ثلاث مرّات إلّا أن يقال بدلالة رواية حفص عليه نظراً إلى ظهورها في اعتبار نتر مجموع الذكر كذلك فتدبّر. و كيف كان فالظاهر انّ مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة التي عرفتها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 72

..........

______________________________

هو ما ذهب إليه المشهور من اعتبار تسع مسحات و لا مجال لدعوى الاكتفاء بكلّ ما ورد فيها. و أمّا الجهة الثانية فظاهر المتن ككثير من العبارات اعتبار الترتيب في المسحات التسع المتقدّمة. و أقول: امّا اعتباره بمعنى كون الشروع ممّا بين المقعدة و الانثيين و الختم بالحشفة التي عبّر عنها بطرف الذكر في رواية محمد بن مسلم فممّا لا إشكال فيه بداهة أنّ ما عدا هذا الفرض من سائر الفروض لا يتحقّق به الغرض

الذي قد فهم العرف من الروايات انّه قد جعل الاستبراء لأجل حصوله و هو خروج بقايا البول عن المجرى و زوالها منه كما لا يخفى. و أمّا اعتبار الترتيب بمعنى تقدّم جميع المسحات الثلاثة الاولى على المسحات الثلاثة الثانية و هكذا بحيث لم يجز المسح ممّا بين المقعدة إلى الانثيين و من أصل الذكر إلى طرفه و مسح الطرف مرّة ثمّ تكراره ثانياً و ثالثاً فهو أيضاً يستفاد من التأمّل في الروايات بلحاظ ظهور رواية عبد الملك في تقدّم المسحات الثلاثة المرتبطة بما بين المقعدة و الانثيين على غمز ما بين الانثيين و إن كان العطف بالواو لا يقتضي الترتيب إلّا انّ ذكر العدد قبل الغمز ظاهر عرفاً في تأخّره عن الثلاث، غاية الأمر عدم دلالة الرواية على اعتبار كون الغمز ثلاثاً و لكن الدليل على اعتباره هو رواية حفص الدالّة على اعتبار النتر ثلاثاً، و أمّا الترتيب بين مسح القضيب و نتر الحشفة الذي هو طرف الذكر فالدليل عليه هي رواية محمد بن مسلم بناءً على ما استفدنا منها فاعتبار الترتيب مستفاد من الروايات بالنحو المذكور. ثمّ إنّ الحكم على الاستبراء بالكيفية المذكورة بأنّه الأحوط الأولى كما في المتن- إن كان بلحاظ الجهتين المذكورتين جميعاً من العدد و الترتيب فالظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 73

..........

______________________________

خلافه لما عرفت من استفادة اعتبار العدد من الروايات، و إن كان بلحاظ خصوص الترتيب الذي هي الجهة الثانية منهما فيمكن موافقته بلحاظ عدم ظهور الروايات فيه ظهوراً عرفياً كظهورها في أصل اعتبار العدد و إن كان التأمّل فيها يقتضي ذلك كما عرفت. ثمّ إنّك عرفت انّ الاستبراء لا يكون محكوماً بالوجوب الشرطي

و لا بالاستحباب النفسي، بل فائدته طهارة البلل المشتبه الخارج بعده و الدليل عليه نفي البأس عنه بعد الاستبراء في رواية عبد الملك و رواية حفص و الحكم بعدم كونه من البول بعده في رواية محمد بن مسلم و مفادها ثبوت البأس و البولية قبل تحقّق الاستبراء تقديماً للظاهر على الأصل فإنّ مقتضى قاعدة الطهارة و إن كان هي الطهارة في البلل المشتبه مطلقاً إلّا أنّ الظاهر كونه من بقايا البول المتخلّف في المجرى فيما إذا لم يتحقّق الاستبراء و قد قدّم الشارع في المقام بمقتضى الروايات الظاهر على الأصل و حكم بكونه بولًا قبل الاستبراء و عدم كونه كذلك بعده. نعم صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: من اغتسل و هو جنب قبل أن يبول ثمّ يجد بللًا فقد انتقض غسله، و إن كان بال ثمّ اغتسل ثمّ وجد بللًا فليس ينقض غسله و لكن عليه الوضوء لأنّ البول لم يدع شيئاً «1». ظاهرة في ناقضية الوضوء و لو مع الاستبراء أيضاً، إلّا أن يقال بمنع ظهورها في ذلك، بل ظاهره عدم تحقّق الاستبراء. و على تقدير الإطلاق فاللّازم تقييدها بسبب روايات المقام الظاهرة في عدم ترتّب الأثر عليه بعد الاستبراء، و مثلها موثّقة سماعة: فإن كان بال قبل أن يغتسل فلا يعيد غسله و لكن يتوضّأ و يستنجي «2».

______________________________

(1) الوسائل: أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث عشر، ح- 5.

(2) الوسائل: أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث عشر، ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 74

..........

______________________________

ثمّ إنّ صاحب الحدائق قدس سره قد تعجّب من حكمهم بنجاسة البلل المشتبه حيث قال في الكلام على الماء الطاهر المشتبه

بالنّجس: «إنّ العجب منهم نوّر اللّٰه مراقدهم- فيما ذهبوا إليه هنا من الحكم بطهارة ما تعدّى إليه هذا الماء مع اتّفاقهم ظاهراً في مسألة البلل المشتبه الخارج بعد البول و قبل الاستبراء على نجاسة ذلك البلل و وجوب غسله، إلى أن قال: و المسألتان من باب واحد». و أجاب عنه شيخنا الأنصاري قدس سره: بأنّ نجاسة البلل المشتبه الخارج قبل الاستبراء إنّما استفيدت من أمر الشارع بالطهارة عقيبه من جهة استظهار انّ الشارع جعل هذا المورد من موارد تقديم الظاهر على الأصل فحكم بكون الخارج بولًا لا انّه أوجب خصوص الوضوء بخروجه، و قال: إنّ بذلك يندفع تعجّب صاحب الحدائق قدس سره من حكمهم بعدم النجاسة فيما نحن فيه أي في ملاقى بعض أطراف الشبهة و حكمهم بها في البلل مع كون كلّ منهما مشتبهاً. و زاد عليه بعض الأعلام انّ ظاهر قوله عليه السلام: و يستنجي، في موثّقة سماعة المتقدّمة انّ الشارع إنّما حكم بذلك لأجل انّ البلل الخارج وقتئذ بول ناقض للوضوء إذ لو لا كونه بولًا نجساً لم يكن وجه لأمره عليه السلام بعده بالاستنجاء لوضوح انّ مجرّد غسل الذكر من غير بول لا يسمّى استنجاء بوجه، هذا مضافاً إلى انّ نواقض الوضوء محصورة فإذا حكمنا على البلل بالناقضية استكشف من ذلك انّه بول لا محالة إذ لا ينطبق شي ء منها على البلل سوى البول، فالبوليّة و الناقضية متلازمتان في البلل و هذا بخلاف البلل الخارج بعد الاستبراء، و من هنا قيّدنا صحيحة محمد بن مسلم و موثّقة سماعة المتقدّمتين بما إذا خرج قبل الاستبراء. أقول: لا حاجة إلى سلوك هذا الطريق غير الخالي عن المناقشة كما تظهر

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 75

..........

______________________________

بالتأمّل بعد دلالة رواية محمد بن مسلم الواردة في المقام على كون البلل الخارج بعد الاستبراء لا يكون من البول و ظاهره كون الخارج قبله من البول. و من الواضح انّ البول له حكمان: النجاسة و الناقضية للوضوء، فدعوى عدم اشتمال روايات المقام على كون البلل المشتبه بولًا أو نجساً كما قد صرّح به بعد كلامه المتقدّم ممّا لا يساعده النظر في الروايات كما عرفته، فالأقوى ترتّب النجاسة مضافاً إلى الناقضية أيضاً و لا يبقى موقع لتعجّب صاحب الحدائق بعد دلالة الدليل على ثبوت البولية في المقام. ثمّ إنّه ظهر انّ الاستبراء على ما يظهر من التدبّر في الروايات فائدته تنقية الطريق و المجرى من بقايا البول و الرطوبة البولية المتخلّفة فيه، و عليه فلا يكون له خصوصية و موضوعية، فلو حصلت الفائدة المذكورة من غير طريق الاستبراء، بل بطريق آخر كطول المدّة و كثرة الحركة فاللّازم ترتّب أثر الاستبراء عليه فلا يحكم على البلل المشتبه حينئذٍ بالنجاسة و الناقضية، بل يبقى تحت قاعدة الطهارة و مثلها ممّا يحكم بالطهارة و بعدم حدوث الناقض و بقاء الوضوء. نعم الفرق بين الاستبراء و بين غيره ممّا يشترك معه في حصول الفائدة المذكورة و ترتّب الأثر المقصود انّه لا يعتبر في الاستبراء حصول القطع بعدم بقاء شي ء من تلك الرطوبات في المخرج لدلالة الروايات على كون الاستبراء بالكيفية المذكورة مترتّباً عليه الأثر المذكور من دون تقييد بما إذا حصل له القطع بالعدم، و أمّا غير الاستبراء ممّا يقوم مقامه و يلحق به فالظاهر انّه يعتبر فيه القطع بحصول النقاء للمجرى و عدم كون البلل الموجود الخارج من الرطوبات البولية المتخلّفة

في المجرى ضرورة انّه بدونه يكون مقتضى الروايات ترتّب حكم البول عليه لفرض عدم تحقّق الاستبراء بوجه، فالفرق بين الأمرين عدم اعتبار حصول القطع في الاستبراء و اعتبار حصوله في غيره، و عليه فاحتمال البولية إنّما ينشأ من احتمال كون الخارج قد نزل من الأعلى، و أمّا في الاستبراء فيجتمع مع احتمال كونه من بقايا الرطوبات المتخلّفة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 76

مسألة 1- لا تلزم المباشرة فيكفي ان باشره غيره كزوجته أو مملوكته (1).

مسألة 2- إذا شكّ في الاستبراء يبني على عدمه،

و لو مضت مدّة و كان من عادته. نعم لو استبرأ و شكّ بعد ذلك انّه كان على الوجه الصحيح أم لا بنى على الصحّة (2).

______________________________

(1) لأنّ مقتضى الأخبار المتقدّمة انّ الموضوع للحكم إنّما هو نفس الاستبراء من دون مدخلية لشي ء فيه من جهة الآلات و الأنحاء و الأقسام فيكفي ان باشره غيره كالزوجة و المملوكة، بل و ان وقع على النحو المحرّم لأنّ الحرمة لا تقتضي الفساد في مثل المقام كما مرّت الإشارة إليه.

(2) امّا أصل البناء على العدم مع الشكّ في الاستبراء فلأنّه مقتضى اصالة عدم التحقّق مع الشكّ فيه كما هو الشأن في جميع ما يشكّ في حدوثه. و أمّا عدم الاعتناء بالعادة فيما إذا كان من عادته ذلك؛ فلعدم الدليل على الاعتناء بها في مقابل الأصل المذكور. و أمّا البناء على الوجه الصحيح مع الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن أصل الوجود فلأصالة الصحّة الجارية في أمثال المقام ممّا كان له صحيح و فاسد و شكّ في وقوعه صحيحاً أم فاسداً و لا اختصاص لأدلّة أصالة الصحّة بغير المقام كما قد قرّر في موضعه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 77

مسألة 3- إذا شكّ من لم يستبرأ في خروج الرطوبة و عدمه بنى على عدمه،

كما إذا رأى في ثوبه رطوبة مشتبهة لا يدري انّها خرجت منه أو وقعت عليه من الخارج فيحكم بطهارتها و عدم انتقاض الوضوء بها (1).

مسألة 4- إذا علم انّ الخارج منه مذي و لكن شكّ في انّه خرج معه بول أم لا، لا يحكم عليه بالنجاسة

و لا الناقضية إلّا أن يصدق عليه الرطوبة المشتبه، كأن يشكّ في أنّ هذا الموجود هل هو بتمامه مذي أو مركّب منه و من البول (2).

______________________________

(1) الوجه في البناء على العدم هي أصالة عدم خروج الرطوبة من هذا الشخص. و من الواضح انّ الأخبار المتقدّمة الواردة في حكم الرطوبة المشتبهة قبل الاستبراء إنّما يكون موردها خصوص صورة العلم بخروج الرطوبة و الشكّ في انّها مذي أو بول، و أمّا صورة الشكّ في أصل الخروج منه سواء كان المشكوك هو وجود الرطوبة و عدمها أو كان المشكوك خروجها منه أو وقوعها عليه من الخارج فلا تشمله الأخبار و اللّازم الرجوع إلى الأصل الذي يقتضي العدم كما في نظائره من سائر الموارد.

(2) هذه المسألة مشتملة على التعرّض لحكم فرضين: أحدهما: ما لو علم بأنّ الخارج منه مذي بتمامه و لكنّه يشكّ في خروج البول معه و عدمه، و حكمه الرجوع إلى اصالة عدم خروج البول لأنّ المفروض انّ ما هو الخارج قد علم كونه مذياً و البول لم يعلم خروجه أصلًا و الأخبار الواردة موردها إنّما هو البلل المشتبه و لا يكون هنا بلل كذلك فالمرجع اصالة عدم خروج البول. ثانيهما: ما لو شكّ في انّ الخارج منه هل هو مذي بتمامه أو انّه مركّب منه و من البول، و هذا الفرض مشمول للروايات المتقدّمة لتحقّق البلل المشتبه بالإضافة إلى بعض ما هو الخارج يقيناً و الفرق بين هذا الفرض و المسألة المتقدّمة واضح فإنّه كان الشكّ هناك في أصل خروج الرطوبة

المشتبهة، و أمّا هنا فخروج الرطوبة المشتبهة معلوم، غاية الأمر انّ الاشتباه إنّما هو بالإضافة إلى بعض أجزائها لا تمامها كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 78

مسألة 5- إذا بال و توضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المني،

فإن استبرأ بعد البول يجب عليه الاحتياط بالجمع بين الوضوء و الغسل، و إن لم يستبرى ء فالأقوى جواز الاكتفاء بالوضوء، و إن خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ يكتفي بالوضوء خاصّة، و لا يجب عليه الغسل سواء استبرأ بعد البول أم لا (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع: الأوّل: ما إذا استبرأ بعد البول و توضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المني، و احتاط فيه وجوباً بالجمع بين الوضوء و الغسل، و الوجه فيه بعد عدم دلالة الأخبار المتقدّمة على حكم المقام؛ لأنّ موردها إنّما هو البلل المردّد بين البول و غير المني كالمذي بحيث لو خرج قبل الاستبراء يحكم ببوليّته و ناقضيّته و لو خرج بعده حكم بالطهارة و عدم الناقضية و كونه من الحبائل كما صرّحت به رواية محمد بن مسلم المتقدّمة انّ مقتضى العلم الإجمالي في مثله هو الجمع بين الوضوء و الغسل لتحقّق أحد التكليفين و ثبوت واحد من الحكمين فلا مناص من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 79

..........

______________________________

الجمع بين الأمرين على ما يقتضيه العقل الحاكم في البين، هذا بالنظر إلى الناقضية. و أمّا من جهة النجاسة فأصلها معلوم و لكن خصوصية البوليّة و كذا كونها منيّة غير معلومة فاللّازم ترتيب الأحكام العامّة المترتّبة علىٰ جميع النجاسات، و أمّا الأحكام الخاصّة ففيها كلام و لعلّه يجي ء الكلام فيه بعد ذلك. الثاني: الصورة المتقدّمة مع فرض عدم الاستبراء بأن بال

و لم يستبرأ و توضّأ ثمّ خرجت منه رطوبة مشتبهة بين البول و المني و قد قوّى في المتن الاكتفاء فيه بالوضوء، و لكن ربّما يقال بأنّه بعد فرض خروج المقام عن مورد الأخبار الواردة في الاستبراء؛ لأنّ موردها الرطوبة المشتبهة بين البول و غير المنيّ يكون مقتضى القاعدة في هذا الفرع أيضاً الجمع بين الوضوء و الغسل للعلم الإجمالي بثبوت واحد منهما فيجب الاحتياط بالجمع. و يمكن الجواب عنه: بأنّ هذا الفرع و إن كان خارجاً عن مورد الأخبار المتقدّمة إلّا انّه يستفاد منها حكم كلّي و هو انّ الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء محكومة بأنّها بول لعدم حصول النقاء للمجرى بسبب الاستبراء و مع استفادة البولية من تلك الأخبار لا يجب رعاية احتمال كونها منيّاً أيضاً، بل يجب ترتيب آثار البولية و الحكم بوجوب الوضوء فقط. و لكن يمكن المناقشة في هذا الجواب بأنّ لازمه استفادة عدم كونها بولًا من الروايات بالنسبة إلى الفرع الأوّل لصراحة بعض تلك الأخبار في انّ الخارج بعد الاستبراء لا يكون بولًا و مع انتفاء البوليّة لا يجب الوضوء، فكيف حكم بوجوب الجمع بين الأمرين؟ و بعبارة اخرى: الأخبار الواردة في الاستبراء امّا أن لا تكون شاملة لما إذا دار أمر الرطوبة بين كونها بولًا أو منيّاً، و أمّا أن تكون شاملة له أيضاً. فعلى الأوّل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 80

..........

______________________________

لا يجوز الاكتفاء بالوضوء في الفرع الثاني، بل يجب الجمع بينه و بين الغسل كما في الفرع الأوّل، و على الثاني لا معنى لإيجاب الجمع في الفرع الأوّل لدلالة الأخبار على عدم كونها بولًا و اللّازم كونها منيّاً فيجب الغسل فقط

و لا وجه لإيجاب الوضوء عليه أيضاً. و تندفع هذه المناقشة بأنّ المستفاد من الأخبار المتقدّمة بعد فرض خروج المقام عن موردها انّ الرطوبة الخارجة قبل الاستبراء المحتملة للبوليّة تكون من البول و كاشفة عن عدم حصول النقاء للمجرى لعدم تحقّق الاستبراء كما هو المفروض، و أمّا الرطوبة الخارجة بعده المحتملة لها لا تكون من الرطوبات البولية المحتملة للبقاء في المجرى لحصول النقاء له بسبب الاستبراء، فمعنى أنّها لا تكون من البول كما في رواية محمد بن مسلم انّها لا تكون من بقايا البول الخارج من المجرى و ليس مفاده نفي احتمال البوليّة مطلقاً فإنّ احتمال كونه بولًا نازلًا من الأعلى بحاله، غاية الأمر انّه مدفوع بالأصل. و من هنا يظهر الفرق بين الفرعين؛ فانّه في الفرع الأوّل يكون الأمر دائراً بين كون الرطوبة بولًا نازلًا من الأعلى و منياً قد نزل من محلّه و خرج من المخرج و لا ترجيح لأحد الاحتمالين على الآخر و لا مجوز للرجوع إلى الأصل في كليهما فلا محيص من الاحتياط و الجمع بين الوضوء و الغسل، و أمّا الفرع الثاني فحيث إنّه لم يتحقّق الاستبراء يكون احتماله كونه منيّاً مدفوعاً بالأصل، و أمّا احتمال كونه بولًا و من الرطوبات المتخلّفة في المجرى فهو بحاله و الأخبار تدلّ على ترتيب آثار البوليّة عليه فيجب الوضوء معه، فالبولية مستفادة من الروايات. و بعبارة اخرى البولية المستفادة من الأخبار في الفرع الثاني هي البولية التي تكون من تتمّة البول الخارج و من بقاياه و لا فرق في جانب الإثبات بينها و بين غيرها، و أمّا النفي المستفاد من مثل رواية محمد بن مسلم فهو النفي بالإضافة إلى كونه

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 81

..........

______________________________

من بقايا البول الخارج و هو لا ينافي الإثبات من جهة كونه بولًا مستقلّاً نازلًا من الأعلى، و لا بدّ لاندفاع احتماله من مرجع و المرجع هو الأصل مع عدم كونه طرفاً للعلم الإجمالي و في غير هذه الصورة يجب الاعتناء به و ترتيب الأثر عليه، فتدبّر. و يؤيّد ما ذكرنا بل يدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة الواردة في الجنب الدالّة على أنّه إذا بال قبل الاغتسال لا ينقض غسله و لكن عليه الوضوء معلّلًا بأنّ البول لم يدع شيئاً، فإنّه و إن كان موردها الجنب إلّا انّه يستفاد منها بعد حملها على صورة عدم الاستبراء من البول أو استظهار خصوص هذه الصورة منها- كما مرّ انّ احتمال كون الرطوبة من بقايا المني المتخلّفة في المجرى مدفوع بالبول؛ لأنّه لم يدع شيئاً من المنيّ في المجرى و احتمال كونه منيّاً جديداً كاحتمال كونه بولًا كذلك مدفوع بالأصل فلا يبقى إلّا احتمال كونه من بقايا البول المتخلّفة في المجرى و لا مدفع لهذا الاحتمال، بل الظاهر يعضده فيجب ترتيب الأثر عليه و الإتيان بالوضوء كما هو ظاهر. الثالث: ما إذا خرجت الرطوبة المشتبهة قبل أن يتوضّأ و قد اكتفى فيه في المتن أيضاً بالوضوء خاصّة و انّه لا يجب عليه الغسل من دون فرق بين ما إذا تحقّق الاستبراء من البول و ما إذا لم يتحقّق. امّا فيما إذا لم يتحقّق الاستبراء فلما عرفت من دلالة الأخبار على كون الرطوبة المشتبهة الخارجة قبل الاستبراء محكومة بأنّها بول و من الرطوبات البولية المتخلّفة في المجرى لعدم حصول النقاء له بسبب الاستبراء و احتمال كونها منيّاً قد نزل

من محلّه، مدفوع بالأصل فلا يجب عليه إلّا ترتيب آثار البولية و الإتيان بالوضوء خاصّة، و أمّا فيما إذا تحقّق الاستبراء فاحتمال البولية و إن لم يكن مدفوعاً بالأصل لاحتمال كونها منيّاً أيضاً إلّا انّه حيث لا يترتّب على خروج بول جديد أثر أصلًا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 82

..........

______________________________

لفرض كونه محدثاً لم يتوضّأ فالعلم الإجمالي بكونه بولًا أو منيّاً لا يكون متعلّقاً بتكليف معلوم، بل لو كان منيّاً لجاء تكليف جديد فلا أثر لهذا العلم الإجمالي نظير ما إذا وقعت نجاسة في أحد الإنائين اللّذين يعلم بنجاسة أحدهما المعيّن و لم يعلم وقوعها في أيّهما فإنّه لا أثر لهذا العلم و لا يجب الاجتناب عن الإناء الآخر. و بعبارة اخرىٰ وجوب الوضوء معلوم و وجوب الغسل مشكوك و مقتضى الاستصحاب عدمه. و لكن ربّما يقال بوجوب الغسل أيضاً لأنّ المقام من موارد استصحاب كلّي الحدث و هو من استصحاب القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي بناءً على انّ الحدث الأكبر و الأصغر متضادّان بحيث لو طرأ أحد أسباب الأكبر ارتفع الأصغر و ثبت الأكبر مكانه و ذلك لدوران الحدث بعد ما توضّأ المكلّف بين ما هو مقطوع البقاء على تقدير كون الرطوبة المردّدة منيّاً، و بين ما هو مقطوع الارتفاع على تقدير كونها بولًا، و عليه فيجب الغسل بعد الوضوء حتّى يقطع بارتفاع الحدث الباقي بمقتضى الاستصحاب. نعم لو كان الحدث الأكبر و الأصغر فردان من الحدث و هما قابلان للاجتماع أو كان الأكبر مرتبة قويّة من الحدث و إذا طرأت أسبابه تبدّلت المرتبة الضعيفة بالقويّة لكان جريان الاستصحاب مبنيّاً على جريان الاستصحاب في القسم الثالث من أقسام

استصحاب الكلّي لأنّ المكلّف بعد خروج الرطوبة يشكّ في أنّ الحدث الأصغر هل قارنه الأكبر أو تبدّل إلى مرتبة قويّة أو انّه باق بحاله. و قد اجيب عنه: بأنّ جريان الاستصحاب في القسم الثاني من أقسام استصحاب الكلّي إنّما هو فيما إذا لم يكن هناك أصل حاكم عليه كما إذا لم يكن المكلّف متوضّئاً في مفروض الكلام، و أمّا معه فلا مجال لاستصحاب الكلّي لتعين الفرد الحادث تعبّداً. و توضيحه أنّ المستفاد من الأدلّة الواردة في الوضوء و الغسل أن أدلّة الوضوء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 83

..........

______________________________

مقيّدة بغير الجنب و إنّ غسل الجنابة لا يبقي مجالًا للوضوء، و حيث إنّ المكلّف لا يكون متوضئاً قبل خروج الرطوبة و هو شاكّ في جنابته فمقتضى الاستصحاب عدم جنابته فهو محدث بالوجدان و لا يكون جنباً بالاستصحاب، و مع استصحاب عدم الجنابة لا مجال لاستصحاب كلّي الحدث لأنّه أصل حاكم رافع للتردّد. أقول: و يمكن تقريب عدم جريان الاستصحاب الكلّي في المقام بأنّ مورده ما إذا لم تكن الحالة السابقة للفردين اللذين علم بحدوث أحدهما إلّا العدم بحيث لو أجرينا الاستصحاب بالإضافة إلى كلّ واحد منهما لكان ذلك مخالفاً للعلم الإجمالي بحدوث واحد منهما، و أمّا إذا اختلفا من جهة الحالة السابقة و كانت تلك الحالة في أحدهما الوجود، و في الآخر العدم كما في المقام حيث إنّ الحدث الأصغر كان مسبوقاً بالوجود لأجل البول و عدم الوضوء كما هو المفروض و الحدث الأكبر كان مسبوقاً بالعدم فلا مانع من التمسّك بالأصل في خصوص ما كانت الحالة السابقة فيه العدم لأجل عدم تحقّق المخالفة بالإضافة إلى العلم الإجمالي لانحصار جريان الأصل

فيه و عدم جريانه في الآخر فتدبّر. فانقدح انّ الحقّ في هذا الفرع أيضاً، ما اختاره الماتن دام ظلّه من جواز الاكتفاء بالوضوء خاصّة و لو مع تحقّق الاستبراء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 85

فصل في الوضوء

اشارة

و الكلام في واجباته و شرائطه و موجباته و غاياته، و أحكام الخلل

القول في الواجبات

مسألة 1- الواجب في الوضوء غسل الوجه و اليدين و مسح الرأس و القدمين،

و المراد بالوجه ما بين قصاص الشعر و طرف الذقن طولًا و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى من متناسب الأعضاء عرضاً، و غيره يرجع إليه فما خرج عن ذلك لا يجب غسله، نعم يجب غسل شي ء ممّا خرج عن الحدّ المذكور مقدّمة لتحصيل اليقين بغسل تمام ما اشتمل عليه الحد (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين: المقام الأوّل: فيما هو الواجب في الوضوء و هو عبارة عن غسل الوجه و اليدين، و مسح الرأس و القدمين، و لم يقع في ذلك خلاف بين المسلمين إلّا في خصوص مسح الرجلين التي هي المسألة المعروفة التي وقع الاختلاف بينهم، فالإماميّة كافّة-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 86

..........

______________________________

قائلون بوجوب مسح الرجلين كالرأس، و ذهب جمهور المخالفين إلى وجوب غسلهما كالوجه و اليدين. و يدلّ على صحّة مذهبنا قوله تعالى: «وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...» «1» سواء كان «أرجلكم» مجروراً معطوفاً على «رءوسكم» المجرور بالباء، أو كان منصوباً، امّا على التقدير الأوّل فواضح؛ لأنّ احتمال كونه معطوفاً على «وجوهكم» و كون الجرّ بسبب المجاورة لا من جهة العطف على «رءوسكم» مدفوع بالوجوه التي ذكرها السيّد قدس سره في «الانتصار»: منها: انّ الاعراب بالمجاورة شاذ نادر ورد في مواضع لا يلحق بها غيرها بغير خلاف بين أهل اللغة و لا يجوز حمل كتاب اللّٰه على الشذوذ الذي ليس بمعهود و لا مألوف. و منها: انّ الإعراب بالمجاورة عند من أجازه إنّما يكون مع فقد حرف العطف و أيّ مجاورة عند وجود الحائل؟ و منها: انّ الإعراب بالمجاورة

إنّما استعمل في الموضع الذي ترتفع فيه الشبهة لا في مثل المقام. و منها: انّ محصّلي أهل النحو و محقّقيهم أنكروا الاعراب بالمجاورة في جميع المواضع. و بالجملة لا شبهة في ظهور الآية في وجوب مسح الرجلين لو كان «أرجلكم» مقروّاً بالجرّ كما عن ابن كثير و أبي عمر و حمزة و عاصم في رواية أبي بكر. و أمّا على التقدير الثاني أي تقدير النصب كما عن نافع و ابن عامر و الكسائي و عاصم في رواية حفص، فلا إشكال أيضاً لكونه معطوفاً على محلّ

______________________________

(1) سورة المائدة: آية 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 87

..........

______________________________

قوله «برؤسكم» لأنّ محلّه منصوب لكونه مفعولًا لقوله: «امسحوا» و إضافة الباء إنّما هي لإفادة التبعيض كما سيأتي تحقيقه إن شاء اللّٰه تعالى و إلّا فمادّة «مسح» متعدّية بنفسها، و يمكن أن يكون عطفاً على محلّ نفس «رءوسكم» لكونه منصوباً أيضاً و الثمرة بين الوجهين إنّما تظهر فيما يأتي من وجوب مسح الجميع أو كفاية مسح البعض فانتظر. و كيف كان فالظاهر بمقتضى انقضاء الجملة الاولى من الآية الكريمة، التي أمر فيها بالغسل، و تمامية حكمها باستئناف الجملة الثانية الدالّة على إيجاب المسح هو كون «أرجلكم» معطوفاً على ما يجب مسحه و هو الرءوس لا على الوجوه التي أمر بغسلها، و دعوى أنّ تأخير الأرجل عن مسح الرأس إنّما هو لأجل ملاحظة الترتيب الواجب في الوضوء فلا ينافي ذلك وجوب غسلها، مدفوعة بعدم استفادة الترتيب من الآية الشريفة أصلًا لوقوع العطف فيها بالواو، و هي لا تدلّ على الترتيب كما قد قرّر في محلّه. ثمّ إنّه لو نوقش في استظهار ذلك من الآية الشريفة فلا

أقلّ من تساوي الاحتمالين من دون ترجيح لأحدهما على الآخر إذ لا ترجيح للعطف على الوجوه أصلًا، و حينئذٍ تصير الآية مجملة من حيث الدلالة على مسح الأرجل أو غسلها فلا بدّ من مرجح خارجي، و ما يعتمدون عليه في ذلك ليس بصالح له، فالإنصاف أنّ الآية الشريفة و لو بملاحظة الأخبار التي يستفاد منها ذلك الشي ء بالغ في كثرتها السيّد قدس سره في «الانتصار» حيث قال: إنّه أكثر عدداً من الرمل و الحصى دليل على مذهب الإمامية فأصل المسألة عندنا بلا إشكال. المقام الثاني: في المراد من الوجه الذي يجب غسله و قد عرّفه في المتن بأنّه ما بين قصاص الشعر و طرف الذقن طولًا، و ما دارت عليه الابهام و الوسطى من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 88

..........

______________________________

متناسب الأعضاء عرضاً، و المستند في ذلك صحيحة زرارة قال لأبي جعفر عليه السلام:

اخبرني عن حدّ الوجه الذي ينبغي أن يوضّأ، الذي قال اللّٰه عزّ و جلّ؟ فقال: الوجه الذي قال اللّٰه و أمر اللّٰه عزّ و جلّ بغسله الذي لا ينبغي لأحد أن يزيد عليه و لا ينقص منه، إن زاد عليه لم يؤجر و إن نقص منه أثم، ما دارت عليه الوسطى و الابهام من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، و ما جرت عليه الإصبعان من الوجه مستديراً فهو من الوجه، و ما سوى ذلك فليس من الوجه، فقال له: الصدغ من الوجه؟ قال: لا «1». و في رواية الكليني: و ما دارت عليه السبابة و الوسطى و الابهام، و لكن الظاهر انّه لا أثر للسبّابة بعد اعتبار الوسطى التي هي أطول منها عادة خصوصاً مع ذكر الاصبعين

في الجملة التي بعدها، و المراد أنّ الوجه هو ما يحيط به الاصبعان المذكوران في الرواية و يدوران عليه مبتدئاً من القصاص و منتهياً إلى الذقن بمعنى وضعهما على القصاص و فتحهما ثمّ إدارتهما بحيث تنتهي الدورة إلى الذقن و يحصل من ذلك شكل هندسي مشابه للدائرة، و الظاهر أنّ المراد بقوله عليه السلام: مستديراً، هو فتح اليدين بنحو يحصل منه شكل شبيه لنصف الدائرة، و الوجه فيه أنّ الوجه لا يكون أمراً مسطّحاً، بل له نوع من الانحناء ففتح اليدين إلى الغاية مستلزم لعدم اتصالهما إلى سطح الوجه كما هو غير خفيّ. و أمّا ما حكي عن شيخنا البهائي قدس سره في تفسير الرواية من أنّ كلّاً من طول الوجه و عرضه هو ما اشتمل عليه الإصبعان إذا ثبت وسطه و أدير على نفسه حتّى يحصل شبه الدائرة، ففيه انّ ذلك خلاف ما هو المتفاهم من الرواية بنظر العرف؛ لأنّ الوجه لا يكون مستديراً عرفاً بل و لا لغةً، و من المستبعد ثبوت

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب السابع عشر ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 89

..........

______________________________

معنى شرعي له كما هو ظاهر، مضافاً إلى استلزام ذلك لعدم وجوب غسل بعض ما يكون غسله واجباً، و لوجوب غسل بعض ما لا يجب غسله اتفاقاً. و ممّا ذكرنا ظهر انّه لا وجه لتوهّم وجوب غسل ما هو خارج عن الوجه نظراً إلى أنّ فتح الإصبعين إلى طرف الذقن مستلزم لدخول مقدار ممّا وقع ظهره، و ذلك لوضوح انّ المراد من التحديد ليس إدخال ما هو خارج عن الوجه قطعاً، بل المراد بيان الحدود المشتبهة التي يحتمل أن تكون داخلة في

الحدّ. و يمكن الاستشهاد له بقوله عليه السلام: و ما جرت عليه الاصبعان من الوجه، فإنّ تفسير ما الموصولة و تبيينها بالوجه مع ظهور كون المراد به هو الوجه العرفي ظاهر في اعتبار كون الداخل في الدائرة وجهاً و عليه فما هو خارج عنه لا يكون داخلًا في التعريف، و لعلّ الإتيان بهذه الجملة التي لا تفيد إلّا التأكيد للجملة الاولى لعدم إفادتها شيئاً زائداً عليها إنّما هو لأجل التنبيه على هذه الجهة و هو اعتبار عدم خروج ما هو الداخل عن الدائرة عن صدق عنوان الوجه. و بالجملة لا ينبغي الإشكال في كون المراد من الرواية هو ما استفاده المشهور منها فإنّ الجمع بين الاستدارة و بين كلمتي: «من و إلى» لا يتحقّق إلّا بما ذكر من شروع الدائرة من قصاص الشعر و انتهائها إلى الذقن بالكيفية التي عرفتها لا ما أفاده البهائي قدس سره مضافاً إلى انّه يرد عليه إنّه بناء على ما ذكره لا يكون الوسط معلوماً فإنّ معلومية الوسط تتوقّف على معلومية الدائرة التي تكون نسبة جميع أجزائها إلى النقطة المتوسطة نسبة واحدة و مقدار الشعاع في جميع جوانبها واحداً مع انّه بناء عليه لا يكون الدوران الذي يبتدئ به من القصاص وصفاً لكلّ من الإبهام و الوسطى، بل للوسطى خاصّة كما صرّح به في ذيل كلامه حيث قال: «إنّ قوله عليه السلام من قصاص الشعر إلى الذقن امّا حال من الخبر، و أمّا متعلّق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 90

..........

______________________________

بدات، يعني انّ الدوران يبتدئ من قصاص الشعر منتهياً إلى الذقن و لا ريب انّه إذا اعتبر الدوران على هذه الصّفة للوسطى اعتبر للابهام عكسه

تتميماً للدائرة المستفادة من قوله مستديراً فاكتفى بذكر أحدهما عن الآخر و أوضحه بقوله عليه السلام: و ما جرت عليه الإصبعان مستديراً من الوجه فهو من الوجه، فقوله مستديراً حال من «المبتدأ» مع انّ الظاهر كونه وصفاً لكل من الاصبعين و انّ الدوران يبتدئ به من كلّ منهما، مع انّ حصول الدائرة الهندسية الحقيقية مع فرض تحدّب الوجه غير ممكن لاستلزام التحدّب الانقباض حال المرور على الخدّين، فالدائرة المصطلحة غير ممكنة فلا مناص من أن يكون المراد شبه الدائرة و هو يتحقّق بما ذكرنا و امتيازه إنّما هو لأجل اشتماله على جميع الخصوصيات المستفادة من الرواية فتدبّر. ثمّ إنّ التعبير في المتن تبعاً للأصحاب بالطول و العرض مع خلوّ الرواية عن هذا التعبير إنّما هو بلحاظ قامة الإنسان فما بين قصاص الشعر إلى الذقن يعدّ طولًا و ما دارت عليه الإبهام و الوسطى يعدّ عرضاً مع انّ الدائرة لا يكون لها طول و عرض، فالتعبير بهما إنّما هو لأجل ذلك أو لأجل ظهور المسافة فيه من جهة كونه مسطّحاً و اختفائها بالنسبة إلى الجانبين لعدم تبين مقدار مسافتهما أو لأجل ما عرفت من انّ المراد من الرواية شبه الدائرة. و من المعلوم انّ جانب ما بين القصاص و الذقن أطول من الجانب الآخر؛ لكون التحدّب فيه أقلّ بالإضافة إليه. و أمّا جعل المناط في المقدار متناسب الأعضاء فلوضوح انّ التحديد في الروايات إنّما يكون الملحوظ فيه هم الأفراد المتناسبة الأعضاء التي تتعارف خلقتهم بحسبها فلو فرض خروج فرد عن الخلقة المتعارفة امّا لكبر وجهه أو صغره أو طول أصابعه أو قصرها مثلًا فالواجب عليه الرجوع إلى المتعارف لا بمعنى جعل أصابع النّاس ملاكاً لمعرفة حدود

وجهه فإنّه قد تكون أصابعه كأصابعهم و لكن التفاوت و عدم التناسب بلحاظ كبر وجهه فيلزم حينئذٍ غسل مقدار من وجهه فقط، مع انّه من الواضح وجوب غسل جميع الوجه على جميع المكلّفين، بل بمعنى مقايسة نفسه مع الناس و ملاحظة انّ المقدار المحاط بالاصبعين المتعارفين إذا أجريا على الوجه المناسب معهما أيّ مقدار فيغسل من وجه بنسبة ذلك المقدار. ثمّ إنّه بعد كون حدّ الوجه عبارة عمّا تقدّم لا جدوى للنزاع في غسل بعض الموارد الذي اختلفوا فيه فإنّ المناط هي إحاطة الإصبعين فكلّ ما يحيطان به فالواجب غسله، و ما لا يحيطان به لا يجب غسله، و دعوى وجوب غسل مقدار يسير من الأطراف الخارجة عن الحدود بحكم العقل مقدّمة لحصول الواجب، مدفوعة بأنّ ذلك إنّما هو في غير المقام ممّا لا يحصل الجزم إلّا بذلك، و أمّا في مثل المقام ممّا كان التحديد بمثل الاصبعين الذي لا يكاد يعرض له الاشتباه بعد جريهما بالنحو المتقدّم فلا، إلّا أن يكون منشؤه احتمال اختلاف المقدار الواقع منهما في أحد طرفي الوجه مع المقدار الآخر الواقع في الطرف الآخر بمعنى عدم رعاية تشكيل شبه الدائرة الذي ذكرنا فإنّه في هذه الصورة يتوجّه وجوب غسل المقدار المذكور مقدّمة لحصول العلم بتحقّق الغسل الواجب و عليها تحمل عبارة المتن و شبهها فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 91

مسألة 2- يجب على الأحوط أن يكون الغسل من أعلى الوجه

و لا يجوز على الأحوط الغسل منكوساً، نعم لو ورد الماء منكوساً و لكن نوى الغسل من الأعلى برجوعه جاز (1).

______________________________

(1) حكى عن المشهور، بل ربّما ادّعى الإجماع على انّ الواجب في غسل الوجه هو أن يغسل الوجه من أعلاه إلى الذقن و انّه

لو غسل منكوساً لم يجزه و نحن نقول:

ينبغي أوّلًا النظر إلى الإطلاقات الواردة في الوضوء و انّه هل يستفاد منها الإطلاق بالإضافة إلى المقام أم لا؟ و الظاهر دلالة الآية الشريفة على انّ الواجب مجرّد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 92

..........

______________________________

الغسل للأمر به مطلقاً مع كونها في مقام البيان كما يظهر من تحديدها الأيدي و الأرجل، و دعوى انصراف الغسل إلى الغسل على الوجه المتعارف في باب الوضوء و غسل الوجه و هو الغسل من الأعلى إلى الأسفل، مدفوعة بمنعها فإنّ منشأها مجرّد التعارف و غلبة الوجود و الوجه فيه انّ الغسل بهذا النحو أسهل من غيره و ذلك لا يوجب الانصراف، مع انّ تعارف الغسل من أعلى الوجه غير ثابت. و أمّا الروايات فيستفاد من بعضها الإطلاق أيضاً حيث أمر فيها بغسل الوجه بمجرّده من دون التقييد مع كونها في مقام البيان. فاللّازم ملاحظة الأخبار التي توهم الدلالة على ذلك و عمدتها ما رواه في قرب الإسناد عن أحمد بن محمد بن محبوب عن أبي جريرة الرقاشي قال: قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام: كيف أتوضّأ للصلاة؟ فقال: لا تعمق في الوضوء، و لا تلطم وجهك بالماء لطماً، و لكن اغسله من أعلى وجهك إلى أسفله بالماء مسحاً، و كذلك فامسح الماء على ذراعيك و رأسك و قدميك «1».

و يرد على الاستدلال بها أوّلًا انّها ضعيفة من حيث السند لأنّ أبا جريرة الرقاشي مجهول، و دعوى انجبار ضعف السّند بعمل المشهور و فتواهم على طبقها، مدفوعة بأنّ ذلك إنّما يجدي لو علم استناد المشهور إليها و اتكائهم عليها، و أمّا مع احتمال الاستناد إلى امور اخر كالإنصراف، أو

قاعدة الشغل، أو الأخبار البيانيّة التي ستجي ء إن شاء اللّٰه تعالى فلا مجال لدعوى الانجبار بوجه. و ثانياً: انّها لا ظهور لها فيما هو المشهور؛ لأنّ ظاهر السؤال و إن كان راجعاً إلى السؤال عن كيفية الوضوء إلّا أنّ الجواب بمثل ما في الرواية لا يناسب معه، فاللّازم حمله على ما يناسب الجواب، و التأمّل فيه يقضي بأنّ محطّ النظر إنّما هو عدم لزوم الغسل بنحو التعمّق و اللطم، بل يكفي الغسل بنحو المسح، فقوله عليه السلام:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 22.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 93

..........

______________________________

«و لكن اغسله...» إنّما سيق لبيان ذلك لا أن يكون المقصود منه هو الغسل من الأعلى إلى الأسفل و كونه بالماء و كونه بنحو المسح حتّى يقال: إنّ حمل الأمر على الاستحباب في الأخير لا ينافي الوجوب بالنسبة إلى الأوّلين. فإنّ الظاهر كونه مسوقاً لبيان حكم واحد و هو كفاية الغسل بالمسح كما يدلّ عليه قوله عليه السلام: «و كذلك فامسح على ذراعيك» و حينئذٍ فالواجب حمله على الاستحباب، و ذكر «من أعلى وجهك إلى أسفله» إنّما هو لبيان كفاية الغسل بالمسح في جميع الوجه و عدم لزوم الغسل بالنسبة إلى بعضه و كفاية المسح في خصوص البعض الآخر بل يكفي المسح في الجميع، و يؤيّد الحمل على الاستحباب انّ النهي المتعلّق بالتعمّق و اللطم تنزيهي لا تحريمي شرطي و المراد بالأوّل ما هو المتداول بين الوسواسين، و بالثاني امّا ذلك و أمّا هو عادة المتسامحين. و كيف كان فالإنصاف انّ الرواية لا تدلّ على مطلوبهم أصلًا و إن كانت غير خالية عن المناقشة أيضاً بلحاظ عطف ما يجب فيه

المسح على ما يجب فيه الغسل و جعل الواجب في الجميع واحداً فتدبّر. و قد يستدلّ لذلك بالأخبار الكثيرة الحاكية لفعل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و وضوئه، ففي كثير منها على اختلاف تعبيراتها قد وقع التعرّض لذلك أي الغسل من أعلى الوجه، و من المعلوم انّ ذكر الرواة الحاكين لفعل الإمام عليه السلام الذي صدر منه حكاية وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و تعرّضهم لهذه الخصوصية إنّما هو لكونها ملحوظة لهم و كان المقصود بيانها في مقابل العامّة المعروفين بالخلاف، كما انّ تعرّضهم للخصوصيات الاخر إنّما هو لغرض إفادة هذه الجهة أيضاً. و أنت خبير بأنّ التمسّك بها إنّما يتمّ لو علم كون هذه الخصوصية ملحوظة لديهم، و أمّا مع احتمال العدم لو لم نقل بالظهور فيه نظراً إلى عدم وقوع التعرّض لها في بعض الروايات مع اتّحاد الراوي فلا؛ لأنّ هنا خصوصيات اخر يمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 94

..........

______________________________

أن يكون الملحوظ هي تلك الخصوصيات كعدم الاحتياج إلى غسل اليدين قبل غسل الوجه، و لزوم غسل اليدين من المرفقين إلى الأصابع و عدم جواز ردّ الماء إلى المرافق كما وقع التصريح بها في بعضها و انّ الوضوء مرّة مرّة لا مرّتين، و غير ذلك من الخصوصيات التي يحتمل قويّاً كونها هي الملحوظة لدى الرواة، و مجرّد كون الحكاية لبيان الحكم و تعليم كيفية الوضوء لا دلالة فيه على وجوب مراعاة جميع الخصوصيات المذكورة في مقامها كما لا يخفى. و ما عن العلّامة في «المنتهى» و الشهيد في «الذكرى» من انّهما ذكرا بعد حكاية بعض تلك الروايات و نقلها ما لفظهما: «روى عنه

انّه قال بعد ما توضّأ انّ هذا وضوء لا تقبل الصلاة إلّا به» فمضافاً إلى انّها رواية مرسلة و دلالتها على المدّعى غير ظاهرة يرد على الاستدلال به انّ الصدوق قدس سره في الفقيه إنّما ذكره هكذا: «قال الصادق عليه السلام انّه ما كان وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلّا مرّة مرّة و توضّأ النبي مرّة مرّة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلّا به» و حينئذٍ فالمشار إليه بكلمة «هذا» إنّما هو الوضوء مرّة مرّة فلا ارتباط له بالمقام. و أمّا التمسّك بقاعدة الشغل فمضافاً إلى انّه لا مجال له بعد دلالة إطلاق الآية و بعض الروايات على وجوب غسل الوجه مطلقاً كما عرفت يرد عليه انّ القاعدة تقتضي البراءة كما هو كذلك في جميع موارد الأقلّ و الأكثر الارتباطيين. و توهّم كون المقام من قبيل الشكّ في المحصل نظراً إلى انّ الواجب هو تحصيل الطهور كما يدلّ عليه قوله عليه السلام: «لا صلاة إلّا بطهور» مدفوع بأنّ الظاهر كون الطهور بمعنى الوضوء و هو عبارة عن نفس الغسلتين و المسحتين لا عنوان حاصل منهما و أمر معنوي متحقّق بهما، و اعتبار بعض الأشياء ناقضاً له الدالّ على انّه أمر مستمرّ باق مع عدم ذلك الشي ء لا دلالة فيه على أنّه هنا يكون شيئاً يؤثّر أفعال الوضوء في حصوله فإنّه لا إشكال في اعتبار البقاء لنفس الوضوء نظير اعتبار بقاء العقد في الفضولي ليلحق به الإجازة أو الردّ، و دعوى عدم الفرق بين المقام و بين غسل اليدين الذي يجب من المرفق إلى الأصابع و لا يجزي النكس مدفوعة بوجود الفصل و القول به من القائلين بعدم اعتبار ذلك في

غسل الوجه. فانقدح ممّا ذكرنا انّه لا دليل على اعتبار كون الغسل من أعلى الوجه، بل مقتضى إطلاق الأدلّة عدم الاعتبار إلّا انّه حيث قامت الشهرة على ما حكي- على الاعتبار، بل ربّما ادّعي الإجماع عليه، فالأحوط رعاية ذلك خصوصاً مع ملاحظة اقتضاء التعارف لذلك، و المراد من الغسل من الأعلى إلى الأسفل ما يصدق عليه عرفاً انّه غسل من أعلى وجهه إلى أسفله، و أمّا اعتبار أن لا يغسل الجزء السافل إلّا بعد غسل ما فوقه حقيقة ممّا في سمته أو جميع ما فوقه من الأجزاء فلا دليل عليه أصلًا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 95

مسألة 3- لا يجب غسل ما استرسل من اللحية

، امّا ما دخل منها في حدّ الوجه فيجب غسله، و الواجب غسل الظاهر منه من غير فرق بين الكثيف و الخفيف مع صدق إحاطة الشعر بالبشرة و إن كان التخليل في الثاني أحوط. و أمّا اليدان فالواجب غسلهما من المرفقين إلى أطراف الأصابع و يجب غسل شي ء من العضد للمقدّمة كالوجه، و لا يجوز ترك شي ء من الوجه أو اليدين بلا غسل و لو مقدار مكان شعرة (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 96

..........

______________________________

المقام الأوّل: في انّ المسترسل من اللّحية لا يجب غسله و المراد منه ما خرج عن حدود الوجه، و الوجه في عدم وجوب غسله و وجوب غسل ما دخل من اللّحية في حدّ الوجه واضح بعد صراحة صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في تحديد الوجه في انحصار ما يجب غسله من الوجه بما دارت عليه الابهام و الوسطى من قصاص الشعر إلى الذقن. نعم قد يقال كما عن

الاسكافي باستحباب غسل ذلك، و يدفعه انّه لم يدلّ عليه دليل، و ما في بعض الأخبار الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه و آله من انّه غرف ملأ كفّه اليمنى ماءً فوضعها على جبهته ثمّ قال: بسم اللّٰه، و سدّله على أطراف لحيته ثمّ أمرّ يده على وجهه و ظاهر جبينه مرّة واحدة، لا يدلّ على ذلك؛ لأنّ جريان الماء على أطراف اللحية لا ينافي عدم استحباب غسلها، مضافاً إلى أنّ مجرّد وضع الماء على الجبهة و تسديله عليها لا يوجب غسلها ما لم تمرّ يده عليها، و ظاهر الرواية انّ إمرار اليد على الوجه إنّما هو بعد التسديل فهي أجنبية عن المقام، كما انّ ما ورد ممّا يدلّ على جواز الأخذ من ماء اللّحية للمسح عند الجفاف لا دلالة له على ذلك؛ لأنّ ماءها يمكن أن يعدّ من بقيّة بلل الوجه لأجل العلقة بينهما مضافاً إلى انّ الحكم تعبّدي. المقام الثاني: في انّ الواجب غسل ظاهر اللحية و انّه لا يجب تخليلها، و المراد بالتخليل هو إيصال الماء إلى خلال اللّحية لغسل ما استتر بها من البشرة و الشعر، كما انّ المراد بالتبطين هو إيصال الماء إلى باطن الشعر الذي لا يقع عليه حسّ البصر هذا ما يتعلّق بالموضوع. و أمّا الحكم فلا يخفى انّه لو لم يكن في البين إلّا ما يدلّ من الآية الشريفة و الرواية على وجوب غسل الوجه فالظاهر انّ مقتضاه بحسب نظر العرف وجوب غسل البشرة فيما إذا لم تكن مستورة بالشعر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 97

..........

______________________________

و وجوب غسل الشعر في المقدار المستور منها به لا لأنّ عنوان الوجه الظاهر بحسب وضعه

اللغوي في خصوص البشرة ينتقل في ذي اللّحية إلى ما يشمل الشعر أيضاً، بل لما ذكر من انّ المتفاهم عند العقلاء هو غسل ظاهر الشعر من دون ارتكاب تكلّف إيصال الماء إلى البشرة المحاطة به. فالإنصاف انّ الحكم مع قطع النظر عن الأخبار الدالّة عليه أيضاً ممّا لا ينبغي الإشكال فيه، و من هنا تعرف انّ نسبة صحيحة زرارة الآتية و أمثالها إلى الأدلّة الآمرة بغسل الوجه ليست نسبة الحاكم إلى المحكوم كما في المصباح فإنّك عرفت انّه لا تعارض بينهما، بل كلّ منهما يدلّ على عدم وجوب غسل المقدار الذي أحاط به الشعر كما مرّ، هذا بالنسبة إلى من له شعر كثيف محيط بالبشرة بحيث لا يقع عليها حسّ البصر. و أمّا بالنسبة إلى ذي الشعر الخفيف فيمكن أن يقال فيه أيضاً بأنّه لا يستفاد من الأدلّة الواردة في غسل الوجه أزيد من غسل البشرة الواقعة عليها الباصرة و الشعر المحيط ببعضها من دون أن يجب عليه التخليل مضافاً إلى صحيحة زرارة قال: قلت: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجرى عليه الماء «1». هذا ما رواه الشيخ باسناده عنه، و رواه الصدوق باسناده عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام هكذا: قلت له: أ رأيت ما أحاط به الشعر؟ فقال: كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يطلبوه و لا يبحثوا عنه الخ. و كيف كان فقوله عليه السلام: كلّ ما أحاط به الشعر، يعمّ المقدار الذي أحاطه الشعر الخفيف أيضاً، و لأجله اعتبر في المتن في الشعر الخفيف صدق إحاطة الشعر بالبشرة و يستفاد منه

انّه مع عدم الإحاطة لا محيص عن غسل جميع البشرة، كما انّه ممّا ذكرنا ظهر وجه كون التخليل في الشعر الخفيف أحوط على ما ذكره في المتن و إن كان يمكن استفادة عدم الوجوب أيضاً من الرواية المذكورة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب السادس و الأربعون ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 98

..........

______________________________

في المسألة السابقة الحاكية لفعل النبي صلى الله عليه و آله فإنّه لا خفاء في انّ ابتداء منبت شعر اللّحية في الوجه كان محاطاً بالشعر الخفيف مع انّ الإمام عليه السلام اكتفى في غسله في مقام الحكاية بمجرّد إمرار اليد على الوجه مرّة من دون أن يتعرّض للتخليل. و يدلّ على عدم وجوب التبطين أيضاً صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: سألته عن الرجل يتوضّأ أ يبطّن لحيته؟ قال: لا «1».

المقام الثالث: في غسل اليدين و يقع الكلام فيه في جهات:

الاولى: في المراد من المرفق و حكى عن صاحب الحدائق انّه قال: «المرفق كمنبر و مجلس المفصل و هو رأس عظمي الذراع و العضد كما هو المشهور، أو مجمع عظمى الذراع و العضد، فعلى هذا شي ء منه داخل في الذراع و شي ء منه داخل في العضد» و المحكي عن أكثر اللغويين هو المعنى الأوّل حيث فسّروه بالمفصل أو الموصل على اختلاف التعابير، و لكن الظاهر رجوعه إلى المعنى الثاني فإنّ المراد بالمفصل ليس ما فسّره به في محكي عبارة الحدائق و هو رأس العظمين حتّى يورد عليه كما في المصباح بأنّه يبعد أن يكون نزاعهم في دخوله المحدود و خروجه عنه في هذا المعنى؛ لأنّ رأسهما الذي هو انتهائهما أمر اعتباري انتزاعي غير قابل

لأن ينازع فيه لأنّه لا يكون ذات أجزاء أصلًا حتّى يقع النزاع في دخولها و خروجها، بل المراد به هو الجزء الذي يتقوّم به المفصل الذي يكون أمراً ذات أجزاء، و عليه فيصحّ النزاع فيه و لكنّه يرجع إلى المعنى الثاني كما هو غير خفيّ.

الثانية: في وجوب غسل المرفق و عدمه، يمكن أن يقال بالعدم نظراً إلى أنّ ظاهر الآية الشريفة من حيث وقوع التعبير فيها بكلمة «إلى» يقتضي العدم لخروج الغاية و مدخول «إلى» عن المحدود المغيّى كما صرّح به جمع كثير بخلاف التحديد بكلمة «حتّى» هذا بناء على كونها في الآية غاية للمغسول، و أمّا بناء

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب السادس و الأربعون ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 99

..........

______________________________

على كونها غاية للغسل فهي أجنبية عن هذا المقام. و لكن قد يتمسّك للوجوب ببعض الأخبار كرواية هيثم بن عروة التميمي قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن قوله تعالى: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، فقلت: هكذا و مسحت من ظهر كفّي إلى المرفق؟ فقال: ليس هكذا تنزيلها إنّما هي فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، ثمّ أمرّ يده من مرفقه إلى أصابعه «1».

بتقريب انّ ظاهر الرواية كون الآية في الأصل نازلة مع كلمة «من» و من المعلوم انّ مدخول «من» داخل في المحدود. و أنت خبير بأنّه ليس المراد بقوله: هكذا تنزيلها، انّ الآية نازلة مع كلمة «من» كيف و هذا ممّا يقطع بخلافه في جميع آيات القرآن عموماً و في هذه الآية خصوصاً: امّا العموم فلما قد حقّق في محلّه من نهوض الأدلّة الواضحة و البراهين الساطعة و الحجج الظاهرة من الكتاب و السنّة

و الإجماع و العقل على عدم وقوع التحريف في الكتاب المجيد و لو بنحو تبديل كلمة باخرى و قد تكلّمنا في بحث التحريف بما لا مزيد عليه في كتابنا «مدخل التفسير» فليراجع إليه. و أمّا الخصوص فللتمسّك بالكريمة مع كلمة «إلى» في كثير من الأخبار الصحيحة المروية عن العترة الطاهرة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين، فلا مجال لتوهّم كون أصل التنزيل مع كلمة «من» فالمراد من الرواية إنّما هو بيان لزوم الغسل من الأعلى إلى الأسفل خلافاً لما توهّمه السائل، فالرواية إنّما تكون مسوقة لبيان هذه الجهة و التعبير بكلمة «من» لإفادة هذا المعنى لا لكون إلى بمعنى من حتّى يترتّب عليه جميع أحكامها التي منها كون مدخولها داخلًا في المحدود. هذا مضافاً إلى انّه لا نسلّم مدخول كلمة «من» في المحدود فيما إذا كان أمراً

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع عشر ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 100

..........

______________________________

ممتدّاً ذات أجزاء قابلًا للنزاع في دخوله و خروجه، و الدليل على ذلك مراجعة الاستعمالات العرفيّة فإنّ قوله: سرت من البصرة إلى الكوفة لا دلالة فيه على انّ ابتداء السير كان من آخر بلد البصرة بالإضافة إلى السائر إلى الكوفة. و بالجملة فالرواية أجنبية عن الدلالة على وجوب غسل المرفق أيضاً. و من الروايات التي استدلّ بها للوجوب بعض الأخبار الحاكية لوضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله الدالّ على انّه عليه السلام وضع الماء على مرفقه فأمرّ كفّه على ساعده «1». و في آخر:

فغرف بها غرفة فأفرغ على ذراعه اليمنى فغسل بها ذراعه من المرفق إلى الكفّ لا يردّها إلى المرفق «2».

و لا يخفى انّ وضع الماء عليه لا

يدلّ على غسله بأجمعه كما انّ الغسل من المرفق لا يدلّ على دخوله في المغسول كما عرفت، بل التأمّل في جميع الروايات البيانية يقضي بعدم دلالة شي ء منها على ذلك، بل في بعضها إشعار أو دلالة على الخلاف فراجعها. و لكن الذي يسهّل الخطب دعوى إجماع الامّة على وجوب غسل المرفق من كثير من الأصحاب بحيث بلغت حدّ الاستفاضة بل التواتر، بل لم ينقل الخلاف فيه من أحد من المسلمين إلّا عن بعض العامّة ممّن لا عبرة بخلافه. و الظاهر كون الوجوب وجوباً أصليّاً لا تبعيّاً من باب حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بتحقّق المأمور به. الثالثة: في وجوب الغسل من المرفق إلى الأصابع أي من الأعلى إلى الأسفل أو العكس أو التخيير و الذي صرّح به المحقّق في الشرائع هو الأوّل و هو ظاهر المتن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 101

..........

______________________________

خصوصاً مع ملاحظة تغيير الآية في مقام التعبير، و المنشأ لتوهّم الخلاف التعبير بكلمة «إلى» في الآية الشريفة بتقريب انّ المرفق غاية للغسل و انّ الآية ناظرة إلى كيفية الغسل و متعرّضة لبيانها و انّه يجب الابتداء من الأصابع إلى المرفق. و لكنّه لا يخفى ظهورها في كون المرفق غاية للمغسول، كما يظهر بملاحظة الاستعمالات فإنّ التتبّع فيها يقضي بكون استعمال «إلى» إنّما هو لمجرّد التحديد فإنّه لو قال المولى لعبده: اغسل العصا مثلًا من هذا المكان إلى المكان الفلاني لا يفهم العبد منه إلّا مجرّد كون الواجب عليه بمقتضى أمر المولى هو غسل ذلك المقدار المحدود، و أمّا كيفية الغسل و

وجوب الابتداء من المكان الأوّل و الانتهاء إلى المكان الثاني فلا يخطر بباله أصلًا. و بالجملة فالظاهر كون المرفق غاية للمغسول خصوصاً مع ملاحظة عدم التعرّض للابتداء بمثل كلمة «من» كما في المثال فإنّه لو سلّمنا الدلالة على الكيفية فإنّما هي في مثل المثال ممّا يشتمل على كلمتي «من و إلى» و أمّا في مثل الآية ممّا وقع التعبير فيه بكلمة «إلى» فقط فلا دلالة فيه على بيان الكيفية بوجه، فالمراد من الآية إفادة عدم وجوب غسل المقدار الباقي من اليد الذي لو لم يكن التحديد بالمرفق لشملته كلمة اليد و لدلّت الآية حينئذٍ على وجوب غسل جميع أجزائها فهي تدلّ على تحديد المقدار المغسول و لا مجال لتوهّم كون التحديد من ناحية أعلى اليد بحيث كان المفاد وجوب الغسل من أعلى اليد إلى المرفق ضرورة انّ المتفاهم من غسل اليد عند العرف و المتعارف منه هو غسل أسفل اليد فالتحديد إنّما هو من هذه الناحية. و كيف كان فلا ينبغي الإشكال في إطلاق الآية بالنسبة إلى كيفية الغسل و عدم دلالتها على تعيّن أحد النحوين بحيث لو لم يكن في البين ما يدلّ على لزوم الغسل من المرفق إلى أطراف الأصابع على سبيل اليقين لقلنا بالتخيير بينهما و لكن ورد في المقام أخبار تدلّ على تعيّنه و بها يقيّد إطلاق الآية و سائر الروايات المطلقة: منها رواية التميمي المتقدّمة و الأصحّ انّها صحيحة و قد عرفت المراد بقوله عليه السلام: ليس هكذا تنزيلها فهي صحيحة من حيث السند تامّة من حيث الدلالة فلا إشكال في صلاحيتها للتقييد. و منها: بعض الأخبار الحاكية لوضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله المشتملة على ذكر هذه

الخصوصية الظاهرة في كونها ملحوظة للرواة بخصوصها. و منها: غير ذلك من الأخبار و لكنّها غير تامّة من حيث السند. الرابعة: في وجوب غسل شي ء من العضد من باب المقدّمة العلميّة و الاشكال الذي ذكرناه في الوجه لا يجري هنا. الخامسة: في أنّ المقدار الذي داخل في الحدّ الذي يجب غسله سواء كان هو الوجه أو اليدين بتمامه و لا يجوز الإخلال بغسل جزء منه و لو كان مقدار مكان شعرة؛ لأنّ مقتضى بيان الحدّ ليس مجرّد عدم وجوب الغسل الخارج عن الحدّ، بل بيان وجوب الغسل الداخل أيضاً بأجمعه فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 102

مسألة 4- لا يجب غسل شي ء من البواطن كالعين و الأنف

و ما لا يظهر من الشفتين بعد الانطباق، كما لا يجب غسل باطن الثقبة التي في الأنف موضع الحلقة سواء كانت الحلقة فيها أم لا (1).

______________________________

(1) و الدليل على عدم وجوب غسل البواطن مضافاً إلى الاتّفاق عليه و إلى عدم دلالة الآية الكريمة على وجوب غسلها فإنّ المتفاهم عند العرف من غسل الوجه المأمور به فيها هو غسل الظاهر رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: ليس المضمضة و الاستنشاق فريضة و لا سنّة إنّما عليك أن تغسل ما ظهر «1». قال الشيخ:

أي ليسا من السنّة التي لا يجوز تركها. و قال صاحب الوسائل: مراده بالسنّة ما علم وجوبه بالسنّة و هو معنى مستعمل فيه لفظ السنّة في الأحاديث. و يمكن أن يكون المراد بها فرض النبي صلى الله عليه و آله في مقابل فرض اللّٰه تبارك و تعالى فتدبّر. و كيف كان فالرواية تدلّ على حصر ما يجب غسله في خصوص الظاهر و يعضده روايتان اخريان «2» تدلّان على نفي وجوب

المضمضة و الاستنشاق و عدم كونهما من الوضوء معلّلًا بكونهما من الجوف، و يدلّ على الحكم أيضاً الروايات البيانيّة الحاكية لوضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله الخالية عن غسل البواطن. نعم ربما يقال باستحباب فتح العينين عند الوضوء لما رواه الصدوق في الفقيه مرسلًا، و في العلل و ثواب الأعمال مسنداً عن ابن عبّاس: افتحوا عيونكم عند الوضوء لعلّها لا ترى نار جهنّم. و عن الراوندي انّه روى في نوادره باسناده عن الكاظم عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: اشربوا عيونكم الماء لعلّها لا ترى ناراً حامية. و لكن عن الشيخ في الخلاف دعوى الإجماع على عدم استحباب إيصال الماء إلى داخل العينين. و في محكي الذكرى عدم المنافاة بين الحكمين لعدم التلازم بين الفتح و بين إيصال الماء إلى الداخل. و في سند الروايتين ضعف و فتور كما اعترف به صاحب الحدائق و على تقدير العدم أو الاكتفاء به في الحكم الاستحبابي و استفادة كون المستحبّ إيصال الماء لا مجرّد الفتح لا يجري هذا الحكم في غير العين مع انّ أصله حكم استحبابي و الكلام في الغسل الواجب.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و العشرون ح 6.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و العشرون ح 9 و 10.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 103

مسألة 5- لا تجب إزالة الوسخ تحت الأظفار إلّا ما كان معدوداً من الظاهر،

كما انّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً وجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه (1).

______________________________

(1) و الوجه في وجوب إزالة الوسخ تحت الأظفار فيما كان معدوداً من الظاهر كما هو المحكيّ عن المشهور إطلاق ما دلّ على وجوب غسل الظاهر و هو لا يكاد يتحقّق

إلّا بإزالة الوسخ عنه ليصل إليه الماء، و لكن حكي عن العلّامة في «المنتهى» احتمال عدم الوجوب؛ لكونه ساتراً عادة كاللّحية و لعموم البلوى فلو وجبت الإزالة لبيّنوه عليهم السلام و أيّده الاسترآبادي بما ورد من استحباب إطالة المرأة أظفار يديها. و اجيب عنه بأنّ الستر به عادة لو سلّم لا يوجب إلحاقه بالباطن، و أمّا العادة فلم تثبت بنحو تكون سيرة معتمدة، بل دعوى ثبوت العادة بعيدة؛ لأنّ الجزء الذي يعدّ من الظاهر يبعد عن موضع التقليم و يكون طرف الاصبع، و ثبوت العادة على وجود الوسخ فيه كما ترى، و لذا حكي عن المشهور وجوب الإزالة، و ما دلّ على استحباب إطالة المرأة أظفارها غير متعرّض للمقام بوجه. و ممّا ذكر ظهر انّه لو قصّ أظفاره فصار ما تحتها ظاهراً يجب غسله بعد إزالة الوسخ عنه لإطلاق ما دلّ على وجوب غسل الظاهر بعد كون المفروض اتّصافه بكونه ظاهراً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 104

مسألة 6- إذا انقطع لحم من اليدين أو الوجه وجب غسل ما ظهر بعد القطع،

و يجب غسل ذلك اللحم أيضاً و إن كان اتصاله بجلدة رقيقة (1).

______________________________

(1) امّا وجوب غسل ما ظهر بعد القطع فلاتّصافه بعده بكونه من الظواهر و مقتضى الإطلاق وجوب غسله، و أمّا وجوب غسل ذلك اللّحم و إن كان اتّصاله بجلدة رقيقة فلأنّه متّصف بكونه جزء ما دام الاتّصال باقياً و لكن ربّما يحتاط في قطعه ليغسل ما تحت تلك الجلدة فيما لو عدّ ذلك اللّحم شيئاً خارجياً و لم يحسب جزء من اليد، و لكن الجمع بينه و بين وجوب غسله ما دام لم ينفصل ممّا لا يكاد يتمّ؛ لأنّ وجوب الغسل إنّما ينشأ من الجزئية و الاحتياط بالقطع إنّما هو مع

فرض عدمها فكيف يجمع بينهما كما في كلام السيّد قدس سره في العروة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 105

مسألة 7- الشقوق التي تحدث على ظهر الكفّ إن كانت وسيعة يرى جوفها وجب إيصال الماء إليها و إلّا فلا (1).

______________________________

(1) الوجه في وجوب إيصال الماء إليها إن كانت وسيعة يرى جوفها هو اتّصافها بكونها من الظواهر، كما انّ الوجه في عدم الوجوب في غير هذه الصورة كونها من البواطن ضرورة انّ المرجع في التشخيص هو العرف فكلّ مورد حكم بكونه من الظاهر يجب غسله و كلّ مورد لم يحكم بكونه كذلك لا يجب. ثمّ إنّه لو شكّ في كون الشقوق هل تكون بنحو يجب إيصال الماء إليها أو لا تكون كذلك فربّما يقال بعدم وجوب إيصال الماء إليها حينئذٍ عملًا بالاستصحاب.

و يجري في هذا الاستصحاب احتمالان: أحدهما: أن يكون المراد استصحاب كونها من الباطن نظراً إلى اتّصافها بذلك في الحالة السابقة و مقتضى الاستصحاب بقائها على هذه الصفة فلا يجب غسلها. ثانيهما: أن يكون المراد استصحاب عدم وجوب الغسل بلحاظ انّها كانت غير واجبة الغسل في السابق، و مقتضى الاستصحاب بقاء الحكم و عدم طروّ مزيل له. و يرد على الأوّل مضافاً إلى عدم ترتّب حكم شرعي على الباطن بعنوانه غايته ترتّب الحكم على الظاهر بمعنى انّه ليس هنا إلّا حكم شرعي واحد و هو وجوب الغسل و موضوعه الظاهر و لا يكون هنا حكم شرعي آخر مترتّب على عنوان الباطن إلّا أن يكون المراد استصحاب عدم كونه من الظاهر فإنّه يجري لنفي الحكم المرتّب عليه إنّه إن كان الشكّ في كونه من الباطن بنحو الشبهة المفهومية فقد حقّق في محلّه عدم جريان الاستصحاب في مثله كالاستصحاب في مورد الشكّ في الغروب و انّه هل يتحقّق بمجرّد استتار القرص أو

يتوقّف على زوال الحمرة المشرقية و أشباه ذلك. و إن كان الشكّ بنحو الشبهة المصداقية كما إذا كانت هناك ظلمة مثلًا مانعة عن ملاحظة الشقوق و انّه هل تكون وسيعة يرى جوفها أم لا، فالظاهر انّه لا مانع من جريان الاستصحاب في هذه الصورة كما انّه لا مانع من جريان الاستصحاب بالنحو الثاني، و دعوى كون الشرط للصلاة هي الطهارة لا نفس الوضوء و هي لا تثبت بشي ء من الاستصحابين قد عرفت منعها و انّ المستفاد من الأدلّة ليس إلّا كون الشرط هو الوضوء المركّب من الغسلتين و المسحتين لا أمراً آخر حاصلًا منهما.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 106

مسألة 8- ما يعلو البشرة مثل الجدري عند الاحتراق ما دام باقياً يكفي غسل ظاهره

و إن انخرق، و لا يجب إيصال الماء تحت الجلدة، بل لو قطع بعض الجلدة و بقى البعض الآخر يكفي غسل ظاهر ذلك البعض و لا يجب قطعه بتمامه، و لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متّصلة قد تلصق و قد لا تلصق يجب غسل ما تحتها، و إن كانت لاصقة يجب رفعها أو قطعها (1).

______________________________

(1) امّا الاكتفاء بغسل ما يعلو البشرة في الموارد التي حكم فيها في المتن بذلك فلكونه من الظاهر عرفاً و ما تحته من الباطن و لا يقدح في ذلك الانخراق بوجه.

و أمّا عدم الاكتفاء به فيما لو ظهر ما تحت الجلدة بتمامه لكن الجلدة متّصلة قد تلصق و قد لا تلصق فلعدم كون ما تحتها حينئذٍ من الباطن، بل الجلدة تصير حينئذٍ- كالحاجب و لا بدّ من إزالته لو كانت مانعة عن وصول الماء إلى ما تحتها، و لكنّه مع عدم المنع عنه لا يستفاد من العبارة وجوب غسل الجلدة أيضاً و الظاهر

هو الوجوب إذا لم يعدّ شيئاً زائداً خارجياً غير محسوب جزء من اليد أو الوجه فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 107

مسألة 9- يصحّ الوضوء بالارتماس مع مراعاة الأعلى فالأعلى،

لكن في اليد اليسرى لا بدّ أن يقصد الغسل حال الإخراج حتّى لا يلزم المسح بماء جديد، بل و كذا في اليمنى إلّا أن يبقى شيئاً من اليسرى ليغسله باليمنى حتّى يكون ما يبقى عليها من ماء الوضوء (1).

______________________________

(1) امّا صحّة الوضوء بالارتماس فيدلّ عليها مضافاً إلى دعوى الاتّفاق عليها كما عن البرهان و ظاهر الجواهر إطلاق الآية الكريمة و سائر أدلّة الغسل فإنّ الواجب بمقتضاها هو عنوان الغسل و هو كما يتحقّق بصبّ الماء على العضو المغسول كذلك يتحقّق برمسه في الماء؛ لأنّه ليس إلّا عبارة عن مجرّد استيلاء الماء عليه، و اعتبار الجريان في مفهومه على تقديره إنّما هو لأجل وصول الماء بوصفها إلى جميع الأجزاء ضرورة انّ المحتمل إنّما هو اعتبار الجريان بهذا النحو، و أمّا اعتباره بالنحو الذي ينفصل الماء من العضو المغسول و يجري على الأرض أو على الجزء الآخر فلا مجال لاحتماله فالجريان بالنحو الذي احتمل اعتباره لا يقدح في صحّة الوضوء بالارتماس بعد تحقّق هذا النحو من الجريان فيه أيضاً. و يشهد لما ذكرنا تصريحهم تبعاً للرواية بكفاية وضع العضو المجبور في الماء حتّى يصل إلى البشرة و إن كان بعض العبائر يوهم عدم كفاية غمس العضو في الماء إلّا إذا تعذّر نزع الجبيرة نظراً إلى عدم حصول الجريان المعتبر في مفهوم الغسل و لكنّه ضعيف مخالف للفتاوي و النصوص و قد عرفت انّ اعتبار الجريان على تقديره إنّما هو في مقابل إيصال البلل يمسّ اليد الرطبة للمحلّ على نحو الوضع

أو الإمرار و إلّا فلا إشكال في كفاية مجرّد استيلاء الماء على العضو من دون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 108

..........

______________________________

إجراء كما في وضع قطرة من الماء على جزء من العضو بحيث لا يتحرّك عنه، و عليه فالمناقشة في الوضوء بالغمس و الرمس من هذه الجهة ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه. و أمّا مراعاة الأعلى فالأعلى فالدليل عليها ما مرّ من اعتبار ذلك و لكنّه لا بدّ هنا من ملاحظة انّ مراعاة ذلك هل تتحقّق بمجرّد النيّة فقط أو انّ اللّازم هي الرعاية عملًا بحيث يكون غمس المرفق مثلًا متقدّماً على غمس العضو الذي دونه و هكذا؟ و الظاهر هو الثاني؛ لأنّ ظاهر الأدلّة الدالّة على اعتبار الترتيب و رعاية الأعلى فالأعلى هو الرعاية في مقام العمل فلو غسل وجهه للتبريد ثمّ نوى بإبقاء البلل و عدم تجفيفه الغسل للوضوء لا يكفي، بل لا بدّ من إمرار اليد على الوجه بنحو يغسل ثانياً بتحريك الماء من محلّ إلى آخر، و عليه فلا بدّ في المقام من أحد أمرين؛ امّا أن يكون الغمس بنحو التدريج من الأعلى فالأعلى، و أمّا أن يحرّك العضو المرموس في الماء تدريجاً إلى أن يحصل غسل الأجزاء من الأعلى إلى الأدنى تدريجاً. و ممّا ذكرنا يظهر صحّة الوضوء فيما إذا ارتمس بجميع بدنه مع رعاية الشرط المذكور و هو التحريك بنحو يحصل الترتيب بين أجزاء كلّ عضو و بين الأعضاء بعضها من بعض و لعلّه سيأتي التعرّض له. و أمّا الخصوصية التي اعتبرت في اليدين من لزوم أن يقصد الغسل حال الإخراج فالوجه فيها ما افيد في المتن من انّه بدونها يلزم المسح بماء جديد

مع اعتبار أن يكون المسح بنداوة الوضوء، هذا و لكن مراعاة هذه الخصوصية المعتبرة في المسح لا تقتضي تعيّن كون المقصود هو الغسل حال الإخراج، بل هي تتحقّق بما إذا قصد الغسل بكلّ من الإدخال و الإخراج، غاية الأمر كان المقصود بالإدخال هو الغسل الأوّل الواجب، و بالإخراج هو الغسل الثاني المستحبّ على ما سيأتي من استحباب الغسل الثاني كما انّه يمكن دعوى التحقّق بكلّ منهما بقصد كون المجموع عملًا واحداً بحيث لا يكون الإخراج عملًا مغايراً للإدخال كما ربّما يؤيّده العرف فإنّ المتفاهم عندهم كون المجموع عملًا واحداً لا يوجب قصد الغسل حال الإدخال كون المسح بماء جديد فتدبّر. و لعلّ ما ذكرنا هو المنشأ لاستشكال جامع المقاصد في الاكتفاء بقصد الغسل حال الإخراج فقط بأنّ الغمس لا يصدق معه الاستئناف عرفاً. و كيف كان فالمناط هو الغسل بنحو لا يلزم المسح بماء جديد بأيّ طريق حصل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 109

مسألة 10- يجب رفع ما يمنع وصول الماء أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته،

و لو شكّ في وجود الحاجب لم يلتفت إذا لم يكن له منشأ عقلائي، و لو شكّ في شي ء انّه حاجب وجب إزالته أو إيصال الماء إلى ما تحته (1).

______________________________

(1) امّا وجوب رفع المانع عن وصول الماء قطعاً أو تحريكه بحيث يصل الماء إلى ما تحته فوجهه واضح ضرورة أنه بدون الرفع أو التحريك لا يتحقّق الغسل المعتبر في تحقّق الوضوء على ما هو المفروض من كونه مانعاً عن وصول الماء قطعاً و قد مرّ انّ الإخلال بغسل مقدار يسير و لو مقدار مكان شعرة ممّا هو داخل في الحدّ يمنع عن تحقّق الوضوء فالوجه في الوجوب في هذه الصورة ظاهر. و أمّا صورة الشكّ فتارة

يكون الشكّ في وجود الحاجب و اخرى في حاجبيّة الموجود: امّا القسم الأوّل فالمستفاد من المتن هو التفصيل بين ما إذا لم يكن له منشأ عقلائي فلا يلتفت إليه و بين ما إذا كان له منشأ كذلك فاللّازم الالتفات و التخلّص عنه، و لكن ادّعى صاحب الجواهر قدس سره استمرار السيرة التي يقطع فيها برأي المعصوم على أنّه لا يجب على المتوضّي و المغتسل الفحص عن الحواجب مع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 110

..........

______________________________

قيام الاحتمال كما هو الغالب إذ قلّما يحصل القطع للمكلّف بخلوّ بدنه عن دم البرغوث و البق و غيره من الحواجب مع انّ الفحص عنه غير معهود من المتشرّعة بل لو صدر من أحد منهم ذلك ينسب إلى الوسواس. و عن بعض دعوى الإجماع عليه مضافاً إلى أنّ مقتضى الأصل أيضاً ذلك. و ربّما يورد على التفصيل بانّا نجد المكلّفين ربّما يتعذّر عليهم النوم من أوّل الليل إلى الصبح من أذى البق و البرغوث و مع ذلك لا يتفحّصون عن دمهما عند إرادة الغسل و الوضوء، و توهّم انّ احتمال مانعيتهما من وصول الماء لعلّه احتمال غير عقلائي مدفوع بانّا نجدهم لو علموا بوجود دمهما في موضع مخصوص لا يغتسلون إلّا بعد إزالتهما. نعم في مثل احتمال لصوق المشمع و القير و نحوهما ممّا يظنّ بلصوق شي ء منه بالبدن حين المباشرة و يندر ابتلاء المكلّف به ربّما يلتزمون بالفحص في مظانّ لصوقه من باب حسن الاحتياط لا غير كما يظهر وجهه عند ضيق الوقت و غيره من موارد الضرورة فدعوى السيرة بإطلاقها في محلّها. لكن عن الشيخ الأعظم: انّ دعوى الإجماع و السيرة في بعض أفراد

هذا الشكّ مثل الشكّ في وجود قلنسوة على الرأس أو جورب في الرجل أو وجود لباس آخر على البدن أغلظ من ذلك مجازفة، و الفرق بين كون الحاجب المشكوك في وجوده رقيقاً أو غليظاً اقتراح، و الحوالة على موارد السيرة فرار عن المطلب. و ذكر قدس سره في رسالة الاستصحاب في ذيل البحث عن الاصول المثبتة انّه ربّما يتمسّك في بعض موارد الاصول المثبتة بجريان السيرة أو الإجماع على اعتباره هناك مثل إجراء اصالة عدم الحاجب عند الشكّ في وجوده على محل الغسل أو المسح لإثبات غسل البشرة و مسحها المأمور بهما في الوضوء و الغسل و فيه نظر. أقول: يمكن أن يكون وجه تنظّره المناقشة في أصل تحقّق السيرة و الإجماع كما ربّما يؤيّده كلامه المتقدّم، و يمكن أن يكون الوجه فيه أنّ السيرة أو الإجماع بنفسهما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 111

..........

______________________________

حجّة لا أنّهما يوجبان اعتبار اصالة عدم الحاجب. و بعبارة اخرى موردهما عدم الاعتناء بالشكّ في وجود الحاجب لا اعتبار اصالة عدمه فتدبّر. و كيف كان الوجه في عدم الاعتناء بالشكّ في وجود الحاجب إن كان هو اصالة عدم وجود الحاجب فيرد عليه انّه من الاصول المثبتة التي يكون جريانها على خلاف التحقيق و دعوى خفاء الواسطة لو لم تكن مدفوعة من حيث الكبرى فهي مدفوعة صغرى. و إن كان هو دعوى الإجماع فيرد عليه انّه من الإجماع المنقول و هو لا يكون حجّة خصوصاً مع ملاحظة عدم تعرّض جلّ الأصحاب لهذه المسألة. و إن كان هي السيرة التي ادّعى صاحب الجواهر قدس سره القطع فيها برضا المعصوم عليه السلام فيرد عليه عدم ثبوت السيرة إلّا

فيما إذا لم يكن للشكّ منشأ عقلائي، و الظاهر انّ هذه السيرة لا اختصاص لها بالمتشرّعة و لا خصوصية لها بالمقام، بل هي سيرة عقلائية جارية في جميع موارد الشكّ في وجود المانع مع عدم ثبوت المنشأ العقلائي للشكّ فإنّ العقلاء لا يعتنون باحتمال وجود المانع في امور معاشهم و معادهم و يكون ذلك مغروساً في أذهانهم. نعم في موارد ثبوت المنشأ العقلائي يعتنون بالاحتمال و يتفحّصون عن وجود المانع، فالفارق بين الصورتين هو جريان السيرة على عدم الاعتناء في الاولى و على الاعتناء في الثانية و ما أورد على هذا التفصيل من مثال النوم مدفوع بأنّ احتمال وصول شي ء من البق و البرغوث إلى البشرة بحيث يكون مانعاً عن وصول الماء عليها لا يكون احتمالًا عقلائياً مورداً للالتفات عندهم، كما انّ دعوى كون الالتفات في مثال القير و الشمع إنّما هو لأجل حسن الاحتياط واضحة المنع. و منه يظهر انّ مجازفة دعوى السيرة في مثل الشكّ في وجود القلنسوة كما عرفت من الشيخ في عبارته المتقدّمة إنّما هو في صورة ثبوت الاحتمال العقلائي كما إذا كان رأسه مع القلنسوة نوعاً أو رجله مع الجورب كذلك، و أمّا مع عدم ثبوت الاحتمال الكذائي كما إذا احتمل وجود القلنسوة مع كون رأسه فاقداً لها نوعاً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 112

..........

______________________________

فلا تكون الدعوى بمجازفة قطعاً فالإنصاف تمامية ما افيد في المتن. و أمّا القسم الثاني و هو الشكّ في حاجبية الموجود فقد حكم فيه في المتن بلزوم الالتفات إليه و وجوب إزالته أو إيصال الماء تحته، و يدلّ عليه مضافاً إلى جريان قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم تحصيل اليقين بالفراغ بعد

عدم حجّية استصحاب عدم محجوبيّة البشرة لكونه من الاصول المثبتة و لا استصحاب عدم الحاجب بوصف الحاجبيّة لأجله أو لجهة اخرى صحيحة علي بن جعفر عليه السلام عن أخيه عليه السلام قال: سألته عن المرأة عليها السّوار و الدملج في بعض ذراعها لا تدري يجري الماء تحته أم لا كيف تصنع إذا توضّأت أو اغتسلت؟ قال: تحرّكه حتّى يدخل الماء تحته أو تنزعه «1». و لكن ربّما يعارضه ذيلها: و عن الخاتم الضيّق لا يدري هل يجري الماء تحته إذا توضّأ أم لا كيف يصنع؟ قال: إن علم انّ الماء لا يدخله فليخرجه إذا توضّأ. و ما قيل في وجه الجمع بين الصدر و الذيل من هذه الصحيحة وجوه: أحدها: انّ الجمع بحمل أحدهما على الآخر بعيد فيلحقه حكم المجمل و اللّازم الرجوع إلى قاعدة الاشتغال المتقدّمة اختاره في المستمسك. ثانيها: ما اختاره المحقّق الهمداني قدس سره من قصور المعارض للصدر عن المكافئة لأنّ رفع اليد عن ظاهر الذيل بقرينة الصدر أهون من عكسه حيث إنّ ذيلها جواب عن سؤال مستقلّ بحيث لولاه لما أجاب به، فالصدر حال صدوره لم يكن محفوفاً بما يصلح أن يكون قرينة لتعيين المراد، فاحتمال إرادة خلاف الظاهر منه مدفوع باصالة عدم القرينة، و أمّا الذيل: فلأجل احتفافه بما يصلح أن يكون قرينة على إرادة خلاف الظاهر منه. و هو ذكره عقيب الحكم الأوّل بل

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و الأربعون ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 113

..........

______________________________

و كونه سؤالًا عن حكم صورة الشكّ امّا لا ينعقد له ظهور في إرادة نفي البأس بالنسبة إلى حكم الشاكّ أو ليس بحيث يكافئ ظهور

الصدر فلعلّ المراد من قوله عليه السلام: إن علم انّ الماء لا يدخله فليخرجه انّه إن علم أنّه ليس بحيث يدخله الماء على وجه لا يبقى معه الشكّ فليخرجه يعني انّه إن كان له شأنية أن لا يدخله الماء فليخرجه فتأمّل. ثالثها: تقديم ظهور الصدر بتقريب آخر و هو انّ دلالة الصدر بالمنطوق و الذيل بالمفهوم و الأوّل أقوى و إنّ الأوّل نصّ في حكم الشاكّ و الثاني ظاهر حيث انّه يعمّ الشاكّ و العالم بعدم المانعية فيخصّص بغير الشاكّ. و أورد على الأخير بأنّ السؤال في الصدر و الذيل إنّما هو عن حكم الشاكّ فلا يجوز إخراج المورد من موضوع الجواب و حمله منطوقاً و مفهوماً على حكم أجنبي فالذيل كالصدر نصّ في شمول الحكم للشاكّ. و الذي يقتضيه التدبّر في معنى الصحيحة انّه لا بدّ من ملاحظة ما هو المنظور في السؤال الثاني و هو السؤال عن الخاتم الضيق بعد ظهور الرواية في كونها رواية واحدة مشتملة على سؤالين و جوابين في مجلس واحد بل بلا فصل و بعد ظهور عدم كون السؤال و الجواب الأوّل منحصراً بالسوار و الدملج بل كلّ ما كان على أعضاء الوضوء ممّا يوجب الشكّ في جريان الماء تحته فذكرهما إنّما هو من باب المثال من دون خصوصية لهما أو للمرأة و حينئذٍ فبعد هذا السؤال و الجواب المشتمل على بيان الحكم بالنحو الكلّي كما انّ السؤال كان أيضاً كذلك لا بدّ من أن يكون المنظور في السؤال الثاني أمراً آخر مغايراً لما هو المقصود في السؤال الأوّل ضرورة أن تبديل المرأة بالمرء و تبديل السوار و الدملج بالخاتم لا يصحّح أصل السؤال. و يؤيّد ما ذكرنا توصيف

الخاتم بالضيق في السؤال و الاقتصار على الاخراج في الجواب مع انّ الجواب الأوّل كان مدلوله التخيير بين التحريك و النزع فمن ذلك يستكشف كون المراد في السؤال الثاني غير ما هو المراد في الأوّل و الظاهر انّ المراد بعد استفادة التخيير من الجواب الأوّل انّه لو كان الخاتم ضيّقاً بحيث لا يكون تحريكه موجباً للعلم بجريان الماء تحته إذا توضّأ كيف يصنع؟ و المراد من الجواب انّه إن علم انّ الماء لا يدخله بالتحريك بحيث يرتفع الشكّ و يحصل اليقين بوصول الماء إلى ما تحته فالطريق ينحصر بالإخراج نظراً إلى انّه لو لم يكن أحد الطريقين موجباً لحصول العلم فالقاعدة تقتضي تعيّن الآخر و هذا المعنى من الرواية لا يوجب ارتكاب خلاف الظاهر فيها إلّا قوله: إن علم انّ الماء لا يدخله، الظاهر في العلم بعدم دخول الماء كذلك، بل الملاك هو وصول الماء إلى جميع ما تحته مع إحرازه و العلم به فلا محيص من الحمل على هذا المعنى و إن عدّ من خلاف الظاهر فتدبّر. و بالجملة فالصحيحة تدلّ على ما تقتضيه القاعدة من الالتفات و وجوب الإزالة أو التحريك في مورد الشكّ في حاجبية الموجود.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 114

مسألة 11- ما ينجمد على الجرح عند البرء و يصير كالجلدة لا يجب رفعه،

و يجزي غسل ظاهره و إن كان رفعه سهلًا، و أمّا الدواء الذي انجمد عليه فما دام لم يمكن رفعه يكون بمنزلة الجبيرة يكفي غسل ظاهره، و إن أمكن رفعه بسهولة وجب (1).

______________________________

(1) أمّا عدم وجوب رفع ما انجمد على الجرح عند البرء و صار كالجلدة و الاكتفاء بغسل ظاهره و إن كان رفعه سهلًا فلصيرورته جزء عرفاً كسائر أجزاء البشرة. و أمّا الدواء الذي

انجمد عليه فكونه بمنزلة الجبيرة ما دام لم يمكن رفعه إنّما هو لما سيأتي في بحث الجبائر من شمول دائرة الجبيرة لمثل الدواء المنجمد الذي لا يمكن رفعه، و أمّا وجوب رفعه فيما إذا أمكن بسهولة فلعدم كونه حينئذٍ من الجبيرة بل يكون حاجباً يمكن رفعه من دون استلزام للعسر و الحرج فلا محيص عن رفعه لغسل البشرة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 115

مسألة 12- لا تجب إزالة الوسخ على البشرة إن لم يكن جرماً مرئياً

و إن كان عند المسح بالكيس يجتمع و يكون كثيراً ما دام يصدق عليه غسل البشرة، و كذا مثل البياض الذي يتبيّن على اليد من الجص و نحوه مع صدق غسل البشرة، و لو شكّ في كونه حاجباً وجب إزالته. و أمّا مسح الرأس فالواجب مسح شي ء من مقدّمه، و الأحوط عدم الاجتزاء بما دون عرض اصبع، و أحوط منه مسح مقدار ثلاثة أصابع مضمومة، بل الأولى كون المسح بالثلاثة، و المرأة كالرجل في ذلك (1).

______________________________

(1) امّا عدم وجوب إزالة الوسخ على البشرة إذا لم يكن جرماً مرئياً فلأنّه يصدق عليه غسل البشرة، بل ربّما يقال بأنّه ربّما كان جرماً مرئياً و لكنّه عرقاً جزء من البدن و يكون غسله غسلًا للبشرة مثل ما يعلو ظهر القدم و بطنها عند ترك غسله مدّة طويلة. و لكن الظاهر انّه مع الاتصاف بالجرمية عند العرف لا يكون كذلك، بل هو كالحاجب الخارجي. نعم مع عدم الجرمية و إن كانت مرئية لا مانع منه؛ لأنّه كالبياض الذي يتبيّن على اليد من الجصّ و نحوه و كاللون الباقي من الدم بعد غسله لا يكون ملازماً لثبوت جرم و إن كانت الملازمة العقلية متحقّقة لكن الملاك في مثل المقام هو العرف.

و أمّا الكلام في مسح الرأس المذكور في هذه المسألة فيقع في مقامات: المقام الأوّل: في عدم وجوب استيعاب الرأس بالمسح بعد انّه لا خلاف بين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 116

..........

______________________________

المسلمين في أصل وجوبه و يدلّ عليه الكتاب و السنّة و الإجماع، فنقول: الدليل على عدم وجوب الاستيعاب ظاهر الآية الكريمة الواردة في الوضوء المشتملة على قوله تعالى: «و امسحوا برؤسكم» فإنّ التعبير بكلمة «الباء» يدلّ على ذلك: توضيحه انّه لا ينبغي الإشكال في عدم كون الباء في الآية زائدة لأنّه مضافاً إلى أنّ الموارد التي يجوز الإتيان فيها بالباء الزائدة قياساً محدودة و ليس المورد منها- نقول إنّ في المقام خصوصية تنفي هذا الاحتمال و هي انّ العدول عن التعبير في الوجه و الأيدي و تغيير الاسلوب بإدراج كلمة الباء و إدخالها في الرأس يوجب الاطمئنان بكون الإتيان بها لغرض إفهام معنى من المعاني خصوصاً مع ملاحظة انّ مادّة «مسح» ممّا يتعدّى بنفسه، و خصوصاً مع انّ الإتيان بها لو كانت زائدة- يوجب الإخلال بالمقصود كما هو ظاهر. و بالجملة لا ريب في بطلان احتمال الزيادة و حينئذٍ فلا بدّ من حملها على أحد معانيها المذكورة في الكتب النحوية، و المناسب للمقام امّا التبعيض و أمّا الإلصاق و إلّا فسائر معانيها كالاستعانة و السببيّة و غيرهما ممّا لا يناسب بوجه، و الظاهر انّ الإلصاق أيضاً مستبعد بعد كون المسح بمادّته متضمّناً لمعنى الإلصاق إذ لا يكاد يتحقّق بدونه، و إن أبيت عن ذلك فلا يضرّ بالمقصود أصلًا؛ لأنّ الإلصاق يتحقّق بمسمّى المسح، و لذا حكى في «المجمع» عن ابن مالك في شرح التسهيل انّه قال بعد ذكر

انّ الباء تأتي بمعنى من التبعيضيّة و الاستشهاد عليه بكلام أئمّة اللّغة: «و قال النحاة: تأتي للإلصاق و مثّلوه بقولك: مسحت يدي بالمنديل أي لصقتها به، و الظاهر انّه لا يستوعبه و هو عرف الاستعمال و يلزم من هذا الإجماع على أنّها للتبعيض» فإنّ ظاهر كلامه بل صريحه انّ مجي ء الباء للإلصاق مستلزم لمجيئها بمعنى التبعيض. و كيف كان فالظاهر انّ كلمة «الباء» في الآية الشريفة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 117

..........

______________________________

بمعنى من التبعيضيّة، و إنكار سيبويه مجي ء الباء للتبعيض لا يقدح في ذلك بعد تصريح كثير من أئمّة اللغة و أكابر النحويين بذلك، فقد نصّ عليه ابن قتيبة و أبو علي الفارسي و ابن جنّي و ابن مالك في شرح التسهيل و غيرهم، و استشهد عليه ابن مالك بذهاب الشافعي الذي هو من أئمّة اللسان و أحمد و أبي حنيفة إليه، و نقل عن ابن عبّاس مجيئها بمعنى من في قوله تعالى: «أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّٰهِ» «1» و مثله قوله تعالى: «فَاعْلَمُوا أَنَّمٰا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّٰهِ» «2» أي من علم اللّٰه. و بالجملة إنكار ذلك مكابرة محضة و قد عرفت انّ المناسب للآية من بين المعاني إنّما هو هذا المعنى لا المعاني الاخر. و ممّا ذكرنا يعرف الخلل فيما في المصباح و غيره من انّ منع دلالة الآية لا يتوقّف على إنكار مجي ء الباء بمعنى من، بل يكفي في عدم ظهورها في ذلك عدم القرينة على تعين إرادته لأنّ حمل المشترك على بعض معانيه يحتاج إلى قرينة معيّنة. وجه الخلل انّه بعد تسليم مجي ء الباء بمعنى من لا مجال لهذا الإشكال أصلًا

بعد ما عرفت من انّ المناسب من بين المعاني إنّما هو خصوص هذا المعنى. و بالجملة فالإنصاف انّ دلالة الآية الشريفة على ذلك ممّا لا شبهة فيه و لا ارتياب خصوصاً مع تفسير الإمام عليه السلام الكريمة بذلك في صحيحة زرارة حيث قال:

قلت لأبي جعفر عليه السلام: أ لا تخبرني من أين علمت و قلت إنّ المسح ببعض الرأس و بعض الرجلين؟ فضحك فقال: يا زرارة قاله رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و نزل

______________________________

(1) سورة لقمان، آية 31.

(2) سورة هود، آية 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 118

..........

______________________________

به الكتاب من اللّٰه عزّ و جلّ لأنّ اللّٰه عزّ و جلّ قال: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ فعرفنا انّ الوجه كلّه ينبغي أن يُغسل، ثمّ قال: و أيديكم إلى المرافق، فوصل اليدين إلى المرفقين بالوجه فعرفنا انّه ينبغي لهما أن يغسلا إلى المرفقين ثمّ فصل بين الكلام فقال: و امسحوا برؤسكم فعرفنا حين قال: برءوسكم انّ المسح ببعض الرأس لمكان الباء، ثمّ وصل الرجلين بالرأس كما وصل اليدين بالوجه فقال: و أرجلكم إلى الكعبين فعرفنا حين وصلهما بالرأس انّ المسح على بعضها ثمّ فسّر ذلك رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله للناس فضيّعوه الحديث «1».

و هذه الرواية الشريفة تدلّ دلالة واضحة على مجي ء كلمة الباء بمعنى التبعيض و كونه هو المراد في آية الوضوء بحسب ما يدلّ عليه ظاهرها، و ذلك لأنّ السؤال إنّما وقع من زرارة عن مدرك الحكم و مستند القول بجواز المسح ببعض الرأس بحيث لو التفت إليه من لا يقول بإمامة أئمّتنا المعصومين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين للزم عليه القول بذلك، و جواب الإمام عليه السلام أيضاً

إنّما هو مع قطع النظر عن التعبّد و حجّية قوله فإنّه مبني على ما يستفاد من الآية بحسب معاني ألفاظها في اللغة، و بالجملة فرق واضح بين ما إذا صدر الحكم من الإمام تعبّداً و مبنيّاً على اعتبار قول و حجّية رأيه و بين ما إذا صدر منه مقروناً بالاستدلال خصوصاً إذا كان الاستدلال بالكتاب العزيز فإنّه لا مجال في الصورة الثانية لدعوى التعبّد و الابتناء على اعتبار الرأي و حجّية النظر، بل لا بدّ من ملاحظة الدليل من حيث هو و انّه هل يفيد ما بيّنه الإمام عليه السلام أم لا، و لذا يسوغ للراوي الاعتراض لو فرض عدم الدلالة بنظره فإذا لم تكن الباء بمعنى التبعيض أصلًا فهل كان اللّازم على زرارة السكوت في مقابل استدلال الإمام عليه السلام أم كان الجائز بل اللازم الاعتراض

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 119

..........

______________________________

بمنع دلالة الآية على التبعيض. و الإنصاف انّ هذه الرواية مع قطع النظر عن حجّية أقوال الأئمّة عليهم السلام بمقتضى المذهب شهادة من الشخص العارف بلسان العرب على مجي ء الباء بمعنى التبعيض خصوصاً مع ملاحظة تصديق الراوي الذي هو كوفي و مقامه في الفقه و الأدب ظاهر، فهل يسوغ مع ذلك الترديد في دلالة الآية أو إنكارها استناداً إلى رأي سيبويه أم هل يبقى لرأيه قيمة؟ و ممّا يدلّ أيضاً على المطلوب صحيحة اخرى لزرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام فيما حكاه عن وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و في ذيلها: ثمّ قال: و امسحوا برؤسكم و أرجلكم إلى الكعبين فإذا مسح بشي ء

من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه. الحديث «1».

و رواية اخرى لهما أيضاً عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال في المسح تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك، و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «2».

المقام الثاني: في اختصاص موضع المسح بمقدم الرأس، و التحقيق فيه انّ المستفاد من الآية الشريفة و لو بضميمة الرواية المتقدّمة الواردة في تفسيرها هو وجوب مسح بعض الرأس، و حيث إنّها بصدد بيان الوضوء و إفادة كيفيّته فإطلاقها من هذه الجهة يدلّ على كفاية المسح بكل بعض من أبعاض الرأس من دون فرق بين المقدّم و المؤخّر و الجانبين أصلًا، و لو لم يكن في البين دليل آخر من نصّ أو إجماع لم يكن بدّ من الأخذ بإطلاق الآية و الحكم بعدم الفرق بين أبعاضه، و الظاهر انّه ليس هنا دليل يدلّ بإطلاقه على ذلك سوى الآية الشريفة لأنّ الروايات

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 3.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 120

..........

______________________________

الدالّة على انّ المسح ببعض الرأس مسوقة لبيان حكم آخر مثل رواية زرارة المتقدّمة الواردة في تفسير الآية المسوقة لبيان الاستدلال على عدم وجوب الاستيعاب، و مثل الروايتين الاخريين المتقدّمتين اللّتين رواهما زرارة و بكير عن أبي جعفر عليه السلام. و بالجملة فالإطلاق إنّما يستفاد من خصوص الآية الشريفة، و لكن الظاهر انّه لا خلاف في اختصاص موضع المسح بمقدم الرأس و يدلّ عليه أخبار كثيرة:

منها: رواية محمّد بن مسلم

عن أبي عبد الله- عليه السلام- قال: مسح الرأس على مقدّمه. «1»

منها: رواية اخرى له أيضاً قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: امسح الرأس على مقدّمه. «2» و في بعض النسخ بدل قوله: «امسح» ذكر المسح كما في الرواية الاولى، و على التقديرين فكونها رواية اخرى لمحمد بن مسلم بحيث كان له روايتان غير ثابت، و على تقدير أن يكون «امسح» فتقييد إطلاق الآية بها بمجرّدها مشكل؛ لأنّ البعث لا ينافي الاستحباب لعدم اختلاف البعث في الوجوب و الاستحباب أصلًا، و إلزام العقل بإتيان المبعوث إليه إنّما هو لكونه بمجرّده حجّة عليه تحتاج إلى الجواب، و هنا يكون الإطلاق دليلًا على عدم الوجوب و يصحّ للعبد الاحتجاج به على المولى كما لا يخفى، نعم الرواية الاولى الظاهرة في انّ المسح الواجب في الوضوء إنّما هو المسح على المقدّم مقيّدة للإطلاق على تقدير كونها رواية مستقلّة و إلّا فالتقييد محلّ إشكال. و منها: مرسلة حمّاد عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة؟

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 121

..........

______________________________

قال:

يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «1». و الرواية مضافاً إلى كونها مرسلة مخدوشة من حيث الدلالة لعدم دلالتها على وجوب المسح على مقدّم الرأس لكونها مسوقة لبيان عدم وجوب رفع العمامة، و ذكر مقدم الرأس يمكن أن يكون لأجل انّه مع عدم رفعها يكون المسح عليه أسهل من المسح على غيره من الأبعاض. و منها: رواية زرارة المشتملة على نقل ما حكاه أبو جعفر عليه السلام من

وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله المتضمّنة لقوله بعد ذكر الغسلتين: و مسح مقدم رأسه «2».

و منها: رواية علي بن يقطين المحكيّة عن إرشاد المفيد قدس سره و فيها بعد أمره عليه السلام بالوضوء على وجه التقيّة و فعله كما أمره عليه السلام و صلاح حاله عند الرشيد انّه كتب إليه: يا عليّ توضّأ كما أمر اللّٰه تعالى: اغسل وجهك مرّة واحدة فريضة و اخرى إسباغاً، و اغسل يديك من المرفقين، و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنّا نخاف عليك «3».

و قوله عليه السلام: و امسح مقدّم رأسك و إن لم يدلّ على الواجب بمجرّده بحيث يقيّد به إطلاق الآية إلّا أنّ سياق الرواية خصوصاً بملاحظة قوله عليه السلام: توضّأ كما أمر اللّٰه يقتضي كونه للوجوب، إلّا أنّ سند الرواية مخدوش من جهة انّه لا يمكن للمفيد أن يروي عن محمد بن إسماعيل من دون واسطة لو كان المراد به هو محمد بن إسماعيل بن بزيع مضافاً إلى انّ محمّد بن الفضل الذي روى عنه محمد بن إسماعيل مشترك بين الثقة و غيرها. و ظاهر بعض الروايات يدلّ على عدم وجوب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 3.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 2.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الثلاثون ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 122

..........

______________________________

المسح على مقدّم الرأس و عدم اختصاص موضعه به: كرواية حسين بن عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل يمسح رأسه من خلفه و عليه عمامة بإصبعه أ يجزيه ذلك؟ قال: نعم. «1»

قال الشيخ قدس سره: لا يمتنع أن يدخل إصبعه من خلفه و يمسح على مقدّمه. أقول: هذا الحمل بعيد جدّاً و الأولى حملها على التقيّة مضافاً إلى عدم كونها صحيحة من حيث السند. و رواية الحسين بن أبي العلا قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن المسح على الرأس فقال: كأنّي أنظر إلى عكنة في قفاء أبي يمرّ يده عليها و سألته عن الوضوء بمسح الرأس مقدّمه و مؤخّره فقال: كأنّي أنظر إلى عكنة في رقبة أبي يمسح عليها «2». و يمكن أن يكون المراد بها وجوب مسح جميع الرأس فتكون مخالفة لضرورة فقه الإماميّة فلا بدّ من حملها على التقيّة. و رواية اخرى له أيضاً قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: امسح الرأس على مقدّمه و مؤخّره. «3» و ظاهرها أيضاً وجوب مسح الجميع فلا بدّ من الحمل على التقيّة. و غير ذلك من الروايات الاخرى الظاهرة في خلاف ما ذكرنا التي لا بدّ من حملها على التقية أو ارتكاب التأويل فيها. و بالجملة لا إشكال كما انّه لا خلاف في اختصاص موضع مسح الرأس بمقدّمه، و لا إشكال أيضاً في أنّ المراد بمقدّم الرأس هو معناه العرفي الذي هو ربع الرأس تقريباً، و عليه فيكون أوسع من الناصية التي هي ما بين النزعتين من الشعر. و ربّما يتوهّم وجوب مسح خصوص الناصية لدلالة بعض الروايات عليه:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 4.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 5.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و العشرون ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 123

..........

______________________________

مثل ما ورد في بعض الروايات الحاكية لوضوء

رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله من انّ أبا جعفر عليه السلام- بعد حكاية لوضوئه صلى الله عليه و آله- قال: إنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين؛ و تمسح ببلة يمناك ناصيتك «1».

و رواية حسين بن زيد بن علي بن الحسين عن أبيه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا تمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنّما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها، و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها «2».

و لكنّه لا يخفى انّ الرواية الاولى مسوقة لبيان وجوب كون المسح ببلّة اليمنى لا وجوب كونه على الناصية، و على تقدير كونها في مقام البيان من هذه الجهة أيضاً لا يمكن الأخذ بظاهرها الدالّ على وجوب مسح مجموع الناصية كما هو ظاهر. و الرواية الثانية على خلاف مطلوب المتوهّم أدلّ؛ لأنّ ظاهرها انّ المسح على الناصية إنّما هو فيما اقتضت الضرورة و الكلفة الحاصلة بإلقاء الخمار تعذّر المسح على فوقها فظاهرها انّ الموضع الأصلي هو مسح ما فوق الناصية فمفادها وجوب المسح على ما فوقها على الرجال أو استحبابه، فالروايتان أجنبيّتان عن الدلالة على مسح خصوص الناصية فلا يصحّ أن يقيّد بهما إطلاق أدلّة وجوب المسح على مقدم الرأس. و أضعف من توهّم التقييد تفسير الناصية بالمقدم كما حكاه صاحب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 124

..........

______________________________

الحدائق عن بعض معاصريه لظهور انّها بحسب اللغة أخصّ من مقدّم الرأس، و التمسّك لذلك بالروايتين

فيه ما عرفت، بل الرواية الثانية صريحة في خلاف ذلك. المقام الثالث: في المقدار اللّازم في مسح الرأس عرضاً و طولًا، و لا يخفى انّ مفاد الروايات الواردة في المقام الأوّل هو مجرّد إجزاء المسح ببعض الرأس و عدم وجوب استيعابه به، و أمّا كفاية المسمّى أو لزوم المسح بمقدار عرض اصبع واحدة أو مقدار ثلاث أصابع، بل و كون المسح بالثلاثة فلا يستفاد شي ء منها من هذه الروايات لأنّها مسوقة لبيان عدم وجوب الاستيعاب خصوصاً صحيحة زرارة الطويلة، نعم يستفاد منها ما عرفت من كون كلمة «الباء» بمعنى من و حينئذٍ- فيمكن التمسّك بإطلاق الآية الشريفة الدالّة على وجوب المسح ببعض الرأس على كفاية مجرّد المسمّى طولًا و عرضاً لأنّ المفروض انّها بصدد البيان من جميع الجهات فإطلاقها من حيث الماسح و الممسوح دليل على عدم كون شي ء منهما محدوداً بحدّ، بل المدار على صدق الاسم و هذا هو الذي نسب إلى المشهور. و أمّا اعتبار أن لا يكون أقلّ من الاصبع فهو الذي يستفاد من الشيخ قدس سره في التهذيب حيث إنّه بعد الاستدلال على ما في المقنعة من كفاية الاصبع بإطلاق الآية الشريفة قال: «إنّه لا يلزم على ذلك جواز ما دون الاصبع لأنّا لو خلّينا و الظاهر لقلنا بجواز ذلك، لكن السنّة منعت من ذلك» فإنّ ظاهره دلالة السنّة على المنع ممّا دون الاصبع مع انّه لم يعثر فيها على المنع المذكور. نعم هنا روايتان مشتملتان على كلمة «الاصبع»: إحداهما: مرسلة حمّاد عن أحدهما عليهما السلام في الرجل يتوضّأ و عليه العمامة؟ قال:

يرفع العمامة بقدر ما يدخل اصبعه فيمسح على مقدّم رأسه «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و العشرون ح

1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 125

..........

______________________________

. ثانيهما: روايته الاخرى عن الحسين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: رجل توضّأ و هو معتمّ فثقل عليه نزع العمامة لمكان البرد؟ فقال:

ليدخل اصبعه «1».

و أنت خبير بما في الاستدلال بهما من الضعف؛ لأنّه مضافاً إلى أنّ الاولى مرسلة و الثانية ضعيفة لجهالة الحسين نقول إنّهما مسوقتان لبيان عدم وجوب رفع العمامة و كفاية إدخال اليد من تحتها و لا تعرّض فيهما لبيان المسح و المقدار المجزي منه أصلًا، بل الظاهر كون الراوي عالماً بهذه الخصوصية، و إنّما كان مورد شكّه هي الجملة الاخرى، مع انّ كلمة الاصبع لا تكون ظاهرة في الاصبع الواحدة، مع انّ إدخال الإصبع الواحدة لا يلازم المسح بتمام عرضها، و لعلّ الوجه في الاحتياط بعدم الاجتزاء بما دون الاصبع على ما في المتن هو الذي أفاده الشيخ في العبارة المتقدّمة من منع السنّة عن ذلك و لا بأس به بعد ظهور كون المراد من الاحتياط هو الاحتياط غير الوجوبي؛ لأنّ الواجب هو المقدار الذي دلّت عليه العبارة الواقعة قبل هذا الاحتياط و هو مسح شي ء من مقدّمه فالزائد عليه إمّا أن يكون مستحبّاً أو يكون احتياطاً استحبابياً فتدبّر. و كيف كان فالمحكي عن الفقيه و خلاف السيّد و كتاب عمل يوم و ليلة للشيخ وجوب المسح بثلاث أصابع مضمومة، و يمكن الاستدلال له بروايات: منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه قدر ثلاث أصابع و لا تلقي عنها خمارها. «2» بناءً على أنّه لا فرق بين الرجل و المرأة في ذلك و

ذكرها إنّما هو من باب المثال نظير ذكر الرجل في

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و العشرون ح 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و العشرون ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 126

..........

______________________________

كثير من الأخبار الدالّة على بيان الأحكام المشتركة بينه و بين المرأة قطعاً، و يمكن أن يكون ذكرها لأجل التمهيد لإفادة عدم وجوب إلقاء الخمار و إلّا فمسح مقدم الرأس قدر ثلاث أصابع حكم لا يختصّ بها. و لا يخفى ما في الاستدلال بها من النظر؛ لأنّ ذيل الرواية و هو قوله عليه السلام: و لا تلقي عنها خمارها، دليل واضح على كون الرواية مسوقة لبيان عدم وجوب إلقاء الخمار و كفاية المسح على مقدّم الرأس من دون إلقائه و لا تعرّض فيها لبيان كيفية المسح من حيث الماسح و الممسوح فتدبّر. و هنا احتمال آخر في معنى الرواية لعلّه أقوى من سائر الاحتمالات و هو أن يكون قوله عليه السلام: قدر ثلاث أصابع، بياناً لمقدم الرأس الذي يجب مسحه لا وصفاً للمسح المقدر الذي هو مفعول مطلق لقوله: أن تمسح، فيكون معنى الرواية انّ المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه الذي هو قدر ثلاث أصابع، و هو المقدار الذي يكون ظاهراً و خارجاً عن الخمار إذ الخمار المتعارف بين نساء العرب كان يستر جميع الرأس سوى هذا المقدار من مقدّمه كما هو المتداول الآن أيضاً فالمعنى- حينئذٍ كفاية المسح على الناصية بدل المسح على الرأس، و لا دلالة فيها على وجوب مسح جميع مقدار ثلاث أصابع؛ لأنّه لا تعرّض فيها من هذه الجهة، بل محطّ النظر فيها قيام ذلك المقدار مقام الرأس في

كفاية المسح عليه. و الذي يؤيّد هذا الاحتمال بل يدلّ عليه انّ كلمة «يجزي منه، أو عنه» لا تستعمل إلّا فيما إذا كان المقصود بيان قيام شي ء مقام شي ء آخر و اغنائه عنه، قال في «المنجد»: أجزى الأمر منه أو عنه قام مقامه و أغنى عنه» و حينئذٍ فلو كان قوله عليه السلام: قدر ثلاث أصابع، وصفاً للمسح المقدّر يصير معنى الرواية: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح مقدّمه مسحاً قدر ثلاث أصابع، و لازمه أن يكون الواجب في الأصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 127

..........

______________________________

هو مسح جميع الرأس حتّى يكون مسح ذلك المقدار قائماً مقامه و مغنياً عنه مع انّ ضرورة فقه الإمامية تكون على خلافه، و هذا بخلاف المعنى الذي ذكرنا فإنّه يرجع إلى قيام مقدّم الرأس الذي هو قدر ثلاث أصابع مقام موضع مسح الرأس الذي كان المسح عليه واجباً في الأصل. و يؤيّده أي الاحتمال الذي ذكرنا رواية حسين بن زيد المتقدّمة في المقام الثاني الدالّة على انّ المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها و تضع الخمار عنها و إذا كان الظهر و العصر و المغرب و العشاء تمسح بناصيتها، فإنّ مدلولها قيام المسح بالناصية للمرأة مقام المسح على الرأس. و منها: رواية معمر بن عمر عن أبي جعفر عليه السلام قال: يجزي من المسح على الرأس موضع ثلاث أصابع و كذلك الرجل «1».

و يرد على الاستدلال بها ما عرفت من الاحتمال الأخير الجاري في الرواية المتقدّمة، مضافاً إلى أنّ ظهور كلمة «يجزي» في كون فاعلها أقلّ المجزي ممنوع كما عرفته في بعض المباحث السابقة. و منها: ما ورد في بعض الروايات الحاكية لوضوء رسول

اللّٰه صلى الله عليه و آله المشتمل على قوله عليه السلام: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و قد تقدّم نقله في المقام الثاني. و لا يخفى انّ المقصود منه بيان كون المسح ببلّة اليمنى في قبال العامّة القائلين باستحباب المسح بالماء الجديد و لا نظر لها إلى وجوب مسح جميع الناصية أو بعضها. فانقدح ممّا ذكرنا انّه لم ينهض شي ء من الروايات لتقييد إطلاق الآية الدالّ على كفاية المسمّى في المسح بلزوم أن يكون مقدار اصبع أو ثلاث أصابع فضلًا عن أن يكون بثلاث أصابع و منه انقدح الخلل في تفصيلين مذكورين في المسألة:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و العشرون ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 128

..........

______________________________

أحدهما: التفصيل بين حال الاختيار و حال الضرورة بالاكتفاء بالاصبع الواحدة في الحالة الثانية و لزوم الثلاث في الحالة الاولى. امّا لزوم الثلاث فللروايات المتقدّمة الدالّة عليه المحمولة على حال الاختيار كما هو ظاهرها، و أمّا الاكتفاء بالاصبع الواحدة في حال الضرورة فلدلالة رواية حسين المتقدّمة الواردة في مورد ثقل نزع العمامة لمكان البرد على الاكتفاء بها. ثانيهما: التفصيل بين الرجل و المرأة بكفاية الاصبع الواحدة للرجل و لزوم الثلاثة للمرأة، و الوجه فيه هو الأخذ بكلّ من الروايات الدالّة على الاكتفاء بالواحدة الواردة في مورد الرجل و الروايات الدالّة على لزوم الثلاث الواردة في مورد المرأة. و أنت خبير بأنّه بعد ملاحظة ما ذكرنا في معنى الروايات لا يبقى مجال لشي ء من هذين التفصيلين أصلًا، مع انّ رواية الواحدة لا تختصّ برواية الحسين الواردة في مورد الضرورة لوجود مرسل حمّاد الشامل لكلا الموردين مع انّ الضرورة لا تلائم التفصيل فإنّ الضرورة

في لبس العمامة حال الوضوء لا في إدخال إصبع واحدة دون ثلاث، كما انّ مورد رواية الثلاث لا تنحصر بالمرأة لعدم ورود رواية معمّر المتقدّمة في موردها، بل مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين المرأة و الرجل، كما انّ الرواية الحاكية أيضاً مطلقة فالتفصيل بينهما ممّا لا يتمّ أصلًا. ثمّ إنّ الظاهر انّ محل الخلاف المتقدّم في وجوب الثلاث أصابع و استحبابها إنّما هو عرض الرأس لا طوله، بل حكى الاتّفاق عن صريح شرح الدروس و اللوامع على كفاية المسمّى في جانب الطول، لكن ظاهر المسالك انّ محلّ الخلاف هو طول الرأس و أمّا عرضه فيكفي فيه المسمّى، و ربّما وافقه عليه في الجواهر، و استظهر في الحدائق ما حكاه عن الأمين الاسترآبادي من انّ المعتبر في عرض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 129

..........

______________________________

الرأس طول الاصبع و التثليث إنّما هو في طوله مستظهرين له من روايتي التثليث و رواية المسح على الناصية، و عن ظاهر المستند التخيير بين عرض الثلاث عرضاً و طولها طولًا و بين النكس. و الظاهر انّ المراد من نصوص الثلاث هو التقدير العرضي، بل لعلّ رواية معمر بن عمر كانت صريحة في ذلك من جهة عطف الرجل على الرأس بعد ملاحظة عدم الاكتفاء بالثلاث من جهة الطول فيها للزوم الاستيعاب إلى الكعبين كما سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى. و أمّا رواية المسح على الناصية فقد عرفت انّه لا دلالة لها بوجه على وجوب مسح جميع الناصية أو بعضها كما انّك عرفت انّ المراد من نصوص التثليث تقدير مقدّم الرأس لا لزومه بوجه، و لكن البحث هنا إنّما هو على تقدير الدلالة على لزوم مسح

ذلك المقدار، و الظاهر انّه على هذا التقدير لا تعرض لها لجانب الطول أصلًا، بل المرجع من هذه الجهة هو إطلاق الأدلّة من الكتاب و السنّة الخالية من التقدير في جانب الطول، و منه ينقدح الإشكال في الحكم باستحباب الثلاث في جانب الطول أيضاً لخلوّه عن الدليل كالحكم بكون الأفضل المسح بطول اصبع و إن كان يمكن ادّعاء دلالة نصوص التثليث على ذلك من جهة كون الثلاث مذكورة لتحديد العرض بعرضها و الطول بطولها و لكن في هذه الدعوى ما لا يخفى من المنع. ثمّ لو قلنا باستحباب مسح مقدار الثلاث أو طول اصبع في طول الرأس فلا إشكال في أنّه لو أوجد مسح هذا المقدار دفعة يتّصف هذا المسح الخارجي بالوجوب، و أمّا لو أوجده تدريجاً بأن وضع رأس الإصبع على الرأس و أمرّها إلى جهة الطول فهل يتّصف المجموع بكونه أفضل أفراد الواجب، أو يتّصف ما عدا مقدار أقلّ الواجب بالاستحباب؟ و تظهر الثمرة فيما لو بدا له إتمام مقدار الثلث- مثلًا- بعد فراغه منه عرفاً، فعلى الأوّل لا مجال له بعد حصول إطاعة الواجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 130

..........

______________________________

و انتفاء الأمر الاستحبابي بخلاف الثاني. و التحقيق أن يقال باتّصاف ما عدا مقدار المسمّى بالاستحباب لعدم معقولية أفضل أفراد الواجب بحسب القواعد: توضيحه انّه إذا تعلّق الأمر بالطبيعة أو بافراد العامّ فلا إشكال في عدم سراية الأمر من الطبيعة إلى الافراد على الأوّل، بل يكون متعلّقه هي نفس الطبيعة و الافراد لا تكون مطلوبة حتى يكون بعضها أفضل من البعض الآخر، و على الثاني لا إشكال في انّ نسبة الأمر إلى افراد العام انّما تكون على

نهج واحد إذ لا يعقل ترجيح بعض الأفراد على البعض الآخر بنفس ذلك الأمر، بل لا بدّ من تعلّق أمر آخر استحبابي حتّى يستفاد منه الأفضليّة و حينئذٍ نقول: إن كان متعلّق الأمر الاستحبابي هو نفس متعلّق الأمر الوجوبي فلا شبهة في استحالة ذلك كما هو واضح، فلا بدّ امّا أن يكون متعلّقه عنواناً آخر متصادقاً عليه في الوجود الخارجي في بعض الموارد، أو يكون نفس متعلّق الأمر الوجوبي مقيّداً بقيد زائد بناءً على دخول العامين مطلقاً في محلّ النزاع في جواز الاجتماع الأمر و النهي المعنون في الاصول فيجزي فيه القول بالجواز لو قيل به في سائر الموارد. و على التقديرين يكون الاستحباب مستنداً إلى تصادق عنوان آخر عليه و لا يوجب ذلك ترجيحاً بالإضافة إلى الأمر الوجوبي المتعلّق بالجميع. نعم يمكن أن يقال بإمكان أن يكون للمولى أغراض بالنسبة إلى طبيعة واحدة بعضها واجب التحصيل دون البعض الآخر، و كانت أفراد الطبيعة أيضاً مختلفة بعضها مؤثّراً في حصول خصوص الغرض الذي يجب تحصيله، و بعضها يترتّب عليه الغرض الآخر أيضاً، و استكشاف ذلك إنّما هو من طريق الأمر الذي يرشد إلى الإتيان في مقام امتثال الأمر بالطبيعة بذلك الفرد الذي يؤثّر في حصول أغراض المولى بتمامها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 131

..........

______________________________

هذا و لكن ذلك لا يوجب أيضاً تحقّق عنوان أفضل أفراد الواجب فتدبّر. بقي الكلام في هذه المسألة في انّ مقتضى إطلاق المتن عدم اعتبار أن يكون المسح من الأعلى إلى الأسفل و انّه يجزي النكس و قد حكى ذلك عن جماعة بل عن شرح المفاتيح نسبته إلى مشهور المتأخّرين و قد صرّح المحقّق في الشرائع بأنّ

الأفضل مسح الرأس مقبلًا و انّه يكره مدبراً على الأشبه، و الدليل عليه إطلاق الأدلّة سيّما الآية الشريفة الدالّة على وجوب مسح بعض الرأس من دون تقييد بكونه من الأعلى، و يدلّ على ذلك أيضاً خصوص صحيحة حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام: لا بأس بمسح الوضوء مقبلًا و مدبراً. «1» و لكن يوهن الاستدلال بها ما روي بهذا الاسناد عن حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا بأس بمسح القدمين مقبلًا و مدبراً. «2» لأنّه يحتمل قويّاً اتّحاد الروايتين خصوصاً مع اتّحاد الراوي و المروي عنه و ان اسند الرواية الاولى في بعض نسخ «الوسائل» إلى حمّاد بن عيسى و لكن الظاهر انّه اشتباه لعلّه وقع من النسّاخ و الموجود في النسخ المصحّحة هو حمّاد بن عثمان، و عليه فمن البعيد أن يكون هناك روايتان صادرتان من الإمام عليه السلام قد نقلهما حمّاد مرّتين. هذا و لكن هذا الاحتمال بمجرّده لا يسوغ رفع اليد عن الرواية الصحيحة إلّا أنّ الذي يمكن أن يوهن الاستدلال بالرواية هو اشتهار الفتوى بوجوب مسح الرأس مقبلًا بين قدماء الأصحاب كالمرتضى و الشيخ 0 و قد حكى عن الخلاف دعوى الإجماع على ذلك، و عن الانتصار نسبته إلى الأكثر؛ فإنّه لو كانت الرواية تامّة الدلالة على الإطلاق كيف يمكن الفتوى بخلافها مع كونها بمرأى منهم. إلّا انّه لا يخفى انّ ذلك لا يوجب الوهن في التمسّك بإطلاق الآية إذ هذه الشهرة لا تكون كاشفة عن وجود نصّ صالح لتقييد الآية؛ لأنّ مستند فتاويهم امّا دعوى الانصراف الناشئة من تعارف المسح من الأعلى، و أمّا الأخذ بما هو المتيقّن الراجع إلى الاحتياط، و

مع عدم تمامية شي ء من الوجهين عندنا لمنع دعوى الانصراف و عدم كون التعارف موجباً له و منع لزوم الأخذ بالاحتياط مع وجود الدليل المطلق لا مجال لرفع اليد عن إطلاق الآية فالأقوى جواز المسح مقبلًا و مدبراً على ما هو مقتضى اطلاق المتن. و ممّا ذكرنا ظهر انّه لم تثبت أفضليّة الأوّل بالإضافة إلى الثاني و إن كانت الأحوطية ممّا لا شبهة فيه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب العشرون ح 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب العشرون ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 132

مسألة 13- لا يجب كون المسح على البشرة

فيجوز على الشعر النابت على المقدم، نعم إذا كان الشعر الذي منبته مقدم الرأس طويلًا بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه لا يجوز المسح على ذلك المقدار المتجاوز سواء كان مسترسلًا أو مجتمعاً في المقدم (1).

______________________________

(1) عدم وجوب كون المسح على البشرة و جوازه على الشعر النابت على المقدم إنّما هو لأجل ما تقدّم في مسألة غسل الوجه من انّ المتفاهم منه عرفاً ليس إلّا غسل ظاهر اللّحية في المواضع التي تكون البشرة مستورة بها بخلاف غسل اليدين فانّهما لأجل عدم نوعيّة اشتمالهما على الشعر الساتر للبشرة لا يفهم العرف من الأمر بغسلهما إلّا وجوب غسل خصوص البشرة، و لذا لا يكتفي بغسل الشعر عن غسلها، و مسح الرأس نظير غسل الوجه، كما انّ مسح الرجلين نظير غسل اليدين، مع انّه هنا خصوصية زائدة و هي انّ اعتبار المسح خصوصاً بالنداوة الباقية في محالّ الوضوء على ما سيأتي إن شاء اللّٰه تعالى ربّما لا يناسب وجوب المسح على البشرة مع تعارف اشتمالها على الشعر بخلاف الوجه الذي يكون المأمور به فيه هو الغسل الذي يلتئم مع خصوص

البشرة أيضاً. و أمّا اختصاص الجواز بالشعر المختص بالمقدّم فلاعتبار كون المسح على مقدم الرأس كما عرفت و غاية مفاد دليل جواز المسح على الشعر قيامه مقام البشرة في المسح عليه، و من المعلوم اختصاصه بالشعر الذي يعدّ تبعاً لمقدم الرأس بل يوجب المسح عليه صدق عنوان المسح على مقدم الرأس و ملاحظة هذا العنوان يوجب خروج المسح في بعض الموارد كما إذا كان الشعر الذي منبته مقدم الرأس طويلًا بحيث يتجاوز بمدّه عن حدّه فإنّه لا يجوز المسح على المقدار المتجاوز منه لعدم صدق المسح على مقدم الرأس من دون فرق بين ما إذا كان مسترسلًا أو مجتمعاً في المقدم و إن كان عدم الصدق في القسم الأوّل أوضح، كما انّه يوجب الدخول في بعض الموارد كما إذا كان الشعر نابتاً فوق مقدم الرأس أو في حواليه و لكن كان متدلّياً عليه و ساتراً له بمقتضى الخلقة فإنّه لا يبعد جواز المسح عليه للصدق المذكور لأنّه يعدّ تبعاً للمقدم بنظر العرف فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 133

مسألة 14- يجب أن يكون المسح بباطن الكفّ الأيمن على الأحوط

و إن كان الأقوى جوازه بظاهره، و لا يتعيّن الأيمن على الأقوى و الجواز بالذراع لا يخلو من وجه، و الأولى المسح بأصابع الأيمن، و يجب أن يكون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء فلا يجوز استئناف ماء جديد (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين: المقام الأوّل: في آلة المسح، فنقول: قد وقع الخلاف بعد قيام الإجماع بل الضرورة على أنّه لا يجوز المسح بما عدا اليد مطلقاً في أنّه هل يجب أن يكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 134

..........

______________________________

بباطن الكفّ

أو يجوز بظاهره أيضاً أو يجوز بالذراع كذلك، و على التقادير الثلاثة هل يجب أن يكون باليد اليمنى أو يجوز باليسرى أيضاً؟ و لا يخفى انّ الآية الشريفة مطلقة من هذه الجهات و لا دلالة فيها على آلة المسح بوجه و لو بعد تقييدها بكون المسح ببقيّة بلل الوضوء؛ لأنّه يمكن أخذ البلل بشي ء آخر ثمّ إمراره على الرأس بحيث يتأثر بسببه. و دعوى انّه لا يمكن الأخذ بإطلاق الآية لاستلزامه تخصيص الأكثر المستهجن عقلًا، و لا يمكن الالتزام بإهمالها أيضاً فلا بدّ من الالتزام بأنّ تعيين آلة المسح موكول إلى ما هو المعهود المتعارف فلا تحتاج معرفتها إلى بيان خارجي. مدفوعة بأنّ مثل هذا المورد من الموارد التي وقع فيها الخلط بين باب التخصيص و التقييد فإنّ ما هو المستهجن في باب التخصيص الذي يكون المقصود فيه إخراج بعض الافراد عن حكم العام إنّما هو إخراج أكثر الأفراد سواء كان الإخراج مرّة أو مرّات، و أمّا باب التقييد فمدار الاستهجان بنظر العقل، و أمّا إذا كان المقيّد واحداً فلا قبح فيه و لو كانت الأفراد الخارجة بسببه أكثر من مصاديق الطبيعة المقيّدة، بل و لو لم يبق بعد التقييد إلّا واحد فإنّه لا مانع منه و السرّ فيه انّ الحكم في باب المطلق إنّما تعلّق بنفس الطبيعة و لا نظر فيه إلى الأفراد أصلًا، فكثرة الأفراد الخارجة بسبب التقييد و قلّتها لا تصير موجبة للاستهجان و عدمه، أ لا ترى انّه لو قال: اعتق رقبة ثمّ قال: لا تعتق الرقبة الكافرة، لا يكون ذلك مستهجناً بوجه و لو فرض قلّة أفراد الرقبة المؤمنة بالإضافة إلى الكافرة. نعم قد عرفت انّ القبيح هو ما إذا

كانت التقييدات كثيرة و القيود متعدّدة إلى حدّ يكون مستهجناً بنظر العقل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 135

..........

______________________________

و في المقام نقول: إنّ التقييد بلزوم كون المسح باليد تقييد واحد لا قبح فيه أصلًا، كما انّ لزوم التقيّد بكون المسح ببقيّة بلل الوضوء لا يوجب قبح غيره من التقييدات و لو لم يبلغ من الكثرة حدّ الاستهجان. و ممّا ذكرنا من وقوع الخلط بين البابين في بعض الموارد ظهر انّ دعوى انصراف إطلاق الآية إلى الأفراد المتعارفة و هو المسح بباطن الكفّ مندفعة؛ لأنّ تعارف الأفراد و عدمه لا ارتباط له بباب الإطلاق الذي يكون متعلّق الحكم فيه هو نفس الطبيعة، بل الوجه في دعوى الانصراف هو ادّعاء الانصراف إلى بعض القيود، فلو كان القيد على نحو يوجب انصراف الطبيعة المطلقة إلى الطبيعة المقيّدة لصحّ دعوى الانصراف و إلّا فمجرّد ترجيح بعض الأفراد على البعض الآخر بالتعارف و عدمه لا يصحّح دعواه بوجه. و لا يخفى انّ ادّعاء تحقّق هذا النحو من الانصراف في المقام مشكل، فالآية الشريفة مع قطع النظر عن الإجماع و الضرورة يكون مقتضى إطلاقها كفاية المسح بأيّة آلة كانت، و لكنّهما قاما على وجوب المسح بخصوص اليد، فإطلاقهما بالنسبة إلى أجزاء اليد من الكفّ و الزند و الذراع و الظاهر و الباطن باقٍ على حاله. نعم ربّما يقال بوجود الدليل على التقييد باليد اليمنى و هو قوله عليه السلام في صحيحة زرارة المتقدّمة مراراً: و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و لكنّك عرفت انّها مسوقة لبيان اعتبار كون المسح بالبلّة في قبال العامّة القائلين باعتبار كونه بماء جديد، و أمّا اعتبار اليمنى كاعتبار كون الممسوح هي الناصية فلا

يكون بصدد بيانه مع انّه سيجي ء في المقام الثاني انّ المستفاد من الرواية جواز المسح ببلّة اليمنى لأنّ الظاهر كون قوله: و تمسح، عطفاً على فاعل: يجزيك، لا انّه جملة مستقلّة ظاهرة في تعيّن كون المسح ببلّة اليمنى، فالقول بالتعيّن كما عن الإسكافي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 136

..........

______________________________

لا يساعده الدليل، بل الأقوى كما هو المشهور من عدم الفرق بين اليدين و لكن الاحتياط باختيار اليد اليمنى نظراً إلى الصحيحة ممّا لا ينبغي تركه. و أمّا اعتبار الأصابع كما عن الحدائق نسبته إلى جماعة من الأصحاب فدليله غير ظاهر، كما انّ النسبة غير واضحة، و لذا قال في الجواهر: و لم أقف على مصرّح به و الأمر بإدخال الإصبع تحت العمامة في بعض الروايات المتقدّمة لا دلالة فيه على التعيّن، بل هو إرشاد إلى كيفية المسح في حال لبس العمامة و لكن مع ذلك أولويّة الأصابع باعتبار كونها القدر المتيقّن لا شبهة فيها. المقام الثاني: في اعتبار أن يكون المسح بنداوة الوضوء و عدم جواز استئناف ماء جديد، و هذه المسألة من المسائل المهمّة التي وقع الخلاف فيها بين المسلمين العامة و الخاصّة، فإنّ المحكي عن أهل الخلاف انّهم أوجبوا المسح بماء جديد إلّا مالك فإنّه حكم باستحباب ذلك و جواز غيره، و لكن المشهور بل المجمع عليه بين الشيعة خلاف ذلك و انّه لا يجوز المسح بماء جديد، نعم قد نسب الخلاف إلى ابن الجنيد، و الأخبار الواردة عن العبرة الطاهرة صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- المستفيضة بل المتواترة تدلّ على تعيّن المسح بنداوة الوضوء و بلله: و منها: ما في غير واحد من الأخبار البيانيّة من التصريح بأنّه

عليه السلام مسح رأسه ببلّة يده، أو بفضل يديه، أو ببلل كفّه، أو بغيرها من العبارات، فإنّ ذكر هذه الخصوصية يدلّ على كونها مقصودة للرواة بحيث كانوا بصدد بيانها، بل في بعضها التصريح بأنّه عليه السلام لم يحدث لهما أي لمسح الرأس و القدمين ماء جديداً. و يمكن أن يقال: إنّ ذكر هذه الخصوصية في مقابل الفتوى من العامّة بتعيّن كونه بماء جديد لا يدلّ إلّا على مجرّد جواز كون المسح بنداوة الوضوء و عدم لزوم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 137

..........

______________________________

استئناف ماء جديد، و أمّا تعيّن ذلك كما هو المطلوب فلا يستفاد منها أصلًا، و التمسّك لإثبات التعيّن بقوله عليه السلام في ذيل بعض هذه الروايات: إنّ هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلّا به، قد عرفت ما فيه سابقاً من انّ الصدوق ذكره في الفقيه في ذيل رواية اخرى حيث قال فيها: قال الصادق عليه السلام: إنّه ما كان وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلّا مرّة مرّة، و توضّأ النبي صلى الله عليه و آله مرّة مرّة فقال: هذا وضوء لا يقبل اللّٰه الصلاة إلّا به، و- حينئذٍ فالمشار إليه بكلمة «هذا» هو الوضوء مرّة مرّة فلا ربط له بالمقام. و منها: قوله عليه السلام في خبر زرارة المتقدّم إنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى. الحديث «1».

و قد عرفت المناقشة بل الجواب عن الاستدلال بها و انّ مفادها جواز المسح بالبلّة خصوصاً مع

التعبير بأنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر الظاهر في مجرّد محبوبيّة ذلك و مع وقوعه مقابلًا لفتوى العامّة بعدم جواز المسح بنداوة الوضوء و تعيّن كونه بماء جديد. و منها: رواية علي بن يقطين المحكية عن إرشاد المفيد المشتملة على الأمر بالمسح بنداوة الوضوء حيث قال عليه السلام فيها: و امسح مقدم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوءك. «2» فإنّ مجرّد البعث إلى المسح بنداوة الوضوء و إن لم يكن ظاهراً في الوجوب على ما تقدّم فلا يصحّ أن يقيّد به إطلاق الآية الشريفة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الثلاثون ح 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 138

..........

______________________________

الدالّة على مجرّد وجوب المسح ببعض الرأس من غير تقييد بكونه بنداوة الوضوء إلّا أنّ قوله عليه السلام في الصدر: توضّأ كما أمر اللّٰه تعالى ظاهر في انّ الوضوء المأمور به عبارة عمّا بيّنه بقوله بعد ذلك، فغيره لا يكون مأموراً به أصلًا إلّا انّك عرفت انّ سند الرواية مخدوش. و منها: صحيحة عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتضمّنة لقصّة وضوء النبي صلى الله عليه و آله لمّا اسري به إلى السماء، و فيها: ثمّ أوحى اللّٰه إليه أن اغسل وجهك فإنّك تنظر إلى عظمتي، ثمّ اغسل ذراعيك اليمنى و اليسرى فإنّك تلقى بيدك كلامي، ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء. «1» و قوله: امسح، و إن كان مجرّد بعث لا ينافي الاستحباب إلّا أنّ قرينة السياق تقتضي الحمل على الوجوب كما مرّ. و منها: رواية خلف بن حمّاد عمّن أخبره عن أبي عبد

اللّه عليه السلام قال: قلت له:

الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟ قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه أو أشفار عينيه. «2»

و هذه الرواية مضافاً إلى كونها مخدوشة من حيث السند لا دلالة فيها على تعيّن ذلك لاحتمال أن يكون وجوب المسح ببلل اللّحية مثلًا لكونه في الصلاة إذ- حينئذٍ لا يكون قادراً على المسح بالماء الجديد نوعاً كما هو ظاهر. و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: و يكفيك من مسح رأسك أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك. «3» و دلالتها على المدّعى ممنوعة كما هو غير خفيّ.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 5.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح 1.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 139

..........

______________________________

و منها: رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتّى دخل في الصلاة؟ قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصلِّ. الحديث. «1» و دلالتها على المطلوب أيضاً ممنوعة. و منها: رواية مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى مسح رأسه ثمّ ذكر انّه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه، و إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء. «2» و دلالتها على المطلوب قويّة جدّاً، و احتمال كون الأمر بالإعادة لفوات الموالاة في صورة الجفاف مدفوع

بأنّ فوتها لا يدور مدار الجفاف، بل يمكن تحقّقها بدونه كما يمكن العكس، بل هو الواقع غالباً في بلد المدينة و نظائرها من البلاد الحارّة. و منها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك و امسح به رأسك و رجليك، فإن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء «3».

و دلالتها أيضاً على المدّعى واضحة لأنّه لا مجال لهذه التكلّفات لو كان المسح بالماء الجديد جائزاً، و الاحتمال المذكور في الرواية السابقة مدفوع بما تقدّم.

و المناقشة في السند بالإرسال مدفوعة بأنّ هذا النحو من المرسلات التي اسند مضمونها إلى الإمام عليه السلام بل اسند عين ألفاظها إليه من دون إسناد إلى الرواية

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح 3.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح 7.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الحادي و العشرون ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 140

..........

______________________________

و النقل لا يقصر عن المسندات بل يكون هذا النحو شهادة بوثاقة الرواة الواقعين في طريقها بحيث كان الناقل مطمئناً بصدورها و لذا أسندها إليه عليه السلام و توهّم كون ثبوت الوثاقة عنده لا يجدي بالإضافة إلينا؛ لأنّه من الممكن أن لا يكون موثقاً عندنا لعثورنا على الجرح الذي لم يعثر الناقل عليه، مدفوع بأنّ هذا الاحتمال لا يجري في مثل هذه الرواية التي يكون ناقلها مثل الصدوق الذي

كان قريب العهد بزمان الأئمّة عليهم السلام و لم يكن علمه بحال الرواة مستنداً إلى الاجتهاد المحتمل للخطأ، مضافاً إلى أنّ توثيق الصدوق لا يقصر عن توثيق النجاشي و غيره من أئمّة علم الرجال.

و بالجملة فالظاهر انّ رفع اليد عن مثل هذه الرواية للمناقشة في سندها بالإرسال ممّا لا مساغ له أصلًا. و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسى مسح رأسه قال:

فليمسح، قال: لم يذكره حتّى دخل في الصلاة؟ قال: فليمسح رأسه من بلل لحيته. «1»

و دلالتها على المدعى ممنوعة كما مرّ وجهه. و لكنّك قد عرفت في صدر المسألة انّ هذا الحكم يكون كالضروري بين الإماميّة بحيث لا يحتاج إلى إقامة الدليل عليه، و قد وردت هنا روايات تدلّ على لزوم كون المسح بماء جديد و لكنّها مؤوّلة أو محمولة على التقيّة: منها: رواية أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام قلت: أمسح بما على يدي من الندى رأسي؟ قال: لا بل تضع يدك في الماء ثمّ تمسح «2».

و منها: رواية معمر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام أ يجزي الرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال برأسه: لا، فقلت: أ بماءٍ جديد؟ فقال برأسه:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الحادي و العشرون ح 9.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الحادي و العشرون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 141

..........

______________________________

نعم. «1»

و وجّهها في «الوافي» بأنّ إيمائه عليه السلام برأسه نهي لمعمّر بن خلّاد عن هذا السؤال لئلّا يسمعه المخالفون الحاضرون في المجلس فإنّهم كانوا كثيراً ما يحضرون مجالسهم عليهم السلام فظنّ معمّر انّه نهاه عن المسح ببقيّة البلل فقال:

أ بماءٍ جديد، فسمعه الحاضرون فقال برأسه: نعم، و مثل هذا يقع في المحاورات كثيراً. و منها: رواية جعفر بن عمارة بن أبي عمارة قال: سألت جعفر بن محمّد عليهما السلام:

أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال: خذ لرأسك ماءً جديداً. «2» قال الشيخ قدس سره: الوجه فيه التقيّة لأنّ رواته رجال العامّة و الزيدية. و منها: رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام في رجل نسى أن يمسح على رأسه فذكر و هو في الصلاة، فقال: إن كان استيقن ذلك انصرف فمسح على رأسه و على رجليه و استقبل الصلاة، و إن شكّ فلم يدر مسح أو لم يمسح فليتناول من لحيته إن كانت مبتلّة و ليمسح على رأسه، و إن كان أمامه ماء فليتناول منه فليمسح به على رأسه «3».

و هذه الرواية مضافاً إلى كونها مخدوشة من حيث السند غير ظاهرة الدلالة على جواز المسح بالماء الجديد لاحتمال كون المراد بقوله: انصرف فمسح على رأسه، هو الانصراف ثمّ التوضّي ثانياً، و على كلا التقديرين يعارضها الأخبار المتقدّمة الدالّة على عدم وجوب التوضّي ثانياً و عدم وجوب الانصراف لأجل المسح بل يكفي المسح ببلّة اليد ثمّ اللّحية ثمّ الحاجبين و أشفار العينين. ثمّ إنّ ذيل الرواية الظاهر في وجوب المسح في صورة الشكّ فيه مخالف لصريح أخبار التجاوز و الفراغ الواردة في الوضوء، مضافاً إلى مخالفته لفتاوى الأصحاب أيضاً إلّا أن يحمل الأمر فيها على الاستحباب. و كيف كان فقد عرفت انّ هذا الحكم صار من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تكلّف إقامة الدليل عليه فالأخبار الظاهرة في خلافه لا بدّ من حملها على التقيّة لو كانت آبية عن التأويل.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب

الحادي و العشرون ح 5.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الحادي و العشرون ح 6.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الأربعون ح 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 142

مسألة 15- يجب جفاف الممسوح على وجه لا ينتقل منه أجزاء الماء إلى الماسح.

و أمّا مسح القدمين فالواجب مسح ظاهرهما من أطراف الأصابع إلى المفصل على الأحوط طولًا و إن كان الأقوى كفايته إلى الكعب و هو قبّة ظهر القدم، و لا تقدير للعرض فيجزي ما يتحقّق به اسم المسح، و الأفضل بل الأحوط أن يكون بتمام الكفّ، و ما تقدّم في مسح الرأس من جفاف الممسوح و كون المسح بما بقي في يده من نداوة الوضوء يجري في القدمين أيضاً (1).

______________________________

(1) الوجه في و جوف جفاف الممسوح هو انّ المتفاهم عرفاً من الأمر بمسح الرأس ببلل الوضوء وجوب إيصاله إليه و تأثّره منه، و المستفاد من ذلك أمران: أحدهما: أن تكون اليد مشتملة على رطوبة مسرية كانت من بقيّة بلل الوضوء لأنّ التعبير الواقع في الأخبار هو المسح بالبلّة، و لا يصدق ذلك مع عدم التأثّر منها، و هذا التعبير يغاير التعبير بالمسح باليد المبتلّة فإنّه يمكن المناقشة فيه بعدم دلالته على لزوم إيصالها إليه و إن كانت مندفعة بكون المتفاهم عرفاً منه أيضاً ذلك. و حيث اعتبر أن تكون الرطوبة من بقيّة بلل الوضوء فلو امتزجت برطوبة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 143

..........

______________________________

خارجية غالبة بحيث انتفى صدق بلّة الوضوء فلا شبهة في عدم كفاية المسح بها ما لم تستهلك في الرطوبة الأصلية، و حينئذٍ فلا يجوز المسح بعد الغسلة الثالثة التي ليست من الوضوء، و كذا المسح بالبلّة الباقية في اليد بعد غسلها بطريق الارتماس فيما

إذا نوى الغسل بخصوص إدخالها فيه أو بخصوص مكثه في الماء، و أمّا لو نوى غسلها بإخراجها من الماء أو بالمجموع من الإدخال و الإخراج بناءً على كونه عملًا واحداً عرفاً فلا إشكال في الجواز أصلًا. ثانيهما: تنشيف المحلّ لو كان رطباً ضرورة انّه بدونه يلزم أن يكون المسح بغير بلّة الوضوء و قد عرفت انّ المتفاهم عرفاً هو إيصال بلّة الوضوء إلى الرأس و تأثّره منها فمع الرطوبة لا يتحقّق التأثّر و يكفي في الجفاف ما أفاده في المتن من كونه على وجه لا ينتقل منه أجزاء الماء إلى الماسح و هو عبارة اخرى عن حصول التأثّر للرأس بسبب المسح ببلّة اليد، نعم لو كانت البلّة الباقية كثيرة بحيث توجب غسل المحلّ عرفاً فالظاهر عدم جواز نيّة المسح به بأن يكون المقصود تحقّقه في ضمن الغسل لأنّ الغسل و المسح مفهومان متضادّان و مع تحقّق أحدهما يمتنع تحقّق الآخر فتدبّر. و أمّا مسح القدمين، فالكلام فيه يقع في مقامات: المقام الأوّل: في أصل وجوب مسح الرجلين الذي هو معتقد كافّة علمائنا الإمامية (رض) في مقابل جمهور المخالفين القائلين بوجوب غسلهما كالوجه و اليدين و قد تقدّم البحث في هذا المقام في أوّل مبحث الوضوء فراجع. المقام الثاني: في أنّه هل يكون الواجب مسح مجموع القدمين ظاهرهما و باطنهما أو يجب مسح خصوص الظاهر فقط؟ مقتضى النصوص الكثيرة التي لعلّها تبلغ حدّ التواتر هو الثاني و نقتصر على نقل بعضها فنقول:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 144

..........

______________________________

منها: رواية زرارة و بكير ابني أعين عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال في المسح: تمسح على النعلين و لا تدخل يديك تحت

الشراك و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف الأصابع فقد أجزأك «1».

مع انّ الآية الشريفة بناءً على أن يكون الأرجل معطوفاً على محلّ الرءوس أو مجروراً معطوفاً على نفسها دالّة على كون المأمور به هو المسح ببعض الرجلين و لا يلائم ذلك مع وجوب مسح مجموعهما ظاهرهما و باطنهما، و قد تقدّمت رواية زرارة الواردة في تفسير الآية الدالّة على كون المراد هو المسح بالبعض كالرأس، فالآية بنفسها تدلّ على عدم وجوب مسح الجميع، و عليه فما ورد في بعض الأخبار من مسح مجموعهما فمضافاً إلى ضعف سنده لا بدّ من الحمل على التقيّة لأنّه مذهب من يرى المسح من العامّة و يقول باستيعاب الرجل كما نقله الشيخ قدس سره في «التهذيب» مع كونه مخالفاً لظاهر الكتاب الدالّ على التبعيض فتدبّر. المقام الثالث: في انّه بعد اختصاص الوجوب بمسح الظاهر فيه يقع الكلام في تقديره طولًا و عرضاً و لنقدّم الكلام في العرض فنقول ظاهر الآية الشريفة عدم وجوب الاستيعاب و كفاية المسمّى في ناحية العرض بناءً على قراءة «أرجلكم» مجروراً معطوفاً على «رءوسكم» لما عرفت من انّه لا ينبغي الارتياب في كون الباء للتبعيض، و أمّا بناءً على قراءة النصب فإن كان عطفاً على مجموع الجار و المجرور فالظاهر وجوب الاستيعاب كما هو المستفاد بالنسبة إلى غسل الوجه و اليدين، و إن كان عطفاً على محلّ المجرور فقط فالظاهر أيضاً كفاية التبعيض هذا ما تقتضيه الآية الشريفة، و أمّا الأخبار فما يمكن أن يستدلّ بها لوجوب الاستيعاب طائفة:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص:

145

..........

______________________________

منها: صحيحة زرارة الواردة في حكاية أبي جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و فيها: انّه عليه السلام مسح مقدم رأسه و ظهر قدميه ببلّة يساره و بقيّة بلّة يمناه «1».

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1403 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي؛ ص: 145

و لكن الظاهر انّ المقصود من هذه الجملة هو وقوع المسح ببلّة الوضوء في قبال المسح بالماء الجديد فلا يستفاد منها مسح مجموع الظهر، و يؤيّده انّ مسح مقدم الرأس على وجه الاستيعاب لا يكون واجباً كما عرفت. و منها: ذيل تلك الصحيحة المشتملة على قول أبي جعفر عليه السلام: تمسح ببلّة يمناك ناصيتك، و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرىٰ. و يرد عليه أيضاً ما عرفت من عدم الدلالة لأنّها مسوقة لبيان حكم آخر، و يؤيّده انّ مسح مجموع الناصية ليس بواجب كما مرّ. و منها: صحيحة زرارة و بكير الواردة في حكاية أبي جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله المشتملة على انّه عليه السلام مسح رأسه و قدميه ببلل كفّه لم يحدث لهما ماء جديداً «2».

و الجواب عن الاستدلال بها ما عرفت من عدم الدلالة و كونه مسوقة لبيان حكم آخر. و منها: صحيحة البزنطي قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفّه على أصابعه فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت: جعلت

فداك لو أنّ رجلًا قال بإصبعين من أصابعه هكذا إلى الكعبين؟ قال:

لا، إلّا بكفّه كلّها «3».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 2.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و العشرون ح 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 146

..........

______________________________

و دلالتها على المقام ممنوعة؛ لأنّ التأمّل فيها يعطي انّ النظر إنّما هو إلى آلة المسح، لا مقدار الممسوح، الذي هو مورد النزاع هنا، و حينئذٍ فالواجب طرح الرواية لعدم وجود قائل بوجوب كون الآلة هو مجموع الكفّ حتّى الصدوق القائل بوجوب مسح مقدار الكفّ فإنّ ظاهره وجوب مسح المقدار المذكور و لو حصل بإصبع واحدة. و منها: رواية عبد الأعلى قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ، قال اللّٰه تعالى: «مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»، امسح عليه «1».

و تقريب الاستدلال بها انّه لو لا وجوب مسح مجموع ظهر القدم لما كان للأمر بالمسح على المرارة مستشهداً بآية نفي الحرج وجه كما هو غير خفي. و لكن ربّما يقال إنّ ذلك مبني على أن يكون الظّفر المنقطع عن اصبعه هو ظفر اصبع الرجل إذ لو كان المراد به هو ظفر أصابع اليد لكانت الرواية أجنبية عن المقام و حينئذٍ فيمكن أن يقال بمنع دلالة الرواية على الأوّل إذ من المحتمل هو الثاني، و جملة «عثرت» لا تنافيه لأنّها بمعنى السقط بالوجه و هو قد يوجب انقطاع ظفر اليد. و لكن يرد عليه مضافاً إلى انّه لا ينبغي الارتياب في ظهور عبارة

السؤال في كون المراد بالظفر هو ظفر اصبع الرِّجل انّه على تقدير عدم الظهور يكفي في صلاحية الرواية للاستدلال مجرّد ترك الاستفصال كما هو غير خفيّ. و منها: موثّقة عمّار قال: سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينقطع ظفره

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح 5 و قد صرح الكليني في موضع بأن هذا الرجل هو عبد الأعلى بن أعين و وثقه المفيد- قدس سره- بهذا العنوان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 147

..........

______________________________

هل يجوز له أن يجعل عليه علكاً؟ قال: لا و لا يجعل إلّا ما يقدر على أخذه عنه عند الوضوء و لا يجعل عليه إلّا ما يصل إليه الماء «1».

و يجري فيها الاحتمال المذكور في رواية عبد الأعلى و يؤيّده هنا قوله: و لا يجعل عليه... فإنّ وصول الماء إنّما يكون معتبراً في الغسل دون المسح فتدبّر. و أمّا ما يدلّ على انّ الواجب إنّما هو المسح ببعض القدمين كالرأس فهي جملة من الأخبار: منها: ما ورد في الأخبار الكثيرة من انّ الإمام عليه السلام لم يدخل يده في حال المسح تحت الشراك، أو لم يستبطن الشراكين. و دلالتها على عدم وجوب الاستيعاب من جانب العرض مبنيّة على أن يكون وضعه بحيث تسير بعض الأصابع، و أمّا لو كان ساتراً لما هو خارج عن حدّ المسح طولًا كما إذا كان ساتراً للمفصل فقط فهي لا تدلّ على عدم وجوب الاستيعاب كما انّه لو كان ساتراً لظهر القدم ممّا هو داخل في الحدّ طولًا تصير هذه الأخبار دليلًا على عدم وجوب استيعاب ذلك الحدّ من طرف الطول أيضاً. و منها: صحيحة زرارة و بكير

المتقدّمة في مسح الرأس المشتملة على أنّه إذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد أجزأه. و دلالتها على كفاية المسح ببعض القدمين ظاهرة. و منها: صحيحة اخرى لزرارة المتقدّمة الواردة في كيفية استفادة مسح بعض الرأس و الرجلين من الكتاب. و دلالتها على كفاية المسح ببعض الأرجل واضحة أيضاً، و لو نوقش فيها بعدم كونها مسوقة لبيان هذه الجهة؛ لأنّ إطلاقها وارد مورد حكم آخر، فنقول: هذه الرواية من جهة كونها واردة في تفسير الآية الشريفة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 148

..........

______________________________

يستفاد منها انّ كلمة «الباء» المفيدة للتبعيض لا تنحصر بالرءوس بل الأرجل أيضاً كذلك فهي امّا أن تكون مجرورة معطوفة على الرءوس، أو منصوبة معطوفة على محلّ نفس المجرور، و على التقديرين يستفاد الاكتفاء بالبعض لا من نفس الرواية ليناقش فيها بما ذكر بل من الآية بضميمة الرواية الواردة في تفسيرها، و قد عرفت مراراً انّ الآية إنّما تكون في مقام البيان من جميع الجهات فهي الحجّة في المقام من دون معارض لعدم صلاحية الأخبار المتقدّمة للمعارضة لعدم تمامية دلالتها على وجوب الاستيعاب كما هو حال أكثرها و عدم قوّة ظهور في النّفي بحيث تصلح لصرف الآية عن ظاهرها أو لرفع اليد عن الرواية الواردة في تفسيرها كما هو شأن رواية عبد الأعلى المتقدّمة فالاستيعاب من جهة العرض لم ينهض دليل على وجوبه. و أمّا من ناحية الطول فهل الواجب الابتداء من رءوس الأصابع و الانتهاء إلى الكعبين أو يكفي المسمّى كما في جانب العرض على ما عرفت؟ قولان، و

قد ادّعى الإجماع على الأوّل، و في المحكي عن الحدائق انّه نقل عن الشهيد قدس سره في الذكرى احتمال عدم الوجوب، و به جزم المحدِّث الكاشاني في محكي المفاتيح و استظهره صاحب الحدائق. و لا بدّ من ملاحظة مستند المسألة فنقول: امّا الآية الشريفة فقد عرفت اختلاف قراءة «الأرجل» من جهة الجرّ و النصب، فلو كانت الأرجل منصوبة معطوفة على محلّ الجار و المجرور بحيث كان مرجعه إلى قوله: امسحوا أرجلكم فلا إشكال في استفادة الاستيعاب منها؛ لأنّ المقتضى للتبعيض إنّما هي كلمة الباء المنتفية على هذا الاحتمال نظير الوجه و اليدين على ما عرفت من دلالة الآية بظاهرها على وجوب استيعاب غسلهما، و لا ينافي ذلك ما تقدّم من كفاية المسمّى من المسح

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 149

..........

______________________________

في ظهر القدم عرضاً فإنّ خروج جهة العرض لا يوجب عدم الدلالة على الاستيعاب في جانب الطول بناءً على أن لا يكون المستند هناك خصوص الآية الشريفة الدالّة على التبعيض و لو بضميمة ما ورد في تفسيرها كما لا يخفى، و بالجملة فمقتضى هذه القراءة الاستيعاب طولًا. و أمّا لو كانت القراءة بالجرّ أو بالنصب عطفاً على محلّ المجرور فقط، فالظاهر كفاية المسمّى في جانب الطول أيضاً سواء قلنا بكون الغاية غاية للمسح أو غاية للممسوح، امّا على الثاني فواضح؛ لأنّ مقتضى هذين الاحتمالين كون الأرجل كالرءوس مدخولة لكلمة «الباء» التي أظهر معانيها في المقام هو كونها بمعنى من التبعيضية على ما تقدّم في مسألة مسح الرأس فلو كانت غاية للممسوح يصير مقتضاها وجوب المسح بشي ء من هذا المقدار المحدود بالكعبين و حينئذٍ- فإطلاقها يوجب الاكتفاء بالمسمّى في جانب الطول

كالعرض على ما هو ظاهر. و أمّا لو كانت غاية للمسح فلأنّ مقتضى ذلك هو وجوب انتهاء المسح إلى الكعبين و هو لا ينافي عدم وجوب الاستيعاب إذ يمكن المسح من الموضع القريب إلى الكعبين منتهياً إليهما إذ المفروض انّ الواجب هو المسح ببعض الأرجل غاية الأمر انّه يجب انتهائه إليهما و هو متحقّق في الفرض المذكور إذ لم يقع التحديد من الطرفين حتّى يكون ظاهره وجوب مسح مجموع ذلك مبتدئاً من طرف و منتهياً إلى الطرف الآخر بل التحديد إنّما وقع في طرف الانتهاء فقط، و بالجملة كون الكعبين غاية للمسح لا يستلزم الاستيعاب الموجب للشروع من رءوس الأصابع كما هو ظاهر. هذا ما تقتضيه الدقّة في الآية الشريفة مع قطع النظر عن التفسير الوارد من أهل البيت الذين هم العارفون بالكتاب و الراسخون في العلم العالمون بتأويله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 150

..........

______________________________

و تنزيله و الذين أذهبن اللّٰه عنهم كلّ رجس حتّى رجس الجهل و عدم العلم، و أمّا مع ملاحظته فنقول: مقتضى صحيحة زرارة و بكير و كذا صحيحة اخرى لزرارة- المتقدّمتين هو كون الأرجل كالرءوس في كونها مدخولة لكلمة «الباء» المفيدة للتبعيض فاحتمال كونها منصوبة معطوفة على مجموع الجار و المجرور يندفع بذلك، نعم لا يستفاد من ذلك خصوص الخفض أو النصب معطوفاً على محلّ المجرور فقط، و لكن لا يكاد يترتّب على هذه الجهة ثمرة لما عرفت من انّ مقتضى كلّ منهما عدم وجوب الاستيعاب، مضافاً إلى دلالة صحيحة زرارة و بكير على كون الكعبين غاية للممسوح، و ذلك لأنّ التعبير بكلمة «إلى» إنّما وقع فيها في طرف الأصابع فلو كانت غاية للمسح لم

يجز التعبير بها في طرف الأصابع في مقام التفسير فوقوعه دليل على كونها غاية للممسوح و قد عرفت انّه بناءً عليه لا خفاء في كفاية المسمّى في جانب الطول أيضاً. و ممّا ذكرنا يظهر انّ ما أفاده في «المصباح» من انّ كون كلمة الباء في الآية للتبعيض لا ينافي ظهورها في الاستيعاب من حيث الطول؛ لأنّ معناها على هذا التقدير: فامسحوا من أرجلكم من رءوس الأصابع إلى الكعبين، و هذه العبارة ظاهرة في وجوب الاستيعاب طولًا. ممّا لا يكاد يتمّ أصلًا لما عرفت من انّ التحديد لم يقع من الطرفين حتّى يكون ظاهراً في الاستيعاب، بل إنّما وقع من طرف واحد و الانتهاء إليه يتحقّق في مثل المثال الذي ذكرنا من دون استلزام للاستيعاب مع انّك عرفت دلالة صحيحة زرارة و بكير على كون الكعبين غاية للممسوح و انّه بناء عليه لا خفاء في كفاية المسمّى في جانب الطول أيضاً. نعم ربّما يستشكل في دلالتها بأنّها مبنيّة على أن تكون كلمة «ما» في قوله: أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع، بدلًا من القدمين،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 151

..........

______________________________

و أمّا لو كانت بدلًا من «شي ء» أو خبراً لمبتدإ محذوف و هو الضمير الراجع إلى الشي ء فظاهرها حينئذٍ وجوب مسح مجموع ذلك المقدار إذ الباء الداخلة على الشي ء لا يراد منها التبعيض، بل هو مفاد نفس الشي ء فتدبّر. و لكنّك خبير بأنّ احتمال كونه بدلًا من القدمين هو أقرب الاحتمالات بنظر العرف فالترجيح معه، و لكنّه في «المصباح» بعد ما حكم بقوّة هذا الاحتمال ذكر انّ وقوع الرواية تفسيراً للآية و تفريعاً على ظاهرها يضعف سائر الاحتمالات

و يقوّي احتمال كونه بدلًا من شي ء. و أنت تعلم بأنّ ذلك مبني على ما أفاده من استفادة الاستيعاب من الآية و لو كانت كلمة الباء للتبعيض و قد عرفت عدم تماميّته و انّ الآية تدلّ على كفاية المسمّى حينئذٍ فإجمال الرواية على تقديره يرتفع بالآية إذ بعد دلالتها على عدم وجوب الاستيعاب لا يبقى مجال لغير الاحتمال الذي قرّبناه فإجمال الآية من حيث دخول الباء على الأرجل ترتفع بهذه الرواية و بصحيحة زرارة المتقدّمة المصرّحة بالتبعيض، و إجمال هذه الرواية من جهة هذه الاحتمالات يرتفع بالآية الشريفة الدالّة على كفاية المسمّى على تقدير دخول الباء على الأرجل كما هو ظاهر. فتلخّص ممّا ذكرنا انّ مفاد إطلاق الآية بضميمة الرواية هو كفاية المسمّى مطلقاً- عرضاً و طولًا. و لكنّه قد استدلّ للمشهور بجملة من الأخبار: منها: صحيحة عمر بن اذينة عن أبي عبد اللّه عليه السلام المتقدّمة الواردة في حكاية المعراج المشتملة على قوله تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله: ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء، و رجليك إلى كعبيك «1».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 152

..........

______________________________

و لا يخفى انّ الغرض في هذه الرواية و نظائرها إنّما تعلّق بإفادة لزوم كون المسح بنداوة الوضوء في مقابل العامّة القائلين بلزوم المسح بالماء الجديد، و لو سلم تعلّق الغرض ببيان جميع الخصوصيات فاللّازم في الرواية مضافاً إلى لزوم تقييد مسح الرأس الظاهر في الاستيعاب بمسح مقدّمه لا كلّه بل بعضه كما عرفت أن يقال برفع اليد عن ظهورها في وجوب مسح الرجلين جميعاً ظاهراً و باطناً لعدم وجوب مسح

الباطن قطعاً على ما تقدّم ثمّ رفع اليد عن ظهورها في وجوب مسح مجموع الظهر، بعد تقييدها به لما مرّ من كفاية المسمّى عرضاً بلا إشكال، و كذلك يجب رفع اليد عن ظهورها في وجوب الابتداء من رءوس الأصابع و الانتهاء إلى الكعبين لما سيأتي من جواز مسح الرجلين مدبراً و مقبلًا، و مع هذا كلّه كيف يمكن رفع اليد عن ظهور الآية بسبب هذه الرواية. و منها: ما في رواية بكير و زرارة عن أبي جعفر عليه السلام المشتملة على حكايته وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله الدالّة على أنّه مسح رأسه و قدميه إلى الكعبين بفضل كفّيه لم يجدّد ماءً «1».

و يرد على الاستدلال بها ما عرفت من كونها مسوقة لبيان انّه مسح بنداوة وضوئه، و الدليل عليه قوله عليه السلام: مسح رأسه، مع انّ الاستيعاب فيه لا يكون واجباً بالاتفاق. و منها: رواية الأعمش الدالّة على انّ الوضوء الذي أمر اللّٰه به في كتابه الناطق غسل الوجه و اليدين إلى المرفقين و مسح الرأس و القدمين إلى الكعبين. و دلالتها على ما ذكروه ممنوعة كما هو ظاهر «2».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 11.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح 18.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 153

..........

______________________________

و منها: رواية علي بن عيسى الإربلي عن علي بن إبراهيم في كتابه، عن النبي صلى الله عليه و آله الواردة في تعليم جبرئيل عليه السلام الوضوء له صلى الله عليه و آله الدالّة على أنّ الوضوء على الوجه و اليدين من المرفق و مسح الرأس و الرجلين إلى الكعبين «1».

و هي مع انّها مرسلة- ممنوعة

الدلالة و وجه المنع ظاهر. و نظيرها رواية عيسى ابن المستفاد عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عليهما السلام انّ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله قال لعلي و خديجة لمّا أسلما: إنّ جبرئيل عندي يدعوكما إلى الإسلام إلى أن قال: و إسباغ الوضوء على المكاره الوجه و اليدين و الذراعين و مسح الرأس و مسح الرجلين إلى الكعبين «2».

و منها: ما رواه الكليني عن يونس قال: أخبرني من رأى أبا الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر القدمين من أعلى القدم إلى الكعب؛ و من الكعب إلى أعلى القدم و يقول:

الأمر في مسح الرجلين موسع؛ من شاء مسح مقبلًا و من شاء مسح مدبراً فإنّه من الأمر الموسع إن شاء اللّٰه «3».

و لكنّها مضافاً إلى كونها مرسلة لا دلالة لها على وجوب الاستيعاب فلعلّه عليه السلام كان يعمل بالاستحباب؛ و غرض الراوي إنّما تعلّق ببيان انّه مسح مقبلًا و مدبراً فلا يرتبط بالمقام. فانقدح ممّا ذكرنا انّه ليس هنا ما يدلّ على لزوم الاستيعاب حتّى يقيّد به إطلاق الآية الشريفة، و لكن ذهاب جلّ العلماء بل كلّهم إلى زمان الشهيد الذي احتمل في الذكرى عدم الوجوب يمنعنا عن التمسّك بإطلاق الآية و إن لم يكن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 24.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 25.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 154

..........

______________________________

لهم مستند سوى ما ذكر ممّا عرفت فيه عدم الدلالة إلّا انّ الفتوى بذلك منهم ربّما تصير قرينة لترجيح بعض الاحتمالات في مثل صحيحة زرارة و بكير المتقدّمة و إن كان في حدّ

نفسه خلاف الظاهر فإنّ استفادة غيره من مثلها دليل على أنّ الرجحان العرفي مع الاحتمال الذي ذكروه إذ من البعيد كون الاحتمال الظاهر مخفيّاً عندهم فالعمل على المشهور متعيّن. و قد بقي هنا امور يجب التنبيه عليها: الأوّل: إنّ المراد بالكعبين هل هو قبّتا القدمين و هما العظمان الناتيان في وسط القدم كما هو المشهور بين الإمامية على ما هو ظاهر كلماتهم، أو العظمان الناتيان عن يمين السّاق و شماله كما هو مذهب الجمهور، أو المفصل بين الساق و القدم كما هو ظاهر عبارة العلّامة في محكي «المختلف» و قد نزّل كلمات العلماء و معاقد إجماعاتهم عليه و قال: و في عبارة العلماء اشتباه على غير المحصّل، أو العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق و القدم و له زائدتان في أعلاه يدخلان في حفرتي قصبة السّاق، و زائدتان في أسفله يدخلان في حفرتي العقب و هو نات في وسط ظهر القدم يعني وسطه العرضي و لكن نتوّه غير ظاهر بحس البصر كما اختاره الشيخ البهائي قدس سره في أربعينه و نزّل كلام العلّامة عليه لأنّه قد يعبّر عنه بالمفصل لمجاورته له أو من قبيل تسمية الحالّ باسم المحلّ و هو الذي في أرجل الغنم و البقر و بحث عنه علماء التشريح؟ وجوه و أقوال. و الظاهر إطلاق الكعب على كلّ واحد منها و لكنّه يمكن أن يقال: إنّ إطلاقه على غير ما اختاره العلّامة إنّما هو باعتبار معناه الوصفي و هو الارتفاع و النشوز كما يقال: «كعب ثدي الجارية» إذا على، و عن ابن الأثير في نهايته: «و كلّ شي ء ارتفع فهو كعب» و المحكي عن الصحاح انّه قال: «كعب الرمح النواشز

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 155

..........

______________________________

في أطراف الأنابيب» و أمّا إطلاقه على المفصل فهو الذي ذكره في القاموس فقال في محكيه:

«الكعب كلّ مفصل للعظام» و حكي في الأربعين عن الفخر الرازي في تفسيره الكبير أنّه قال «و المفصل يسمّى كعباً» و مع وجود هذا الاختلاف لا بدّ من ملاحظة الأخبار الواردة في تفسير الكعبين الوارد في الآية الشريفة فنقول: منها: صحيحة زرارة و بكير المتقدّمة و فيها: قلنا: أين الكعبين؟ قال: هاهنا يعني المفصل دون عظم الساق، فقلنا: هذا ما هو؟ فقال: هذا عظم السّاق و الكعب أسفل من ذلك كما في الكافي أو عظم الساق كما في التهذيب الحديث «1». و الظاهر انّ قوله: دون عظم الساق وصف للمفصل فيكون المراد: انّ محلّ الكعبين هو المفصل الذي يقرب عظم الساق و حينئذٍ ينطبق على ما ذكره البهائي خصوصاً مع قوله عليه السلام في الذيل و الكعب أسفل من ذلك، فإنّ المشار إليه بكلمة «ذلك» هو عظم الساق الذي سأل الراويان عن انّه ما هو، فأسفلية الكعب منه لا تناسب العظم الناشز في ظهر القدم، و تعبيرهما في السؤال بكلمة «أين» الظاهرة في السؤال عن المحلّ ظاهر في انّ محلّهما هو المفصل لا انّه هو نفس الكعب، فالرواية بظاهرها ناطقة بمقالة البهائي قدس سره. و منها: حسنة ميسّر عن أبي جعفر عليه السلام في حكاية وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله إلى قوله: ثمّ وضع يده على ظهر القدم ثمّ قال: هذا هو الكعب و قال: و أومى بيده إلى الأسفل العرقوب ثمّ قال: إنّ هذا هو الظنبوب. «2» و العرقوب بالضمّ عصب غليظ فوق العقب، و الظاهر

اتّصاله بعظم الساق فيكون الغرض نفي ما يقوله الجمهور من انّه هو العظم الناشز في آخر السّاق إلّا أنّ قوله: وضع يده

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 156

..........

______________________________

على ظهر القدم، محتمل لأن يكون محلّه هي القبّة أو المفصل و لا دلالة له على خصوص أحدهما إلّا أنّ حمل الكعب على نفس ظاهر القدم بقوله عليه السلام: هذا هو الكعب، يشعر بخلاف قول البهائي قدس سره كما لا يخفى، و كيف كان فالرواية مجملة من حيث احتمالها لأمرين. و يمكن أن يستظهر من الأخبار الواردة في قطع رجل السّارق منضمّة بعضها مع بعض انّ المراد بالمفصل هو المفصل الواقع في وسط القدم. منها: رواية معاوية بن عمّار قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: يقطع من السارق أربع أصابع و يترك الابهام، و تقطع الرجل من المفصل و يترك العقب يطأ عليه «1».

و منها: ما رواه عن أبي جعفر عليه السلام في حديث السرقة قال: و كان إذا قطع اليد قطعها دون المفصل فإذا قطع الرجل قطعها من الكعب قال: و كان لا يرى أن يعفى عن شي ء من الحدود «2».

و منها: رواية سماعة بن مهران قال: قال: إذا أخذ السّارق قطعت يده من وسط الكفّ، فإن عاد قطعت رجله من وسط القدم، فإن عاد استودع السجن، فإن سرق في السجن قتل «3».

و منها: رواية إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم عليه السلام قال: تقطع يد السارق و يترك ابهامه و صدر راحته، و تقطع رجله و يترك له عقبه يمشي عليها «4». فإنّ

______________________________

(1) الوسائل أبواب حد السرقة الباب الرابع ح- 7.

(2) الوسائل أبواب حد السرقة الباب الرابع ح- 8.

(3) الوسائل أبواب حد السرقة الباب الرابع ح- 3.

(4) الوسائل أبواب حد السرقة الباب الرابع ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 157

..........

______________________________

الجمع بين هذه الروايات المختلفة بحسب الظاهر حيث إنّ مفاد الاولى هو القطع من المفصل و مفاد الثانية هو القطع من الكعب، و مدلول الثالثة هو القطع من وسط القدم، و صريح الأخيرة هو القطع بمقدار يمكن له المشي على الباقي يقتضي أن يكون المراد بالكعب هو المفصل و بالمفصل، هو الواقع في وسط القدم، فالمراد بالكعب هو وسط القدم- كما هو المشهور بينهم. و بالجملة: فانعقاد إجماع الإمامية على أنّ المقدار الذي يجب قطعه من رجل السارق هو الذي يمكن له المشي على الباقي، و دلالة الرواية على إطلاق الكعب و المفصل عليه يدلّ على أنّ المراد بالكعب هو ما في وسط القدم من القبّة و بالمفصل ما هو الواقع في وسطه أيضاً إذ لو قطعت من المفصل بين الساق و القدم لا يمكن له المشي على الباقي كما هو واضح، و حينئذٍ يرتفع البعد عن أن يكون المراد بالمفصل في صحيحة الأخوين زرارة و بكير المتقدّمة الواردة في المقام هو المفصل الواقع في وسط القدم، بل لا بدّ بملاحظة هذه الروايات من حملها على ذلك، و حينئذٍ- فيكون المراد من قوله عليه السلام فيها: دون عظم السّاق، هو غير عظم الساق فلا ينافي في الحمل على المفصل بهذا المعنى كما انّه بذلك يرتفع إجمال رواية ميسّر أيضاً إذ لا محيص من حملها على كون المراد بظهر القدم هو وسطه. و

يمكن أن يناقش في استفادة ما ذكرنا من أخبار السرقة بأنّ المراد بالقدم فيها هو الذي يكون العقب جزء منه فحدّه من رءوس الأصابع إلى آخر العقب، و- حينئذٍ فيمكن أن يكون المراد بالمفصل هو المفصل بين الساق و القدم كما هو الظاهر منه عند الإطلاق إذ هو واقع في وسط القدم تقريباً، و يؤيّده ما في أكثرها من أنّه يترك له العقب فإنّه لو قطع من قبّة القدم يبقى له أزيد من العقب. و بالجملة لو كان المفصل الواقع في الوسط منحصراً بالقبّة لكان اللّازم بملاحظة وجوب القطع من الوسط كما في رواية سماعة حمله عليه و القول

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 158

..........

______________________________

بأنّه المراد بالكعب، و لكن حيث إنّه يمكن توصيف المفصل بين الساق و القدم بوقوعه في وسط القدم فأيّ مانع من أن تكون رواية معاوية قرينة على أنّ المراد بوسط القدم الواقع في رواية سماعة هو الذي ينطبق على هذا المفصل، هذا مضافاً إلى أنّه لو سلّم كون مدلول أخبار السرقة هو إطلاق الكعب على المفصل الواقع في وسط القدم أي قبّته و لكن ذلك لا يوجب أن يكون المراد به في المقام أي الوضوء أيضاً ذلك إذ لا ملازمة بين المقامين فتدبّر. و الذي يمكن أن يقال: إنّ إطلاق الكعب في كلّ مقام إنّما هو بملاحظة معناه الوصفي و هو الارتفاع و النشوز كما عرفت و ما حكى عن بعض اللغويين من إطلاقه على كلّ مفصل للعظام فالظاهر أيضاً انّه بملاحظة الارتفاع الحاصل للعظام عند التقائها كما نراه بالعيان فإنّ المفصل حيث يكون مجمعاً للعظمين فصاعداً فلا محالة يكون مرتفعاً عن سائر أجزائهما، و

حينئذٍ فالمفصل من حيث إنّه مفصل لا يطلق عليه الكعب، بل بملاحظة النشوز و النتو المتحقّق عنده، و يؤيّده ما تقدّم من المحكي عن الصحاح فإنّ ظاهره انّ الكعب يطلق على النواشز في أطراف الأنابيب لا نفس الأنابيب التي هي المفاصل، نعم إطلاقه على العظم المائل إلى الاستدارة الواقع في ملتقى الساق و القدم و هو الذي يلعب به الصبيان في غير عظم الإنسان ممّا لا مجال لإنكاره فالأمر حينئذٍ يدور بين ما ذكره المشهور على ما هو ظاهر عبائرهم بل صريحها و بين ما أفاده البهائي قدس سره فنقول: الخبر المتقدّم الدالّ على أنّ الكعب هو ظهر القدم و غيره من الأخبار الدالّة على ذلك يعيّن مقالة المشهور لعدم كون ذلك العظم في ظهر القدم و إن سلّمنا اتّصافه بوقوعه في وسط القدم، مضافاً إلى أنّه لو سلّم الإجمال فوجوب المسح إلى الكعبين الذي هو مدلول الآية الشريفة يتحقّق امتثاله بالمسح إلى قبّة القدم لأنّه مسح إلى الكعب، و إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 159

..........

______________________________

أنّ ظاهر كلمات الأصحاب و معاقد إجماعاتهم بل صريحهما كون الكعب هي القبّة، و العجب من العلّامة قدس سره كيف نزل عباراتهم على مقالته مع صراحة بعضها بل أكثرها في خلافه، فالأقوى ما ذكره المشهور و إن كان الأحوط خلافه. الثاني: انّه هل الكعبان داخلان في المسافة فيجب مسحهما أو لا؟ وجهان بل قولان: ظاهر الآية الشريفة هو الثاني سواء فرض كونهما غاية للمسح أو للممسوح، و الوجه فيه خروج الغاية عن المغيّى كما عرفت في غسل اليدين، و وقوع الكعب بداية للمسح في رواية يونس المتقدّمة حيث قال: أخبرني من رأى أبا

الحسن عليه السلام بمنى يمسح ظهر قدميه من أعلى القدم إلى الكعب، و من الكعب إلى أعلى القدم. لا يدلّ على كونه داخلًا فيما يجب مسحه؛ لأنّ التعبير بكلمة «من» لا دلالة فيه على دخول مدخولها بل يصدق مع الخروج أيضاً كما يظهر بمراجعة المحاورات العرفية. و بالجملة فالرواية أجنبيّة عن الدلالة على دخول الكعب في المسافة، مضافاً إلى أنّ خبر الأخوين المتقدّم المشتمل على قوله عليه السلام: فإذا مسحت بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك، يدلّ على خروجهما لأنّ ظاهره كون المسافة هو ما بين الحدّين لا نفسهما، و قد مرّ انّ ظاهر هذه الرواية كون الكعبين في الآية الشريفة غاية للممسوح؛ لأنّ التعبير بكلمة «إلى» إنّما وقع في طرف الأصابع و معه لا يبقى إشكال في خروجهما كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّه يمكن أن يقال إنّ مرسلة يونس المتقدّمة أجنبية عن الدلالة على وجوب مسح الكفّ و لو قلنا بكون مدخول كلمة «من» داخلًا في المسافة، توضيحه: انّ الظاهر انّ المراد بأعلى القدم ليس هو رءوس الأصابع كما ربّما يتوهّم- بل المراد به هو أعلاه حقيقة و هو ما فوق قبّة القدم من المفصل بينه و بين السّاق لأنّ إطلاقه على رءوس الأصابع ممّا لا وجه له و حينئذٍ فالمراد بقوله: يمسح ظهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 160

..........

______________________________

قدميه. ليس انّ الإمام عليه السلام مسح في وضوئه كذلك، بل المراد به انّه عليه السلام فعل كذلك تنبيهاً على انّ أمر مسح الرجل موسع، فهو كان في مقام التعليم عملًا لا بصدد وضوئه بنفسه، فلا تكون الرواية مسوقة لبيان المسح في الوضوء من حيث الشروع

من الكعب إلى أعلى القدم و بالعكس، بل كان ذلك للإشارة إلى موسعية أمر مسح الرجل، و من هنا يستكشف انّ المراد بالكعب هي قبّة القدم ضرورة انّه لو كان المراد به هو المفصل لم يكن تغاير بينه و بين أعلى القدم بمعناه الحقيقي لأنّ المراد به هو المفصل بلا ريب فافهم و اغتنم. الثالث: ظاهر إطلاق عبارة المتن انّه يجوز المسح منكوساً؛ لأنّ التعبير ب (من) و (إلى) إنّما هو لبيان مقدار الممسوح فلا دلالة فيه على كيفية المسح و عدم التعرّض لها يدلّ على جوازه مطلقاً و الدليل عليه إطلاق الآية الشريفة الدالّة على أنّ الواجب هو مسح المقدار المحدود بالكعبين لما عرفت من انّ كلمة «إلى» فيها تدلّ على غاية الممسوح و لو بملاحظة رواية الأخوين لو سلّمنا ظهورها في نفسها في كونها غاية للمسح، و لنا أن ننكر ذلك و نمنع هذا الظهور و نقول بظهور الآية في خلافه و لو مع قطع النظر عن الرواية و الشاهد عليه ملاحظة الاستعمالات الرائجة عند العرف و حينئذٍ فإطلاقها يقتضي جواز المسح منكوساً بأن يمسح من الكعب إلى رءوس الأصابع و كذا بعضه مقبلًا و بعضه مدبراً. و يدلّ على جوازه منكوساً مضافاً إلى ذلك قوله عليه السلام في صحيحة حمّاد المتقدّمة في مسح الرأس: لا بأس بمسح الوضوء مقبلًا و مدبراً، و في خبر آخر له أيضاً كما تقدّم: لا بأس بمسح القدمين مقبلًا و مدبراً. و ظاهرهما هو التخيير بين إيقاعه بتمامه مقبلًا و بين إيقاعه كذلك مدبراً لا الجمع بينهما في مسح واحد، و تؤيّده مرسلة يونس- المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: الأمر في مسح

تفصيل الشريعة في شرح

تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 161

..........

______________________________

الرجلين موسّع: من شاء مسح مقبلًا و من شاء مسح مدبراً فإنّه من الأمر الموسّع إن شاء اللّٰه، و لكن لا دليل على تقييد إطلاق الآية بغير هذه الصورة فالظاهر هو الجواز مطلقاً و إن كان الأحوط ترك التبعيض. الرابع: ظاهر إطلاق المتن أيضاً تبعاً للأشهر انّه ليس بين الرجلين ترتيب، و الدليل عليه إطلاق الآية الشريفة الآمرة بمسح الأرجل من دون تعرّض للترتيب، و ليس هنا إطلاق يمكن الاستناد إليه غيره و ذلك لأنّ الأخبار البيانية كلّها مسوقة لبيان الجهة التي كانت معركة للآراء بين العامّة و الخاصّة و لا تكون واردة لبيان هذه الجهة حتّى يجوز الأخذ بإطلاقها كما يظهر بالتأمّل فيها، بل في بعضها إشعار بثبوت الترتيب بين الرجلين أيضاً. و بالجملة دعوى انّ خلوّها عن التعرّض لهذه الخصوصية على كثرتها و تعرّضها لسائر الخصوصيات قرينة على عدم كون هذه الخصوصية ملحوظة عندهم جدّاً فليس في البين إلّا إطلاق الآية الشريفة القابل للتقييد و نقول هنا روايات يمكن تقييد الإطلاق بها: منها- و هي أظهرها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: ذكر المسح فقال: امسح على مقدّم رأسك و امسح على القدمين، و ابدأ بالشقّ الأيمن «1».

و منها: صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: تابع بين الوضوء كما قال اللّٰه عزّ و جلّ، ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمن شيئاً بين يدي شي ء تخالف ما أمرت به، فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرجل ثمّ أعد على

الرجل ابدأ بما بدأ اللّٰه عزّ و جلّ به «2».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و العشرون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 162

..........

______________________________

فإنّ قوله عليه السلام: تابع بين الوضوء حكم كلّي بالنسبة إلى جميع أجزائه، فقوله عليه السلام:

ابدأ بالوجه، إنّما هو مذكور على سبيل المثال فلا دلالة له على انحصار الترتيب بما ذكر و الدليل عليه قوله عليه السلام في الذيل: إن مسحت الرجل قبل الرأس... فإنّ مقتضاه وجوب تقديم مسح الرأس على الرجلين مع انّ قوله عليه السلام: ثمّ امسح الرأس و الرجلين، لا دلالة له على ذلك. و يرد على هذا الاستدلال انّ المتابعة الواجبة في الوضوء إنّما تكون محدودة بالترتيب المذكور في كلامه تعالى من غسل الوجه ثمّ اليدين ثمّ مسح الرأس ثمّ الرجلين، و أمّا المتابعة بين جميع أجزاء الوضوء فلا دلالة للرواية على وجوبها فهل يستفاد منها وجوب تقديم غسل اليد اليمنى على اليد اليسرى مع انّ المذكور في كلامه تعالى هو غسل الأيدي، و على تقديره فمن أين يستفاد تقدّم الأيمن على الأيسر. فالإنصاف انّ هذه الرواية لا تصلح لتقييد الآية خصوصاً مع كونها ناظرة إلى بيان معنى ظاهر الآية كما لا يخفى، نعم لا مجال لإنكار دلالتها على وجوب الترتيب الذي لا يستفاد من نفس الآية بلحاظ كون العطف بالواو لا يفيد الترتيب إلّا انّ البحث في دلالتها على الترتيب بين الرجلين و لا يكاد يستفاد ذلك من الرواية كعدم استفادة وجوب الترتيب بين اليدين. و منها: رواية أبي هريرة: انّ النبي صلى الله عليه و آله كان إذا توضّأ بدأ بميامنه

«1».

و لكنّها مضافاً إلى كونها ضعيفة السند ممنوعة الدلالة فإنّها حكاية لفعله صلى الله عليه و آله و الفعل أعمّ من الوجوب. و منها: رواية محمد بن عبيد اللّٰه بن أبي رافع و كان كاتب أمير المؤمنين عليه السلام-

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 163

..........

______________________________

انّه كان يقول: إذا توضّأ أحدكم للصلاة فليبدأ باليمنى (باليمين) قبل الشمال من جسده. «1»

و لكنّها ضعيفة من حيث السند. و منها: ما رواه في الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عجّل اللّٰه تعالى فرجه الشريف انّه كتب إليه يسأله عن المسح على الرجلين بأيّهما يبدأ باليمين أو يمسح عليهما جميعاً معاً؟ فأجاب عليه السلام: يمسح عليهما جميعاً معاً فإن بدأ بإحداهما قبل الاخرى فلا يبدأ إلّا باليمين «2».

و منها: رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجلين فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضّأ، و قال: اتبع وضوئك بعضه بعضاً. «3» فإنّ ذيلها يستفاد منه حكم كلّي بالنسبة إلى جميع أجزاء الوضوء و إن كان موردها غسل اليدين. و بالجملة مع وجود هذه الروايات التي لا تخلو عن صحيحة من حيث السند و ظاهرة من جهة الدلالة كصحيحة محمد بن مسلم لا مجال للأخذ بإطلاق الآية، نعم مقتضى إطلاق أكثرها تعيّن تقديم اليمنى على اليسرى و لكنّه مقيّد بما إذا أراد الترتيب و عدم المسح بهما

جميعاً معاً للتوقيع المتقدّم، و دعوى الشهرة على عدم اعتبار الترتيب بين الرجلين ممّا لا تسمع خصوصاً بعد دعوى الشيخ في الخلاف- الإجماع على وجوب الترتيب بين أعضاء الوضوء كلّها، و على تقدير ثبوتها فكونها بحيث تكون المخالفة لها قادحة في حجّية الرواية في المقام بعد كون اعتبار الترتيب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و الثلاثون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و الثلاثون ح- 5.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 164

..........

______________________________

محكيّاً عن الفقيه و المراسم و شرح الفخر و البيان و اللمعة و جامع المقاصد و المسالك و المدارك و غيرها ممنوع جدّاً فالأحوط بل الأقوى مراعاة الترتيب. الخامس: انّه هل يجب أن يكون مسح الرجلين بكلتا اليدين بأن يمسح كلّ واحدة منهما بغير ما يمسح به الاخرى أو يكفي مسحهما بيد واحدة؟ و على التقدير الأوّل هل يعتبر أن يكون مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و الرجل اليسرى باليد اليسرى أو يكفي العكس أيضاً؟ كما انّه على التقدير الثاني هل تتعيّن اليمنى على تقدير اختيار المسح بيد واحدة أو تتعيّن اليسرى أو يكون مخيّراً بينهما؟ وجوه و احتمالات. مقتضى إطلاق الآية الشريفة بعد تقييدها بلزوم كون المسح ببلّة الوضوء و كون الآلة هي اليد كما عرفت هو كفاية المسح باليد مطلقاً من دون اعتبار قيد آخر فيجوز مسحهما بيد واحدة، و ليس هنا ما يمكن أن يستفاد منه التقييد إلّا صحيحة زرارة المتقدّمة الواردة في حكاية أبي جعفر عليه السلام وضوء رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله المشتملة على قول الراوي: و مسح مقدّم رأسه و

ظهر قدميه ببلّة يساره و بقيّة بلّة يمناه. و فيها أيضاً انّه قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين و تمسح ببلّة يمناك ناصيتك و ما بقي من بلّة يمينك ظهر قدمك اليمنى، و تمسح ببلّة يسارك ظهر قدمك اليسرى الحديث. و دلالة قوله: و مسح مقدّم رأسه... على المطلوب ممنوعة؛ لأنّه مضافاً إلى انّ غاية مدلوله انّه عليه السلام مسح رجليه بكلتا يديه و لا دلالة له على أنّه مسح الرجل اليمنى باليد اليمنى و اليسرى باليسرى يكون مسوقاً لبيان كفاية البلّة في مقابل قول العامّة باعتبار الماء الجديد كما مرّ مراراً. و أمّا قول أبي جعفر عليه السلام فدلالته مبنيّة على أن يكون قوله: و تمسح... جملة مستأنفة غير مرتبطة بسابقتها، و أمّا لو كان منصوباً معطوفاً على فاعل «يجزيك» بحيث كان متفرّعاً على كفاية ثلاث غرفات كما انّ دعواه غير بعيدة فلا دلالة له على المقام؛ لأنّ مفاده حينئذٍ كفاية المسح بالبلّة و لا نظر له إلى آلة المسح، و على الأوّل أيضاً يمكن المنع من إمكان تقييد الآية به لأنّ اعتبار اليمنى في مسح الرأس مضافاً إلى ظهوره في وجوب مسح الناصية بأجمعها ربّما يوهن التمسّك به في مسح الرجل أيضاً فرفع اليد عن إطلاق الآية بمثل هذه الرواية في غاية الصعوبة فالظاهر- حينئذٍ هو الوجه الثالث من التقدير الثاني و إن كان الأحوط هو الوجه الأوّل من التقدير الأوّل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 165

مسألة 16- الأحوط المسح بباطن الكفّ و إن تعذّر مسح بظاهرها

و إن تعذّر مسح بذراعه و إن كان الأقوى جوازه بظاهرها بل بالذراع اختياراً (1).

______________________________

(1) قد

تقدّم البحث في اعتبار باطن الكفّ و عدمه في المسألة الرابعة عشر و انّه لا دليل على تقدّم الباطن، بل يجوز في صورة الاختيار المسح بظاهر الكفّ، بل بالذراع من دون ترجيح و الترتيب المذكور في المتن لا دليل عليه سوى دعوى انصراف الآية بعد إطلاقها من هذه الجهة أيضاً إلى ما هو المتعارف و هو يختلف باختلاف الأشخاص فالمتعارف في حقّ القادر المسح بباطن الكفّ و في حقّ العاجز عنه المسح بظاهرها، و في حقّ العاجز عن المسح بالكفّ رأساً هو المسح بالذراع و التمسّك بالاستصحاب أو بقاعدة الميسور مدفوع بما قرّر في محلّه، كما انّ دعوى الانصراف المذكور أيضاً ممنوعة فالأقوى التخيير و إن كان الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 166

مسألة 17- إذا جفّت رطوبة الكفّ أخذ من سائر مواضع الوضوء

من حاجبه أو لحيته أو غيرهما و مسح بها، و إن لم يمكن الأخذ منها أعاد الوضوء، و لو لم تنفع الإعادة من جهة حرارة الهواء أو البدن بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه مسح بالماء الجديد، و الأحوط المسح باليد اليابسة ثمّ بالماء الجديد ثمّ التيمّم (1).

______________________________

(1) في هذه المسألة جهات من الكلام: الاولى: انّه بعد اعتبار كون آلة المسح في الرأس و كذا في الرجلين هي اليد، و اعتبار كون الرطوبة هي الرطوبة الحاصلة من الوضوء المعبّر عنها بنداوة الوضوء و بلله يقع الكلام في انّ المعتبر هل هو المسح بنداوة الوضوء سواء كانت في اليد أو في سائر المواضع و لا يكون ترجيح لبلّة اليد على غيرها من البلل الموجودة في سائر المواضع؟ أو إنّ المعتبر ابتداءً هو المسح بالبلّة الموجودة في اليد بحيث يكون جواز الأخذ من سائر

المواضع على تقديره مشروطاً بجفاف رطوبة الكفّ؟ فنقول: مقتضى إطلاق الآية الشريفة و لو بعد تقييدها بنداوة الوضوء جواز المسح بالنداوة أيّة نداوة كانت، و دعوى الانصراف إلى خصوص النداوة الباقية في اليد ممنوعة جدّاً، و أضعف منها تأييد هذه الدعوى بلزوم كون الآلة هي اليد، إذ لا منافاة بين تعيّن اليد للآليّة و بين أخذ البلل من سائر المواضع ثمّ المسح باليد كما هو ظاهر. و مع قطع النظر عن إطلاق الآية لا يكون في البين ما يستفاد منه الإطلاق من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 167

..........

______________________________

الأخبار لامكان المناقشة في إطلاقها و لا بأس بالتعرّض لجملة منها فنقول: منها: ما عن أبي إسحاق عن أمير المؤمنين عليه السلام في عهده إلى محمد بن أبي بكر لمّا ولّاه مصر من قوله: و انظر إلى الوضوء فإنّه من تمام الصلاة، تمضمض ثلاث مرّات، و استنشق ثلاثاً و اغسل وجهك ثمّ يدك اليمنى ثمّ اليسرى ثمّ امسح رأسك و رجليك فإنّي رأيت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يصنع ذلك، و العم انّ الوضوء نصف الايمان «1».

و الظاهر انّ المقصود من قوله: امسح رأسك و رجليك هو بيان وجوب مسح الرجلين كالرأس و لا تكون الرواية بصدد البيان من سائر الجهات. و منها: ما رواه علي بن الحسين الموسوي المرتضى في رسالة المحكم و المتشابه نقلًا من تفسير العماني باسناده المذكور في آخر الوسائل عن إسماعيل بن جابر عن الصادق عن آبائه عن أمير المؤمنين عليه السلام في حديث قال: و المحكم من القرآن ممّا تأويله في تنزيله مثل قوله تعالى: «يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا

وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»، و هذا من المحكم الذي تأويله في تنزيله لا يحتاج تأويله إلى أكثر من التنزيل، ثمّ قال: و أمّا حدود الوضوء فغسل الوجه و اليدين، و مسح الرأس و الرجلين و ما يتعلّق بها و يتّصل، سنّة واجبة على من عرفها و قدر على فعلها «2».

و هذه الرواية مضافاً إلى كونها مخدوشة من حيث السند محتملة لأن يكون المقصود بها بيان حدود الوضوء في مقابل الامور الخارجة عنها كالمضمضة و الاستنشاق و نحوهما، و لا يكون لها إطلاق بالنسبة إلى كيفية الغسل و المسح

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء باب كيفية الوضوء ح- 19.

(2) الوسائل أبواب الوضوء باب كيفية الوضوء ح- 23.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 168

..........

______________________________

و سائر الامور المتعلّقة بهما أصلًا. و منها: رواية علي بن يقطين المشتملة على قوله عليه السلام: و امسح مقدّم رأسك و ظاهر قدميك من فضل نداوة وضوئك فقد زال ما كنّا نخاف عليك. و أنت خبير بأنّ المقصود منها بيان كيفية الوضوء على النحو المعروف بين الإمامية في مقابل الوضوء المتعارف بين العامّة لزوال التقيّة فلا دلالة لها على هذه الجهة. و منها: غيرها من الأخبار غير الخالية عن المناقشة في إطلاقها كصدر مرسلة الصدوق الآتية و لكن بعد ثبوت إطلاق الآية كما مرّ لا حاجة إلى شي ء آخر فلا بدّ في رفع اليد عن إطلاقها من إقامة دليل على التقييد و نقول: ما يمكن أن يكون مقيّداً لإطلاق الآية عدّة من الأخبار: منها: الاخبار البيانية المشتملة أكثرها على انّ الإمام عليه السلام مسح ببقية بلل يده. و لا يخفى أنّه

لا يستفاد منها تعيّن ذلك لاحتمال أن يكون المسح ببلل اليد لكونه أحد أفراد الواجب، و هو المسح ببلل الوضوء مطلقاً، مضافاً إلى أنّه لا حاجة إلى الأخذ من اللحية و نحوها بعد وجود البلة في اليد، و عدم حصول الجفاف لرطوبتها. و منها: صحيحة زرارة المتقدّمة مراراً قال: قال أبو جعفر عليه السلام: إنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر فقد يجزيك من الوضوء ثلاث غرفات: واحدة للوجه و اثنتان للذراعين، و تمسح ببلّة ناصيتك «1».

و دلالتها على وجوب المسح ببلّة اليمين مبتنية على أن يكون قوله عليه السلام: و تمسح، عطفاً على قوله عليه السلام: يجزيك، فلا يكون من تتمّة الحكم المذكور في الصدر بل هو حكم مستقلّ، و أمّا إذا كان عطفاً على فاعل يجزيك بحيث يكون

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء باب كيفية الوضوء ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 169

..........

______________________________

مؤوّلًا بالمصدر فيكون متفرّعاً على كفاية ثلاث غرفات، و من الواضح انّه غير واجب بنحو التعيّن، بل هو أقل مراتب الاجزاء فلا يدلّ على عدم كفاية غيره. و بالجملة يكون المقصود حينئذٍ كفاية المسح بالبلّة و عدم الاحتياج إلى الزائد عن ثلاث غرفات، و قد عرفت انّها على هذا التقدير لا دلالة لها على وجوب المسح بالبلّة فضلًا عن لزوم كونها من اليد، و لا ترجيح للاحتمال الأوّل لو لم نقل بترجيح الثاني لكونه أظهر، مضافاً إلى أنّه على الأوّل أيضاً يمكن المناقشة في تقييدها للآية الشريفة، و وجهها ما عرفت من انّ الأمر إنّما يدلّ على نفس البعث و لا يكون ظاهراً في الوجوب خصوصاً مع قيام الدليل و هو الإطلاق على خلافه. و منها: صحيحة عمر

بن اذينة المتقدّمة أيضاً المشتملة على انّه أوحى اللّٰه تعالى لنبيّه صلى الله عليه و آله بقوله: اغسل وجهك إلى أن قال: ثمّ امسح رأسك بفضل ما بقي في يدك من الماء «1».

و يحتمل أن يكون ذكر القيد لأجل جريان العادة بالمسح ببلل اليد لعدم الاحتياج نوعاً إلى الأخذ من اللّحية و سائر المواضع كما هو ظاهر. و منها: مرسلة خلف بن حمّاد المتقدّمة أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له:

الرجل ينسى مسح رأسه و هو في الصلاة؟ قال: إن كان في لحيته بلل فليمسح به، قلت: فإن لم يكن له لحية؟ قال: يمسح من حاجبيه و أشفار عينيه «2».

و هذه الرواية مضافاً إلى ضعف بعض رواتها و الارسال في سندها مخدوشة من حيث الدلالة لأنّه لا يظهر منها انّ جواز الأخذ من اللحية مشروط بصورة النسيان الملازمة لجفاف رطوبة اليد نوعاً، بل حيث إنّ الراوي قد فرض هذه الصورة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 170

..........

______________________________

و سأل عنها فأجابه عليه السلام بإمكان المسح ببلل اللحية من غير دلالة بل و لا إشعار بالاختصاص بهذه الصورة، و يؤيّده ما في ذيل الرواية من انّه يمسح من حاجبيه فيما إذا لم يكن له لحية مع انّه لم يقل أحد بأنّ جواز الأخذ من الحاجب مشروط بعدم اللحية أو جفاف رطوبتها. و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا ذكرت و أنت في صلاتك انّك قد تركت شيئاً من وضوئك، إلى أن قال: و يكفيك من مسح رأسك

أن تأخذ من لحيتك بللها إذا نسيت أن تمسح رأسك فتمسح به مقدّم رأسك «1».

و هذه الرواية أظهر ما في الباب من حيث الدلالة على أنّ جواز الأخذ من اللحية و سائر المواضع مشروط بجفاف اليد المتحقّق نوعاً في صورة النسيان؛ لأنّه لو كان الأخذ من اللّحية غير مشروط بصورة النسيان لما كان وجه لفرض هذه الصورة خصوصاً مع تكراره ثانياً و اخلقائه بنحو القضيّة الشرطية، فإنّها و إن لم يكن لها مفهوم كما حقّقناه في الاصول إلَّا أنّ ظهوره في مدخلية الشرط في ترتّب الجزاء ممّا لا إشكال فيه، فالإنصاف تمامية الرواية من حيث السند و الدلالة. و منها: رواية زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينسى مسح رأسه حتّى دخل في الصلاة؟ قال: إن كان في لحيته بلل بقدر ما يمسح رأسه و رجليه فليفعل ذلك و ليصلِّ. «2» و يرد على الاستدلال بها ما أوردناه على المرسلة المتقدّمة. و منها: رواية مالك بن أعين عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من نسى مسح رأسه ثمّ ذكر انّه لم يمسح رأسه فإن كان في لحيته بلل فليأخذ منه و ليمسح رأسه،

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 171

..........

______________________________

و إن لم يكن في لحيته بلل فلينصرف و ليعد الوضوء «1».

و هذه الرواية مضافاً إلى كونها ضعيفة لضعف مالك بن أعين غير ظاهرة من حيث الدلالة؛ لأنّ فرض النسيان و إن وقع في كلام الإمام عليه السلام إلّا أنّ مدخليّته في الحكم بحيث كان الحكم معلّقاً عليه غير واضحة،

نعم يمكن أن يستشعر منه ذلك فيصير مؤيّداً لصحيحة الحلبي المتقدّمة. و منها: مرسلة الصدوق قال: قال الصادق عليه السلام: إن نسيت مسح رأسك فامسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك، فإن لم يكن بقي في يدك من نداوة وضوئك شي ء فخذ ما بقي منه في لحيتك، و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يكن لك لحية فخذ من حاجبيك و أشفار عينيك، و امسح به رأسك و رجليك، و إن لم يبق من بلّة وضوئك شي ء أعدت الوضوء «2».

و هي و إن كانت ظاهرة في اشتراط جواز الأخذ من اللّحية بعدم بقاء النداوة في اليد إلَّا أنّ ظهورها في الترتيب بين الأخذ من اللحية و الأخذ من الحاجبين و دلالتها على اشتراط الأخذ منهما بعدمها مع انّك عرفت انّه مخالف للإجماع يوجب وهن الظهور في الجملة الاولى، و عدم جواز استفادة الترتيب بين اليد و اللّحية أيضاً لاتحاد السياق. و لكن صحيحة الحلبي المتقدّمة المعتضدة بروايتي عمر بن اذينة و مالك بن أعين و كثير من الأخبار البيانية المشتملة على ذكر هذه الخصوصية صالحة لأن يقيّد بها إطلاق الآية الشريفة، فالأقوى حينئذٍ عدم جواز الأخذ من اللحية و سائر المواضع مع بقاء النداوة في اليد كما انّ مقتضى الاحتياط أيضاً ذلك، نعم بعد جفاف

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح- 7.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الواحد و العشرون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 172

..........

______________________________

ما على يديه من الرطوبة يكون مقتضى كثير من الأخبار المتقدّمة انّه يجوز الأخذ من اللّحية و لا ترتيب بينها و بين غيرها من المواضع المذكورة في الروايات

كما انّه لا شبهة في عدم اختصاص جواز الأخذ بما ذكر فيها، بل المراد جواز الأخذ من كلّ موضع من مواضع الوضوء إذا كان مشتملًا على النداوة و لو لم يكن شعراً، و ذكر اللحية و نظائرها إنّما هو لكونها محلّاً لاجتماع الماء نوعاً إذ في مثلها يمكن بقاء الرطوبة مع جفاف اليد لأنّ سائر الأعضاء عدا اللحية و نظائرها لا ترجيح لها على اليد من حيث بقاء الرطوبة فيها دونها بل بقائها في اليد حين إرادة المسح يكون أكثر من بقائها عليها نوعاً. ثمّ إنّ هذا الحكم في اللحية غير المسترسلة ممّا لا إشكال فيه، و أمّا في المسترسل من اللحية فقد يقال بعدم جواز الأخذ من المقدار الخارج منها من حدّ الوجه نظراً إلى أنّ المراد من نداوة الوضوء هي النداوة الباقية على محلّ الوضوء ضرورة انّ النداوة المنفصلة من الوجه الواقعة على الثوب مثلًا لا يجوز المسح بها اتّفاقاً، و المقدار الخارج من اللّحية من حدود الوجه المعتبرة في الوضوء نظير الثوب فلا يجوز المسح بالنداوة الباقية فيه. و أنت خبير بأنّه لا مجال لهذا القول لو قلنا باستحباب غسل ذلك المقدار، و أمّا لو قلنا بالعدم فالظاهر أيضاً الفرق بين الثوب و اللّحية لثبوت العلقة فيها دونه، مضافاً إلى انّ ظاهر الأخبار المتقدّمة جواز الأخذ من اللحية مطلقاً من غير تقييد بالمقدار الواقع منها في حدّ الوجه، و دعوى انّ قوله عليه السلام في مرسلة الصدوق المتقدّمة: امسح عليه و على رجليك من بلّة وضوئك، صالح لأن تصير قرينة على تقييد اللحية الواقعة فيها بالمقدار المذكور، مندفعة بإمكان العكس أيضاً فإنّ إطلاق اللحية يمكن أن يصير قرينة على خلاف ما هو

ظاهر بلّة الوضوء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 173

..........

______________________________

و بالجملة لا بدّ من رفع اليد امّا عن عموم اللّحية و أمّا من ظاهر بلّة الوضوء، و الظاهر انّ الأهون هو الثاني لأنّ تقييد اللحية بذلك المقدار الذي هو في مقابل مجموعها قليل نوعاً بعيد جدّاً كما هو غير خفيّ. ثمّ إنّه لو قلنا بجواز الأخذ من اللّحية و لو من المقدار الخارج منها من حدّ الوجه- كما استظهرناه فليس لازم ذلك القول بجواز الأخذ من سائر المواضع التي يحكم العقل بوجوب غسلها من باب المقدّمة العلمية كمقدار من الناصية مثلًا لإمكان الفرق بينها و بين اللّحية بأنّ الرطوبة الباقية في اللحية إنّما هي من بقايا الماء الذي أجرى على الوجه الذي هو محلّ الوضوء بخلاف الرطوبة الباقية على الناصية مثلًا فإنّها من الماء الذي لم يكن مستعملًا في غسل الوجه كما هو ظاهر. ثمّ إنّ ظاهر إطلاق المتن ككثير من العبائر انّ جواز الأخذ من اللحية و نحوها مشروط بمجرّد جفاف اليد من دون فرق بين ما إذا كان الجفاف مسبّباً عن نسيان المسح أو حرارة الهواء أو كان حاصلًا عن ترك المسح فوراً عمداً و كان الجفاف ناشئاً عن إرادة و اختيار مع انّ أكثر الروايات المتقدّمة يدلّ على الجواز عند النسيان. و الحقّ أن يقال: إنّ العمدة في هذا المقام على ما عرفت هي صحيحة الحلبي المتقدّمة المشتملة على الجملة الشرطية التي شرطها هو نسيان المسح و حينئذٍ- فإن قلنا بثبوت المفهوم للقضية الشرطية فاللّازم الالتزام بالاختصاص بخصوص صورة الشرط فلو جفّ ما على اليد اختياراً أو بسبب آخر غير النسيان كحرارة الهواء و نحوها فلا يجوز الأخذ

من اللحية لأنّ معنى المفهوم كما قرّر في محلّه- هو كون الشرط علّة تامّة منحصرة لترتّب الجزاء بحيث ينتفي بانتفائها، و لازم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 174

..........

______________________________

ذلك عدم جواز الأخذ منها في غير الصورة المذكورة. و إن لم نقل بثبوت المفهوم كما هو الحقّ فلازمه القول بأنّ جواز الأخذ من اللّحية مشروط بوجود سبب لأنّ ظاهر القضية الشرطية مدخلية الشرط و سببيته للجزاء و لكن لا على نحو الانحصار فمدلولها مدخلية النسيان في الجواز بمعنى انّ الجواز لا يكون مجرّداً عن السبب بحيث لم يكن مستنداً إلى شي ء و لكنّه لا ينفي مدخلية سبب آخر أيضاً للجواز كما انّه لا يثبت ذلك ففيما عدا هذا السبب يكون مقتضى اطلاق الآية الشريفة جواز الأخذ عند حصول كلّ سبب و إن لم يستفد حكمه من الصحيحة نفياً و لا إثباتاً. نعم في خصوص ما إذا حصل الجفاف عن إرادة و اختيار يكون مقتضى الرواية عدم الجواز، هذا ما أفاده سيّدنا العلّامة الاستاذ الماتن دام ظلّه في مجلس درسه، و يمكن الإيراد عليه بأنّ النسيان المذكور في الجملة الشرطية لا مدخليّة له بعنوانه ضرورة انّ المناط لجواز الأخذ من اللحية إنّما هو جفاف ما على الكفّ من الرطوبة لا النسيان خصوصاً مع ملاحظة انّه ليس المراد به هو النسيان في زمان طويل موجب للإخلال بالموالاة المعتبرة في أفعال الوضوء على ما يأتي إن شاء اللّٰه- فالمناط هو الجفاف و زوال الرطوبة و ذكر النسيان إنّما هو للملازمة بينه و بين الجفاف نوعاً و عليه فالشرط في القضية الشرطية بحسب الحقيقة هو جفاف ما على اليد من الرطوبة، و دعوى ظهورها في

الجفاف الملازم للنسيان مدفوعة بمنع الظهور في ذلك كما يظهر بمراجعة العرف الحاكم في مثل هذه الموارد و حينئذٍ لا يبقى فرق بين القول بثبوت المفهوم و عدمه إلّا من جهة إمكان مدخلية غير الجفاف في جواز الأخذ من اللّحية بناء على نفي المفهوم و عدمه بناءً على ثبوته و أمّا صور الجفاف و اختلاف أسبابه فلا فرق بينها على كلا القولين فتدبّر. هذا تمام الكلام

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 175

..........

______________________________

في الجهة الاولى. الثانية: انّه لو لم تبق نداوة الوضوء في شي ء من أعضائه و ما بحكمها فالواجب كما في المتن هو الإعادة و الاستئناف، و الوجه فيه مضافاً إلى دلالة غير واحد من الأخبار المتقدّمة في الجهة الاولى عليه ما دلّ على لزوم كون المسح ببقية بلل الوضوء لتوقّف امتثاله في المقام على الإعادة لكونه قادراً على تحصيل ذلك الشرط بها، و لا دلالة فيه على نفي وجوبها إذا توقف الامتثال عليها فاللّازم هو الاستئناف بلا ارتياب. الثالثة: إذا لم يمكنه المسح بالنداوة بعد الاستئناف و لو مرّات أيضاً كما لو فرض حرارة الهواء أو البدن بحيث كلّما توضّأ جفّ ماء وضوئه فهل يجب عليه المسح بالماء الجديد أو يمسح بلا رطوبة، أو يسقط عنه المسح أو أصل الوضوء و ينتقل فرضه إلى التيمّم، أو يجب عليه حفظ ماء وضوئه ممّا ينفصل عن أعضائه و المسح به؟ وجوه. ربّما يقال بأنّ أضعف هذه الوجوه هو سقوط الوضوء و انتقال الفرض إلى التيمّم لأنّه مضافاً إلى انّه لم يظهر القول به من أحد كما ادّعاه صاحب الجواهر ينفيه ما يدلّ على أنّ مشروعية التيمّم إنّما هي فيما إذا

لم يتمكّن من الطهارة المائية و لو ببعض مراتبها الناقصة لظهور أدلّته في ذلك مضافاً إلى شهادة التتبّع في الأحكام الشرعية في الموارد المختلفة بذلك مثل مسألة الأقطع و من وضع على اصبعه مرارة كما في رواية عبد الأعلى المعروفة و غيره من مواضع الجبيرة. و يضعّف سقوط المسح بأنّ الوضوء لا يتبعّض بل المستفاد عن رواية عبد الأعلى و قاعدة الميسور وجوب الوضوء الناقص عليه بمعنى عدم سقوط المسح بمجرّد تعذّر المسح بالنداوة بل السّاقط إنّما هو خصوصية كونه بنداوة الوضوء فيبقى أصل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 176

..........

______________________________

المسح على حاله كما يستفاد ذلك من تلك الرواية الدالّة على ظهور حكم هذه الموارد و انّه يستفاد من الآية الشريفة الحاكية عن نفي مجعولية الحرج في الدين و الشريعة، و هل يتعيّن عليه المسح بنداوة خارجيّة أو يجزيه المسح بيده الجافّة وجهان و ربّما يقوى الأوّل نظراً إلى أنّ الواجب إيصال البلّة المقيّدة بكونها من الوضوء و بعد تعذّر القيد يبقى أصل المسح بالنداوة على حاله. و يرد على ما ذكر انّ التمسّك برواية عبد الأعلى و التعدّي عن موردها يوجب اختلال الفقه و خروجه عن مجراه لأنّه مستلزم لثبوت أحكام لا يمكن أن يلتزم بها ففيه أصلًا أ ترى جواز غسل اليد إلى الزّند مثلًا فيما لو لم يكن له ماء إلّا بمقدار يكفي لغسل هذا الحدّ فقط تمسّكاً بأنّ الواجب هو غسل مجموع أجزاء اليد، و مع تعذّره يبقى غسل المقدار الميسور على حاله؟! و غير ذلك من الأحكام الكثيرة التي لا يقول بها أحد، مضافاً إلى أنّ التمسّك بدليل نفي الحرج في مورد الرواية إنّما هو

لنفي وجوب المسح على البشرة لا لوجوب المسح على المرارة أيضاً. و بالجملة فالظاهر عدم جواز الاستدلال بمثل هذه الرواية. كما انّ وضوء الأقطع لا يصير شاهداً على المقام؛ لأنّ التحديد في اليد في الآية الشريفة إنّما وقع من طرف المرفق فلا حدّ لها من الجانب الآخر، و أمّا مقطوع الرجل فالدليل الوارد فيه لا يكون له ظهور في وضوئه لتحديد بل يحتمل قويّاً كما ذكرناه في محلّه أن يكون المقصود فيه هو الغسل فلا ارتباط له بالمقام. و أمّا قاعدة الميسور فهي أجنبية عن مثل المقام كما قد تكلّمنا فيها في محلّها فالأقوى بمقتضى القواعد هو سقوط الوضوء و انتقال الفرض إلى التيمّم و لكنّه مع قطع النظر عن الآية الشريفة و الإطلاق الثابت فيها. و أمّا مع ملاحظة إطلاقها فالواجب عليه المسح بالماء الخارجي، توضيحه: انّ الدليل الدالّ على لزوم كون المسح بنداوة الوضوء ليس بلسان الشرطية حتى يقال بأنّ ظاهره اعتبارها في الوضوء مطلقاً، و مع التعذّر يسقط وجوب الوضوء رأساً، بل إنّما ورد بلسان الأمر و البعث كما في صحاح الحلبي و زرارة و ابن اذينة المتقدّمة، و الأمر لا يكاد يخرج عن البعث و التحريك و إن كان المقصود به الإرشاد و الهداية، و من المعلوم اشتراطه بالقدرة على المبعوث إليه، فالقدر المتيقّن من تقييد الآية بالنداوة الباقية في محالّ الوضوء إنّما هي صورة التمكّن منه لعدم دلالة دليل التقييد على أزيد من ذلك، و البعث الوارد فيها لا يكون متوجّهاً إلى العموم حتّى يقال بأنّ المعتبر فيه هي قدرة النوع لا العموم بل بعث شخصي متوجّه إلى النبي صلى الله عليه و آله كما في صحيحة ابن اذينة، أو

إلى الراوي كما في غيرها و خصوصية المخاطب و إن كانت ملغاة بنظر العرف إلّا أنّ الحكم بالاشتراك إنّما هو في خصوص هذا المقدار الذي دلّ عليه ذلك البعث الشخصي و هي صورة التمكّن منه، و أمّا في غيرها فإطلاق الآية بحاله فالأقوى بملاحظتها لزوم المسح بالماء الجديد و إن كان الأحوط بمقتضى العلم الإجمالي الموجود في البين هو الجمع بين المسح باليد اليابسة و المسح بالماء الجديد و التيمّم و رعاية الترتيب بالنحو المذكور بأن يتوضّأ أوّلًا ثمّ يمسح باليد اليابسة ثمّ بالماء الجديد ثمّ يتمّم و وجهه واضح.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 177

مسألة 18- لا بدّ في المسح من إمرار الماسح على الممسوح

فلو عكس لم يجز، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح (1).

______________________________

(1) الوجه في لزوم إمرار الماسح على الممسوح في المسح هو اعتبار الإمرار في مفهومه و إنّ الملاك في تمايز الماسح عن الممسوح هو ذلك، فالماسح ما اتّصف بالإمرار و الممسوح ما وقع الإمرار عليه و لكنّه ربّما يقال إنّ هذا غير ظاهر لصدق قولنا: مسحت يدي بالجدار، و مسحت رجلي بالأرض و انّ الفارق بين الماسح و الممسوح انّ الممسوح هو الذي يقصد إزالة شي ء عنه و الماسح ما يكون آلة لذلك، فإن كان الوسخ باليد تقول مسحت يدي بالجدار، و إن كان الوسخ بالجدار تقول مسحت الجدار بيدي و استعمال العكس مجاز. و يرد عليه انّ اللّازم بناءً عليه عدم الصدق فيما إذا لم يكن هناك رطوبة أو وسخ أو أشباههما مع انّ الظاهر عدم توقّف الصّدق عليه ضرورة صدق مسحت يدي بالجدار و لو لم يكن باليد شي ء أصلًا فلا يبقى الفارق إلّا ما ذكرنا من كون الماسح ما اتصف

بالإمرار و الممسوح ما وقع الإمرار عليه، نعم لا تضرّ الحركة اليسيرة في الممسوح كما افيد في المتن.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 178

مسألة 19- لا يجب في مسح القدمين وضع أصابع الكفّ مثلًا على أصابعهما و جرّها إلى الحدّ

بل يجزي أن يضع تمام كفّه على تمام ظهر القدم ثمّ يجرها قليلًا بمقدار يصدق عليه المسح (1).

مسألة 20- يجوز المسح على القناع و الخفّ و الجورب و غيرها عند الضرورة

من تقيّة أو برد أو سبع أو عدوّ و نحو ذلك ممّا يخاف بسببه من رفع الحائل، و يعتبر في المسح على الحائل كلّ ما اعتبر في مسح البشرة من كونه بالكفّ و بنداوة الوضوء

______________________________

(1) وجه الاجزاء إطلاق دليل وجوب المسح المقتضي لعدم الفرق بين التدريج و الدفعة، و صحيحة البزنطي المتقدّمة في مسح الرجلين لا دلالة لها على المقام؛ لأنّ مفادها إنّما هو بيان آلة المسح كما استظهرناه أو بيان المقدار الممسوح كما ربّما يقال و على التقديرين لا ارتباط لها بكيفية المسح المقصودة هنا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 179

و غير ذلك (1).

______________________________

(1) الواجب في المسح أوّلًا هو المسح على البشرة في الرأس و الرجلين لأنّه المسلّم من المسح المأمور به في الآية الشريفة و غيرها، و أمّا المسح على الشعر النابت فيهما فقد عرفت جوازه بالإضافة إلى الرأس لأنّه لا يتبادر من المسح عليه المسح على البشرة بعد وجود الشعر الكثير نوعاً في الرأس و هذا بخلاف الرجلين فإنّه حيث لا تكون الأرجل بحسب النوع كذلك فلا يتبادر من وجوب المسح عليها إلّا وجوب المسح على البشرة فلو فرض كون الشعر فيها بحيث يمنع عن وصول الماء إليها فلا بدّ من إزالته أو المسح على الموضع الخالي منه. و لكن مقتضى عموم صحيحة زرارة المتقدّمة كفاية المسح عليه حيث قال:

قلت له: أ رأيت ما كان تحت الشعر؟ قال: كلّ ما أحاط به الشعر فليس للعباد أن يغسلوه و لا يبحثوا عنه و لكن يجري عليه الماء «1»، فإنّ العدول

في الجواب عن خصوص المورد و التعبير بكلمة «كلّ» دليل على عدم اختصاص الحكم المذكور في الجواب به و شموله لجميع مواضع الوضوء، فالرواية بعمومها تدلّ على عدم وجوب البحث عمّا أحاط به الشعر و كفاية غسل الظاهر أو مسحه إلّا أن يقال: إنّ قوله عليه السلام في الذيل، و لكن يجري عليه الماء، يوجب الاختصاص بالمواضع التي يجب غسلها و لا يعمّ مواضع المسح فتدبّر، هذا في الشعر. و أمّا في غير الشعر ممّا يكون حائلًا كالخفّ أو غيره فلا إشكال في عدم جواز المسح عليه و لا يختصّ ذلك بالأرجل لوضوح انّه لا يجوز المسح على الحائل في الرأس أيضاً، و ما ورد من جواز المسح على الحنّاء مطرود أو مؤوّل. نعم ورد في الأخبار جواز المسح على النعلين و عدم وجوب استبطان الشراكين و إدخال الأصابع تحتهما، و لكن وقع الكلام في انّ المسح على الشراك هل يقوم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب السادس و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 180

..........

______________________________

مقام المسح على المقدار المستور به، أو انّه يكفي لمثل هذا الشخص المسح إلى حدّ الشراك و لا يجب عليه أزيد من ذلك المقدار لا على البشرة و لا على الشراك، أو انّ عدم وجوب الاستبطان إنّما هو لكون معقد الشراك خارجاً عن موضع المسح فلا يكون ذلك مستثنى من الحائل الذي لا يجوز المسح عليه، وجوه أجودها الأخير لما عرفت من انّ الكعب هي قبّة القدم و انّ الظاهر خروجه عن المسافة التي يجب مسحها، و من المعلوم انّ معقد الشراك خارج عن موضع المسح، فكما انّه لا يجب الاستبطان لا يجب المسح

على الشراك أيضاً هذا ما هو مقتضى القاعدة و أمّا الروايات الواردة في المقام: منها: صحيحة الأخوين المتقدّمة عن أبي جعفر عليه السلام انّه قال في المسح: تمسح على النعلين و لا تدخل يدك تحت الشراك، و إذا مسحت بشي ء من رأسك أو بشي ء من قدميك ما بين كعبيك إلى أطراف أصابعك (الأصابع) فقد أجزأك «1».

و المراد بالمسح على النعلين ليس المسح على الشراك، و إلّا لكان ذلك منافياً للذيل المسوق لبيان حدّ المسح في القدمين، و انّه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع، و قد عرفت انّ الكعب هي قبّة القدم، و ما بينه و بين الأصابع الذي هو حدّ المسح ليس معقد الشراك فإيجاب المسح عليه ينافي التحديد بذلك المقدار كما هو واضح. و نظيرها: رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: توضّأ علي عليه السلام فغسل وجهه و ذراعيه ثمّ مسح على رأسه و على نعليه، و لم يدخل يده تحت الشراك «2».

و منها: صحيحة اخرى للاخوين أيضاً الطويلة و فيها: انّه يعني

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح- 4.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 181

..........

______________________________

أبا جعفر عليه السلام قال: و لا يدخل أصابعه تحت الشراك ثمّ قال: إنّ اللّٰه تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ إلى آخر الآية ثمّ قال: فإذا مسح بشي ء من رأسه أو بشي ء من قدميه ما بين الكعبين إلى أطراف الأصابع فقد اجزأه «1».

فإنّ ظاهرها وجوب مسح ذلك المقدار من نفس القدم فيصير قرينة على أنّ المراد بالمسح على النعلين في الخبرين المتقدّمين ليس المسح

على الشراك، بل المراد المسح في حال كونه مع النعلين. و يمكن أن يقال: باتّحاد الرواية الاولى مع هذه الرواية الأخيرة الخالية من المسح على النّعلين و كون إحداهما منقولة بالمعنى و حينئذٍ فينحصر ما يدلّ على ذلك بالرواية الثانية و هي غير نقية السّند، فالظاهر عدم وجوب المسح على ظاهر الشراك و كون معقده خارجاً عن المسافة، نعم لو فسّر الكعب بالمفصل أو قيل بدخوله في المسافة لكان للإشكال مجال و لكنّه خلاف التحقيق كما مرّ. هذا في غير مواضع الضرورة. و أمّا في حال الضرورة فيجوز المسح على الحائل كالقناع و الخفّ و الجورب و غيرها، و قد قام الإجماع على الجواز في البرد كما عن ظاهر الناصريات و صريح الخلاف و المختلف و التذكرة و الذكرى، و عن الحدائق: ظاهر كلمات الأصحاب الاتّفاق عليه. و يدلّ عليه رواية أبي الورد قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: إنّ أبا ظبيان حدّثني انّه رأى علياً عليه السلام أراق الماء ثمّ مسح على الخفّين فقال: كذب أبو ظبيان أما بلغك قول علي عليه السلام فيكم: سبق الكتاب الخفّين. فقلت: فهل فيهما رخصة؟ فقال: لا إلّا من عدوّ تتقيه، أو ثلج تخاف على رجليك «2». و موردها

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 3.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 182

..........

______________________________

و إن كان هو الخفّ و الثلج لكن يجب التعدّي عنهما إلى مطلق الحائل و الضرورة مع انّ ذكر الخوف مشعر بعدم الاختصاص. و يؤيّد جواز المسح على الحائل عند الضرورة رواية عبد الأعلى المعروفة الواردة في المسح على المرارة بعد

وضوح عدم اختصاص الحكم بها و جريانه في مطلق الحائل. و بالجملة لا ينبغي الإشكال في الجواز عند الضرورة في غير مورد التقيّة. و أمّا في التقيّة فقد نفى الخلاف فيها غير واحد و لكن عن ظاهر المقنع و المعتبر عدم الجواز، و عن المفاتيح الميل إليه. و يشهد للمشهور مضافاً إلى خبر أبي الورد المتقدّم العمومات الواردة في التقيّة الدالّة على المشروعية و الاجزاء، و لكن مقتضى بعض الروايات انّه لا تقية فيه: كصحيحة زرارة قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: في المسح على الخفّين تقيّة؟ فقال:

ثلاث لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر و المسح على الخفّين و متعة الحجّ، قال زرارة: و لم يقل: الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً «1».

و رواية ابن أبي عمر الأعجمي عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث انّه قال: لا دين لمن لا تقية له، و التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين «2». و غير ذلك من الروايات الدالّة عليه. و بإزائها روايات يستفاد منها جريان التقية في المسح على الخفّين أيضاً كخبر أبي الورد المتقدّم، و رواية سليم بن قيس الهلالي قال: خطب أمير المؤمنين عليه السلام فقال: قد عملت الولاة قبلي أعمالًا خالفوا فيها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله متعمّدين لخلافه، و لو عملت الناس على تركها لتفرّق عنّي جندي أ رأيتم لو أمرت بمقام إبراهيم عليه السلام

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الأمر و النهي و ما يناسبهما الباب الخامس و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 183

..........

______________________________

فرددته إلى الموضع الذي

كان فيه إلى أن قال: و حرّمت المسح على الخفّين، و حدّدت على النبيذ، و أمرت بإحلال المتعتين و أمرت بالتكبير على الجنائز خمس تكبيرات، و ألزمت الناس الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم إلى أن قال: اخذاً لتفرّقوا عنّي، الحديث «1».

و ظاهره انّه عليه السلام كان يتّقي في الحكم بعدم جواز المسح على الخفّين و بإحلال المتعتين و بحرمة النبيذ. و الجمع بين الطائفتين أن يقال: إنّ المراد بعدم التقيّة فيما ذكر ليس كونه مستثنى من عمومات التقية حتّى ينافي الطائفة الثانية، بل المراد انّه لا موقع للتقية فيه غالباً لعدم وجوب شرب النبيذ و المسح على الخفين عندهم حتّى يكون تركهما مخالفاً لطريقتهم، و أمّا متعة الحجّ فيمكن الإتيان بها من دون التفاتهم لأنّهم أيضاً اخذا دخلوا مكّة يطوفون و يسعون و عمرة التمتّع لا تزيد عليهما و النيّة أمر قلبي لا يطلع عليه الناس، و التقصير أيضاً يمكن إخفائه عنهم إذ هو يتحقّق بمجرّد نتف شعر واحد أو قص ظفر كذلك. و يمكن أن يكون وجه الجمع هو انّ الأئمّة عليهم السلام كانوا لا يتّقون بأنفسهم في المذكورات لكون الفتوى بحرمة النبيذ و المسح على الخفين و جواز متعة الحجّ معروفاً عنهم بحيث يعرفه خلفاء الجور منهم و ذلك لا يوجب أن لا يتّقي فيه الشيعة أيضاً، و يؤيّده هذا الوجه ما في ذيل صحيحة زرارة المتقدّمة من قوله: و لم يقل الواجب عليكم أن لا تتّقوا فيهنّ أحداً. و كيف كان فرفع اليد عن عمومات دليل الحرج و حديث الرفع و عمومات التقية و خصوص الروايات المتقدّمة الدالّة على جريان التقية في الامور المذكورة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن و الثلاثون

ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 184

..........

______________________________

بمجرّد تلك الروايات الدالّة على عدم جريانها فيها القابلة للتوجيه بما ذكر في غاية الإشكال خصوصاً بعد مساعدة الاعتبار على أنّه لو دار الأمر بين القتل و مجرّد شرب النبيذ أو المسح على الخفّين لكان الترجيح مع الثاني بل هو المتعيّن فالأقوى جريان عمومات التقيّة بالإضافة إليها أيضاً. ثمّ إنّ ظاهر الدليل كون الحائل في موارد الضرورة التي يجوز معها المسح عليها بمنزلة البشرة فيعتبر في المسح عليه ما اعتبر في المسح عليها من كونه بالكفّ و بنداوة الوضوء و غير ذلك ممّا اعتبر في المسح عليها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 185

القول في شرائط الوضوء

مسألة 1- شرائط الوضوء امور:

منها طهارة الماء و إطلاقه و إباحته و طهارة المحلّ المغسول و الممسوح، و رفع الحاجب عنه، و الأحوط اشتراط إباحة المكان- أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل و المسح و كذا إباحة المصب إن عدّ الصبّ تصرّفاً في المغصوب عرفاً، أو جزء أخيراً للعلّة التامّة، و إلّا فالأقوى عدم البطلان، بل عدم البطلان مطلقاً فيه و في غصبية المكان لا يخلو من قوّة، و كذا إباحة الآنية مع الانحصار، بل و مع عدمه أيضاً إذا كان الوضوء بالغمس فيها لا بالاغتراف منها، و عدم المانع من استعمال الماء من مرض أو عطش على نفسه أو نفس محترمة و نحو ذلك ممّا يجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 186

معه التيمّم، فلو توضّأ و الحال هذه بطل (1).

..........

______________________________

(1) امّا اعتبار طهارة الماء فيدلّ عليه مضافاً إلى الإجماع بل الضرورة في الجملة- الروايات المتواترة الواردة في الموارد المختلفة المذكورة في الوسائل في

الأبواب المتفرّقة الدالّة عليه بالصراحة أو الظهور و بعضها دالّ على مفروغية هذا الأمر بين الرواة بحيث يكون الحكم بعدم جواز التوضّي من الماء في مورد كناية عن نجاسته و عدم طهارته، بل التتبّع فيها يقضي بأنّهم عليهم السلام كثيراً ما لا يبيّنون نجاسة الماء إلّا من طريق عدم جواز الشرب و عدم جواز التوضّي منه فانظر إلى صحيحة حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كلّما غلب الماء على ريح الجيفة فتوضّأ من الماء و اشرب، فإذا تغيّر الماء و تغيّر الطعم فلا توضّأ منه و لا تشرب «1». و غيرها من الروايات الكثيرة الواردة بهذا التعبير، فأصل الحكم ممّا لا مجال للمناقشة فيه، نعم في كون هذا الشرط واقعياً أو علمياً كلام يأتي في بعض المسائل الآتية. و أمّا اعتبار إطلاق الماء و عدم إضافته فقد تقدّم البحث عنه مفصّلًا في المسألة الاولى من فصل المياه المشتملة على حكم الماء المضاف و انّه لا يكون مطهّراً من الحدث و لا من الخبث فراجع، نعم في كون هذا الشط أيضاً واقعياً أو علمياً كلام يأتي إن شاء اللّٰه تعالى. و أمّا اعتبار إباحته و عدم حرمة التصرّف فيه فقد نقل الإجماع عليه مستفيضاً و يظهر من غير واحد ذلك حتّى من القائلين بجواز اجتماع الأمر و النهي، نعم عن الدلائل انّه حكى عن الكليني رحمه الله القول بجواز الوضوء بالمغصوب و انّه اختاره و قوّاه. و كيف كان فلو كان هنا إجماع لكان هو المستند و بدونه يبتني على مسألة جواز اجتماع الأمر و النهي و امتناعه فإن قلنا بالامتناع فاللّازم الحكم

______________________________

(1) الوسائل أبواب الماء المطلق الباب الثالث ح-

1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 187

..........

______________________________

بالبطلان و إن قلنا بالجواز فالظاهر هو الحكم بالصحّة كما لا يخفى. و أمّا اعتبار رفع الحاجب عن المحلّ المغسول أو الممسوح فقد تقدّم البحث عنه و انّه مع فرض كون شي ء حاجباً لا محيص عن إزالته و رفعه لتحقّق الغسل و المسح، نعم ربّما لا يكون الشي ء حاجباً كالشعر في الوجه و الرأس فيكفي غسله و مسحه على ما مرّ، نعم اعتبار طهارة المحلّ المغسول أو الممسوح قد نسب إلى المشهور كما حكى عن الحدائق و غيرها، و لكن الظاهر عدم كون هذه الجهة محرّرة في المقام، بل قد حرّرت في غسل الجنابة و اختلف فيها على أقوال و نحن نتعرّض لها في محلّ تحريرها إن شاء اللّٰه تعالى. و أمّا اشتراط إباحة المكان أي الفضاء الذي يقع فيه الغسل و المسح و يكون فعل الوضوء مستلزماً للتصرّف فيه فالدليل عليه بعد تسليم كونه تصرّفاً أوّلًا و انّ هذا القسم من التصرّف محرّم ثانياً و ان الوضوء المأمور به هو الذي ينطبق عليه التصرّف نظراً إلى أنّه لا يكون عبارة عن مجرّد وصول الماء إلى المحلّ بحيث يكون إمرار العضو الغاسل أو الماسح مقدّمة له، بل كان الإمرار دخيلًا في نفس الوضوء- إمّا القول بامتناع اجتماع الأمر و النهي و أمّا القول بجواز الاجتماع مع بطلان العبادة نظراً إلى استحالة أن يكون المبعد مقرّباً كما اعتقده سيّدنا المحقّق الاستاذ البروجردي قدّس سرّه الشريف و حيث إنّه لا مجال للقول بالامتناع و انّ الظاهر استلزام الجواز لصحّة العبادة لأنّ حيثية المبعدية تغاير حيثية المقرّبية و لا مانع من اجتماع الحيثيتين في وجود واحد فالظاهر

صحّة الوضوء مع عدم إباحة المكان، هذا على تقدير كون المراد بالمكان هو الفضاء المذكور، و أمّا على تقدير كون المراد هو المكان الذي يقرّ فيه المتوضّي و يتّكئ عليه فالصحّة فيه أوضح؛ لعدم كون الوضوء متّحداً مع الكون فيه الذي يكون تصرّفاً محرّماً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 188

..........

______________________________

و لا مجال لدعوى صدق التصرّف في المكان المغصوب على نفس الوضوء كما حكى تصريح بعض به ضرورة انّ الوضوء لا يكون منطبقاً عليه عنوان التصرّف، بل هو يتحقّق بالكون الخارج عن حقيقة الوضوء. و أمّا اعتبار إباحة المصبّ فلا دليل عليه بنحو الإطلاق، نعم فيما إذا عدّ الصبّ تصرفاً في المصب المغصوب عرفاً أو كان جزء أخيراً للعلّة التامّة يمكن أن يقال باعتبارها نظراً إلى أنّه مع فرض كونه تصرّفاً عرفاً يصير محرّماً؛ لأنّه تصرّف في المغصوب كما انّه لو كان جزءاً أخيراً للعلّة التامّة يصير محرّماً باعتبار انّ مقدّمة الحرام و إن لم تكن محرّمة إلّا انّها إذا صارت جزءاً أخيراً للعلّة التامّة للحرام و لازمه- حينئذٍ عدم ثبوت القدرة و الاختيار على تركه بعد إيجادها تكون محرّمة إلّا أنّ مجرّد الحرمة لا يكفي في إثبات البطلان، بل لا بدّ من إثبات الاتّحاد و اختيار الامتناع أو ادّعاء البطلان و لو مع الاجتماع كما مرّ، و عليه فاللّازم بمقتضى ما ذكرنا عدم البطلان إلّا أنّ رعاية الاحتياط ممّا لا ينبغي تركه. و أمّا اعتبار إباحة الآنية التي يتوضّأ منها فيقع الكلام فيه تارة مع انحصار الماء بالماء الموجود في الآنية المغصوبة، و اخرى مع عدم الانحصار، كما انّ الوضوء منها- على التقديرين تارة يكون بالاغتراف و اخرى يكون

بالارتماس، و لنتعرّض أوّلًا لحكم الارتماس و الغمس فيها فنقول: امّا في الصورة الاولى و هي صورة الانحصار فلا إشكال و لا خلاف في انّه يجوز للمكلّف أن يتيمّم بدلًا عن الوضوء؛ لأنّ الانحصار و المغصوبية يوجبان حصول عنوان فاقد الماء لأنّه ليس المراد به هو الفقدان الحقيقي، بل المراد به عدم التمكّن من استعماله و لو كان ذلك من جهة الحرمة الشرعية و كون التصرّف منهيّاً عنه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 189

..........

______________________________

فيها فهو غير متمكّن من استعمال الماء في الوضوء و فاقد له و وظيفته التيمّم مع انّك عرفت انّه لم يخالف أحد في ذلك، إنّما الإشكال و الكلام فيما إذا أراد أن يتوضّأ من ذلك الماء بنحو الارتماس و انّه هل يكون صحيحاً و إن كان محرماً أو يكون باطلًا أيضاً و الظاهر هو الثاني؛ لأنّ إدخال اليد في الإناء تصرّف فيه عرفاً من غير فرق بين ما إذا استلزم ذلك تموّج الماء على السطح الداخل للإناء و بين ما إذا لم يستلزم- كما هو فرض غير محقّق لأنّه يصدق التصرّف على نفس الارتماس و إن لم يستلزم التموّج في الماء و مع فرض كون الوضوء تصرّفاً محرّماً لا يمكن التقرّب به و لا يكفي في الامتثال، نعم لو قلنا بأنّ الإدخال بنفسه تصرّف و الوضوء المأمور به هو ما يتحقّق بالإدخال لا نفسه فلا مانع من أن يكون الإدخال محرّماً و ما يتحقّق به محصلًا للامتثال كما انّه لو قصد الوضوء بالإخراج فقط لا بالإدخال أو بالمجموع فهو يبتني على المسألة المعروفة و هو الخروج من الأرض المغصوبة مع توسّطها بالاختيار، و لكن أصل الإشكال

في المقام عدم ثبوت الأمر بالإضافة إلى الوضوء لما عرفت من انّ المأمور به هو التيمّم و لا أمر بالوضوء إلّا انّه ربّما يقال لتصحيحه وجهان: أحدهما: انّه لا حاجة في الحكم بصحّة العبادة إلى وجود الأمر بها، بل يكفي الملاك في الحكم بصحّة العمل و في التمكّن من قصد التقرّب به. و يرد على هذا الوجه انّه و إن كان الملاك كافياً في الحكم بصحّة العبادة إلّا أنّ الطريق إلى استكشافه هو الأمر و المفروض انتفائه و لا طريق لنا غيره كما هو ظاهر، بل ربّما يقال إنّ الأمر بالوضوء مقيّد في الآية المباركة بالتمكّن من استعمال الماء فإذا ارتفع التمكّن ارتفع الأمر و الملاك. و بعبارة اخرى: الآية قسَّمت المكلّفين إلى واجد الماء و فاقده؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة و قيّد الأمر بالوضوء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 190

..........

______________________________

بالوجدان كما قيّد الأمر بالتيمّم بالفقدان فإذا انتفى القيد انتفى المقيّد و مع ارتفاع الأمر يرتفع الملاك لا محالة فلا وجه لدعوى ثبوته كما هو المدّعي. ثانيهما: إنّ الأمر بالوضوء مطلق و لا يشترط فيه الوجدان و الشاهد عليه الإجماع المحكيّ على حرمة إراقة الماء بعد الوقت فإنّ الحرمة لا تكاد تجتمع مع الاشتراط و يرد عليه مضافاً إلى ما ذكر من ظهور الآية في الاشتراط و إلى أنّ الإطلاق لا يكاد يعقل لاستلزام التكليف بما لا يطاق بالنسبة إلى غير المتمكّن من استعمال الماء انّ الإجماع المذكور لا شهادة فيه على ما ادّعى لأنّ حرمة الإراقة إنّما هو لتنجّز التكليف بالوضوء بعد الوقت و فعليته لتحقّق المعلّق عليه و هو التمكّن من استعمال الماء كما هو المفروض و

تعجيز النّفس من امتثال الواجب الفعلي المنجّز محرّم على ما هو حكم العقلاء فالاستشهاد في غير محلّه. و قد انقدح ممّا ذكرنا انّه لا وجه للحكم بالصحّة في هذه الصورة، بل الظاهر هو الحكم بالبطلان كما أفاده في المتن. و أمّا الصورة الثانية و هي صورة عدم الانحصار فالظاهر فيها أيضاً هو البطلان لأنّ الأمر بالوضوء و إن كان باقياً في حقّه؛ لأنّ المفروض تمكّنه من الماء في غير الإناء المغصوب لفرض عدم الانحصار إلّا أنّ الغمس و الارتماس في الإناء المغصوب تصرّف فيه محرّم من غير فرق بين صورة استلزام التموّج و عدمه و يمتنع أن يكون المبعد مقرّباً فلا وجه للصحّة إلّا على أحد التقديرين المذكورين في صورة الانحصار هذا كلّه حكم الارتماس. و أمّا الاغتراف فصورة الانحصار منه يجري فيها جميع ما تقدّم و يختصّ بأنّه يمكن الحكم بصحّة الوضوء فيها من طريق سلكه بعض الأعلام على ما في شرح العروة و هو انّه إذا لم تكن القدرة المعتبرة في التكليف هي القدرة على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 191

..........

______________________________

مجموع الواجب المركّب من الابتداء، بل كانت القدرة التدريجيّة و لو على نحو الشرط المتأخّر بأن تكون القدرة على الأجزاء التالية شرطاً في وجوب الأجزاء السابقة كافية في الأمر بالواجب المركّب يصحّ الوضوء في المقام بنحو الترتّب حيث إنّ المكلّف بعد ما ارتكب المحرّم و اغترف من الاناء يتمكّن من الوضوء بمقدار غسل الوجه فحسب، إلّا أنّه يعلم بطروّ التمكّن له من غسل بقيّة أعضائه لعلمه بأنّه سيعصى و يغترف ثانياً و ثالثاً و إن لم يتوضّأ و لم يغتسل فهو متمكّن من الوضوء بالتدريج فلا بدّ

من الحكم بوجوبه إلّا انّه بالترتّب لترتّب الأمر به على عصيانه و مخالفته للنهي عن التصرّف في الاناء المغصوب لتوقّف قدرته للوضوء على معصيته بحيث إن طالت المعصية طالت القدرة و إن قصرت قصرت فهو و إن كان فاقد الماء لكونه ممنوعاً عن التصرّف فيه إلّا انّه لو عصى النّهي وجب الوضوء في حقّه لصيرورته واجداً له بالعصيان، و حيث إنّ الترتّب على طبق القاعدة و لا يحتاج في وقوعه إلى دليل في كلّ مورد فلا مناص من الالتزام به في الوضوء أيضاً. و يردّ عليه مضافاً إلى عدم كونه من الترتّب الاصطلاحي الذي يكون فيه أمران أحدهما متعلّق بالأهمّ و الآخر بالمهمّ، بل يكون هنا النهي عن التصرّف في مال الغير و الأمر بالوضوء مشروطاً بوجدان الماء و لم يعلم أهمّية الأوّل بالإضافة إلى الثاني، بل غاية الأمر انّه حيث انّ الثاني مشروط و دائرة الشرط غير عامّة بمعنى انّه ليس المراد بالوجدان هو الوجدان الخارجي المجرّد، بل هو بضميمة جواز التصرّف فيه و صرفه في الوضوء يكون الأمر بالوضوء مع الانحصار فاقداً للشرط فارتفاعه إنّما هو لأجل انتفاء شرطه لا لأجل كونه مهمّاً في مقابل الأهمّ كما لا يخفى- انّ مرجع ما أفاده إلى انّه ليس الشرط في ثبوت الأمر بالوضوء الجواز فقط، بل يتحقّق الشرط بالعدم مع المخالفة أيضاً. و بعبارة اخرى: إنّ دائرة وجدان الماء قد صارت مضيّقة و مقيّدة؛ امّا بجواز التصرّف أو بالحرمة مع المخالفة و العصيان، و لا بدّ في استكشاف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 192

..........

______________________________

ذلك من مراجعة الدليل الدالّ على الشرطية و انّه هل يستفاد منه التعميم أم لا و

لا ارتباط له بمسألة الترتّب أصلًا، و الظاهر انّ المستفاد من دليله هو الثاني دون الأوّل فتصحيح الوضوء من هذه الناحية غير تامّ. و ممّا ذكرنا ظهر حكم صورة الاغتراف مع عدم الانحصار و انّه لا بدّ من الحكم بالصحّة فيها؛ لأنّ المفروض بقاء الأمر بالوضوء لكونه واجداً للماء لفرض عدم الانحصار و الوضوء لا يكون متّحداً مع المحرّم لأنّ الاغتراف مقدّمة لأفعال الوضوء و حرمته لا تقدح في اتّصافها بكونها مقرّبة فالظاهر انّه لا وجه للحكم بالبطلان هنا و أظهر منه ما لو فرّغ الماء من الآنية المغصوبة في إناء غير مغصوب و توضّأ منه كما انّ الظاهر هي الصحّة في هذا الفرض في صورة الانحصار أيضاً فتدبّر. و من شرائط الوضوء أن لا يكون هناك مانع عن استعمال الماء من مرض أو خوف أو عطش أو نحو ذلك ممّا يجب معه التيمّم، و يأتي البحث في إيجاب هذه الامور للتيمّم في مبحثه إنّما الكلام هنا في انّه لو توضّأ و الحال هذه هل يكون وضوءه صحيحاً أم لا؟ و بعبارة اخرى هل تكون هذه الامور مانعة عن صحّة الوضوء أم لا؟ ربّما يقال: إنّ الأمر بالتيمّم في هذه الموارد إن كان مستفاداً من دليل نفي الحرج فاللّازم هو الحكم بصحّة الوضوء لأنّ الحرج إنّما يلزم من لزوم الوضوء لا من وجود ملاكه فأدلّة نفي الحرج إنّما تنفي اللّزوم لا غير و يبقى ملاكه بحاله غير منفي و لا مجال لدعوى انّه لا دليل على بقاء الملاك بعد انتفاء اللّزوم بأدلّته؛ لأنّ أدلّة اللزوم تدلّ بالالتزام على وجود الملاك و أدلّة نفي الحرج إنّما تعارضها في الدلالة على نفي اللزوم و لا تعارضها في

الدلالة الالتزامية على وجود الملاك، و تبعية الدلالة الالتزامية في الثبوت لا تقتضي تبعيتها في الحجّية كلّية و لذا بنى الأصحاب على حجّية المتعارضين في الدلالة على نفي الحكم الثالث مع بنائهم على سقوط حجّيتهما في المدلول المطابقي و عليه فلو توضّأ في مورد الحرج صحّ وضوئه لوجود ملاكه الموجب لمشروعيّته. و إن كان الأمر بالتيمّم مستفاداً من دليل حرمة الضرر فهو، و إن كان لا يدلّ على ارتفاع ملاك الوضوء كما في أدلّة نفي الحرج إلّا إنّهما يفترقان بأنّ أدلّة نفي الحرج لا تقتضي تحريم الفعل الحرجي بخلاف أدلّة نفي الضرر فإنّ الضرر فيها محرم و لو بملاحظة قرينة خارجية من إجماع و نحوه فإذا حرم كان تحريمه مانعاً من صلاحية التقرّب به و لا فرق بين العلم بالضرر و خوفه؛ لأنّ خوفه طريق شرعاً إلى ثبوته فيكون الإقدام عليه في ظرف وجود الطريق إليه إقداماً على المعصية فيمتنع التقرّب به كما في صورة العلم بالضرر. و يرد عليه انّا قد حقّقنا في محلّه انّ اللزوم لا يكاد يستفاد من الأمر لأنّ مدلوله مجرّد البعث، غاية الأمر انّه مع عدم نهوض حجّة على جواز الترك لا يرى العقلاء التارك معذوراً في المخالفة فمفاد الأمر ليس إلّا البعث فإذا صار الوضوء حرجياً يكون مقتضى أدلّة نفي الحرج و حكومتها على الأدلّة الأوّلية ارتفاع البعث و انتفاء الأمر رأساً و معه لا طريق لاستكشاف الملاك أصلًا إلّا أن يقال إنّ مقتضى ما ذكر عدم كون التارك غير معذور في المخالفة، و أمّا انتفاء البعث فلا دلالة لأدلّة نفي الحرج عليه لعدم المنافاة بينهما فتدبّر جيّداً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 193

مسألة 2- المشتبهة بالنجس بالشبهة المحصورة كالنجس في عدم جواز التوضؤ به،

فإذا انحصر الماء في المشتبهين يتيمّم للصلاة حتّى مع إمكان أن يتوضّأ بأحدهما و يصلّي ثمّ يغسل محال الوضوء بالآخر ثمّ يتوضّأ به و يعيد صلاته ثانياً (1).

______________________________

(1) لا خلاف نصّاً، فتوى و نصّاً في انّ من لم يجد ماء غير المشتبهين يجب عليه أن يتيمّم للصلاة، و مقتضى إطلاقهما وجوب التيمّم في هذه الصورة و لو أمكن الجمع بينهما بحيث يقطع بوقوع صلاته مع الطهارة الواقعية حدثاً و خبثاً فهل هذا الحكم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 194

..........

______________________________

بإطلاقه يكون موافقاً للقاعدة حتّى يتعدّى عن مورد النصّ إلى غيره أم لا؟ فنقول: قال في المصباح ما ملخّصه: إنّه إن قلنا بحرمة الطهارة بالنجس حرمة ذاتية فلا تأمّل في وجوب التيمّم مطلقاً لا لمجرّد تغليب جانب الحرمة كما حكى عن غير واحد لعدم الدليل عليه، بل لأنّ ارتكاب المحرّم محظور شرعاً و المانع الشرعي كالعقلي فينتقل الفرض إلى التيمّم مطلقاً، و إن قلنا بأنّ حرمتها تشريعية لا ذاتية كما هو الظاهر فمقتضى القاعدة وجوب الطهارة بهما كالمشتبه بالمضاف فيجب عليه الاحتياط. أقول: و نظير الكلام الأوّل مذكور في «العروة» فيما لو نذر المكلّف أن يكون في يوم عرفة في محلّ مخصوص ما عدا عرفات ليدعو فيه مثلًا كأن يكون تحت قبّة الحسين عليه السلام فإنّه أفتى فيه بعدم وجوب الحجّ عليه و إن صار مستطيعاً بعد النذر، لأنّه بعد النذر يمتنع تحقّق موضوع الاستطاعة لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي. و كلاهما محلّ نظر و تأمّل: امّا الفرض المذكور في العروة فالحكم فيه وجوب الحجّ عليه بعد الاستطاعة لا لأنّه مع وجوب الحجّ ينحلّ النذر نظراً إلى انّ المعتبر فيه أن

يكون متعلّقه راجحاً و لا رجحان فيه مع وجوب الحجّ كما ذكره بعضهم- لأنّ رجحان المتعلّق باق بحاله و إن وجب عليه الحجّ و لذا لو ترك الحجّ عن عمد و عصيان و أتى بالمنذور فقد أتى بشي ء راجح كما هو الحال فيما لو ترك الحجّ و أتى بذلك الفعل مع عدم تعلّق النذر به أصلًا. و بالجملة: الرجحان لا يكون دائراً مدار عدم وجوب الحجّ و لا سائر الواجبات، بل لأنّ الحج في نظر الشارع أهمّ من الوفاء بالنذر كما يدلّ عليه الروايات الكثيرة الواردة في باب الحجّ الدالّة على فضيلته و كثرة الثواب على فعله و شدّة العقاب على تركه، بل يكون من مقوّمات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 195

..........

______________________________

الدين و تركه سبباً للخروج عنه كما يدلّ عليه الخبر المروي الدالّ على انّه يموت تاركه يهودياً أو نصرانياً، و يكفي في أهمّية الحجّ العبير في الآية الشريفة عن تركه بالكفر في قوله تعالى: «وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ» «1». فانقدح ممّا ذكرنا انّ وجوب الحجّ ليس لانحلال النذر به، كما انّه لا يرتفع موضوعه بوجوب الوفاء بالنذر لأنّه لا يعتبر في وجوبه سوى الاستطاعة التي معناها الزاد و الراحلة و خلوّ السبيل و عدم كونه مسدوداً و أمثال ذلك، و أمّا كون الذهاب إلى الحجّ مستلزماً لترك بعض الواجبات فلا يوجب ذلك عدم تحقّق الاستطاعة المعتبرة في وجوبه، نعم يجب تقديم الأهمّ، و قد عرفت انّ الحجّ أهمّ بالإضافة إلى الوفاء بالنذر. و أمّا الفرض المذكور في المقام فلا يخفى انّ مجرّد كون الوضوء

بالماء الطاهر مستلزماً للتوضّي بالماء النجس و هو حرام ذاتاً كما هو المفروض لا يوجب انتفاء موضوع الوضوء و لا يستلزم تحقّق فقدان الماء الرافع لوجوب الوضوء؛ لأنّه من الواضح انّ هذا الشخص يصدق عليه انّه واجد للماء الطاهر، و ما أفاده في المصباح من انّ المانع الشرعي كالمانع العقلي لم يدلّ عليه دليل أصلًا، غاية الأمر انّه حيث يكون العلم بالوضوء بالماء الطاهر متوقّفاً على استعمال الماء النجس الذي يكون محرّماً فلا بدّ من ملاحظة الأهمّ من وجوب الوضوء و حرمة استعمال الماء النجس في رفع الحدث. و لا يبعد أن يقال: إنّه حيث لا تكون الطهارة المائية راجحة على الطهارة الترابيّة من جهة الأجر و الفضيلة و الشأن و الرتبة غاية الأمر اختلاف موضوعهما

______________________________

(1) سورة آل عمران آية 97.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 196

..........

______________________________

كالمسافر و الحاضر على ما يستفاد من الأخبار الواردة في الطهارة الترابيّة الدالّة على أنّ التراب أحد الطهورين و يكفيك عشر سنين، و إنّ ربّ الصعيد هو ربّ الماء و غير ذلك من التعبيرات التي لا دلالة بل و لا إشعار فيها بأفضلية الوضوء بوجه لو لم نقل باستفادة التساوي منها فيقوى في النظر ترجيح حرمة استعمال الماء النجس في رفع الحدث على وجوب الوضوء فينتقل الفرض إلى التيمّم لما ذكرنا لا لانتفاء الموضوع كما افيد في المصباح، هذا كلّه لو قلنا بالحرمة الذاتية. و أمّا لو قلنا بالحرمة التشريعيّة فمقتضى القاعدة وجوب الوضوء بكلّ منهما و الصلاة عقيب كلّ وضوء مع غسل محالّ الوضوء بالآخر قبل الوضوء الثاني و في الاكتفاء بصلاة واحدة عقيب الوضوءين مع توسّط الغسل المذكور إشكال، و لا

بأس هنا بذكر المسألة الاصولية المتعلّقة بهذا المقام و إن كان خارجاً عن الفنّ، و هي جريان الاستصحاب فيما لو توارد الحالان المتقابلان على شي ء واحد مع الجهل بالمتقدّم و المتأخّر منهما حتّى يظهر حال المقام فنقول: إنّه من الامور المعتبرة في جريان الاستصحاب أن يكون الشكّ و اليقين فعليّين، و اعتباره فيه ممّا لا إشكال فيه؛ لأنّ الظاهر من قوله عليه السلام: «لا تنقض اليقين بالشكّ» انّ حرمة النقض إنّما هي مع وجود عنواني الشكّ و اليقين فإنّ الظاهر من جعل الشي ء موضوعاً هو جعله كذلك بوجوده الفعلي. كما انّه لا إشكال في انّه يعتبر في جريان الاستصحاب اتّصال زمان الشكّ باليقين بمعنى عدم تخلّل يقين آخر بينهما، فإذا علم بعدالة زيد عند طلوع الشمس ثمّ علم بارتفاعها عند الزوال ثمّ شكّ فيها عند الغروب فلا مجال لجريان استصحاب العدالة لأنّه قد تخلّل بين اليقين بثبوتها و الشكّ فيها يقين آخر بارتفاعها عند الزوال، فالمورد يجري فيه استصحاب العدم فقط، و هذا ممّا لا إشكال فيه و لا خلاف، نعم قد وقع الخلط و الاشتباه في بعض المصاديق مثل ما يظهر من المحقّق الخراساني في «الكفاية» في مجهولي التاريخ فيما لو كان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 197

..........

______________________________

الأثر مترتّباً على عدم كلّ واحد منهما في زمان الآخر من قوله بعدم جريان الاستصحاب لعدم إحراز اتّصال زمان شكّه و هو زمان حدوث الآخر بزمان يقينه لاحتمال انفصاله عنه باتّصال حدوثه. و محصّل ما أفاده في وجهه انّه هنا ثلاث ساعات: الاولى هي التي يقطع فيها بعدم حدوث واحد منها، و الساعة الثانية هي التي قطع فيها بحدوث أحدهما بلا

تعيين، و الثالثة قطع فيها بحدوث الآخر كذلك، و استصحاب عدم الكرية في المثال المعروف إلى زمان الملاقاة في الساعة الأخيرة و كذا استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرية غير جارٍ لأنّه لا يكون زمان الشكّ في حدوث كلّ منهما مجموع الساعتين الأخيرتين، نعم يكون كذلك بلحاظ إضافته إلى أجزاء الزمان، و المفروض انّه بلحاظ إضافته إلى الحادث الآخر و انّه حدث في زمان حدوث الآخر أو قبله، و لا شبهة انّ زمان شكّه بهذا اللحاظ إنّما هو خصوص ساعة ثبوت الآخر و حدوثه لا الساعتين و حينئذٍ فلا يعلم باتّصال زمان الشكّ باليقين. أقول: لا يخفى انّ العلم بحدوث أحدهما في الساعة الثانية إنّما يكون مجملًا مردّداً بين الحادثين، فخصوص أحدهما لا يكون معلوم الحدوث فلا يبقى مانع عن جريان الاستصحاب لأنّ العلم الإجمالي محصّل للشكّ و محقّق له فلا مانع عن جريان الاستصحابين من هذه الجهة و لو كان هنا مانع فإنّما هو من بعض الجهات الاخر. ثمّ إنّ بعض الأعاظم قد فرض للمسألة صوراً ثلاثة على ما في التقريرات: الأوّل: ما إذا كان متعلّق العلم من الأوّل مجملًا مردّداً بين ما كان في الطرف الشرقي و ما كان في الطرف الغربي فيما كان الإناءان نجسين سابقاً و علم بإصابة المطر لخصوص واحد منهما لا على التعيين. الثاني: ما إذا كان متعلّق العلم بإصابة المطر معلوماً بالتفصيل ثمّ طرأ عليه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 198

..........

______________________________

الإجمال و الترديد لوقوع الاشتباه بين الإناء الشرقي و الإناء الغربي. الثالث: ما إذا كان متعلّق العلم مجملًا من جهة و مبيّناً من جهة اخرى كما إذا علم بإصابة المطر لخصوص الإناء

الواقع في الطرف الشرقي مع عدم تميّزه عمّا كان في الطرف الغربي. ثمّ حكم بجريان الاستصحاب في الصورة الاولى لأنّه يكون الشكّ فيه متّصلًا باليقين بخلاف الصورة الثانية؛ لأنّ العلم بطهارة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 199

..........

______________________________

أحدهما المعيّن الممتاز عمّا عداه تفصيلًا يوجب ارتفاع اليقين السابق، و الإجمال الطارئ و إن كان أوجب الشكّ في بقاء النجاسة في كلّ منهما إلّا انّه لا يعقل اتّصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين بنجاستهما، لأنّ المفروض انّه قد انقضى على أحد الإنائين زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة و لا زمان الشكّ فيها فكيف يعقل اتصال زمان الشكّ في كلّ منهما بزمان اليقين فلا مجال لاستصحاب بقاء النجاسة في كلّ منهما أصلًا. و أمّا الصورة الثالثة فكالصورة الثانية من حيث عدم الاتصال و إن لم يكن بذلك الوضوح فانّه قد انقضى على الإناء الشرقي زمان لم يكن زمان اليقين بالنجاسة و لا زمان الشكّ فيها و هو زمان العلم بإصابة المطر إليه لأنّ الشكّ في بقاء النجاسة فيه إنّما حصل بعد اجتماع الإنائين و اشتباه الشرقي بالغربي فقبل الاجتماع و الاشتباه كان الإناء الشرقي مقطوع الطهارة و الإناء الغربي مقطوع النجاسة فلا يجري الاستصحاب فيهما؛ لأنّ كلّ واحد منهما يحتمل أن يكون هو الإناء الشرقي الذي كان مقطوع الطهارة حال إصابة المطر إليه. أقول: لا فرق بين الصورتين الأخيرتين و بين الصورة الاولى من حيث إنّه لا مانع من جريان الاستصحاب فيهما من جهة اعتبار اتصال زمان الشكّ باليقين أصلًا، فكما انّه يجري الاستصحاب في الصورة الاولى لو لم يكن مانع من جهة اخرى كذلك يجري في الأخيرتين بهذه الخصوصية

لأنّ المفروض انّ العلم بطهارة أحدهما المعيّن الممتاز عمّا عداه تفصيلًا قد زال بعد طريان الإجمال و عروض التردّد، و مجرّد طريان العلم بنقيض الحالة السابقة لا يمنع عن استصحابها بعد زوال ذلك العلم و ارتفاعه كما لو علم بعدالة زيد عند طلوع الشمس ثمّ علم بارتفاعها عند الزوال ثمّ شكّ عند الغروب في ثبوت العدالة عند الزوال فإنّه لا مانع من جريان استصحاب العدالة و لو تخلّل بين الزمانين زمان يقطع فيه بارتفاع الحالة السابقة إلّا أنّ مجرّد ذلك لا يمنع عن جريان الاستصحاب بعد ارتفاع اليقين بنقيض الحالة السابقة و تبدّله بالشكّ الذي به يتحقّق موضوع الاستصحاب. و بالجملة: المانع من جريان الاستصحاب هو اليقين بخلاف الحالة السابقة مع وجوده في حال الشكّ في بقائها كما عرفت في المثال المتقدّم في صدر المسألة، و أمّا مجرّد اليقين بخلافها و لو انعدم عند الشكّ فيها فلا يكون مانعاً أصلًا. هذا في الصورة الثانية. و أمّا في الصورة الثالثة فجريان الاستصحاب فيها أوضح فتأمّل في المقام فإنّه من مزالّ الأقدام كما يظهر بمراجعة كلمات الأعلام عليهم رضوان اللّٰه الملك العلّام. و لنرجع إلى ما كنّا فيه، فنقول: إنّ المشهور بينهم في مسألة من تيقّن الطهارة و الحدث و شكّ في المتأخّر منهما هو وجوب تحصيل اليقين بفراغ الذمّة بتحصيل الطهارة لا لاستصحاب الحدث لمعارضته للمثل، بل لما ذكر من العلم بالفراغ، و المحكي عن المحقّق قدس سره في المعتبر هو وجوب الأخذ بضدّ الحالة السابقة. أقول: و التحقيق يوافق التفصيل، و توضيحه أن يقال: إنّ للمسألة صوراً فإنّ الحدث اللّاحق العارض امّا أن يكون مساوياً للحدث السابق على عروض الحالتين من حيث ما يترتّب عليه

من الحكم في الشرع، و أمّا أن يكون أقوى منه و أشدّ، و أمّا أن يكون أضعف منه، و على جميع التقادير امّا أن تكون الحالتان مجهولتين من حيث التاريخ، و أمّا أن تكون إحداهما معلومة و الاخرى مجهولة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 200

..........

______________________________

و حينئذٍ نقول: لو كان الحادثان مجهولي التاريخ و كان الحدث العارض مساوياً للحدث السابق من حيث القوّة و الضعف فالحكم كما ذكره في المعتبر من وجوب الأخذ بضدّ الحالة السابقة فلا يجب عليه تحصيل الطهارة في هذا الفرض لكون المفروض انّ الحالة السابقة على الحالتين هو الحدث. و توضيح ذلك يتوقّف على بيان مقدّمة و هي انّه من الواضح انّه لو عرض حدثان متعاقبين لا يترتّب على الحدث اللّاحق أثر أصلًا، لأنّه قد بطل الوضوء أو الغسل بالحدث السابق فلا يبطل بالحدث اللّاحق ثانياً، كما انّه من المتّفق عليه ظاهراً انّه لا يجب تعدّد الطهارة حسب تعدّد النواقض و الروافع فلا يجب بعد النومين مثلًا إلّا وضوء واحد إجماعاً، و عليه فالحدث اللّاحق لا يؤثر في الرفع و الإبطال فعلًا، بل له اقتضائه شأناً، و حينئذٍ فنقول: لا يكون في الفرض إلّا مجرّد استصحاب الطهارة المعلومة بالإجمال، لأنّ الحدث السابق المعلوم بالتفصيل قد ارتفع قطعاً، و العلم الإجمالي بالحدث اللّاحق لا يترتّب عليه حكم لأنّ أمره دائر بين أن يكون واقعاً قبل الطهارة فلا يؤثر أصلًا لو؟ الحدث السابق، و بين أن يكون عارضاً بعدها فيؤثر في الرفع فأحد الطرفين لا يترتّب عليه أثر فيصير الطرف الآخر مشكوكاً بالشكّ البدوي. و بالجملة: لا يكون في الفرض إلّا العلم التفصيلي بالحدث و المفروض ارتفاعه قطعاً بالعلم

بحدوث الطهارة و الشكّ البدوي في بقائها فلا يجري معه استصحاب الحدث، و يصير جريان الاستصحاب بالإضافة إلى الطهارة بلا مزاحم بعد العلم بحدوثها و الشكّ في ارتفاعها و السرّ ما عرفت من انّ العلم الإجمالي في ناحية الحدث و إن كان موجوداً إلّا أنّ المعلوم و هو السبب الذي لا يترتّب على بعض وجوهه المسبّب بخلاف العلم الإجمالي في ناحية الطهارة فإنّه علم فيها بالسبب الذي يترتّب على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 201

..........

______________________________

جميع فروضه المسبّب، لأنّه لا يرتفع بها الحدث على أيّ تقدير سواء وقع قبل الحدث اللّاحق، أو بعده كما هو واضح. ثمّ إنّه ممّا ذكرنا يظهر الحكم فيما لو كانت الحالة السابقة على الحالتين هي الطهارة، فإنّه يجب عليه تحصيلها بعدهما؛ لأنّ استصحابها لا يجري، بخلاف استصحاب الحدث، لأنّه يترتّب عليه الأثر في هذا الفرض على أيّ تقدير. سواء وقع قبل الطهارة الثانية أو بعدها، بخلافها، فإنّه لا يترتّب عليها أثر لو وقع قبل الحدث اللّاحق كما انّه ممّا ذكرنا يظهر حكم ما لو كان الحدث السابق أقوى من الحدث اللّاحق من حيث الحكم. و أمّا لو كان اللّاحق أقوى منه و أشدّ فالحكم كما ذكره المشهور؛ لأنّ الاستصحابين يجريان ثمّ يسقطان فيجب تحصيل اليقين بالفراغ بإحراز الطهارة فيما كان من قبيل الحدث و الطهارة كما إذا كان عند طلوع الشمس محدثاً بالحدث الأصغر ثمّ علم بعروض الجنابة و الغسل عنها و شكّ في المتقدّم منهما فإنّه يجب عليه الغسل ثانياً بعد تعارض استصحاب بقاء الجنابة مع استصحاب بقاء الطهارة الحاصلة من الغسل كما هو مقتضى حكم العقل، و أمّا لو كان من قبيل النجاسة

الخبثية كما إذا علم بأنّ ثوبه كان نجساً عند الطلوع لملاقاته مع الدّم ثمّ عرض له النجاسة البولية و التطهير المعتبر فيها بناءً على أن يكون البول أقوى من الدم من حيث الحكم و شكّ في المتأخّر منهما فإنّه بعد تعارض الاستصحابين يكون الثوب طاهراً بمقتضى قاعدة الطهارة لا استصحابها لمعارضته للمثل و المفروض انّ النجاسة السابقة الحاصلة عند الطلوع قد ارتفعت قطعاً فلا وجه لجريان استصحابها فلم يبق في البين إلّا قاعدة الطهارة، هذا كلّه في مجهولي التاريخ. و أمّا لو كان تاريخ أحدهما معلوماً و الآخر مجهولًا فالصور أربعة؛ لأنّه امّا أن تكون الحالة السابقة على الحالتين هي الحدث، و أمّا أن تكون هي الطهارة، و على التقديرين امّا أن يكون تاريخ الطهارة معلوماً و الحدث مجهولًا و أمّا أن يكون على العكس.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 202

..........

______________________________

فلو كانت الحالة السابقة هي الحدث، و علم بتاريخ الطهارة دون الحدث اللاحق كما لو علم بكونه محدثاً أوّل طلوع الشمس و علم بكونه طاهراً عند الزوال، و شكّ عند الغروب في أنّ الحدث اللّاحق العارض قطعاً هل حدث قبل الزوال أو بعده فالحكم في هذه الصورة هو البقاء على الطهارة بمقتضى الاستصحاب، و لا يعارضه استصحاب الحدث لأنّ أمره دائر بين وقوعه قبل الزوال فلا يؤثّر أو بعده فيؤثر في رفع الوضوء، فالعلم الإجمالي إنّما تعلّق بالسبب الأعمّ من الفعلي و الاقتضائي فلا يترتّب عليه الأثر أصلًا كما عرفت. و لو علم في هذا الفرض بتاريخ الحدث دون الطهارة كما لو علم في المثال بكونه محدثاً عند الزوال و شكّ في أنّ الطهارة الحادثة هل حدثت بعد الزوال أو

قبله فالحكم هو وجوب تحصيل الطهارة لا لاستصحابها لمعارضته للمثل، بل لوجوب تحصيل اليقين بالفراغ عند اليقين بالاشتغال. امّا جريان الاستصحاب بالنسبة إلى الطهارة فواضح لأنّه يعلم إجمالًا بحدوثها قبل الزوال أو بعده، و يشكّ في ارتفاعها لاحتمال حدوثها بعد الزوال، و أمّا جريان استصحاب الحدث فلأنّه يعلم تفصيلًا بكونه محدثاً حين الزوال سواء كان حدوث الطهارة قبله أو بعده، و يشكّ في ارتفاعه لاحتمال وقوعه بعد الطهارة، و مع جريان الاستصحابين و تساقط الأصلين لا يبقى في البين إلّا حكم العقل بوجوب تحصيل الطهارة كما مرّ. هذا كلّه فيما لو كانت الحالة السابقة هي الحدث. و أمّا لو كانت الحالة السابقة هي الطهارة و علم بتاريخ الطهارة اللّاحقة دون الحدث فالحكم كما في الفرض الثاني من وجوب تحصيلها بمقتضى حكم العقل بعد جريان الأصلين و تساقط الاستصحابين، امّا جريان استصحاب الحدث فواضح لأنّه يعلم إجمالًا بحدوثه امّا قبل الزوال فيؤثر في رفع الطهارة السابقة على عروض الحالتين و أمّا بعد الزوال فيؤثّر في رفع الطهارة اللاحقة أيضاً و المفروض الشكّ في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 203

..........

______________________________

ارتفاعه لاحتمال حدوثه بعد الزوال فلا مانع من جريان استصحابه من حيث هو، و أمّا جريان استصحاب الطهارة فلأنّه يعلم تفصيلًا بوجودها عند الزوال سواء كان حدوث الحدث قبله أو بعده، و يشكّ في ارتفاعه لاحتمال حدوثها بعد الحدث فلا مانع من استصحابها أيضاً كذلك. و لو علم في الفرض بتاريخ الحدث دون الطهارة فالحكم هو وجوب تحصيل الطهارة لاستصحاب الحدث، و لا يعارضه استصحاب الطهارة لعدم جريانه لأنّ أمرها دائر بين وقوعها قبل الزوال الذي هو وقت حدوث الحدث على ما

هو المفروض فلا يؤثّر في حدوث الطهارة أصلًا لفرض وجودها قبلها، و بين وقوعها بعد الزوال فيؤثر في حدوثها لمكان الحدث السابق عليها، فالعلم إنّما تعلّق بالسبب الأعمّ من الفعلي و الاقتضائي فلا مجال لجريان استصحابه. فانقدح انّ الحكم في الصور الثلاثة من الصور الأربعة هو وجوب تحصيل الطهارة، غاية الأمر انّ الوجه في بعضها جريان خصوص استصحاب الحدث، و في بعضها الآخر تعارض الاستصحابين و تساقطهما و لزوم الرجوع إلى حكم العقل بوجوب تحصيل اليقين بالفراغ بعد اليقين بالاشتغال، و في صورة واحدة و هي الصورة الاولى من الصور المتقدّمة يكون مقتضى الاستصحاب بقاءه على الطهارة، فالأخذ بخلاف الحالة السابقة بناءً على الاستصحاب إنّما هو في خصوص هذه الصورة و الصورة الأخيرة دون بقيّة الصور فتدبّر. إذا عرفت جميع ما ذكرنا فنقول في أصل المسألة و هي انحصار الماء بالمشتبهين و كون التوضّي بالماء النجس محرّماً بالحرمة التشريعية: قد عرفت انّه لا إشكال فيما لو صلّى عقيب كلّ وضوء بالكيفية المذكورة لأنّه يقطع معه بوقوع إحدى الصلاتين جامعة للشرائط المعتبرة فيها، و إنّما الإشكال في الاكتفاء بصلاة واحدة عقيب الطهارتين، و الحقّ في المسألة أن يقال: إنّه قد تكون أعضاء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 204

..........

______________________________

الوضوء طاهرة قبل الوضوء بالماءين المشتبهين، و قد تكون نجسة فالكلام يقع في مقامين: امّا الكلام في المقام الأوّل فملخّصه انّه لو قلنا بالاكتفاء بصلاة واحدة فاللّازم وقوعها فاقدة للطهارة المعتبرة فيها و هي طهارة البدن لابتلائه باستصحاب النجاسة، و عليه يكون الحكم في الروايتين الدالّتين على وجوب الإراقة و التيمّم موافقاً للقاعدة فلا يبقى توهّم اختصاص له بموردهما بل يتعدّى عنه إلى

غيره، و توضيحه أن يقال: إنّ المتوضّي يقطع تفصيلًا بنجاسة العضو الذي لاقاه الماء الثاني قبل حصول شرائط التطهير من الغلبة و الانفصال و التعدّد فمجرّد الملاقاة و الوصول يقطع بنجاسة يده مثلًا امّا لنجاسة الماء الأوّل و المفروض عدم حصول شرائط التطهير بعد، و أمّا لنجاسة الماء الثاني الواصل إليه، فهو في ذلك الحال يكون معلوم النجاسة، و المفروض الشكّ في ارتفاعها لاحتمال كون النجس هو الماء الثاني دون الأوّل فتستصحب النجاسة، و لا يعارضه استصحاب الطهارة المعلومة حين وصول الماء الطاهر بالعضو، المردّدة بين كونها بقاء للطهارة الحاصلة قبل الوضوءين- كما هو المفروض في المقام أو حدوثاً طهارة جديدة، و ذلك أي وجه عدم المعارضة انّه قد عرفت سابقاً انّه يشترط في تنجيز العلم الإجمالي أن يكون التكليف المعلوم منجّزاً على كلّ تقدير سواء تعلّق بهذا الطرف أو بالطرف الآخر فلا يؤثّر فيما لو كان التكليف بالاجتناب ثابتاً بالإضافة إلى بعض الأطراف مع قطع النظر عن العلم الإجمالي كما لو كان واحد من الإنائين مستصحب النجاسة مثلًا- ثمّ وقعت قطرة من الدم في واحد منهما لا على التعيين فإنّ العلم الإجمالي بوقوعها لا يؤثّر أصلًا بعد ما كان بعض الأطراف محكوماً بالنجاسة ظاهراً لأجل الاستصحاب فلا يكون الطرف الآخر واجب الاجتناب أصلًا، ففي المقام نقول:

إنّ الطهارة و إن كانت معلومة بالإجمال إلّا انّه حيث يكون استصحاب الطهارة المتحقّقة قبل الوضوءين جارياً بعد الوضوء بأحد الماءين فلا محالة يكون العلم الإجمالي منحلّاً إلى علم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 205

..........

______________________________

تفصيلي بطهارة العضو ظاهراً بعد الطهارة بأحد الماءين و شكّ بدوي بعد تطهير الأعضاء بالماء الثاني فلا مجال إلّا

لاستصحاب النجاسة. نعم لو قلنا بجريان استصحاب الطهارة و معارضته مع استصحاب النجاسة، الموجبة للتساقط و الرجوع إلى قاعدة الطهارة يكون الحكم مخالفاً للقاعدة إلّا أن يقال: إنّ وجوب الوضوء بالماءين بالكيفية المعتبرة حكم حرجي لتعسّره فارتفاعه إنّما هو لأجل ذلك لا للابتلاء باستصحاب النجاسة و حينئذٍ لو توضّأ بتلك الكيفية لا يكون وضوئه باطلًا كما هو الشأن في جميع الأحكام الحرجية المرفوعة بدليل الحرج كما ذهب إليه الأكثر بخلاف ما لو قلنا بأنّ الوجه في الرجوع إلى التيمّم إنّما هو الابتلاء بنجاسة البدن ظاهراً فإنّه بناء عليه تكون صلاته فاسدة لو أتى بها مع الوضوء كما هو واضح. و أمّا الكلام في المقام الثاني فملخّصه: انّه تصحّ الصلاة عقيب الطهارتين لقاعدة الطهارة التي هي المرجع بعد تعارض الاستصحابين و ذلك أي وجه جريانهما انّه لا بدّ على هذا التقدير من تطهير مواضع الوضوء بالماء الأوّل ثمّ الوضوء به ثمّ التطهير بالماء الثاني ثمّ الوضوء به فيعلم إجمالًا بارتفاع النجاسة السابقة امّا بالماء الأوّل أو بالماء الثاني، حصول و يشكّ في ارتفاع الطهارة الحادثة لاحتمال كون الماء الطاهر هو الثاني فتستصحب، و كذا يعلم تفصيلًا بنجاسة الأعضاء حين تطهيرها بالماء الثاني قبل حصول شرائط التطهير، و المفروض الشكّ في ارتفاعها لاحتمال كون الماء الطاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 206

..........

______________________________

هو الماء الأوّل فتستصحب أيضاً، و بعد تعارض الأصلين و تساقطهما لا بدّ من الرجوع إلى قاعدة الطهارة فتصحّ الصلاة بهذا النحو من الوضوء على مقتضى القاعدة، و عليه يصير الحكم في الروايتين مخالفاً لها، و لكن لا يخفى انّ هذا الفرض في غاية الندرة لأنّ فرض ما لو كانت

محالّ الوضوء نجسة بأجمعها دون غيرها فرض نادر لا يكاد يتّفق إلّا قليلًا، و فرض ما لو كان بعضها نجساً دون البعض الآخر و إن كان غير نادر إلّا أنّ حكمه حكم ما لو كانت طاهرة بأجمعها كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّ الأمر بالإراقة و الإهراق كما في الروايتين هل يكون لوجوبه تعبّداً، أو كناية عن عدم الانتفاع بهما للوضوء، أو لصيرورة المكلّف فاقداً للماء فيصير تكليفه التيمّم لذلك؟ وجوه: لا يخفى ضعف الوجه الأوّل كالوجه الثالث الذي مرجعه إلى انّ الانتقال إلى التيمّم إنّما هو لأجل حصول موضوعه و هو فقدان الماء لا للابتلاء باستصحاب النجاسة، فالظاهر هو الوجه الثاني و إن كان مشتركاً مع الوجه الثالث في عدم وجوب الإهراق إذ لا معنى لوجوبه إلّا عدم حصول الطهارة بهما، و المفروض انّ مقتضاه انّ وجوب التيمّم إنّما هو لأجل فقدان الماء لا لعدم إمكان حصول الطهارة بهما فيكون الاهراق مستحبّاً لا واجباً، ثمّ إنّ ما أفاده في المتن من التيمّم مع انحصار الماء بالمشتبهين حتّى مع إمكان التطهير و تكرار الصلاة إن كان المراد منه جواز التيمّم و لو مع هذه الحالة فالدليل عليه هو الروايتان الدالّتان على التيمّم مع الانحصار بناء على كون مفادهما الجواز و عدم وجوب الوضوء بنحو التعين، و إن كان المراد منه وجوب التيمّم بنحو التعيّن بحيث لا يكتفي بالوضوء و لو مع التطهير و التكرار له و للصلاة فيمكن أن يكون المستند هو الروايتين بناء على دلالتهما على التعين و يمكن أن يكون هو حرمة استعمال الماء المتنجّس في مثل الوضوء بالحرمة الذاتية لأنّك عرفت انّه على هذا التقدير لا مجال إلّا للتيمّم كما انّ الوجه في

التعين في الروايتين يمكن أن يكون ذلك و يمكن أن يكون هو التعذّر أو تعسّر الاحتياط و التطهير غالباً فلا ينافي الحرمة التشريعية فتدبّر جيّداً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 207

مسألة 3- لو لم يكن عنده إلّا ماء مشكوك إضافته و إطلاقه،

فلو كان حالته السابقة الإطلاق يتوضّأ به، و لو كانت الإضافة يتيمّم و لو لم يعلم الحالة السابقة يجب الاحتياط بالجمع بين الوضوء و التيمّم (1).

مسألة 4- لو اشتبه مضاف في محصور و لم يكن عنده ماء آخر يجب عليه الاحتياط

بتكرار الوضوء على نحو يعلم التوضؤ بماء مطلق، و الضابط أن يزاد عدد الوضوءات على عدد المضاف المعلوم بواحد (2).

______________________________

(1) امّا التوضّي في الفرض الأوّل و التيمّم في الفرض الثاني فلاستصحاب الحالة السابقة و هي الإطلاق أو الإضافة، و أمّا وجوب الاحتياط بالجمع بين الأمرين في الفرض الثالث فللعلم الإجمالي باشتغال ذمّته امّا بالوضوء على تقدير كون الماء مطلقاً و أمّا بالتيمّم على فرض إضافته لأنّ المفروض انحصار الماء فيه فلا محيص من الجميع.

(2) الوجه في وجوب الاحتياط بتكرار الوضوء هو لزوم القطع بوقوع التوضّي بالماء المطلق و هو يتوقّف على التكرار لا محالة لكن يتحقّق ذلك بأن يزاد عدد الوضوءات بواحد على عدد المضاف المعلوم فإذا كان المضاف المعلوم واحد يكفي وضوءان لأنّ أحد الوضوءين وقع بالماء المطلق لا محالة، و إذا كان اثنان يكفي ثلاث وضوءات و هكذا فالضابط هي الزيادة بواحد على عدد المضاف المعلوم لتحقّق القطع بوقوع التوضّي بالماء المطلق بذلك و لا يحتاج إلى الزيادة على واحد.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 208

مسألة 5- المشتبه بالغصب كالغصب لا يجوز الوضوء به

فإذا انحصر الماء به تعيّن التيمّم (1).

مسألة 6- طهارة الماء و إطلاقه شرط واقعي يستوي فيهما العالم و الجاهل

بخلاف الإباحة، فلو توضّأ بماء مغصوب مع الجهل بغصبيته أو نسيانها صحّ وضوئه، حتّى انّه لو التفت إلى الغصبية في أثنائه صحّ ما مضى من أجزائه و يتمّ الباقي بماء مباح، و إذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى هل يجوز المسح بما في يده من الرطوبة و يصحّ وضوئه أم لا؟ وجهان بل قولان

______________________________

(1) الوجه في تعيّن التيمّم ما عرفت في المسألة الثانية من أنّه بناء على كون حرمة التوضّي بالماء النجس ذاتية لا بدّ من ملاحظة الأهمّ من وجوب الوضوء و حرمة استعمال الماء النجس في التطهير و عرفت أيضاً انّه لا يبعد أن يقال بأنّ المستفاد من الأدلّة هو ترجيح الحرمة على وجوب الوضوء لعدم كون الطهارة المائية راجحة على الطهارة الترابية من حيث الأجر و الفضيلة، غاية الأمر اختلاف موضوعهما، و في هذه المسألة أيضاً يجري ما ذكر هناك فإنّ حرمة التصرّف في الماء المغصوب لها رجحان على وجوب الوضوء من جهة ثبوت البدل له و عدم اختلافه معه في الثواب ففي صورة الاشتباه و إن كان لا يتحقّق عنوان الفقدان الذي هو الموضوع للتيمّم إلّا أنّ رجحان الحرمة على وجوب الوضوء المتوقّف على التصرّف في الماء المغصوب لا محالة يقتضي الانتقال إلى التيمّم كما مرّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 209

و لا يبعد التفصيل بين كون ما في اليد أجزاء مائية تعدّ ماءً عرفاً و كونه محض الرطوبة التي كأنّها من الكيفيات عرفاً فيصحّ في الثاني دون الأوّل، و كذا الحال فيما إذا كان على محال وضوئه رطوبة من ماء مغصوب و أراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل

جفاف الرطوبة (1).

______________________________

(1) امّا كون شرطية الإطلاق واقعية يستوي فيها العالم و الجاهل فلأنّ الماء المضاف لا يكون ماء أصلًا و لا يتحقّق به التطهير لا من الحدث و لا من الخبث كما سبق في بحث المياه. و أمّا كون شرطيّة الطهارة واقعية فلإطلاق دليل الشرطية و اقتضائه بطلان الوضوء بالماء النجس مطلقاً من دون فرق بين العالم و الجاهل كما هو الحال في الطهارة المعتبرة في رفع الخبث أيضاً، نعم لو توضّأ به جهلًا و صلّى فهل تجب عليه إعادة الوضوء و إعادة الصلاة في الوقت أو قضائها في الخارج، أو تجب عليه الإعادة دون القضاء كما عن الشيخ قدس سره في المبسوط أو لا تجب عليه الإعادة أيضاً كما عن السرائر؟ وجوه و الظاهر هو الوجه الأوّل. امّا وجوب الإعادة في الوقت فيدلّ عليه مضافاً إلى أنّها مقتضى فوات المشروط بفوات شرطه لأنّ لازم إطلاق شرطية الطهارة بمقتضى دليلها هو البطلان و مع بطلان الوضوء لا مجال لصحّة الصلاة المشروطة به حديث لا تعاد المعروف الدالّ على البطلان مع الإخلال بالطهور بناء على عدم اختصاصه بالطهارة من الخبث. و أمّا القضاء فوجوبه يستفاد ممّا دلّ على وجوب قضاء الفريضة الفائتة بعمومه و ممّا دلّ على وجوب قضاء الصلاة بغير طهور بخصوصه. و ممّا ذكرنا يظهر الجواب عن دعوى السرائر من عدم الدليل على وجوب شي ء من الإعادة و القضاء، نعم يمكن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 210

..........

______________________________

أن يكون الوجه فيه ما اختاره الحدائق من انّ النجس هو ما علم المكلّف بملاقاته للنجاسة و مع الجهل بالملاقاة لا يكون الماء نجساً أصلًا. و يرد عليه إن كان المراد

بعدم النجاسة مع الجهل هو عدمها ظاهراً فهو و إن كان تامّاً إلّا أنّ المفروض في المقام انكشاف خلافه و انّه كان نجساً واقعاً، و إن كان المراد به هو عدمها واقعاً ففيه انّه خلاف ما هو المقطوع به من ظهر الأدلّة و الفتاوى و الاستدلال عليه بقوله عليه السلام: «كلّ ماء طاهر حتّى تعلم انّه قذر. و كلّ شي ء نظيف حتّى تعلم انّه قذر...» فاسد بعد وضوح كون مثله بصدد بيان الحكم الظاهري دون الواقعي بشهادة الغاية المذكورة فيه كما قرّر في محلّه. و أمّا عدم كون شرطية الإباحة مطلقة واقعية فلأنّ الدليل عليها إن كان هو الإجماع فالقدر المتيقّن من معقده هي الشرطية في صورة فعلية الحرمة بالعلم و الالتفات، و أمّا مع الجهل أو النسيان فلا دلالة له على الشرطية للجهل بدخوله في معقده أيضاً. و إن كان هو مسألة اجتماع الأمر و النهي و ترجيح جانب النهي أو اختيار البطلان مع جواز الاجتماع أيضاً، فقد قرّر في تلك المسألة أن ترجيح جانب النهي أو الذهاب إلى البطلان مع الاجتماع إنّما هو مع فعلية الحرمة و تنجّزها على المكلّف و إلّا فلا وجه للترجيح و لا يبقى مجال للحكم ببطلان العبادة، و المبغوضية الواقعية مع كون العبد معذوراً في المخالفة لا تنافي العبادية بوجه و الملاك عدم كونه مبعّداً بالفعل حتى لا يكاد يجتمع مع المقربية و التحقيق في محلّه. نعم ذكر في القواعد في خصوص صورة النسيان انّه لو سبق العلم فكالعالم و نحوه عن التذكرة و علّل بأنّ النسيان تفريط لا يعذر، و قد خصّ البطلان في محكي الدلائل بما إذا كان النسيان عن تفريط، و يرد عليهما انّ مقتضى

إطلاق حديث الرفع ثبوت العذر و إن كان عن تفريط، و قياس النسيان بالجهل المذكور في الحديث مع انّه لا يعذر الجاهل قبل الفحص مع الفارق لأنّ عدم معذوريته قبله إنّما هو لقيام الدليل على عدمها في الشبهات الحكمية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 211

..........

______________________________

فقط و لا تعمّ الشبهات الموضوعية التي لا يجب الفحص فيها إجماعاً فكما انّه يعذر الجاهل في المقام كذلك يعذر الناسي من دون فرق بين صورة التفريط و عدمه. ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا انّه لو التفت إلى الغصبية في أثناء الوضوء لا تجب إعادته بل يصحّ ما مضى من أجزائه و يتمّ ما بقي بماء مباح أو غير معلوم الغصبيّة، نعم فيما إذا التفت إليها بعد غسل اليد اليسرى وقع الاختلاف في انّه هل يجوز له المسح بما بقي في يده من الرطوبة و يصحّ وضوئه أم لا؟ فالمحكي عن المقاصد العلّية و شرح نجيب الدين هو الأوّل و قد يظهر ممّا عن مجمع البرهان فيما لو خاط ثوبه بخيط مغصوب حيث اختار عدم وجوب النزع و جواز الصلاة في الثوب المخاط به قال: إذ لا غصب فيه يجب ردّه كما قيل بجواز المسح بالرطوبة هنا. و قد فصّل في المتن بين كون ما في اليد أجزاء مائية تعدّ ماء عرفاً و بين كونه محض الرطوبة التي كأنّها من الكيفيات عرفاً بالحكم بالصحّة في الثاني دون الأوّل. وجه البطلان في الأوّل واضح فإنّه بعد كون ما في اليد أجزاء مائية عند العرف يبقى وصف المالية بحاله خصوصاً مع إمكان الرد إلى المالك و لو بإيجاد الرطوبة فيما يتعلّق به مع اذنه فلا يجوز التصرّف

فيه بدون طيب نفسه و لو بإيجاد المسح، و لو فرض في هذه الصورة انتفاء وصف الماليّة عرفاً و عدم إمكان الردّ إلى المالك بوجه كذلك فالملكية المستتبعة لتوقّف التصرّف على رضا المالك باقية بحالها لعدم دورانها مدار المالية و لا مجال لدعوى اختصاص التوقّف بما إذا كان وصف المالية باقياً و إن كان ربّما يتوهّم من مثل التوقيع: «لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال غيره إلّا باذنه» ذلك لكن الظاهر عدم الاختصاص به و إلّا لجاز التصرّف مع إمكان الردّ إذا انتفى وصف الماليّة. و أمّا وجه الصحّة في الثاني فهو انّه إذا كان ما في اليد محض الرطوبة و يعدّ من الكيفيات عرفاً بحيث لا يبقى عندهم من الأجزاء المائيّة التي لها كمية شي ء أصلًا بل ما بقي إلّا العرض الذي هي الكيفية المحضة و إن كان قابلًا للانتقال بالمسح إلى مثل الرأس إلّا أنّ ذلك لا يقدح في كونه عرضاً عرفاً فلم يبق من مال المالك و لا ملكه شي ء أصلًا، فحينئذٍ يجوز المسح به و ظاهر إطلاقه الجواز و لو مع نهي المالك و تصريحه بأنّه لا يكون راضياً بالمسح بهذه الرطوبة و السرّ فيه صدق تلف المال بجميع أجزائه في المقام و عدم بقاء جزء متّصف بالماليّة أو الملكيّة نظير ما لو صبغ ثوبه بالصبغ المغصوب بحيث لم يمكن إزالة الصبغ منه بوجه، و دعوى انّ الكلام إنّما هو في الرطوبة التي يصحّ المسح بها بانتقالها إلى الممسوح و مع كونها كذلك لا يمكن الحكم بكونها كالعرض مدفوعة بأنّ الانتقال بالمسح إلى الممسوح لا ينافي كونها عرضاً عرفاً فالظاهر في مثله الجواز و لو مع منع المالك خصوصاً لو

بنى على كون الضمان بسبب التلف أو ما بحكمه من قبيل المعاوضة كما يظهر من جماعة منهم صاحب الجواهر و مجمع البرهان و مال إليه السيّد قدس سره في حاشية المكاسب فإنّه على هذا التقدير لا بدّ من الالتزام بدخول الرطوبة في ملك المتوضّي و يجوز المسح بها، و على هذا المبنى يصحّ الوضوء في الفرض الأوّل على بعض تقاديره أيضاً. ثمّ إنّ ما ذكرنا ظهر الحال فيما إذا كان على محالّ وضوئه رطوبة من ماء مغصوب و أراد أن يتوضّأ بماء مباح قبل جفاف الرطوبة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 212

مسألة 7- يجوز الوضوء و الشرب و سائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت السيرة عليه من الأنهار الكبيرة

من القنوات و غيرها و إن لم يعلم رضا المالكين، بل و إن كان فيهم الصغار و المجانين، نعم مع النهي منهم أو من بعضهم يشكل الجواز، و إذا غصبها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 213

غاصب يبقى الجواز لغيره، دونه (1).

..........

______________________________

(1) قد استدل على جواز الوضوء و الشرب و مثلهما من التصرّفات اليسيرة من الأنهار الكبيرة و إن لم يعلم رضا المالكين بالخصوص بوجوه: منها: ما هو المحكي عن المجلسي و الكاشاني من انّ ذلك حقّ للمسلمين فيجوز لهم و الشاهد له ما ورد من انّ الناس في ثلاثة شرع سواء: الماء و النار و الكلاء و لا ينافي ذلك قيام الضرورة على انتفاء الاشتراك في كثير من الموارد فإنّ ذلك من باب التخصيص، و مع الشكّ يرجع إلى العام المذكور. و يرد عليه عدم ثبوت الحقّ بوجه و الرواية ناظرة إلى ما هو مباح بالأصل قبل عروض التملّك، و على تقدير عدم الظهور لا بدّ من حملها على ذلك إذ من

البعيد جدّاً أن تكون الموارد التي قامت الضرورة على انتفاء الاشتراك فيها خارجة عن العموم بنحو التخصيص بحيث كان الأصل هو البناء على العموم إلّا ما خرج بالدليل. و منها: ما هو المحكيّ عن العلّامة و الشهيد و غيرهما من شهادة الحال بالرضا.

و يرد عليه منع الاطراد كما هو ظاهر. و منها: انّ المرجع هي اصالة الإباحة بعد سقوط أدلّة المنع عن التصرّف في مال الغير بلزوم الحرج الشديد لو لا ذلك أو بانصرافها عن المقام. و يرد عليه مضافاً إلى منع لزوم الحرج الشديد في جميع الموارد انّ لزوم الحرج لا يقتضي جواز التصرّف في مال الغير فإنّه خلاف الامتنان و إنّما يقتضي نفي وجوب الوضوء، نعم في مثل الشرب لا مانع من دعوى اقتضاء اللزوم جواز التصرّف لا في جميع الموارد بل في بعضها كما لا يخفى، و دعوى الانصراف ممنوعة. و منها و هو العمدة، جريان السيرة القطعية العملية من المتشرّعة على ذلك و هي متّصلة بزمان المعصوم عليه السلام و كاشفة عن رضاه عليه السلام بذلك، و لكن حيث انّ السيرة من الأدلّة اللّبية لا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقّن منها و هي صورة الشكّ في رضا المالك، و أمّا مع العلم بعدم الرضا فضلًا عن صورة النهي فالظاهر عدم الجواز لعدم ثبوت السيرة و منه يظهر انّه لا يجوز للغاصب التصرّف فيه و إن كان يجوز له ذلك قبل الغصب لعدم الدليل على الجواز بالإضافة إليه في مقابل عموم النهي عن التصرف في مال الغير بغير إذنه، نعم يجوز في صورة الغصب التصرّف لغير الغاصب كما كان قبل الغصب لجريان السيرة بالإضافة إليه من دون فرق بين ما إذا

لم يتغيّر المجرى بيد الغاصب و بين ما إذا تغيّر، و إن كان الجواز في الصورة الاولى واضح؛ لأنّ تغيير المجرى لا يوجب تغيّر الحكم بالنظر إلى السيرة، نعم ينبغي أن يستثنى من غير الغاصب اتباعه من زوجته و أولاده و ضيوفه و كلّ من يتصرّف فيها بتبعه فانّهم و إن لم يكونوا غاصبين إلّا أنّ التبعية للغاصب أوجبت الخروج عن مورد السيرة قطعاً أو احتمالًا فلا يجوز التصرّف على كلّ من التقديرين. و إن شئت فقل في الغاصب و أتباعه: إنّ الظاهر عدم رضا المالك بتصرّف الغاصب و متابعيه لا لأنّ الغصب هو التصرّف في مال الغير، و من المعلوم انّ المالك لا يكاد يرضى بالغصب و إلّا لا يتحقّق في موضوعه و ذلك لما حقّقناه في محلّه من انّ الغصب هو الاستيلاء على مال الغير عدواناً و انّ النسبة بينه و بين عنوان التصرّف في مال الغير الذي نهى عنه في مثل التوقيع هو العموم من وجه لأنّه قد يتحقّق الغصب من دون تصرّف كما انّه قد يتحقّق التصرّف في مال الغير من دون استيلاء عليه فعدم رضا المالك بالغصب لا يلازم عدم رضاه بالتصرّف ثبوتاً، بل لأنّ الظاهر انّ المالك لا يكون راضياً بتصرّف الغاصب و من تبعه أصلًا فعدم الجواز يكون مستنداً إلى عدم رضا المالك و قد عرفت انّه مع عدم الرضا لا يجوز لغير الغاصب أيضاً ذلك فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 214

مسألة 8- لو كان ماء مباح في إناء مغصوب لا يجوز الوضوء منه بالغمس فيه مطلقاً.

و أمّا بالاغتراف منه فلا يصحّ مع الانحصار به، ويتعيّن التيمّم، نعم لو صبّه في الإناء المباح صحّ، و لو تمكّن من ماء آخر مباح صح بالاغتراف منه و ان

فعل حراماً من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 215

جهة التصرّف في الإناء (1).

مسألة 9- يصحّ الوضوء تحت الخيمة المغصوبة،

بل في البيت المغصوب إذا كانت أرضه مباحة (2).

______________________________

(1) قد تقدّم البحث في هذه المسألة بجميع فروعها في شرح المسألة الاولى المتقدّمة و لا حاجة إلى الإعادة فراجع.

(2) لا بدّ أوّلًا من ملاحظة انّ الجلوس تحت الخيمة المغصوبة و كذا في البيت المغصوب إذا كانت أرضه مباحة هل يكون محرماً مطلقاً كما هو ظاهر محكي الجواهر نظراً إلى انّه انتفاع بها و هو محرم أو يكون محرماً فيما إذا عدّ تصرّفاً فيها كما في حال الحرّ أو البرد المحتاج إليها كما يظهر من العروة أو لا يكون محرماً أصلًا؟

و الظاهر هو الوجه الثالث؛ لأنّ الجلوس تحتها لا يعدّ من التصرّف فيها بوجه و لو في الحالين المذكورين في العروة؛ لأنّ الاحتياج لا يوجب تحقّق عنوان التصرّف و هذا كما في الاستضاءة و الاصطلاء بنور الغير و ناره فإنّ الحاجة إليهما لا توجب صدق التصرّف و إلّا لا فرق بين صورة الحاجة و عدمها، فالجلوس لا يكون من مصاديق التصرّف، بل غايته انّه انتفاع بمال الغير و لا دليل على حرمة الانتفاع بمجرّده إذا لم يكن مصداقاً للتصرّف؛ لأنّ الموضوع في التوقيع الشريف هو التصرّف، و إطلاق موثقة سماعة: «لا يحلّ مال امرئ مسلم...» ينصرف إليه و إلّا لكان النظر إليه محرّماً أيضاً مع ضرورة خلافه فإنّه لا يكون محرماً أصلًا و إن كان موجباً للانتفاع و الالتذاذ فلا دليل على حرمة الجلوس بوجه. نعم ذكر في «المستمسك» في توجيه كلام العروة ما محصّله: «انّه إذا كان الانتفاع بمال الغير ذا مالية معتدّ بها عند العقلاء كان مملوكاً

للغير فيحرم التصرّف

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 216

..........

______________________________

فيه لحرمة التصرّف بملك الغير و لو كان منفعة و لذا يحرّم على مالك العين إذا أجّرها الجلوس فيها بغير إذن المستأجر لأنّه تصرّف في منفعة غيره و إن لم يكن تصرّفاً في عين غيره، بل كان في عين نفسه، و من ذلك يصحّ التفصيل بين صورة الحاجة إلى الخيمة كما في الحالين، و غيرها اخذ في الاولى تكون للخيمة منفعة ذات مالية معتدّ بها عند العقلاء فتكون مملوكة لمالك الخيمة فيحرم على غيره الجلوس تحتها، و في الثانية لا يكون لها ذلك فلا مانع من الجلوس تحتها و منه يظهر الفرق بين الأعيان و المنافع فإنّ الأعيان تكون مملوكة و إن لم تكن ذات مالية بخلاف المنافع فإنّها لا تكون مملوكة إلّا إذا كان لها مالية». و يرد عليه انّ تصحيح ماليّة المنفعة و الفرق بينهما و بين الأعيان في اختصاص المملوكية فيها بصورة المالية دون الأعيان لا يوجب صدق عنوان التصرّف الذي هو الملاك في المقام ضرورة انّ ثبوت الماليّة يوجب اتّصاف المنفعة بالمملوكية و الكلام إنّما هو في الانتفاع منها و انّه هل يوجب التصرّف أم لا؟ و قد عرفت انّ الظاهر عدم تحقّق عنوان التصرّف و أمّا حرمة الجلوس في العين المستأجرة على المالك المؤجر فلأنّه تصرّف في المنفعة التي هي مال الغير بمقتضى الإجارة فلا وجه لقياس المقام إليه بعد عدم صدق التصرّف بوجه، و لا ملازمة بين صدق المالية و حرمة الانتفاع هذا، مع انّ الفرق بين العين و المنفعة من جهة الملكية و الحكم بثبوت الملكية للعين مطلقاً و توقّفها على ثبوت المالية في

المنفعة غير واضح و التحقيق في محلّه. ثمّ إنّه لو لم نقل بحرمة الجلوس تحت مثل الخيمة المغصوبة فصحّة الوضوء تحته ظاهرة لا إشكال فيها لكونه واجداً لجميع الجهات المعتبرة في صحّتها، و أمّا إذا قلنا بالحرمة كما حكى عن الجواهر فهل يكون الوضوء تحته باطلًا أم لا؟ الظاهر هو الثاني لعدم اتّحاد ما هو المحرّم من استيفاء المنفعة مع الوضوء فلا موجب للبطلان، و على فرض الاتحاد يبتني على مسألة اجتماع الأمر و النهي كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 217

مسألة 10- لا يجوز الوضوء من حياض المساجد و المدارس و نحوهما

في صورة الجهل بكيفية الوقف و احتمال شرط الواقف عدم استعمال غير المصلّين و الساكنين منها و لو لم يزاحمهم، نعم إذا جرت السيرة و العادة على وضوء غيرهم منها من غير منع منهم صحّ (1).

______________________________

(1) لا إشكال في الحكم جوازاً و منعاً فيما إذا كانت كيفية الوقف معلومة و أنه إذا كان الوقف عامّاً يجوز للعموم التصرّف بالوضوء و غيره و إذا كان خاصّاً بطائفة معيّنة لا يجوز لغيرهم التصرّف و لو بالوضوء و شبهه. و أمّا إذا كانت الكيفية مجهولة فالظاهر أيضاً انّه لا يجوز التصرّف لغير من يكون موقوفاً عليهم قطعاً؛ لأنّ منشأ الشكّ في الجواز و عدمه هو الشكّ في كون الوقف عامّاً أو خاصّاً بعد العلم بخروجه عن ملك الواقف و انقطاع سلطنته جزماً، و الأصل الجاري مع هذا الشكّ هو استصحاب عدم الوقف بنحو العموم و لا يعارضه استصحاب عدم الوقف بنحو الخصوص لعدم ترتّب الأثر عليه إلّا على تقدير إثبات بنحو العموم و من المعلوم انّه لا يثبت ذلك إلّا على تقدير القول بالاصول المثبتة، و لا مجال للرجوع

إلى استصحاب الإذن فيما لو فرض كونه مأذوناً من قبل المالك قبل الوقف لعدم ترتّب الأثر على إذن المالك و لو مع العلم بالبقاء بعد الجزم بانقطاع سلطنته عن العين بجعلها وقفاً، نعم يمكن أن يقال بجواز الرجوع إلى استصحاب الإباحة المتحقّقة في السابق بإذن المالك لكنّه يبتني على القول بجريان القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي و هو محلّ نظر خصوصاً في مثل هذه الصورة فتدبّر. و على تقديره لا مجال لجريانه مع جريان استصحاب عدم الوقف بنحو العموم لأنّه من آثاره و أحكامه ثمّ إنّه على تقدير تعارض استصحاب عدم الوقف بنحو العموم و استصحاب عدم الوقف بنحو الخصوص لفرض ترتّب الأثر على كليهما فهل يكون المرجع بعد التساقط هو أصالة الحرمة في الأموال أو اصالة الإباحة الثابتة في موارد الشكّ و الظاهر هو الثاني؛ لأنّه لا دليل على الأوّل إلّا مثل التوقيع المتقدّم و الرجوع إليه يتوقّف على إحراز كونه تصرّفاً في مال الغير كما هو ظاهر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 218

مسألة 11- الوضوء من آنية الذهب و الفضّة كالوضوء من الآنية المغصوبة على الأحوط

فيأتي فيها التفصيل المتقدّم، و لو توضّأ منها جهلًا أو نسياناً، بل مع الشكّ في كونها منهما صحّ و لو بنحو الرمس أو الاغتراف مع الانحصار (1).

______________________________

(1) لا خفاء في انّ الوضوء من آنية الذهب و الفضة يكون كالوضوء من الآنية المغصوبة على تقدير ثبوت حرمة التوضّي منهما فيأتي فيه الأحكام المذكورة هناك الثابتة في مورد العلم و الالتفات أو الجهل و النسيان فالعمدة في المقام بيان أصل ثبوت الحرمة و عدمه فنقول: لا خلاف بين الأصحاب في حرمة استعمال أواني الذهب و الفضّة في الأكل و الشرب و قد حملوا تعبير الشيخ بالكراهة

في موضع من كتاب خلافه على الحرمة إنّما الإشكال في حرمة سائر التصرّفات فيهما غير الأكل و الشرب و المعروف بينهم أيضاً التعميم بالإضافة إلى جميع الاستعمالات من الوضوء و الغسل و تطهير النجاسات و غيرها ممّا يعدّ استعمالًا للآنية، بل عن بعضهم دعوى الإجماع في المسألة و لكنّه نوقش فيها إمّا بأنّ الاجماع محتمل المدرك و أمّا بعدم ثبوته في نفسه و لو لاقتصار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 219

..........

______________________________

بعضهم على خصوص الأكل و الشرب و عدم التعرّض لغيرهما، و كيف كان فقد استدلّ على التعميم: تارة برواية موسى بن بكر عن أبي الحسن موسى عليه السلام قال: آنية الذهب و الفضّة متاع الذين لا يوقنون. «1» نظراً إلى أنّ المتاع بمعنى ما ينتفع و يتمتّع به و منه متاع البيت فالرواية تدلّ على انّ الانتفاع و الاستمتاع بآنيتهما حرام لأنّهما متاع الذين لا يوقنون بما يجب الإيقان به، و من المعلوم انّ استعمال الآنيتين مطلقاً و لو في الوضوء انتفاع بهما فيكون محرّماً. و أورد عليه مضافاً إلى ضعف السند بسهل بن زياد و موسى بن بكر على طريق الكليني و خصوص الأخير على رواية البرقي بأنّ المتاع و إن كان بمعنى ما ينتفع به إلّا أنّ الانتفاع في كل متاع بحسبه فانّ الانتفاع بالفرش الذي هو أمتعة البيت بفرشه و باللباس بلبسه و هكذا و من الظاهر انّ الانتفاع بالآنيتين إنّما يكون بالأكل و الشرب فيهما لأنّ الإناء إنّما يعد لذلك و هما الغاية المطلوبة منه فالانتفاع بالإناء إنّما هو ما باستعماله في خصوص الأكل و الشرب فلا تشمل بقيّة الانتفاعات. و يرد عليه انّ دعوى

اختصاص الآنية بخصوص ما أعدّ للأكل و الشرب ممنوعة بل الظاهر كما سيجي ء إن شاء اللّٰه- شموله للآنية التي تستعمل في مقام الغسل و الوضوء كالابريق فلا يبقى مجال لاستفادة الاختصاص من الرواية و إن قلنا بأنّ انتفاع كلّ شي ء بحسبه. و بصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: إنّه نهى عن آنية الذهب

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخامس و الستون ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 220

..........

______________________________

و الفضّة. «1»

و صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع: سألت الرضا عليه السلام عن آنية الذهب و الفضّة فكرههما. «2» نظراً إلى انّ النهي و الكراهة لا معنى لتعلّقهما بالذوات امّا في النهي فهو ظاهر، و أمّا في الكراهة التي ظاهرها التشريع في مثل المقام فلأنّها أيضاً لا معنى لتعلّقها بالذوات فلا بدّ من تقدير شي ء من الأفعال ليكون هو المتعلّق للنهي و الكراهة و حيث إنّ المقدّر غير معيّن بوجه فلا مناص من تقدير مطلق الاستعمالات. و قد أورد على الاستدلال بهما بأنّه يحتمل في معناهما وجوه و احتمالات: أحدها: انّ المقدّر هو الأكل و الشرب فحسب؛ لأنّ النهي عن كلّ شي ء إنّما هو بحسب الأثر المرغوب منه و الأثر المرغوب منه في الآنية هو الأكل و الشرب منها. ثانيها: انّ المقدّر هو مطلق الاستعمال الذي هو أعمّ من الأكل و الشرب، و يقع الكلام على هذا التقدير في انّ المحرّم هو نفس تلك الاستعمالات أو انّه أعمّ منها و من الأفعال المترتّبة عليها، و على الأوّل لا بأس بالتوضؤ من أواني الذهب و الفضّة لأنّ المحرّم على ذلك هو استعمالهما أعني تناول الماء منهما، و أمّا صرفه

بعد ذلك في شي ء من الغسل أو الوضوء فلا يعدّ استعمالًا للآنية، و حرمة الأكل و الشرب منهما بعد تناول الطعام أو الشراب منهما لقيام الدليل عليها لا لأنّهما استعمال للإناء. ثالثها: انّ المقدّر هو الانتفاع سواء كان بالاستعمال أو بغيره كالتزيين و إلى هذا ذهب صاحب الجواهر، و عليه لا يبقى دليل على حرمة اقتنائهما و ادّخارهما لعدم كونه انتفاعاً بهما بوجه. رابعها: انّ المقدّر مطلق الفعل المتعلّق بهما سواء عدّ استعمالًا لهما أم لم يعدّ و سواء كان انتفاعاً بهما أم لم يكن كالاقتناء لأنّ حفظها من الضياع أيضاً فعل متعلّق بهما فيحرم. و الأظهر هو الأوّل لأنّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي أن يكون المقدّر في كلّ مورد ما يناسب ذلك المورد و المناسب للآنية هو الأكل و الشرب فالمقدّر في النهي خصوص الأكل و الشرب دون سائر الاستعمالات و مع التنازل فالظاهر هو الاحتمال الثاني ثمّ الثالث و الرابع لا يمكن تتميمه بدليل. و قد ظهر لك ممّا أوردنا على الجواب على الاستدلال بالرواية الاولى الايراد على الجواب عن الاستدلال بهاتين الروايتين أيضاً و انّ الظاهر شمول الآنية للآنية المستعملة في الوضوء و الغسل كالابريق و نحوه و إن قلنا بأنّ انتفاع كلّ شي ء بحسبه، نعم لو استعمل الآنية المعدّة للأكل و الشرب و الوضوء و شبهه يشكل الحكم بالحرمة إلّا أنّ هذا الإشكال كالإشكال في استعمال الآنية غير المعدّة لهما فيها و سيأتي البحث عن ذلك إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخامس و الستون ح- 3.

(2) الوسائل أبواب النجاسات الباب الخامس و الستون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 221

مسألة 12- إذا شكّ في وجود الحاجب قبل الشروع في الوضوء أو في الأثناء لا يجب الفحص

إلّا

إذا كان منشأ عقلائي لاحتماله و حينئذٍ يجب حتّى يطمئن بعدمه، و كذا يجب فيما إذا كان مسبوقاً بوجوده، و لو شكّ بعد الفراغ في انّه كان موجوداً أم لا بنى على عدمه و صحّة وضوئه، و كذا إذا كان موجوداً و كان ملتفتاً حال الوضوء أو احتمل الالتفات و شكّ بعده في انّه أزاله أو أوصل الماء تحته أم لا بنى على صحّته، و كذا إذا علم بوجود الحاجب و شكّ في انّه كان موجوداً حال الوضوء أو طرء بعده، نعم لو علم بوجود شي ء في حال الوضوء ممّا يمكن أن لا يصل الماء تحته

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 222

و قد يصل و قد لا يصل كالخاتم و قد علم انّه لم يكن ملتفتاً إليه حين الغسل أو علم انّه لم يحرّكه و مع ذلك شكّ في انّه وصل الماء تحته من باب الاتّفاق أم لا يشكل الحكم بالصحّة، بل الظاهر وجوب الإعادة (1).

..........

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع: الأوّل: ما إذا شكّ في وجود الحاجب قبل الشروع في الوضوء أو في الأثناء و حكمه انّه يجب الفحص عنه في خصوص ما إذا كان لاحتماله منشأ عقلائي حتى يطمئن بعدمه امّا وجوب الفحص عنه في هذه الصورة فقد تقدّم الكلام فيه مفصّلًا في المسألة العاشرة من مسائل واجبات الوضوء فراجع، و أمّا كفاية الفحص إلى حصول الاطمئنان بالعدم فلما عرفت غير مرّة من انّ الاطمئنان علم عرفي عقلائي و يكفي حصوله في الآثار المترتّبة على العلم. و لو كان الحاجب في هذا الفرع مسبوقاً بالوجود يجب الفحص عنه مطلقاً و لو لم يكن لاحتماله منشأ عقلائي لأنّ مقتضى الاستصحاب

بقائه و لا يتوقّف جريان استصحاب بقاء المانع على القول بحجّية الاصول المثبتة كما قد قرّر في محلّه. الثاني: ما إذا شكّ بعد الفراغ في انّه كان موجوداً حال الوضوء أم لا و حكمه البناء على العدم و صحّة الوضوء و الدليل عليه قاعدة الفراغ و التجاوز الجارية في الوضوء بمقتضى الروايات الكثيرة الدالّة عليها و القدر المتيقّن من موردها هو الشكّ في وجود الحاجب حال الاشتغال بالوضوء. الثالث: ما إذا كان الحاجب موجوداً حال الوضوء قطعاً و شكّ بعده في أنّه أزاله أوصل الماء تحته مع العلم بالالتفات حال الوضوء أو احتماله و حكمه أيضاً البناء على الصحّة و انّه أزاله أو أوصل الماء تحته و ذلك لشمول قاعدة الفراغ لهذا الفرض و عدم اختصاصها بما عرفت انّه القدر المتيقّن منها. الرابع: ما إذا علم بوجود الحاجب و شكّ في انّه كان موجوداً حال الوضوء أو عرض بعده و الوجه فيه هو الوجه في الفرض السابق. الخامس: الفرع الأخير المذكور في المتن و الوجه في اشكال الحكم بالصحّة، بل استظهار وجوب الإعادة عدم شمول التعليل المذكور في بعض روايات القاعدة لهذا الفراغ فإنّ قوله عليه السلام هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ إنّما يقتضي حصر جريان القاعدة بما إذا كانت الأذكرية حال العمل و الاشتغال به متحقّقة مع انّ المفروض في هذا الفرع عدم ثبوت الأذكرية بوجه لأنّه يعلم بوجود الخاتم و انّه لم يحرّكه حال العمل، غاية الأمر انّه يحتمل وصول الماء تحته لأنّه قد يصل مع عدم التحريك إليه ففي الحقيقة لا تكون صورة العمل مغفولة بوجه بل منشأ الاحتمال إنّما هو مجرّد المصادفة و عليه فلا يشمله التعليل المذكور في

مثل هذه الروايات، بل الظاهر الرجوع إلى قاعدة الاشتغال الحاكمة بلزوم إحراز وصول الماء تحت الخاتم كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 223

مسألة 13- لو كان بعض محالّ الوضوء نجساً فتوضّأ و شكّ بعده في انّه طهره قبل الوضوء أم لا، يحكم بصحّته

لكن يبني على بقاء نجاسة المحلّ فيجب غسله للأعمال الآتية، نعم لو علم بعدم التفاته حال الوضوء تجب الإعادة على الظاهر. و منها المباشرة اختياراً، و مع الاضطرار جاز بل وجب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 224

الاستنابة فيوضئه الغير و ينوي هو الوضوء و إن كان الأحوط نيّة الغير أيضاً، و في المسح لا بدّ أن يكون بيد المنوب عنه و إمرار النائب، و إن لم يمكن أخذ الرطوبة التي في يده و مسح بها، و الأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم لو أمكن (1).

..........

______________________________

(1) امّا الحكم بالصحّة في الفرض الأوّل فلجريان قاعدة الفراغ المتقدّمة الحاكمة بصحّة الوضوء مع احتمال التطهير قبل الوضوء و احتمال الالتفات أو القطع به و لكن القاعدة تقتضي الحكم بصحّة الوضوء بمجرّدها و ان استصحاب النجاسة لا يوجب البطلان مع احتمال الزوال بالتطهير، و أمّا طهارة المحلّ فلا دلالة للقاعدة عليها، فلا بدّ من تحصيلها للأعمال الآتية لعدم إحرازها بوجه. و أمّا وجوب الإعادة فيما لو علم بعدم الالتفات حال الوضوء فلعدم جريانها في صورة العلم بعدم الالتفات بل يكون مقتضى الاستصحاب بقائه على النجاسة و لبطلان الوضوء الموجب للإعادة. و أمّا اعتبار المباشرة فقد استدلّ عليه مضافاً إلى الإجماعات المستفيضة المحكية عن الانتصار و الذكرى و ظاهر المعتبر و المنتهى القائمة على عدم جواز التولية في الوضوء بعد استظهار كون المراد من الحرمة في معقدها هو الحرمة الوضعية لا التكليفية بأنّه مخاطب بفعله و ظاهر

الخطاب وجوب إيجاد المكلّف الفعل المأمور به بنفسه لا بالتسبيب، و لا يجوز رفع اليد عمّا هو ظاهر الخطاب إلّا بقرينة داخلية كما لو طلب منه فعلًا ليس من شأنه صدوره من شخص الفاعل عادة إلّا بالتسبيب مثل ما لو كلّفه ببناء المساجد و حفر الآبار و الأنهار أو بقرينة خارجيّة كمال و علم من الخارج انّ مقصود الآمر ليس إلّا مجرّد حصول متعلّق الأمر في الخراج كما في الواجبات التوصلية فالفرق بينها و بين الأوامر التعبّدية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 225

..........

______________________________

لا يرجع إلى أن قيد المباشرة غير مراد من مدلول الخطاب فيها، بل يرجع إلى أن العقل بعد أن أدرك انّ الغرض ليس إلّا حصول المتعلّق في الخارج يعمّم موضوع الواجب الواقعي بحيث يعمّ كلّ ما يحصل به غرض المولى و هذا بخلاف التعبّديات فإنّه لا يجوز فيها مخالفة ظاهر الطلب إلّا بعد ورود دليل خاص على انّ المقصود يحصل بإيجاد الفعل مطلقاً أو دلالة نفس الطلب عليه أحياناً كما في أمر الشارع ببناء المساجد. و ربّما يستدلّ له بقوله تعالى: «وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» «1» و لكن أورد عليه بأنّ ظاهر الآية بشهادة سياقها بملاحظة صدرها و هو قوله تعالى: «فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحاً» إرادة الإخلاص في العبادة و أن لا يكون مشركاً في عبادة ربّه بأن يجعل غير اللّٰه تعالى شريكاً له في المعبوديّة و قد ورد في تفسيرها ما يدلّ على هذا المعنى ففي رواية جرّاح المدائني الواردة في تفسير الآية عن أبي عبد اللّه عليه السلام الرجل يعمل شيئاً من الثواب لا يطلب به وجه اللّٰه تعالى

إنّما يطلب تزكية النفس يشتهي أن يسمع به الناس فهذا الذي أشرك بعبادة ربّه، و عن عليّ بن إبراهيم في تفسيره قال: في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: سُئل رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله عن تفسير قوله اللّٰه عزّ و جلّ: «فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً» فقال: من صلّى مراءاة فهو مشرك إلى أن قال: من عمل عملًا ممّا أمر اللّٰه به مراءاة للناس فهو مشرك و لا يقبل اللّٰه عمل مراءٍ، و عليه فالظاهر عدم ارتباط الآية بالمقام لكن هنا روايات متعدّدة واردة في الاستعانة دالّة على المنع عنها مستدلّاً بقوله تعالى: «وَ لَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» مثل ما رواه المفيد في الإرشاد قال: دخل الرضا يوماً و المأمون يتوضّأ للصلاة

______________________________

(1) سورة الكهف آية 110.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 226

..........

______________________________

و الغلام يصبّ على يده الماء فقال: لا تشرك يا أمير المؤمنين بعبادة ربّك أحداً. و غيره من الروايات. و لكن ظهور أكثرها في الكراهة و لزوم حمل ما ظاهره الحرمة عليها كرواية الإرشاد لعدم حرمة الاستعانة في مقدّمات الوضوء كصبّ الماء على اليد و غيره لا تكليفاً و لا وضعاً يمنع عن الاستدلال بالآية الظاهرة في الحرمة في نفسها و للمناسبة بين الموضوع و الحكم فلا مجال لرفع اليد عن ظاهرها و هو الإشراك في المعبودية لا في الإتيان بالعبادة خصوصاً مع تأيّده بالروايتين المتقدّمتين الواردتين في تفسيرها، مع انّه لو سلم كون ظاهرها ذلك فغاية مفادها النهي عن المشاركة مع الغير في عبادة اللّٰه و هذا يتحقّق فيما لو صدر العمل من كلّ من الشريكين بعنوان

العبادة كما لو اشتركا في بناء مسجد قربة إلى اللّٰه تعالى، و أمّا لو استقل أحدهما ببناء المسجد كذلك و أعانه الآخر لكونه أجيراً له و أتى بالعمل بقصد استيفاء الاجرة أو ما هو بمنزلتها لا للتقرّب إلى اللّٰه تعالى فلا يصدق حينئذٍ أنّه أشرك بعبادة ربّه أحداً و ما نحن فيه من هذا القبيل. و كيف كان فالإجماعات المحكية المستفيضة و الدليل المتقدّم يكفيان للدلالة على اعتبار المباشرة، نعم يمكن أن يورد على الدليل المتقدّم بأنّ مقتضى عمومات أدلّة النيابة و حكومتها على ما دلّ على وجوب إيجاد الفعل على المكلّف مباشرة عدم اعتبار المباشرة و جواز الاستنابة و لأجله يصحّ القول بأنّ الأصل في العبادات قبولها للنيابة. و الجواب عنه مضافاً إلى انّ شمول العموم فرع إمكان صدور الفعل المأمور به من النائب حتّى يعقل إمضائه شرعاً بعمومات الوكالة و هو موقوف على عدم كون المباشرة قيداً في المأمور به و هو خلاف ظواهر الأدلّة، و إلّا لكان اللّازم الالتزام بصحّة وضوء النائب و الاكتفاء به بأن يتوضّأ النائب مكان المنوب عنه ان

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 227

..........

______________________________

المباشرة إنّما هي في مقابل التسبيب دون الاستنابة و الفرق بينهما انّ موضوع الوجوب فيما يجوز فيه التسبيب هو مطلق الفعل الصادر من الشخص مباشرة أو تسبيباً فلا يعتبر في حصول الامتثال فيه إلّا قصد المكلّف، و أمّا المباشر فهو بمنزلة الآلة فيجوز أن يكون صبيّاً أو مجنوناً أو كافراً، و أمّا موضوع الوجوب في العبادات القابلة للنيابة فليس إلّا الفعل الصادر من نفس المكلّف، و إنّما دلّ الدليل الخارجي على جواز تنزيل الغير نفسه منزلة المكلّف في امتثال

الأمر المتعلّق به و القيام بوظيفته، فالمتصدّي للنيّة إنّما هو النائب بعد تنزيل نفسه منزلة المنوب عنه لا المكلّف فالدليل الدالّ على جواز النيابة حاكم على ما دلّ على وجوب إيجاد الفعل على المكلّف مباشرة بمعنى انّه يدلّ على جواز تنزيل غير المكلّف نفسه منزلة المكلّف في إيجاد ما يجب عليه إيجاده بالمباشرة و لكنّك خبير بأنّ جواز الاستنابة بالمعنى المذكور أمر لا يفي بإثباته العمومات الدالّة على صحّة عقد الوكالة حتّى يدّعى حكومتها على ظواهر الأدلّة، بل الظواهر حاكمة عليها كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّه قد ظهر ممّا ذكرنا انّ المباشرة المعتبرة هي المباشرة في نفس أفعال الوضوء، و أمّا المباشرة في مقدّمات الأفعال فلا دلالة على اعتبارها سواء كانت من المقدّمات البعيدة كإتيان الماء أو تسخينه أو من المقدّمات القريبة مثل صبّ الماء في كفّه أو كانت مثل صبّ الماء على أعضائه مع كونه هو المباشر لإجرائه و غسل أعضائه، نعم في القسم الثاني لا ينبغي الإشكال في الكراهة لدلالة الروايات المتعدّدة التي سبقت الإشارة إليها عليها مع تصريح الأصحاب بها أيضاً، و في القسم الثالث ربّما يتأمّل في الصحّة نظراً إلى احتمال فوات المباشرة المعتبرة و لكن الظاهر هي الصحّة لأنّ المراد من المباشرة المعتبرة هو ما يصحّ نسبة الفعل المكلّف به إلى المكلّف بنحو الاستقلال و صبّ الماء بالنحو المذكور

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 228

..........

______________________________

لا ينافي ذلك و يؤيّده انّه لا منافاة بينها و بين ما إذا كان الماء جارياً من ميزاب أو نحوه فجعل وجهه أو يده تحته بحيث جرى الماء عليه بقصد الوضوء، بل و بينها و بين ما إذا كان شخص

يصبّ الماء من مكان عال لا بقصد أن يتوضّأ به أحد و جعل هو يده أو وجهه تحته بقصد الوضوء. ثمّ إنّ المباشرة إنّما تكون معتبرة في حال الاختيار، و أمّا في حال الاضطرار فيجوز بل يجب الاستنابة، و عن المنتهى دعوى الإجماع عليه كما انّه عن المعتبر دعوى اتّفاق العلماء عليه و يدلّ عليه مضافاً إلى ذلك و إلى قاعدة الميسور و إلى انّ مقتضى إطلاق أوامر الوضوء وجوب إيجاده على العاجز بالتسبيب صحيح سليمان بن خالد و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه كان وجعاً شديد الوجع فإصابته جنابة و هو في مكان بارد قال عليه السلام فدعوة الغلمة فقلت لهم: احملوني و اغسلوني فقالوا: إنّا نخاف عليك، فقلت لهم: ليس بدّ فحملوني و وضعوني على خشبات ثمّ صبّوا على الماء فغسلوني «1».

و ما ورد في المجدور و الكسير و غيرهما من انّهم ييمّمون فلا إشكال في ذلك إنّما الإشكال في التعبير بالاستنابة مع فوت المباشرة مع انّك عرفت انّ المباشرة إنّما هي في مقابل التسبيب دون الاستنابة و الفرق بينهما في المقام انّه على تقدير الاستنابة يكون المتصدّي للنيّة هو النائب دون المنوب عنه و على تقدير التسبيب يكون المتصدّي لها هو العاجز المسبّب دون المباشر الذي يكون بمنزلة الآلة، و لذا ذكرنا انّه يجوز أن يكون صبيّاً أو مجنوناً أو كافراً بخلاف النائب الذي لا بدّ من أن يكون واجداً لشرائط التكليف، و عليه فالتعبير المناسب للمقام إنّما هي الاستعانة دون الاستنابة و لازمه أيضاً انّه لو عرضه الشكّ في أثناء الوضوء يعتدّ

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم الباب السابع عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام

التخلي، ص: 229

..........

______________________________

بشكّه و لا يجوز البناء على الصحّة اعتماداً على اصالة الصحّة في عمل الغير، نعم لو كان الغير أجيراً لذلك يبني على الصحّة من حيث استحقاق الأجرة لا غير. و قد ظهر ممّا ذكرنا انّ المتصدّي للنيّة في المقام هو المستعين لا المعين لكن حيث انّ التعبير المذكور في معقد الإجماع هو الاستنابة التي عرفت انّ لازمها تصدّي النائب للنيّة فمقتضى الاحتياط اللّازم كما افيد في المتن الجمع بينهما بأن ينوي كلّ منهما الوضوء بقصد القربة و لا منافاة بين قصد قربة النائب و كونه أجيراً مستحقّاً للأجرة آتياً للعمل بداعيها لما حقّق في العبادات الاستئجارية من إمكان الجمع بين العبادية و الاجرة. ثمّ إنّه لا يلزم في الغسل أن يكون بيد المنوب عنه و لو أمكن إجراء الماء بيده بأن يأخذ النائب يد المنوب عنه و يصبّ الماء فيها و يجريه بها لأنّ المناط المباشرة في الأجزاء و اليد آلة و المفروض انّ فعل الاجراء من النائب و الدليل على كون اليد آلة انّه يجوز في حال الاختيار غسل الأعضاء بأي آلة غير يده و لو كانت يد غيره. و أمّا في المسح فلا بدّ من أن يكون بيد المنوب عنه مع الإمكان لأنّ لليد الماسحة مدخلية في صحّة الوضوء كما مرّ في المسح فلا تسقط شرطيتها مع الإمكان كما هو المفروض بخلاف الغسل الذي عرفت انّ اليد فيه لا تكون إلّا آلة للفعل و منه يظهر انّه مع عدم الإمكان لا بدّ من أخذ الرطوبة التي في يده و المسح بها لأنّ تعذّر المسح باليد لا يوجب انتفاء شرطية كون المسح بنداوة اليد و رطوبتها و لكن الأحوط ضمّ التيمّم

لو أمكن لاحتمال انتفاء وجوب الوضوء مع عدم إمكان المسح بيد المتوضّي و إن أمكن أخذ الرطوبة من يده كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 230

و منها: الترتيب في الأعضاء فيقدّم الوجه على اليد اليمنى و هي على اليسرى و هي على مسح الرأس و هو على مسح الرجلين، و الأحوط تقديم اليمنى على اليسرى، بل الوجوب لا يخلو من وجه (1).

______________________________

(1) الدليل على و جوب الترتيب بالكيفية المذكورة الإجماع المحكيّ عن الخلاف و الانتصار و الغنية و السرائر و المعتبر و التذكرة و المنتهى و غيرها و كذا السنّة مثل صحيحة زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام تابع بين الوضوء كما قال اللّٰه عزّ و جلّ ابدأ بالوجه ثمّ باليدين ثمّ امسح الرأس و الرجلين و لا تقدّمن شيئاً بين يدي شي ء تخالف ما امرت به فإن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع، و إن مسحت الرجل قبل الرأس فامسح على الرأس قبل الرِّجل ثمّ أعد على الرجل ابدأ بما بدأ اللّٰه عزّ و جلّ به. «1» و عطف مسح الرجلين على مسح الرأس بالواو دلالة فيه على عدم الترتيب بينهما خصوصاً مع إيجاب المتابعة بين الوضوء كما قال اللّٰه عزّ و جلّ في الصدر و مع التصريح في الذيل بوجوب إعادة مسح الرجل إذا وقع قبل مسح الرأس. و غيرها من الروايات الدالّة على اعتبار الترتيب المتعرّضة للمتابعة بين جميع الأعضاء أو بعضها. و ظاهر الشهيد قدس سره في الذكرى دلالة الآية عليه أيضاً حيث قال: «الواجب السادس الترتيب عند علمائنا لأنّه تعالى غيّا الغسل بالمرافق و المسح بالكعبين و هو

يعطي الترتيب، و انّ الفاء في فاغسلوا يفيد الترتيب قطعاً بين إرادة القيام و بين غسل الوجه فتجب البدأة بغسل الوجه قضية للفاء و كل من قال بوجوب البداءة به قال بالترتيب بين باقي الأعضاء».

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الرابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 231

..........

______________________________

أقول: لم يظهر ان جعل المرافق غاية لغسل الأيدي، و الكعبين غاية لمسح الأرجل كيف يعطي الترتيب و أيّ ارتباط بين الأمرين، و أمّا الفاء في قوله تعالى:

فاغسلوا، فإنّه و إن كان يفيد الترتيب إلّا أنّ مفاده الترتيب، بين إرادة القيام و غسل الوجه و مورد الكلام هو الترتيب بين غسل الوجه و بين باقي الأعضاء، أ لا ترى انّه لو قيل: «جاء زيد فعمرو و بكر» يستفاد منه انّ مجي ء عمر متأخّر عن مجي ء زيد لا انّه متقدّم على مجي ء بكر، و مفاد الآية هو تأخّر غسل الوجه عن إرادة القيام لا تقدّمه على سائر الأعضاء إلّا أن يكون المراد هو التأخّر بلا فصل كما هو قضيّة الفاء فلا يجتمع مع التأخّر عن سائر الأعضاء و لكنّه يندفع بأنّه لا يجب الوضوء عند إرادة القيام بلا فصل، بل يمكن الفصل كما لا يخفى. و كيف كان فدلالة الآية على اعتبار الترتيب ممنوعة و لكن عرفت توافق النصّ و الفتوى عليه، هذا ما يتعلّق بأصل اعتبار الترتيب. و أمّا الإعادة في صورة المخالفة فظاهر عبارة الشرائع التفصيل في صورتي العمد و النسيان بين ما لو كان قد جفّ الوضوء فتجب إعادته، و بين ما لو كان البلل باقياً فتجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب حيث قال بعد الحكم باعتبار الترتيب

بالكيفية المذكورة في المتن فلو خالف أعاد الوضوء عمداً كان أو نسياناً إن كان قد جفّ الوضوء، و إن كان البلل باقياً أعاد على ما يحصل معه الترتيب. و المحكي عن العلّامة في التحرير انّ هذا التفصيل إنّما هو في خصوص صورة النسيان، و أمّا في صورة العمد فتجب إعادة الوضوء مطلقاً. و ربّما يوجّه تارةً بأنّه مبني على مختاره في الموالاة من انّها عبارة عن المتابعة مع الاختيار و مراعاة الجفاف مع الاضطرار، و اخرى بأنّه يدلّ عليه مفهوم موثّقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السلام: إن نسيت فغسلت ذراعيك قبل وجهك فأعد غسل وجهك ثمّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 232

..........

______________________________

اغسل ذراعيك بعد الوجه. «1» فإنّ مفهومها انّه إن لم تنس فلا تعد غسل وجهك و حينئذٍ امّا أن يكون المراد البناء مع الإعادة و هو خلاف الإجماع، و أمّا أن يكون المراد هو الاستئناف فينطبق على ما أفاده العلّامة. أقول: و في كلا التوجيهين نظر: امّا الأوّل فلأنّ مخالفة الترتيب ربّما لا تنافي المتابعة المعتبرة مع الاختيار أ لا ترى انّه لو بدأ بغسل الأيدي ثمّ غسل الوجه ثمّ غسل الأيدي لخالف الترتيب مع ثبوت التتابع كما هو واضح، و أمّا الثاني فمضافاً إلى منع المفهوم سيّما في مثل المقام نقول: إنّ المنطوق إنّما يدلّ على وجوب الإعادة و الاستئناف فكيف يكون الحكم في المفهوم أيضاً هو وجوب الإعادة مع انّه مخالف له في الإيجاب و السلب إلّا في مفهوم الموافقة الذي لا ارتباط له بباب المفهوم أصلًا. و التحقيق في توجيه ما ذكره العلّامة أن يقال: إنّ العامد مع التفاته إلى اعتبار الترتيب

في الوضوء يتمشّى منه قصد القربة و تحقّق الامتثال بالوضوء الخالي من الترتيب فعند المخالفة مع الالتفات يستكشف انّه لم يكن قاصداً للامتثال بوجه، و عليه يكون بطلان الوضوء مستنداً إليه، و يجب عليه الاستئناف و إن كان بدونه يمكن تحصيل الترتيب؛ لبطلان ما أتى به من الأفعال بسبب خلوّه عن قصد القربة. و كيف كان فلو خالف الترتيب فقدّم ما حقّه التأخير و أخّر ما حقّه التقديم فلا إشكال في وجوب الإتيان بالمتأخّر ثانياً لخروجه عن محلّه بسبب التقديم، و في وجوب الإتيان بالمتقدّم ثانياً أيضاً لو أتى به أوّلًا وجهان فلو غسل يده اليسرى قبل اليمنى ثمّ غسلها فهل تجب عليه إعادة غسل اليمنى أيضاً أو لا؟ المشهور هو

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 233

..........

______________________________

الثاني، بل في المحكيّ عن الجواهر انّه قال: لم أجد فيه خلافاً. و العبارة المحكية عن الصدوق تشعر بالتخيير حيث اقتصر على مجرّد نقل الأخبار المتعارضة و لم يرجح بعضها على البعض الآخر. و لكن المستفاد من الأخبار الكثيرة وجوب إعادة المتقدّم أيضاً: منها: صحيحة زرارة المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: إن غسلت الذراع قبل الوجه فابدأ بالوجه و أعد على الذراع... فإنّ المراد بغسل الذراع قبل الوجه هو وقوعه قبل غسل الوجه حقيقة بمعنى انّه قد غسل الوجه أيضاً متأخّراً عن غسل الذراع، و التعبير بالبدأة بالوجه لا ينافي ذلك فإنّ الغرض منه هو بيان انّ المعتبر في الوضوء أن يبدأ بالوجه قبل سائر الأعضاء حقيقة لا مجرّد وقوعه قبل غسل الذراع حتّى يقال: إنّ إعادة غسل الذراع توجب تحقّق القبليّة، و

يؤيّده الأخبار الكثيرة الواردة فيمن بدأ بالسعي بالمروة دون الصفا الدالّة على وجوب طرح المقدار الذي سعى و البدأة بالصفا فلو كان المراد من البدأة هي مجرّد القبليّة لما كان وجه لبطلان جميع الأشواط، و بالجملة فدلالة الصحيحة على وجوب إعادة المتقدّم ممّا لا مجال للمناقشة فيها. و منها: ذيل موثقة أبي بصير حيث قال عليه السلام فيها: إن بدأت بذراعك الأيسر قبل الأيمن فأعد على غسل الأيمن ثمّ اغسل اليسار. «1» فإنّ التعبير بالإعادة ظاهر في انّه غسل الأيمن أوّلًا و قد حكم بوجوب غسله ثانياً. و منها: غير ذلك من الأخبار الظاهرة في ذلك. و في مقابل هذه الأخبار بعض الأخبار التي يستفاد منها عدم الوجوب مثل موثّقة ابن أبي يعفور المحكية عن مستطرفات السرائر عن كتاب النوادر لأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا بدأت بيسارك قبل يمينك و مسحت رأسك و رجليك ثمّ استيقنت بعد انّك بدأت بها غسلت يسارك ثمّ مسحت رأسك و رجليك «2».

و مثلها رواية منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في حديث تقديم السعي على الطواف قال: أ لا ترى انّك إذا غسلت شمالك قبل يمينك كان عليك أن تعيد على شمالك «3».

و يمكن المناقشة في هذه الرواية بعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة و لكنّه مع ذلك يجب رفع اليد عن ظاهر الطائفة الاولى لكون الموثقة نصّاً في عدم وجوب إعادة غسل اليمين، و على فرض عدم إمكان الحمل فيها و رفع اليد عن ظاهرها و ثبوت المكافئة بينهما فلا إشكال في ترجيح الموثقة عليها لكونها موافقة لفتوى المشهور بل الكلّ كما عرفت

من الجواهر فتصير الطائفة الاولى ساقطة عن الاعتبار باعتبار إعراض الأصحاب عنها.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 8.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 14.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 234

و منها: الموالاة بين الأعضاء بمعنى أن لا يؤخّر غسل العضو المتأخّر بحيث يحصل بسببه جفاف جميع ما تقدّم (1).

______________________________

(1) أقول: قال المحقّق في الشرائع: «الموالاة واجبة و هي أن يغسل كلّ عضو قبل أن يجفّ ما تقدّمه، و قيل: بل هي المتابعة بين الأعضاء مع الاختيار و مراعاة الجفاف مع الاضطرار». و الظاهر انّ مقتضى الآية الشريفة الواردة في الوضوء عدم وجوب الموالاة لأنّ العطف فيها وقع بالواو، و هي لا دلالة لها على ذلك، و أمّا غيرها من سائر الأدلّة فليس فيها ما يدلّ على اعتبار الموالاة بعنوانها نعم الظاهر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 235

..........

______________________________

اتّفاقهم على وجوبها في الجملة على اختلاف في المراد منها، و قد حكى الإجماع عن الخلاف و الغنية و التذكرة و المنتهى و شرح الدروس و الذكرى و المفاتيح و المدارك و غيرها كما انّ تفسير المتابعة بالمعنى المذكور في المتن و في عبارة الشرائع أوّلًا هو المشهور كما عن الروضة و المقاصد العلّية و الذخيرة و غيرها و لا بدّ في هذه الجهة من ملاحظة الأخبار الواردة في المقام فنقول: منها- و هي العمدة: موثقة أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا توضّأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتّى يبس وضوئك فأعد على وضوئك فإنّ الوضوء لا يتبعض. «1»

و التقييد بقوله: حتّى يبس، ظاهر في عدم وجوب الإعادة لو انقضت الحاجة قبل أن يبس الوضوء بل يبني عليه فظاهرها انّ الملاك هو حصول الجفاف و عدمه و به يفسّر إطلاق العلّة المذكورة في الذيل الظاهرة في انّ الملاك هو التبعّض سواء حصل الجفاف أم لا، إذ الأخذ به يوجب أن يكون ذكر الغاية لغواً فالمراد بالتبعّض المنفيّ في الوضوء هو الجفاف و اليبس. و منها: رواية حكم بن حكيم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى من الوضوء الذراع و الرأس؟ قال: يعيد الوضوء، إنّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً «2». و المراد بالمتابعة هنا هي الموالاة ضرورة انّه لو كان المراد بها الترتيب لما صحّ أن يقع علّة لإعادة الوضوء إذ الترتيب يحصل بدونه و حينئذٍ تصير الرواية بضميمة الإجماع على انّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف قرينة على أنّ المراد بالعلّة المذكورة في الرواية المتقدّمة و هي انّ الوضوء لا يتبعّض هو هذا المعنى، نعم وقع مثل هذا التعليل في بعض الأخبار الواردة في بيان اعتبار الترتيب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و الثلاثون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 236

..........

______________________________

كرواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إذا نسى الرجل أن يغسل يمينه فغسل شماله و مسح رأسه و رجليه فذكر بعد ذلك غسل يمينه و شماله و مسح رأسه و رجليه، و إن كان إنّما نسى شماله فليغسل الشمال و لا يعيد على ما كان توضّأ و قال: اتبع وضوئك بعضه بعضاً. «1» و لكنّه مضافاً إلى إمكان

منع ظهورها في العلّية و احتمال كونه حكماً مستقلّاً- و إن كان هذا الاحتمال بعيداً جدّاً لا دلالة لها على كون المراد بالتعليل في رواية حكيم أيضاً هو الترتيب، نعم يمكن أن يقال: إنّ السؤال في الرواية إنّما وقع عن حيثية مخالفة الترتيب فكيف يمكن أن يكون المراد بالمتابعة هي الموالاة مع انّها لم تكن مورداً للسؤال إلّا إذا حمل على ما إذا حصل الجفاف و هو ممّا لا يدلّ عليه السؤال أصلًا، نعم يقع الإشكال حينئذٍ في الحكم بوجوب إعادة الوضوء الظاهر في وجوب إعادته من رأس مع انّ المخالفة الترتيب لا توجب إلّا الإعادة من حيث أخطأ و لو قلنا بوجوب إعادة المتقدّم أيضاً على خلاف المشهور بل الكلّ. و لكنّه يندفع بأنّ الظاهر و إن كان ذلك إلّا انّه يحمل عليه بقرينة سائر الروايات، أو يقال انّه قد وقع مثل هذا التعبير في بعض الروايات الواردة في الترتيب و هو يشعر بجواز التعبير عن إعادة الوضوء من حيث أخطأ بإعادة الوضوء كرواية القاسم بن محمد عن علي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل بدأ بالمروة قبل الصفا؟ قال: يعيد أ لا ترى انّه لو بدأ بشماله قبل يمينه في الوضوء أراد أن يعيد الوضوء. «2» و كيف كان فالظاهر انّ الرواية لا ارتباط لها بمسألة الموالاة لما عرفت مضافاً إلى انّ التعبير عن الموالاة بالمتابعة مع انّها لغة لا تناسبها لا

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس و الثلاثون ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 237

..........

______________________________

يوجد في الروايات أصلًا خصوصاً مع ملاحظة كثرة التعبير

فيها عن الترتيب بها و هذه كلّها قرينة على انّ المراد بالرواية هي الترتيب، فالعمدة في المقام هي رواية أبي بصير المتقدّمة. و تؤيّدها صحيحة معاوية بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: ربّما توضّأت فنفد الماء فدعوت الجارية فأبطأت عليّ بالماء فيجفّ وضوئي؟ فقال: أعد. «1» فإنّ ظهور السؤال و الجواب في كون المراد هي صورة الإخلال بالموالاة ممّا لا ينبغي أن ينكر كما انّ التعبير بالجفاف مشعر بكون الملاك في الموالاة هو عدم الجفاف. ثمّ إنّ في مقابل تفسير المتابعة و الموالاة بالمعنى المشهور الذي عرفت قولين آخرين: أحدهما: ما هو المحكي عن الخلاف و مصباح السيّد و ظاهر المبسوط و صريح المعتبر و المبسوط من انّ الموالاة عبارة عن وجوب المتابعة اختياراً و عدم الجفاف اضطراراً لكن لا يبطل الوضوء إلّا بالجفاف و إن حصل الإثم بترك المتابعة اختياراً. قال في محكي المعتبر: «و الوجه وجوب المتابعة مع الاختيار لأنّ الأوامر المطلقة تقتضي الفور، و لما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام: اتبع وضوئك بعضه بعضاً، لكن لو أخلّ بالمتابعة لم يبطل الوضوء إلّا مع جفاف الأعضاء» و نحوه ما في التحرير. و يرد عليهما مضافاً إلى منع اقتضاء الأوامر المطلقة للفورية و إلّا لكان اللّازم وجوب غسل الوجه فوراً عند إرادة الصلاة و القيام إليها مع انّه لا يقول به أحد، و إلى منع اقتضاء الفورية التي لا يراد بها إلّا العرفية لإيجاب المتابعة

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثالث و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 238

..........

______________________________

انّه على تقدير الاقتضاء و استفادة وجوب المتابعة لا بدّ من الحمل على

الوجوب الشرطي كالأوامر المتعلّقة بنفس أفعال الوضوء لا الوجوب الشرعي الذي هو المدّعى. و أمّا رواية الحلبي فقد عرفت انّ المراد بالمتابعة فيها و في جميع الروايات المشتملة على هذا العنوان هو الترتيب دون الموالاة و الشاهد لذلك في رواية الحلبي هو صدرها الذي يكون هذا الذيل بمنزلة الدليل له خصوصاً مع التصريح بعدم إعادة ما كان توضّأ و لو كان المراد بها هي الموالاة لكان اللّازم الحكم بإعادة الوضوء من رأس هذا مع انّه على تقدير كون المراد بها هي الموالاة لا محيص عن حمل الأمر المتعلّق بها على الوجوب الشرطي الذي لازمه البطلان لا الإثم فهذا القول الذي يرجع إلى كون المتابعة العرفية واجبة مستقلّة غير معتبرة في صحّة الوضوء، غاية الأمر اختصاص الوجوب بغير المضطرّ و انّما المعتبر في الوضوء اختياراً و اضطراراً هو الموالاة بالمعنى المشهور ممّا لا يساعده الدليل أصلًا. ثانيهما: ما نسب إلى المقنعة و النهاية و المبسوط و غيرها من انّ المولاة هي المتابعة اختياراً و مراعاة الجفاف اضطراراً و يبطل الوضوء بترك المتابعة في حال الاختيار كما انّه يبطل بالجفاف في حال الاضطرار و ربّما يستدلّ له تارة بأنّه مقتضى الجمع بين اطلاق ما دلّ على وجوب المتابعة و بين ما دلّ على الصحّة عند الفصل نسياناً أو لحاجة أو نفاد الماء أو نحوها من أنواع الضرورة إذا لم يحصل الجفاف، و نتيجة التقييد اعتبار المتابعة مع الاختيار، و الصحّة بدونها مع الاضطرار إذا لم يحصل الجفاف. و اخرى بقاعدة الاشتغال، و ثالثة بالوضوءات البيانية الحاصلة فيها المتابعة، و رابعة بالإجماعات المنقولة المستفيضة على وجوب الموالاة و اعتبارها في الوضوء نظراً إلى انّ الظاهر من لفظ الموالاة

الواقع في معاقد الإجماعات هي المتابعة بين الأعضاء.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 239

..........

______________________________

و الكلّ مندفع: امّا الأوّل فلما عرفت من عدم نهوض دليل على وجوب المتابعة بهذا المعنى بل المراد من المتابعة الواجبة شرطاً المذكورة في الروايات هو الترتيب بشهادة القرائن المستفادة من نفس الأخبار مع انّ الروايات الواردة في مورد جواز الفصل بمقدار عدم الجفاف لا يظهر منها الاختصاص بصورة الاضطرار خصوصاً مع اشتمال بعضها على التعليل الذي لا يختصّ بها. و أمّا الثاني فمضافاً إلى منع كون المقام مجرى قاعدة الاشتغال دون البراءة نقول لا مجال للرجوع إلى الأصل بعد وجود إطلاقات الكتاب و السنّة. و أمّا الثالث فلأنّ المتابعة المتحقّقة في الوضوءات البيانية على تقدير تحقّقها إنّما هي لأجل جريانها مجرى العادة خصوصاً في مقام التعليم و الإفادة فلا دلالة لها على الاعتبار في الحقيقة و الماهيّة. و أمّا الرابع فلأنّه مع وضوح اختلاف مراد المجمعين لا مجال للتشبّث بظاهر معقد الإجماع و ليس هو منعقداً على اعتبار مفهوم هذا اللفظ حتّى يرجع فيه إلى العرف و اللغة فهذا القول أيضاً لا يكاد يدلّ عليه دليل. نعم هنا قول رابع محكيّ عن الفقيه و اختاره جماعة من المتأخّرين و هو انّ الموالاة عبارة عن أحد الأمرين من المتابعة و مراعاة الجفاف نظراً إلى انّ ظاهر الموثقة مدخلية التأخير الذي كنّى عنه بعروض الحاجة و الجفاف معاً في الحكم بوجوب إعادة الوضوء فينتفي وجوب الإعادة مع انتفاء واحد منهما و اختار هذا القول صاحب المصباح و قال بعد منع كون المستند له ما ذكره في المدارك في ردّ الشهيد المدّعى لمخالفته للأخبار الكثيرة من اختصاص مورد أخبار

قدح الجفاف بالجفاف الحاصل بالتفريق نظراً إلى انّه يتوجّه عليه انّ العبرة بعموم التعليل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 240

..........

______________________________

في قوله عليه السلام: انّ الوضوء لا يبعض، قوله عليه السلام: انّ الوضوء يتبع بعضه بعضاً ما ملخّصه: انّ المستند له هو منع اقتضاء عموم التعليل بطلان الوضوء في الفرض بل العموم قاض بصحته لصدق المتابعة و عدم التبعّض و ما ادّعينا سابقاً من أنّ المراد بالمتابعة أن يضمّ اللّاحق إلى سابقه قبل ذهاب أثره أي حصول الجفاف لا نعني به انّ عدم الجفاف اعتبر قيداً في مفهوم المستعمل فيه، بل المقصود انّه يستفاد من القرائن الداخلية و الخارجية انّه يكفي في حصول المتابعة بقاء أثر السابق حال وجود اللّاحق و لو مع تخلّل فصل معتدّ به عرفاً بحيث لا تصدق المتابعة العرفيّة، فالتصرّف الشرعي إنّما هو في تعميم موضوع المتابعة بحيث يعمّ هذا الفرد الذي لا يساعد عليه العرف لا في استعمال المتابعة في معنى لا يعرفه العرف مع انّه لا يبعد دعوى صدق المتابعة عرفاً ما دام وجود الأثر لأنّ له تأثيراً بنظر العرف على ما يشهد به الوجدان. و لكن يرد عليه انّ ظاهر الموثقة عدم كون عروض الحاجة دخيلًا في الحكم أصلًا لأنّ جعل اليبس غاية للتأخير الناشئ عن عروض الحاجة ظاهر في كون تمام الملاك بنظر الإمام عليه السلام هو حصول الجفاف و ارتفاع الرطوبة و قد عرفت انّه به يفسّر إطلاق العلّة المذكورة في الذيل الظاهرة في أنّ الملاك هو التبعّض سواء حصل الجفاف أم لا، لأنّه بدونه يلزم أن يكون ذكر الغاية لغواً، فالمراد بالتبعّض المنفي هو حصول الجفاف، و دعوى انّ مقتضى

ذكر كلّ من الفصل و اليبوسة في كلام الإمام عليه السلام انّ لمجموعهما دخلًا فيه و لازم ذلك انّه لا تقدح اليبوسة مع عدم الفصل مدفوعة بعدم كون الفصل في كلام الإمام عليه السلام مذكوراً في عداد اليبوسة و مقابلها بل جعلت اليبوسة غاية و المتفاهم منه عرفاً انّها هي المؤثّرة في وجوب إعادة الوضوء دون الفصل المؤدّي إليها كما لا يخفى، كما انّ دعوى كون ظاهر التعليل انّ الوضوء عمل واحد له هيئة اتصالية فلا يقبل التبعّض كالغسل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 241

..........

______________________________

و ظهور التعليل مقدّم على ظهور الحكم المعلّل فاللّازم المنع عن الفصل الطويل مطلقاً و إن لم يؤدّ إلى اليبوسة، و قوله عليه السلام: حتّى يبس، محمول على تحديد الفصل القادح بما يؤدّي إلى اليبوسة بحسب المتعارف لا لدخل اليبوسة بما هي في الحكم مدفوعة بكونها خلاف ظاهر الرواية فإنّ حمل القول المذكور على تحديد الفصل القادح بما ذكر خلاف ما هو المتفاهم عند العرف من جعل اليبوسة غاية، فإنّ ظاهرها مدخلية اليبوسة الفعلية في الحكم المذكور في الرواية؛ و ما اشتهر من تقدّم ظهور التعليل على ظهور الحكم المعلّل فإنّما هو فيما إذا لم يكن في العلّة إجمال بوجه. و بعبارة اخرى إنّما هو فيما إذا كان المقصود من العلّة ظاهراً و في المقام ليس كذلك فإنّ التبعّض المنفي ظاهره التبعّض حقيقة بالاقتصار على بعض أفعال الوضوء و عدم الإتيان بالبعض الآخر رأساً، و من المعلوم انّ هذا لا يكون بمراد فيبقى أن يكون المراد به هو رعاية التتابع و عدم الفصل أو يكون المراد به عدم حصول الجفاف و اليبوسة و من المعلوم

صلاحيّة المعلّل لرفع الإبهام عن العلّة بهذه الكيفية، و دعوى لزوم السنخيّة بين العلّة و المعلول و حمل العلّة على ما ذكر يوجب انعدام السنخيّة مدفوعة بأنّ العلّة إذا كانت أمراً تعبّدياً كما في المقام ضرورة انّ عدم قابلية الوضوء المتبعّض أمر تعبّدي سواء كان المراد بالتبعّض هو المعنى المذكور أو المعنى الذي ذكرنا تكون السنخية المعتبرة إنّما هي بذلك اللحاظ مع انّ السنخية المعتبرة إنّما هي بين ما هو ظاهر العلّة و ما هو ظاهر المعلّل لا شي ء آخر لا يدلّ عليه ظاهر المعلّل بوجه. فالإنصاف انّ حمل الرواية على غير ما ذكرنا ممّا لا يساعده الظاهر الذي عليه يبتني التفاهم العرفي، نعم لازمه عدم كون الفصل الطويل قادحاً مع بقاء الرطوبة و عدم حصول الجفاف و لو كان لأجل رطوبة الهواء و مساعدة الفصل كالشتاء و الالتزام به ممّا لا مانع منه أصلًا كما هو لازم القول المشهور في معنى الموالاة فتدبّر. و يؤيّد ما ذكرنا الإجماع على انّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف، و كذا الأخبار المستفيضة الدالّة على أنّ ناسي المسح يأخذ من بلّة لحيته و أشفار عينيه و حاجبيه، ما دامت البلّة باقية فيمسح بها.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 242

مسألة 14- إنّما يضرّ جفاف الأعضاء السابقة إذا كان بسبب التأخير

و طول الزمان، و أمّا إذا تابع عرفاً في الأفعال و مع ذلك حصل الجفاف بسبب حرارة الهواء أو غيرها لم يبطل وضوئه (1).

مسألة 15- لو لم يتابع في الأفعال و مع ذلك بقيت الرطوبة من جهة البرودة و رطوبة الهواء

بحيث لو كان الهواء معتدلًا لحصل الجفاف صحّ، فالعبرة في صحّة الوضوء بأحد الأمرين: امّا بقاء البلل حسّاً أو المتابعة عرفاً (2).

______________________________

(1) الوجه في عدم بطلان الوضوء في هذا الفرض ليست الدعوى التي ذكرناها مع جوابها و هي كون ظاهر الموثّقة مدخلية الفصل و اليبوسة معاً في الحكم بوجوب الإعادة، بل الوجه فيه ظهورها في أنّ المراد باليبوسة هي اليبوسة الناشئة عن أمر اختياري و هو التأخير و إن لم يكن مستلزماً للفصل الموجب للتبعّض بالمعنى الذي ذكروه، فاليبوسة و إن كانت هي تمام العلّة و الحكم يكون دائراً مدارها إلّا انّ المراد بها هي اليبوسة المذكورة، فالجفاف الناشئ عن حرارة الهواء أو غيرها لا يكاد يقدح في صحّة الوضوء.

(2) الحكم بالصحّة في هذا الفرض إنّما هو لما ذكرنا من كون اليبوسة علّة للحكم بالإعادة و انّ المراد بها ما هو ظاهرها من اليبوسة الفعلية فإذا لم تتحقّق و لو كان لأجل البرودة و رطوبة الهواء لا تجب الإعادة و لو كان بحيث يتحقّق الجفاف على تقدير اعتدال الهواء، و هذا المقدار يختلف باختلاف الأزمنة و الأمكنة. و يرد عليه ما ذكرنا من ظهور الموثقة في إرادة اليبوسة الفعلية و الجفاف التقديري لا دليل عليه أصلًا، و دعوى جري الموثّقة مجرى الغالب و هو ما لم يحصل الجفاف في الهواء المعتدل مدفوعة مضافاً إلى انّها مجازفة لا يساعدها شي ء بأنّها لا تقتضي إلّا خروج غير الغالب من منصرف الرواية لا إناطة الحكم بمقدار الجفاف الغالبي فيرجع فيما يدعي صرف الأخبار عنه

إلى إطلاقات الأدلّة العامة السالمة عمّا يصلح لتقييدها. نعم ربّما يتوهّم تأييد هذا القول بما حكى عن ظاهر الذكرى من أنّ الأصحاب بأسرهم قد قيّدوا الدم الجفاف بصورة اعتدال الهواء نظراً إلى أنّ ظاهره انّ تأخير الجفاف في الهواء الرطب ممّا لا ينفع لكن التأمّل في كلماتهم ربّما يوجب القطع بأنّ مرادهم من هذا القيد إنّما هو للاحتراز عن إفراط الهواء في الحرارة و نظرهم إلى أن تعجيل الجفاف في الهواء الحارّ لا يضرّ لا انّ تأخيره في الهواء الرطب لا ينفع أيضاً فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 243

مسألة 16- إذا ترك الموالاة نسياناً بطل وضوؤه

و كذا لو اعتقد عدم الجفاف ثمّ تبيّن الخلاف (1).

______________________________

(1) الوجه في البطلان مع النسيان أو اعتقاد الخلاف هو ظهور دليل اعتبار الموالاة في الشرطية المطلقة و وضح فوات المشروط بفوات شرطه و يؤيّده الإجماع الذي أشرنا إليه على أنّ الموالاة في حقّ الناسي هو عدم الجفاف فلولا اعتبار الموالاة في حقّه أيضاً لم يكن وجه للحكم المذكور كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 244

مسألة 17- لو لم يبق من الرطوبة إلّا في اللحية المسترسلة ففي كفايتها إشكال،

اشارة

و كذا إن بقيت في غيرها ممّا هو خارج عن الحدّ كالشعر فوق الجبهة بل هو أشكل (1).

______________________________

(1) قد تكلّمنا في هذه المسألة مفصّلًا في شرح المسألة السابعة عشر من مسائل واجبات الوضوء فراجع. بقي في بحث الموالاة التكلّم في الفرع المذكور في كلماتهم و هو ما لو نذر التوالي- بمعنى التتابع في الوضوء أو نذر الوضوء المتوالي فقد قيل بانعقاد نذره و حرمة مخالفته، و في بطلان الوضوء إذا أخلّ بالموالاة خلاف، و عن صاحب المدارك التفصيل بين الصورتين بالحكم بالبطلان في الثاني دون الأوّل. أقول: امّا انعقاد النذر و حرمة مخالفته فغاية ما يمكن أن يقال في وجهه هو ما أفاده في المصباح من أنّه لا شبهة في رجحان الموالاة بمعنى المتابعة و لو لحسن الاحتياط خروجاً من شبهة الخلاف فضلًا عن رجحان المسارعة و الاستباق إلى الطاعة. و لا يخفى ما فيه فإنّ رجحان الاحتياط لا يكاد يسري إلى العمل بحيث يصير العمل راجحاً أ لا ترى انّه إذا دار الأمر في الخمر مثلًا بين كونها موجودة في هذا الإناء أو الإناء الآخر فلا إشكال في لزوم الاحتياط بترك كلا الإنائين و الاجتناب عنهما معاً إلّا أنّ ذلك لا يوجب

كون ترك شرب الماء الموجود في واحد من الإنائين راجحاً ذاتاً فإنّ مرجع وجوب الاحتياط إلى حكم العقل بتنجّز التكليف على كلّ تقدير فيجب الاجتناب عن كلا الإنائين لئلّا يقع في محذور مخالفة التكليف الثابت في البين، و المقام أيضاً كذلك فإنّ الخروج من شبهة الخلاف و الأخذ بالاحتياط لا يوجب صيرورة العمل راجحاً و مستحبّاً كما هو ظاهر. و أمّا رجحان المسارعة و الاستباق فلا دلالة له على ما ذكر؛ لأنّ المسارعة المستحسنة إنّما هي المسارعة إلى سبب المغفرة و الاستباق الراجح إنّما هو الاستباق إلى الخيرات و من المعلوم انّ سبب المغفرة و الخير إنّما هو الوضوء بتمامه لا أجزائه و أفعاله فمفاد الآيات الواردة هو استحباب السرعة إلى الوضوء في قبال تأخيره إلى وقت آخر و لا دلالة فيها على التسريع و الاستباق إلى إتمام الوضوء بعد الشروع فيه فتدبّر. و بالجملة إثبات صحّة النذر و حرمة مخالفته بما ذكر في غاية الإشكال و لا يبعد أن يقال بعدم انعقاده. و على تقدير الانعقاد فلا إشكال في صحّة الوضوء إذا أخلّ بالمتابعة لأنّ الأمر النذري إنّما تعلّق بعنوان الوفاء بالنذر و لا يكاد يسري من متعلّقه إلى شي ء آخر و الأمر الوضوئي إنّما تعلّق بعنوان الوضوء، و مخالفة الأوّل بترك المتابعة و عدم رعاية الوفاء لا ارتباط لها بالوضوء أصلًا، و ما يتوهّم من حرمة ترك المتابعة فيكون المأتيّ به محرّماً فيبطل، ففيه انّه ليس في البين تكليف تحريمي و على تقديره فالمحرم إنّما هو ترك الوفاء بالنذر لا ترك المتابعة و على تقدير التسليم فحرمة ترك المتابعة لا تسري إلى الوضوء بوجه من دون فرق بين صورتي المسألة فالإشكال في صحّة

الوضوء على تقدير صحّة النذر و انعقاده ممّا لا ينبغي الإصغاء إليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 245

و منها: النيّة و هي القصد إلى الفعل و لا بدّ أن يكون بعنوان الامتثال أو القربة، و يعتبر فيها الإخلاص فلو ضمّ إليها ما ينافيه بطل خصوصاً الرياء، فإنّه إذا دخل في العمل على أي نحو أفسده، و أمّا غيره من الضمائم فإن كانت راجحة لا يضرّ ضمّها إلّا إذا كانت هي المقصود الأصلي و يكون قصد امتثال الأمر الوضوئي تبعاً، أو تركّب الداعي منهما بحيث يكون كلّ منهما جزء للداعي، و كذا لو استقل الداعيان على الأحوط، و إن كانت مباحة كالتبرّد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 246

فيبطل بها إلّا إذا دخلت على وجه التبعية و كان امتثال أمره هو المقصود الأصلي (1).

..........

______________________________

(1) النيّة من الامور المعتبرة في الوضوء و صحّته، و تفصيل الكلام فيها و تحقيقه يحتاج إلى بسطه في طيّ مطالب: المطلب الأوّل: في حقيقة النيّة و ماهيّتها شرعاً و نقول: هي بمعنى العزم و الإرادة و القصد كما هو معناها لغةً و عرفاً، و لزومها في صدق الإطاعة و الامتثال ممّا لا شكّ فيه و لا ارتياب لتوقّف اختيارية الفعل عليها و حينئذٍ يصير حكم العبادات من هذه الحيثية حكم سائر الأفعال الاختيارية، فكما انّه في الأفعال الاختيارية المركّبة لا بدّ أوّلًا من تعلّق الإرادة بالمركّب ثمّ تعلّقها بالأجزاء لكونه متوقّفاً عليها لا بنحو الوحدة بل بنحو التعدّد حسب تعدّد الأجزاء، و تعلّقها بها بعد تعلّقها بالمجموع ليس مستنداً إلى أنّ الإرادة المتعلّقة بالمركّب علّة لتعلّق الإرادة بمقدّماته بحيث تترتّب عليها قهراً، بل

كما انّ الإرادة المتعلّقة بذي المقدّمة ناشئة من مباديها من تصوّر الفعل و التصديق بفائدته و سائر المقدّمات، كذلك الإرادة المتعلّقة بالمقدّمة تكون ناشئة عن مبادئ نفسها، غاية الأمر انّ الفائدة المنظورة في تحقّق هذا المراد الذي يجب التصديق بها إنّما ترجع إلى تحقّق المراد بالإرادة الاولىٰ، فكذلك في العبادات المركّبة كالوضوء و الصلاة و مثلهما لا بدّ أوّلًا من أن تتعلّق الإرادة بعنوانها ثمّ بأجزائها و مقدّماتها. و ممّا ذكرنا ظهر انّه لا فرق بين الجزء الأوّل و الأخير من حيث تعلّق الإرادة، غاية الأمر انّه قد تتحقّق الغفلة أحياناً عن المراد و عن تعلّق الإرادة به بحيث ربّما يتخيّل صدوره بلا إرادة و لكنّه في الواقع ليس كذلك. و كيف كان فالمراد بالنيّة المعتبرة في العبادات هي الإرادة المعتبرة في جميع الأفعال الاختيارية فما وقع في كلماتهم في هذا المقام ممّا يوهم خلاف ما ذكرنا أو يكون ظاهراً فيه لا ينبغي أن يعتنى به أصلًا، كما انّ توصيف الإرادة بالتفصيلية و الإجمالية أيضاً كذلك فإنّ الإرادة لا تكون على قسمين، غاية الأمر انّه قد يغفل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 247

..........

______________________________

عنها و عن المراد و الظاهر انّه المراد بالإرادة الإجمالية فلا تغفل. المطلب الثاني: في تعيين المأمور به، و قبل الشروع في المقصود لا بدّ من تقديم مقدّمة و هي انّه لا ينبغي الإشكال في انّ الحاكم بالاستقلال في باب الإطاعة و العصيان هو العقل، و قد يقال كما عن بعض الأعلام و المحقّقين بأنّه يمكن أن يتصرّف الشارع في مقام الإطاعة نظراً إلى انّ حكم العقل إنّما هو بلحاظ أمر الشارع، فكيف لا يكون للشارع مدخل

فيه، و استشهد لذلك بحكم الشارع ببطلان العبادة في بعض مراتب الرياء مع انّ العقل لا يحكم فيه بالبطلان، و بحكمه بالصحّة في موارد قاعدتي الفراغ و التجاوز مع انّ مقتضى حكم العقل البطلان و وجوب الإعادة نظراً إلى أنّ الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينيّة. و أنت خبير بأنّ تصرّف الشارع في مقام الإطاعة إذا لم يرجع إلى تقييد في المأمور به و تصرّف في ناحيته ممّا لا يعقل فإنّه كيف يمكن بعد إتيان متعلّق أمره بجميع قيوده التي اعتبرها فيه أن يحكم بعدم حصول الامتثال المستلزم لعدم سقوط الأمر، و ما ذكره من الأمثلة راجع إلى التصرّف في المأمور به فإنّ حكمه بالبطلان في بعض موارد الرياء الذي لا يحكم فيه العقل بالبطلان إنّما يرجع إلى أنّ قصد التقرّب المعتبر في العبادة عبارة عمّا يكون مرجعه إلى الخلوص و خلوّها من مدخلية شي ء آخر، كما انّ حكمه بالصحّة في موارد قاعدتي الفراغ و التجاوز إنّما يرجع إلى أنّ جزئية الشي ء الذي شكّ في إتيانه إنّما هي بالإضافة إلى خصوص العالم الملتفت أو الشاكّ الذي لم يتجاوز أو لم يفرغ، و أمّا الشاكّ في صورة التجاوز أو الفراغ فلا يكون المشكوك جزء في حقّه. فانقدح ممّا ذكرنا انّ الحاكم في مثل هذه المقامات إنّما هو العقل، فكلّ شي ء حكم العقل بلزومه في مقام الإطاعة فلا بدّ من الإتيان به، و إذا شكّ في لزومه فيه فمقتضى القاعدة العقلية الاحتياط.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 248

..........

______________________________

إذا تمهّدت لك هذه المقدّمة نقول: إنّ العناوين المأخوذة في متعلّق الأمر على أنحاء: منها: ما يكون العنوان من العناوين القصدية التي لا تتحقّق في الخارج

إلّا مع القصد إليها كالتعظيم و التوهين و النيابة و أشباهها. و منها: ما يكون مقوّماً لماهيّة المأمور به من حيث كونه مأموراً به كعنوان الصلاة و الأنواع المندرجة تحتها كالظهر و العصر و نحوهما. و منها: ما لا يكون اعتباره راجعاً إلى تقييد في متعلّقه كصوم يوم فإنّ تخصيصه بفرد ما ليس لكونه مؤثراً في حصول قسم خاص من الطبيعة و قد تعلّق الغرض بإيجاد ذلك القسم. و هذا التقسيم الذي ذكرنا أولى ممّا صنعه صاحب المصباح في بيان الأقسام فإنّ مراده بالقسم الأوّل الذي ذكره و هو ما يكون القيد محقّقاً لنفس العنوان المأمور به كالقيود المنوّعة للطبيعة كما لو كلّف بإحضار حيوان ناطق إن كان هو القيود التي لها مدخل في ماهية المأمور به من حيث كونه مأموراً به فحينئذٍ يرد عليه سؤال الفرق بينه و بين القسم الثاني فإنّ قيد الظهرية و العصرية ممّا له مدخل في تحقّق ماهية المأمور به و هي صلاة الظهر أو العصر. و إن كان مراده هي القيود التي لها مدخلية في ماهية المأمور به مع قطع النظر عن تعلّق الأمر به فهذا ممّا لا إشكال في عدم وجوب قصده فهل يجب على من أمر بإحضار إنسان أن يقصد كونه حيواناً و كونه ناطقاً، و هذا واضح جدّاً. و كيف كان، فنقول: امّا القسم الأوّل فلا إشكال في وجوب القصد فيه لا لوجوب الإطاعة و كونها متوقّفة على القصد، بل لوجوب الموافقة و هي لا تتحقّق في هذا القسم إلّا معه لما عرفت من انّ الفعل لا يتحقّق بدونه لكونه من الامور القصدية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 249

..........

______________________________

التي تتقوّم

بالقصد، و لذا يجب أن يتعلّق بها القصد في الواجبات التوصّلية أيضاً، فوجوب قصد هذه العناوين لا ارتباط له بباب الإطاعة و الامتثال كما هو ظاهر. و أمّا القسم الثاني فالظاهر فيه وجوب قصد العنوان أيضاً؛ لأنّ امتثال الأمر المتعلّق بصلاة الظهر مثلًا لا يتحصّل إلّا بعد تمييز كون المأتي به هي صلاة الظهر إذ المطلوب إنّما هو هذا العنوان، و تميّزه عن غيره لا يتحقّق إلّا بالقصد لوضوح انّ انصراف العمل المشترك بينها و بين صلاة العصر من جميع الجهات بحيث لم يكن فرق بينهما من حيث الكيفية أصلًا إلى خصوصية إحداهما تتوقّف على القصد إذ لا يكون هنا شي ء يحصل بسببه التمييز إلّا القصد، كما انّ عنوان الادائية و القضائية أيضاً كذلك، فلو فرض انّه يجب عليه قضاء صلاة الظهر لليوم الماضي و اداء صلاة الظهر لليوم الحاضر فانصراف العمل المشترك صورة بينهما إلى إحداهما لا يتحقّق إلّا بقصد الإتيان بالقضاء أو الاداء كما لا يخفى. و بالجملة: كلّ ما توقّف عليه تمييز المأمور به عن غيره يجب الإتيان به لوضوح عدم تحقّق الامتثال و إتيان المأمور به بداعي الأمر المتعلّق به إلّا بعد تمييزه عن غيره، و من هنا يظهر انّه لا يجب الإتيان بالفعل لغاية وجوبه أو استحبابه أو وجههما، فإنّه هل يشكّ أحد في تحقّق الامتثال بالنسبة إلى المكلّف الذي يعلم بتوجّه الأمر إليه و لكنّه لا يعلم انّه للوجوب أو للاستحباب فأتى به بداعي الأمر المتعلّق به، بل لو نوى الاستحباب فيما كان للوجوب، أو الوجوب فيما كان للاستحباب فذلك لا يضرّ بصحّة إطاعته، إذ نيّة الخلاف لا تؤثّر في تغيير الشي ء عمّا هو عليه في الواقع فبعد كون

المفروض انّ الداعي له إلى العمل إنّما هو ملاحظة أمر المولى الذي هو موجود شخصي لا يمكن أن يقع على وجوه متعدّدة فلا مانع من صحّة عبادته، و تخيّل كونه للاستحباب فيما كان للوجوب لا يؤثّر في ذلك الأمر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 250

..........

______________________________

الموجود. و من هنا يمكن أن يورد على القائل بالفرق بين المسألتين المعروفتين في باب الاقتداء و الايتمام بسؤال الفرق بينهما، فإنّ الاقتداء فيما لو اقتدى بالإمام بعنوان انّه زيد مثلًا هل هو بالعنوان أو بذلك الفرد الموجود الذي يشار إليه؟ لا مجال للأوّل، و على الثاني لا فرق بينه و بين المسألة الاخرى التي حكموا فيها بالصحّة أصلًا. و أمّا القسم الثالث فلا إشكال فيه في عدم وجوب قصد القيد لوضوح ان أخذه قيداً ليس لكونه مؤثّراً في حصول قسم خاص من الطبيعة و قد تعلّق الغرض بإيجاد ذلك القسم، بل لأنّ الغرض إنّما تعلّق بإيجاد الطبيعة في ضمن أيّ مصداق تحقّقت، فإذا قصد إيجادها في ضمن فرد بداعي الأمر المتعلّق بها فلا محالة يحصل الغرض كما هو ظاهر. المطلب الثالث: في التعبّدي و التوصّلي، و فسّر الأوّل بأنّه عبارة عمّا لا بدّ في سقوط الأمر المتعلّق به من إتيانه بقصد امتثال أمره، و الثاني بأنّه عبارة عمّا يسقط أمره بمجرّد تحقّقه في الخارج كيفما اتّفق، و قد اختلفوا في موارد الشكّ في أنّ مقتضى الأصل هل هي التعبّدية أو التوصّلية. و التحقيق أن يقال: إنّ الأفعال التي تجعل متعلّقة للطلب على أقسام: منها: ما يكون المقصود مجرّد تحقّقه في الخارج و خروجه من كتم العدم إلى عرصة الوجود من دون أن تكون مباشرة

المكلّف أو قصد عنوانه أو قصد إطاعة أمره دخيلًا في تحقّق مطلوبه أصلًا بحيث لو تحقّق في الخارج و لو من غير الإنسان يكفي ذلك في سقوط الأمر المتعلّق به. و منها: ما لا يكون المقصود مجرّد تحقّقه في الخارج بل المطلوب هو حصوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 251

..........

______________________________

عن مباشرة المكلّف و لكن لا يلزم فيه قصد عنوانه أو قصد إطاعة أمره. و منها: ما لا بدّ في تحقّق المطلوب من قصد عنوانه لكون الفعل من العناوين القصدية التي لا تتحقّق بدون القصد. و منها: ما لا بدّ في سقوط أمره من أن يؤتى به بداعي الأمر المتعلّق به و لكن لا تكون عبادة للمولى فإنّ كلّ ما يكون مقرّباً للمولى لا يلزم أن يكون عبادة له لأنّ العبادية أمر زائد على التقرّب، أ لا ترى إنّ إكرام زيد مثلًا للتقرّب إليه لا يعدّ عبادة له و إلّا يلزم أن يكون محرّماً لحرمة عبادة غير اللّٰه تعالى. و منها: ما لا بدّ في سقوط أمره من إتيانه بداعي أمره و لكن يكون عبادة للمولى كالصلاة و نظائرها. و ممّا ذكرنا ينقدح انّ الأولى التعبير بدل التعبّدي بالتقرّبي و ذلك لأنّ التعبّدي لا يشمل إلّا القسم الأخير مع وضوح كون المراد هو الأعمّ منه و من القسم الرابع. إذا عرفت ذلك فنقول: إذا شككنا بعد تعلّق الأمر بفعل في أنّه هل يعتبر في سقوط أمره المباشرة وحدها أو مع قصد الأمر أو لا؟ فمجرّد تعلّق الأمر به مع قطع النظر عن الدليل الخارجي لا يقتضي أزيد من اعتبار المباشرة و ذلك لأنّ ظاهر الهيئة توجّه البعث إلى المكلّف، و

من المعلوم انّه يحتاج إلى الجواب و لا يكفي في ذلك مجرّد تحقّقه و لو من غيره إذ للمولى أن يقول: إنّ المطلوب حصوله منك مستنداً إلى توجيه أمره إليه، و أمّا الزائد على قيد المباشرة فلا يقتضي مجرّد تعلّق الأمر به اعتباره أصلًا لأنّ الأمر لا يبعث المكلّف و لا يدعوه إلّا إلى متعلّقه إذ لا يعقل أن يكون المبعوث إليه أمراً زائداً على ما أخذ في لسان الدليل متعلّقاً للأمر، فإذا لم يدلّ دليل على أنّ سقوط الأمر متوقّف على إتيان متعلّقه بداعيه كما هو المفروض فمن أين يحكم بلزوم ذلك خصوصاً بعد إمكان أخذ قصد التقرّب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 252

..........

______________________________

قيداً في المتعلّق كسائر القيود التي يمكن أخذها فيه كما اخترناه و حقّقناه في الاصول-. ثمّ إنّ بعض محقّقي المعاصرين قدس سره ذهب في أواخر عمره على ما حكى عنه إلى أنّ الأصل يقتضي التعبّدية نظراً إلى أنّ العلل التشريعية كالعلل التكوينية، فكما انّه في العلل التكوينية يكون مقتضى تأثيرها حصول المعلول المستند إليها إذ النار لا تؤثّر إلّا في حصول الإحراق المستند إليها، لا أن يكون وصف الاستناد إليها مستنداً إلى تأثير النار، بل الإحراق المعلول منها إنّما يكون محدوداً بحدود الاستناد إليها، فكذلك في العلل التشريعية يكون مقتضى تأثيرها حصول المعلول المستند إليها، و حينئذٍ فالأمر حيث يكون علّة تشريعية إذ هو تحريك للمكلّف نحو العمل فلا بدّ أن يكون معلوله و هو العمل مستنداً إليه بمعنى انّ الواجب هو إتيانه على نحو يكون هو المؤثر في حصوله، و ذلك لا يتحقّق إلّا بإتيانه منبعثاً عن البعث المتعلّق إليه، و مدعواً بدعوته و

هذا عين التعبّدية. و يرد عليه مضافاً إلى أنّه لا نسلم ذلك في العلل التكوينية فضلًا عن العلل التشريعية إلّا بالإضافة إلى اللّٰه- تبارك و تعالى و تحقيقه في موضعه انّه لو سلم ذلك في العلل التكوينية فما الدليل على كون العلل التشريعية مثلها فأية آية أو رواية وردت في ذلك، و ليس هذا الأمر إلّا صرف الادّعاء من دون أن ينهض دليل عليه، و الإنصاف انّ هذه القاعدة الكلّية التي بنى هذا المحقّق عليها مباحث كثيرة في الاصول كمسألة عدم تداخل الأسباب و فوريّة الأمر و تعبّدية الواجب المشكوك و نظائرها ممّا لا يتّكى إلى ركن وثيق و لا يساعده التحقيق كما يظهر بالنظر الدقيق. ثمّ إنّه ربّما يتمسّك لأصالة التعبّدية ببعض الآيات و الروايات مثل قوله

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 253

..........

______________________________

تعالى:

«أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ» «1» و قوله تعالى: «وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ» «2». و أورد على الاستدلال بالآية الاولى: أوّلًا: بأنّ الأمر بإطاعة اللّٰه أمر إرشادي و إلّا يلزم الدور. و ثانياً: بأنّ لازم ذلك أن تكون إطاعة الرسول و أولي الأمر بمعنى الإتيان بمتعلّق أمرهم بداعي الأمر واجبة و لا يظنّ بأحد أن يلتزم بذلك. و ثالثاً: بأنّ المراد بالإطاعة هو معناها العرفي الراجع إلى الموافقة بإتيان المأمور به لا الإطاعة بمعناها الاصطلاحي الذي هو قسم خاص من الموافقة، و الجواب عن الاستدلال بالآية الثانية و بالروايات يظهر من الكتب الفقهية المفصّلة فراجع. ثمّ إنّك عرفت انّ الخصوصية التي بها يتميّز التعبّدي أو التقرّبي على ما ذكرنا- عن التوصّلي هو لزوم كون الإتيان به بداعي الأمر المتعلّق

به بمعنى أن يكون المحرِّك له إلى الإتيان هو تعلّق الأمر به من ناحية المولى بمعنى أن يكون أمر المولى هو الموجب لترجيح وجود الفعل على العدم في نظر العبد الموجب لتعلّق إرادته به و حيث إنّ مجرّد تعلّق الأمر به لا يوجب الرجحان في نظر العبد ذاتاً و إنّما يوجب الرجحان عرضاً بلحاظ عناوين اخر ضرورة أن نفس تعلّق الأمر بمجرّده لا يكاد يوجب التحريك فالمحرّك لإتيان العبادة بداعي أمرها هي تلك العناوين كأداء الحقّ بعد صيرورة العبادة حقّاً للمولى بالأمر بها أو الشكر له على نعمه عنه أو لحصول الثواب الأخروي أو للأمن من العقاب الأخروي أو موجباً للثواب الدنيوي

______________________________

(1) سورة النساء آية 59.

(2) سورة البيّنة آية 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 254

..........

______________________________

أو الأمن من العقاب كذلك أو لزيادة النعمة أو لاستحقاق الاجرة كما في العبادات الاستئجارية أو لغيرها من العناوين و الدواعي الاخر، و لكن الظاهر انّ كلّها دواع على إتيان العبادة بداعي أمرها الذي يعبّر عنه بالامتثال فلا تكون في عرض الامتثال، بل في طوله ضرورة انّ تحقّق هذه الامور المعبّر عنها بالغايات في كلماتهم إنّما يتوقّف على حصول العبادة بوصف العبادية، و من المعلوم انّ قصد الامتثال معتبر في أصل حصول هذا الوصف فهو مأخوذ في الموضوع الذي تترتّب عليه الغايات فلا تكون في عرضه بل في طوله و في الرتبة المتأخّرة عنه، و أعلى الوجوه المتصوّرة ما حكي عن أمير المؤمنين عليه أفضل صلوات المصلّين من قوله: «ما عبدتك خوفاً من نارك، و لا طمعاً في جنّتك و لكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك» لكن في نهج البلاغة انّه عليه السلام قال: «إنّ

قوماً عبدوا اللّٰه رغبة فتلك عبادة التجّار، و انّ قوماً عبدوا اللّٰه رهبة فتلك عبادة العبيد، و إنّ قوماً عبدوا اللّٰه شكراً فتلك عبادة الأحرار» و في رواية هارون بن خارجة: «العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّٰه عزّ و جلّ خوفاً فتلك عبادة العبيد، و قوم عبدوا اللّٰه تبارك و تعالى طلب الثواب فتلك عبادة الاجراء، و قوم عبدوا اللّٰه عزّ و جلّ حبّاً له فتلك عبادة الأحرار و هي أفضل العبادة» «1».

و الظاهر انّ العبادة لكونه أهلًا أعلى من العبادة للحبّ لأنّ الإتيان بما هو مطلوب للمحبوب لا يخلو من عود نفع إلى المحبّ و لو من جهة حصول ما هو مطلوب لمحبوبه و هذا بخلاف العبادة لكونه أهلًا لها فإنّها تتمحّض في الإضافة إلى المولى و الارتباط به كما لا يخفى و جعل العبادة حبّاً له أفضل العبادة في رواية هارون لعلّه كان لأجل كون العبادة للأهلية لا يكاد يصل إليها أيدي الناس من العامّة و الخاصّة لاختصاصها بمن صرّح بكون عبادته كذلك، فالأفضلية إنّما هي بلحاظ الدرجات المعمولة

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات الباب التاسع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 255

..........

______________________________

و المراتب الممكنة فتدبّر. ثمّ إنّه قد وقع الإشكال في عبادية الوضوء الذي هو محلّ البحث في المقام بوجوه ترجع إلى أنّه لا إشكال في ترتّب الثواب عليه مع انّ الواجب الغيري لا يترتّب عليه ثواب و إلى لزوم الدور فإنّ الوضوء بل الطهارات الثلاث بأجمعها جعلت مقدّمة بما هي عبادة مع انّ عباديتها تتوقّف على الأمر الغيري و لا يترشّح الوجوب الغيري إلّا على ما هي مقدّمة فالأمر الغيري يتوقّف على العبادية و هي عليه،

و إلى ما هو أصعب الوجوه من انّ الأوامر الغيريّة توصّلية لا يعتبر في سقوطها قصد التعبّد مع انّ الطهارات يعتبر فيها قصده إجماعاً. و الذي ينحلّ به الإشكال بجميع وجوهه هو انّها بما هي عبادة جعلت مقدّمة و لا تتوقّف عباديتها على الأمر الغيري بل لها أمر نفسي متعلّق بذواتها، غاية الأمر انّه استحبابي، فالمأمور به بالأمر النفسي الاستحبابي جعل مقدّمة و صار مأموراً به بالأمر الغيري، بل ربّما يقال: إنّ ملاك العباديّة في الامور التعبّدية ليس هو الأمر المتعلّق بها بل مناطها هو صلوح الشي ء للتعبّد به و الإتيان به للتقرّب إلى اللّٰه تعالى، و على ذلك استقر ارتكاز المتشرّعة لأنّهم في مقام الإتيان بالواجبات التعبّدية يقصدون التقرّب إليه تعالى بها مع عدم الالتفات إلى الأوامر المتعلّقة بها، نعم لا يمكن الاطّلاع على صلوح عمل للعبادية غالباً إلّا بوحي من اللّٰه تعالى. نعم ربّما يستشكل ما ذكر في خصوص التيمّم نظراً إلى أنّه ليس عبادة نفسية و لكنّه اجيب عنه بأنّه يمكن أن يقال بأنّه يستكشف من احتياجه إلى قصد التقرّب و من ترتّب المثوبة عليه كونه عبادة في نفسه إلّا انّه في غير حال المقدّمية ينطبق عليه مانع عن عباديته الفعلية أو يقال بأنّه عبادة في ظرف خاص و هو كونه مأتيّاً به بقصد التوصّل إلى الغايات لا بأن تكون عباديته لأجل الأمر الغيري.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 256

..........

______________________________

كما انّه ربّما يستشكل في الوضوء و شبهه بأنّه على ما ذكر لا بدّ أن يؤتى به لأجل رجحانه الذاتي مع انّ سيرة المتشرّعة جارية على الإتيان به لأجل التوصّل به إلى الغايات، و عليه فلو أتى به

لأجل الغير يقع صحيحاً و إن غفل عن ملاك العبادية، و اجيب عنه أيضاً بأنّا نجد ارتكاز المتشرّعة على خلاف ذلك فهل يمكن رميهم بأنّهم لا يفرّقون بين الستر و تطهير الثوب للصلاة و بين الطهارات الثلاث لأجل التوصّل إليها، بل لا شكّ انّهم يقصدون بها التعبّد و يجعل ما هو عبادة مقدّمة إلى غاياتها و قد اجيب عن وجوه الإشكال في الطهارات بطرق اخرى مذكورة في الاصول. المطلب الرابع: في اعتبار الاخلاص في العبادة و مرجعه إلى خلوّها عن الضميمة و تمحضها في قصد القربة وداعي الأمر، و حيث إنّ الضميمة قد تكون مباحة و قد تكون راجحة و قد تكون محرّمة فلا بدّ من التكلّم في مقامات ثلاثة، و قبل الورود في بيان أحكامها لا بدّ أوّلًا من تحرير محلّ النزاع و تحقيق مورد البحث فنقول: محلّ الكلام في هذا المقام ما إذا ضمّ إلى نيّة التقرّب إرادة شي ء آخر متعلّقة بنفس الفعل العبادي الذي يتقرّب به. و بعبارة اخرى: كانت الدواعي الاخر داعية أيضاً إلى نفس طبيعة الفعل المأمور به كما انّ داعي القربة يدعو إليها، و أمّا إذا كانت الدواعي الاخر باعثة على ترجيح بعض أفراد الطبيعة المأمور بها على البعض الآخر فالظاهر خروجه عن مورد النزاع إذ لا ينبغي الإشكال في صحّته لأنّ المعتبر في العبادة أن يكون الداعي إلى إتيان متعلّق الأمر هو قصد القربة، و من لمعلوم انّ المأمور به إنّما هي نفس الطبيعة، و الخصوصيات خارجة عنه، فمجرّد كون الداعي إلى بعض الخصوصيات غير داعي القربة لا يوجب بطلان العبادة بعد ما كان الداعي إلى أصل الطبيعة المتعلّقة للأمر داعياً إلٰهياً، بل لا يجوز قصد القربة بالنسبة

إلى الخصوصيات فيما لم تكن راجحة شرعاً لما عرفت من خروجها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 257

..........

______________________________

عن دائرة تعلّق الأمر فلا يعقل أن يصير الأمر داعياً إليها لأنّ الأمر لا يكاد يدعو إلّا إلى خصوص متعلّقه. و بالجملة: لا إشكال في الصحّة في هذه الصورة لأنّ الداعي القربي صار داعياً إلى نفس متعلّق الأمر، و الداعي النفساني صار داعياً إلى بعض الخصوصيات الخارجة عن دائرة تعلّق الأمر، و عليه فلا إشكال في صحّة الوضوء بالماء البارد في الصيف، و بالماء الحارّ في الشتاء، سواء كان الداعي النفساني مؤثِّراً في ترجيح بعض الخصوصيات على البعض الآخر في مقام الامتثال فقط بمعنى انّه لو لم يكن الداعي الإلهي في البين. و بعبارة اخرى لو لم يكن قاصداً للوضوء لم يكن قاصداً للتبريد أو التسخين أصلًا، و لكن حيث إنّه أراد امتثال أمر الوضوء وجد في نفسه داع نفساني إلى امتثاله في ضمن بعض الخصوصيات الذي هو مقتضى شهوة النفس و ميلها دون البعض الآخر، أو كان الداعي النفساني مستقلّاً في الداعوية إلى التبريد أو التسخين مثلًا بمعنى إنّه لو لم يكن الداعي إلى الوضوء متحقّقاً لكان الداعي النفساني يحرّكه إلى ما هو مقتضى شهوة النفس. و بعبارة اخرى كان هنا داعيان مستقلّان يؤثّر كل واحد منهما و لو انفرد عن الآخر: أحدهما ما يدعو إلى طبيعة الوضوء و الآخر ما يدعو إلى طبيعة الوضوء و الآخر ما يدعو إلى طبيعة التبريد مثلًا. وجه الصحّة في الصورة الاولى ما عرفت، و أمّا الصورة الثانية فالوجه في صحّتها هو أن الداعي الإلهي بالنسبة إلى متعلّق الأمر و هو الوضوء خالص غير مشوب بالضميمة

أصلًا، و داعويّة الداعي الآخر إلى الوضوء بالماء البارد إنّما ترجع أيضاً إلى ترجيح بعض الخصوصيات على البعض الآخر بمعنى انّه صار داعياً إلى استعمال الماء البارد في الوضوء إذ لا يعقل أن يصير داعياً إلى نفس الوضوء لأنّ طبيعة الوضوء لا تكون مبردة و إلّا يلزم بطلان الوضوء بالماء الحارّ. و بالجملة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 258

..........

______________________________

فالداعي النفساني يدعو إلى طبيعة مغايرة للطبيعة التي يدعو إليها الداعي الإلهي القربي، و مجرّد اتّحادهما في الوجوب لا يوجب سراية أحدهما إلى مدعو الآخر و إلّا يلزم ذلك في الصورة الاولى أيضاً، فظهر من جميع ذلك انّ مورد النزاع ما إذا كان الداع النفساني داعياً إلى نفس الطبيعة المأمور بها التي يدعو إليها الداعي القربي فلنتكلّم في تلك المقامات فنقول:

1- الضميمة المباحة

و يتصوّر فيها أربعة أقسام: الأوّل: ما يكون قصدها تابعاً لقصد التقرّب بمعنى أن ما يستند إليه التأثير إنّما هو الداعي القربي و لا يكون قصد الضميمة المباحة مؤثّراً في ذلك أصلًا، نعم ثمرته تأكّد غرضه و شدّة اشتياقه، و لا إشكال في صحّة العبادة في هذا القسم لعدم منافاة هذا النحو من القصد للإخلاص المعتبر في العبادة. الثاني: ما يكون قصد التقرّب تابعاً لقصد الضميمة بالمعنى الذي عرفت- عكس القسم الأوّل. و لا إشكال في البطلان في هذا القسم لعدم استناد الفعل إلى قصد التقرّب المعتبر في صحّة العبادة. الثالث: أن يكون قصد التقرّب و قصد الضميمة كلاهما مؤثّرين في حصول الفعل بحيث كان كلّ منهما جزء المؤثّر على نحو لو لم يكن الآخر لما تحقّق الفعل في الخارج، و لا إشكال أيضاً في بطلان العبادة في هذا القسم

لأنّه يعتبر في صحّة العبادة أن يكون الداعي له إليها هو قصد التقرّب مستقلّاً، و المفروض في هذه الصورة قصوره عن التأثير.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 259

..........

______________________________

الرابع: أن يكون كلّ من القصدين مستقلّاً في الدعوة و التأثير بحيث لو كان منفرداً عن الآخر لكان باعثاً على الفعل لكن اجتماعهما على شي ء واحد أوجب خروجهما عن الاستقلال لامتناع توارد علّتين مستقلّتين على معلول واحد. و قد حكى القول بالصحّة في هذا القسم عن كاشف الغطاء قدس سره و تقريبه بوجهين: أحدهما: ما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره في توجيهه حيث قال في كتاب الطهارة:

«و لعلّه لدعوى صدق الامتثال حينئذٍ و جواز استناد الفعل إلى داعي الأمر لأنّ وجود الداعي المباح و عدمه حينئذٍ على السواء، نعم يجوز استناده إلى الداعي المباح أيضاً لكن القادح عدم جواز الاستناد إلى الأمر، لا جواز الاستناد إلى غيره، أ لا ترى انّه لو أمر المولى بشي ء و أمر الوالد بذلك الشي ء فأتى العبد مريداً لامتثالهما بحيث يكون كلّ منهما كافياً في بعثه لو انفرد عدّ ممتثلًا لهما». ثانيهما: ما أفاده بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة و اختاره قال: «و لعلّ الوجه في ذلك انّ المعتبر في العبودية أن يصير العبد بحيث يكون تأثير أوامر المولى في نفسه بالنسبة إلى متعلّقاتها كتأثير العلل التكوينية في معلولاتها، و من ارتاض نفسه بهذه المثابة و وصل إلى هذه المرتبة فمتى يأمر المولى يتحرّك عضلاته نحو المأمور به بواسطة الأمر، و يتقرّب بواسطة تلك الحركة إلى المولى لأنّه عبد تهيّأ ل تحصيل مقاصد المولى، غاية الأمر لو لم يكن له غرض نفساني في الفعل فالمستند

في إيجاد الفعل هو الأمر مستقلّاً، و إن كان له غرض أيضاً فالمستند هو المجموع لا من باب عدم تأثير أمر المولى في نفسه، بل من جهة عدم قابلية المحلّ لأن يستند إلى كلّ واحد مستقلّاً و استحالة الترجيح من غير مرجّح، إلى أن قال:

و يشهد لهذا انّه لو أمر آمران بفعل واحد و كان الشخص بحيث يؤثِّر كلّ واحد من الأمرين في نفسه، ثمّ أتى بذلك الفعل امتثالًا لهما يصير مقرّباً عند

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 260

..........

______________________________

كلّ منهما، إلى أن قال: و آية الإخلاص تدلّ على وجوب تخليص عبادة اللّٰه عن عبادة الأوثان، و الأدلّة الحاصرة للعباد فيمن يعمل طمعاً في الثواب، و من يعمل خوفاً من العقاب، و من يعمل حبّاً للّٰه تعالى إنّما تدلّ على بطلان العمل المستند إلى شي ء آخر بدل هذه الامور، و لا تنافي صحّة عمل من يوجد أحد هذه الامور في نفسه تامّاً، و انّما استند العمل فعلًا في الخارج إليه و إلى شي ء آخر لعدم قابلية المحلّ لأن يكون مستنداً إلى كلّ واحد مستقلّاً، و الحاصل انّه ليس في الأدلّة ما يدلّ على لزوم استقلال داعي الطاعة بعد وصوله مرتبة يصلح لأن يكون مؤثّراً». أقول: امّا التقريب الأوّل فقد أجاب عنه الشيخ قدس سره بما حاصله منع جواز استناد الفعل إلى كلّ منهما لامتناع وحدة الأثر و تعدّد المؤثّر، و لا إلى أحدهما للزوم الترجيح من غير مرجح، بل هو مستند إلى المجموع، و المفروض انّ ظاهر أدلّة اعتبار القربة ينفي مدخلية شي ء آخر، و أمّا المثال فيمنع فيه صدق امتثال كلّ منهما.

نعم حيث انّه اجتمع الأمران في فعل واحد

شخصي لا يمكن التعدّد فيه فلا بدّ من الإتيان به مريداً لامتثال كلّ منهما إذ لا يمكن موافقة الأمر في هذا الفرض بوجه آخر بخلاف المقام فإنّه يمكن تخليص الداعي لموافقة الأمر و تحصيل التبرّد بغير الوضوء إن أمكن و إلّا فعليه تضعيف داعي التبرّد و تقوية داعي الإخلاص فإنّ الباعثين المستقلّين يمكن ملاحظة أحدهما دون الآخر ثمّ أتى بمثال لذلك فراجع. و أمّا التقريب الثاني فيرد عليه انّ مجرّد كون العبد واصلًا إلى المرتبة التي تتحرّك عضلاته نحو المأمور به بمجرّد صدور الأمر من المولى لا ينفع بالنسبة إلى هذا الفعل الخارجي الذي لم يكن أمر المولى داعياً مستقلّاً له و باعثاً تامّاً على تحقّقه، و كونه بحيث لو لم يكن له غرض نفساني يحرّكه الأمر نحو المأمور به

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 261

..........

______________________________

لا يجدي بملاحظة الفعل الخارجي الصادر منه مستنداً إلى كلّ واحد من الداعيين بنحو الجزئية. و بالجملة: فاللّازم ملاحظة كيفية تحقّق الفعل في الخارج و انّه هل صدر عن داع قربي فقط أو كان شي ء آخر دخيلًا في تحقّقه، و من المعلوم انّ المستفاد من الأدلّة إنّما هو اعتبار الاخلاص و نفي مدخلية الغير، و أمّا المثال الذي ذكره فتحقّق موافقة كلّ من الأمرين و حصول غرض كلّ من الشخصين فيه إنّما هو باعتبار كون المأمور به من التوصّليات لا التعبّديات المعتبرة في صحّتها نيّة القربة و الإخلاص. فالأقوى بطلان العبادة في هذا القسم كما أفاده في المتن و حينئذٍ إن أمكن له تضعيف الداعي النفساني و تخليص الداعي لموافقة الأمر، و إلّا فالواجب امّا القول بانتقال فرضه إلى التيمّم في مثل مسألة الوضوء،

و أمّا القول بكفاية هذا المقدار في صحّة العبادة مع العجز عن التخليص لأنّه القدر الممكن من الامتثال، و الأحوط الجمع بين الوضوء و التيمّم في هذه الصورة.

2- الضميمة المحرّمة
اشارة

و الكلام فيها يقع من جهتين: الاولىٰ: فيما تقتضيه القاعدة في مطلق الضمائم المحرّمة. الثانية: فيما تقتضيه القاعدة و كذا الأخبار الواردة في بعض أفرادها كالرياء و نحوه. امّا الجهة الاولىٰ فالشي ء المحرّم الذي انضمّ قصده إلى نيّة التقرّب إن كان متّحداً وجوداً مع الفعل العبادي فلا إشكال في البطلان في جميع الأقسام الأربعة المتصوّرة المتقدّمة و إن قلنا بجواز اجتماع الأمر و النهي كما هو مقتضى التحقيق لأنّ الفعل المحرّم لا يمكن أن يكون مقرّباً للعبد لامتناع كون وجود واحد مقرّباً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 262

..........

______________________________

و مبعّداً معاً لأنّهما عنوانان متضادّان لا يعقل اجتماعهما في شي ء واحد و هذا بخلاف عنواني الصلاة و الغصب المجتمعين في الصلاة في الدار المغصوبة لأنّ النسبة بينهما التخالف لا التضاد المانع عن الاجتماع. و ربّما يقال بإمكان كون شي ء واحد مقرّباً من حيثية و مبعّداً من حيثية اخرى نظراً إلى انّ المقرّب ليس هو وجود الصلاة حتى يقال إنّ وجودها هو بعينه وجود الغصب، و كذا ليس المقرب هي طبيعة الصلاة بما هي مع قطع النظر عن تحقّقها في الخارج حتّى يقال: إنّ الطبيعة من حيث هي لا تكون مقرّبة كما هو واضح، بل المقرّب هي الصلاة المتّصفة بوصف الوجود، و كذا المبعّد إنّما هي طبيعة الغصب الموجودة في الخارج، و من المعلوم انّ الطبيعتين موجودتان في الخارج و لو بوجود واحد، فالوجود و إن كان واحداً إلّا أنّ الموجود متعدّد، و قد

ظهر انّ وصف المقربية و المبعّدية إنّما يعرض للموجود لا للوجود و حينئذٍ فلا مجال للإشكال في أنّ الوجود الواحد لا يمكن أن يجتمع فيه الوصفان لأنّ ذلك مبنيّ على أن يكون موصوفهما هو الوجود و المفروض انّ المعروض هو الموجود و هو متعدّد. و اجيب عنه بأنّه ليس في الخارج إلّا شي ء واحد يكون بتمامه مصداقاً لعنوان الصلاة، و منطبقاً عليه عنوان الغصب و لا يكون هنا حيثيتان وجوديتان حتّى يقال: إنّ المبعّد حيثية مغايرة لحيثية المقرّب، بل لا تكون إلّا حيثية واحدة، غاية الأمر انّ العقل يحلّلها إلى شيئين و يحكم عليه بعنوانين فهما أي العنوانان و إن كانا متغايرين إلّا انّهما بأنفسهما لا يكونان مقرّباً و مبعّداً، و المفروض انّ ما يعرض له أحد هذين الوصفين و هو الوجود الخارجي لا يكون متعدّداً. فانقدح من ذلك بطلان الصلاة في الدار المغصوبة و إن قلنا بجواز الاجتماع كما هو مقتضى التحقيق و لكن مع ذلك للتأمّل في الحكم بالبطلان على القول بالجواز مجال كما ذكرناه في محلّه. هذا كلّه فيما لو كان الشي ء المحرّم متّحداً مع الفعل العبادي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 263

..........

______________________________

في الوجود الخارجي. و أمّا لو كان مترتّباً عليه في الخارج و ملازماً له في التحقّق فحكمه حكم المباح في جميع الأقسام الأربعة المتقدّمة، هذا لو لم نقل بسراية الحرمة من ذلك الشي ء إلى الفعل العبادي من غير جهة المقدّمية، و أمّا لو قلنا بذلك فحكمه حكم الصورة الاولى كما لا يخفى، كما انّ الحرمة من جهة المقدّمية بناءً على حرمة مقدّمة الحرام- لا تضرّ بعد ما ثبت في محلّه من انّ الحرمة المقدمية

حرمة غيرية و لا يترتّب على مخالفتها بنفسها عقاب إذ لا تكون بذاتها مبغوضة أصلًا. نعم مع ثبوت النهي الفعلي المتعلّق بها لا يعقل أن تكون متعلّقة للأمر أيضاً و- حينئذٍ- يكون بطلان العبادة مستنداً إلى عدم الأمر لو قلنا بعدم كفاية الملاك في صحّة العبادة و توقّفها على تعلّق الأمر الفعلي بها، و لكن قد عرفت سابقاً فساد هذا القول و إنّ صحّة العبادة لا تتوقّف على تعلّق الأمر الفعلي بها مضافاً إلى ما ذكرناه في محلّه من انّ الحكم المقدّمي لا يكاد يتعلّق بنفس المقدّمة و ما يكون محمولًا له هذا العنوان بالحمل الشائع كما قيل بل متعلّقه إنّما هو نفس عنوان المقدّمة لأنّ الحيثيّات التعليليّة كلّها ترجع إلى الحيثيات التقييدية و حينئذٍ فلا مانع من أن يجتمع النهي الفعلي مع الأمر بعد كون متعلّق الأوّل هي نفس عنوان المقدّمة و متعلّق الثاني هو ذات الفعل بعنوانه. و أمّا الجهة الثانية فنقول فيها: إن قلنا بأنّ المحرّم في باب الرياء هو نفس الفعل العبادي الذي يراد بسببه طلب المنزلة عند الناس فيصير حكم العمل المراءى به حكم ما لو كان الحرام متّحداً مع العبادة في الوجود الخارجي فيبطل مطلقاً سواء كان قصده تابعاً لنيّة القربة أو العكس أو كان داعياً مستقلّاً كنيّة القربة أو كان جزء المؤثّر. و الوجه فيه ما عرفت من انّ المحرّم لا يمكن أن يكون عبادة و مقرّباً للعبد، و إن قلنا بأنّ المحرم في باب الرياء هو القصد لا نفس العمل الخارجي فيصير

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 264

..........

______________________________

حكمه حكم الضميمة المباحة و نحن و إن حكمنا فيها بصحّة القسم الأوّل من

الأقسام الأربعة المتصوّرة المتقدّمة و هو ما يكون الداعي النفساني تابعاً لقصد القربة إلّا انّه لا يخفى انّ الحكم بالصحّة فيه أيضاً محلّ نظر بل منع و ذلك لأنّه لا ريب في انّ اشتياق النفس إلى الفعل بعد وجود الداعي الضعيف أيضاً يكون أشدّ ممّا إذا لم يكن فيه هذا الداعي. و من المعلوم كما حقّق في محلّه انّه ليس نفس طبيعة الاشتياق الصادقة على الاشتياق غير الشديد أيضاً، شيئاً و وصف الشدّة فيه شيئاً آخر بحيث يكون هناك شيئان: أحدهما طبيعة الاشتياق و الآخر وصف الشدّة، بل ليس هنا إلّا وجود واحد و هوية فاردة نظير النور الشديد و الوجود الشديد و نظائرهما، و حينئذٍ- يكون هذا الوجود الواحد متولّداً من الداعي القربي القويّ و الداعي النفساني الضعيف و إن كان المفروض انّه لو لم يكن الداعي النفساني موجوداً في البين لكان الداعي القربي مؤثِّراً في حصول الاشتياق إلّا أنّ ذلك لا يؤثر بالنسبة إلى هذا الاشتياق الخارجي المتولِّد منهما معاً، و إلّا لكان اللّازم القول بالصحّة في القسم الرابع أيضاً لعدم الفرق بينهما من هذه الجهة، و قد عرفت انّ مقتضى التحقيق فيه البطلان و حينئذٍ فالفعل المستند إلى الإرادة الناشئة من الاشتياق المتولّد من الداعيين معاً يكون مستنداً إلى كليهما فيكون فاقداً لما يعتبر في العبادة من الإخلاص و عدم الاستناد إلّا إلى نيّة القربة. و بالجملة: فالداعي و إن كان ضعيفاً إلّا انّه لا محالة له تأثير في حصول الاشتياق و لو بنحو الجزئية و إلّا لا يكون داعياً بوجه، و مع فرض استناد الاشتياق إليه و لو بنحوها لا يبقى مجال للقول بالصحّة أصلًا فالتحقيق بطلان العبادة في جميع الأقسام

المتقدّمة، هذا كلّه في الرياء في أصل الفعل العبادي. و أمّا لو كان الرياء في بعض أجزائه فتارة يكون ذلك الجزء من الأجزاء الواجبة التي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 265

..........

______________________________

لها مدخلية في حقيقة الأمر العبادي و ماهيته، و اخرى يكون من الأجزاء المستحبّة. امّا لو كان الرياء في الجزء الواجب فلا إشكال في وقوع ذلك الجزء الذي وقع الرياء فيه فاسداً و حينئذٍ إن لم يمكن التدارك فالعبادة فاسدة، و إن أمكن التدارك و تدارك فالبطلان مبني على صدق الزيادة العمدية التي ورد في الأخبار انّها مبطلة للصلاة مثل ما عن أبي بصير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السلام: من زاد في صلاته فعليه الإعادة «1».

نعم قد يقال بعدم صدق عنوان الزيادة في المقام، امّا لأنّ المراد بالزيادة ما يكون من قبيل الزيادة في العمر في قولك: «زاد اللّٰه في عمرك» فيكون المقدّر الذي جعلت الصلاة ظرفاً له هي الصلاة فينحصر المورد بما كان الزائد مقداراً يمكن أن يطلق عليه الصلاة مستقلّاً كالركعة، و أمّا لأنّ صدق عنوان الزيادة المبطلة على الفعل الزائد متوقّف على كونه من حين إيجاده متّصفاً بذلك و صادراً بهذا العنوان، مع انّه ليس في المقام كذلك فإنّ الركوع الواقع رياء مثلًا لا يصدق عليه عنوان الزيادة بمجرّد وقوعه و صدوره بل لو ركع ثانياً خالصاً غير مشوب بالرياء كما هو المفروض يصير ذلك سبباً لاتصاف الركوع الأوّل الواقع رياء بعنوان الزيادة قهراً، و هذه الزيادة لا تكون مبطلة. و أنت خبير بأنّ المراد بالزيادة المذكورة في الروايات هو مطلق ما يكون خارجاً عن الصلاة إذا أتى به بما انّه من الصلاة و

داخل فيها، فكلّ شي ء سواء كان مسانخاً لأجزاء الصلاة أو مخالفاً لها إذا زاده المصلّي في صلاته بعنوان انّه من الصلاة و داخل فيها، فهو من الزيادة المبطلة، و حينئذٍ فالركوع المأتيّ به رياء من حيث إنّه خارج عن الصلاة و لا يصلح لوقوعه جزء لها و ائتلافه مع سائر الأجزاء،

______________________________

(1) الوسائل أبواب الخلل الواقع في الصلاة الباب التاسع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 266

..........

______________________________

و المفروض انّ الفرض من الإتيان به هو كونه من الصلاة و داخلًا فيها يكون مصداقاً للزيادة المبطلة. و ما ذكر من عدم صدق الزيادة عليه حين وقوعه، و اللّازم إنّما هو الاتّصاف بهذا الوصف حتّى يؤثر في البطلان، مدفوع أوّلًا بأنّ العرف يشهد بصدق الزيادة العمدية عليه و هو المرجع في مفاهيم الألفاظ الواردة في لسان الروايات كما هو ظاهر و ثانياً بمنع توقّف صدقها عليه على تحقّق الركوع بعده إذ هو حين وقوعه يتّصف بالزيادة العمديّة لأجل عدم صلاحية للجزئية للصلاة، و المفروض انّ إتيانه إنّما هو بعنوان إنّه جزء لها و داخل فيها. فالحقّ صدق الزيادة العمدية في المقام، و منه يظهر انّ البطلان فيما إذا لم يمكن التدارك إنّما يستند إلى وقوع الزيادة في الصلاة لا إلى فقدانها لبعض أجزائها الواجبة إذ اتّصاف الجزء المأتي به رياء بعنوان الزيادة مقدّم على اتّصاف الصلاة بفقدانها لبعض الأجزاء، لأنّ هذا الوصف إنّما ينتزع من عدم الإتيان بالجزء الصحيح بعد ذلك الجزء، هذا كلّه في الرياء في الأجزاء الواجبة. و أمّا الرياء في الأجزاء المستحبّة فمقتضى القاعدة عدم بطلان العبادة بسبب بطلان تلك الأجزاء سواء كان معنى استحبابها في الصلاة مثلًا و

جزئيّتها لها كذلك انّها مستحبّة في نفسها، غاية الأمر انّ ظرفها إنّما هي الصلاة بمعنى انّها مستحبّة فيما لو وقعت فيها لا في غيرها، و لا يؤثّر إيجادها في الصلاة مزيّة لها أصلًا، أو كان معنى استحبابها انّ لها مدخلية فيها و مؤثرة في حصول مزيّة لها، غاية الأمر انّها لا تكون دخيلًا في حقيقة الصلاة و ماهيّتها، بل لها دخل في حصول المرتبة الراجحة من مراتب الصلاة المختلفة و يتحقّق بها أفضل أفرادها، امّا على المعنى الأوّل فواضح انّه لا مدخلية لبطلانها في بطلان العبادة بوجه، و أمّا على المعنى الثاني فالظاهر انّه أيضاً كذلك لأنّ بطلان الأجزاء المستحبّة إنّما يؤثّر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 267

..........

______________________________

في عدم تحقّق الصلاة بمرتبتها الكاملة و لا ينافي ذلك تحقّقها بمرتبتها النازلة، إذ المفروض انّه ليس لها دخل في قوام ماهيّة الصلاة و حقيقتها، فالحقّ انّه لا تبطل العبادة ببطلانها، هذا كلّه في الرياء في أصل العمل أو في أجزائه. و أمّا لو كان الرياء في خصوصيات العبادة فتارة يرجع إلى الرياء في نفس العبادة مثل ما إذا صلّى بمحضر من الناس لأجل تحصيل المحبوبيّة عندهم و- اخرى- لا يرجع إلى الرياء فيها مثل ما إذا صلّى في المسجد لإراءه الناس و طلب المنزلة عندهم بسبب الكون في المسجد لا بالصلاة فيه. امّا القسم الأوّل فالظاهر بطلان العبادة فيه سواء كان داعي إراءة طاعته ليمدحه الناس ناشئاً من قبل أمر الشارع بمعنى انّه لو لا الأمر بالصلاة لم يكن له هذا الداعي أصلًا، و لكن لما ألجأه الشارع إلى إتيانها بالتكليف بها يأتي بها بمحضر من الناس بداعي مدحهم إيّاه، أو

كان داعياً مستقلّاً بحيث لو لا الأمر بالصلاة لتوصّل إلى غرضه بطريق آخر. وجه البطلان انّ هذا الداعي إنّما يرجع إلى نفس العبادة إذ مدح الناس إيّاه إنّما هو على أصل عبادته لا على إيجادها بمحضرهم، و حينئذٍ فلا يتمّ ما عن بعض المحقّقين من المعاصرين في كتابه في الصلاة من عدم بطلان العبادة في هذه الصورة نظراً إلى أنّ الأمر بالصلاة لا يقتضي إلّا الإتيان بالطبيعة المذكورة من دون اقتضاء كيفية خاصّة، و هذا المصلّي إنّما يتحرّك إلى أصل الصلاة من قبل الأمر بها خاصّة، و لكن اختيار إيجادها بمحضر من الناس يكون من جهة مدحهم إيّاه. وجه عدم التمامية ما عرفت من انّ هذا الداعي إنّما يرجع إلى أصل العبادة إذ المدح إنّما يترتّب عليه، لا على كيفيتها و خصوصيّتها، و هذا بخلاف مسألة الوضوء بالماء البارد التي قد عرفت خروجها عن موضع النزاع و انّه لا إشكال في صحّته لأنّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 268

..........

______________________________

التبريد إنّما هو أثر استعمال الماء البارد في الوضوء لا نفس طبيعته. و أمّا القسم الثاني فهو من مصاديق اجتماع الأمر و النهي، و قد عرفت الإشارة إلى بطلان مورد الاجتماع فيما إذا كان عبادة حتّى بناء على القول بالجواز كما هو مقتضى التحقيق و منشؤه استحالة أن يكون فعل واحد مقرّباً من جهة و مبعّداً من جهة اخرى و لكن مرّت الإشارة أيضاً إلى عدم خلوّها عن المناقشة، و قد نبّهنا عليها في الاصول، هذا كلّه فيما تقتضيه القاعدة في الرياء مع قطع النظر عن ملاحظة الأخبار الواردة فيها. و أمّا مع ملاحظتها فالتكلّم فيها يقع من جهات: 1- من

جهة انّ المحرّم في باب الرياء هل هو نفس العمل أو القصد؟ 2- من جهة انّه هل يستلزم الرياء بطلان العبادة من رأس أو يوجب سقوطها عن مرتبة القبول بمعنى ترتب الثواب عليها كما هو المحكيّ عن المرتضى قدس سره؟ 3- من جهة انّ المحرّم هل هو الرياء في خصوص العبادة أو مطلق الرياء و لو كان في الكمالات الاخر؟ 4- من جهة شمول أخبار الباب لجميع الصور المتقدّمة: ممّا إذا كان الرياء في أصل العمل، أو في أجزائه الواجبة، أو في الأجزاء المستحبّة، أو في كيفيته و خصوصياته، أو اختصاصها ببعض الصور المذكورة؟ 5- من جهة شمولها لجميع الأقسام الأربعة المتقدّمة و هي ما إذا كان داعي القربة مستقلّاً و الداعي النفساني تبعاً، و العكس، و ما إذا كان الداعيان جزءين للمؤثر بنحو الاستقلال أو بغيره، و عدمه؟ ثمّ لا يخفى انّه لا يترتّب على التكلّم في الأخبار من الجهة الثالثة الراجعة إلى أنّ المحرّم هل هو الرياء في خصوص العبادة أو مطلقاً كثير فائدة لأنّه على فرض

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 269

..........

______________________________

دلالة الأخبار على التحريم مطلقاً لا يمكن الالتزام بذلك للزوم كون أغلب أعمال كثير من أرباب الكمالات حراماً لأنّهم لا يقصدون منها إلّا إظهار كمالهم تحصيلًا للمحبوبية عند الناس، مضافاً إلى انّه لو كان مثل ذلك محرّماً لكانت حرمته بديهيّة عند المتشرّعة لعموم البلوى و شدّة الحاجة، فلو فرض دلالة الأخبار عليه فلا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها كما لا يخفىٰ. و أمّا المناقشة في الجهة الثانية التي ترجع إلى أنّ الرياء هل يوجب البطلان من رأس أو السقوط عن مرتبة القبول، من حيث

عدم معقولية كون العمل صحيحاً و مع ذلك كان غير مقبول نظراً إلى انّ معنى صحّة العمل كونه موافقاً للمأمور به فكيف يمكن أن يكون مردوداً مع اشتماله على جميع ما يعتبر فيه فغير سديدة لأنّ اشتمال العمل على مجرّد شروط الصحّة لا يترتّب عليه إلّا مجرّد رفع العقاب الذي يستحقّه العامل بسبب المخالفة، و أمّا ترتّب الثواب عليه أيضاً فلم يدلّ عليه دليل و من الممكن أن يكون ترتّب الثواب على عمل مشروطاً بما لا يشترط في صحّته أيضاً كما ربّما يستفاد ذلك من الأخبار فإنّ فيها ما يدلّ على أنّه قد يتقبّل اللّٰه نصف الصلاة أو ثلثها مثلًا و من المعلوم انّ توصيف بعض الأجزاء بالصحّة دون البعض الآخر ممّا لا يكاد يصحّ ضرورة انّ الصلاة امّا أن تقع صحيحة بتمامها و أمّا أن تقع باطلة كذلك. و بالجملة فالإشكال في انفكاك القبول عن الصحّة و كونه أخصّ بالإضافة إليها ممّا لا ينبغي و لكن مع ذلك لا يترتّب على النزاع في هذه الجهة كثير فائدة بعد ظهور الأخبار قاطبة في بطلان العبادة رأساً كما انّ النزاع في الجهة الاولى مع ظهور جلّ الأخبار لو لا الكلّ في حرمة نفس العمل أيضاً كذلك فالبحث في هاتين الجهتين ليس بمهمّ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 270

..........

______________________________

انّما المهمّ هما الجهتان الأخيرتان فنقول: قد يقال كما قيل بعدم بطلان العبادة فيما إذا كان الرياء موجباً لترجيح فرد من بين سائر أفراد طبيعة الطاعة كما إذا صلّى بمحضر من الناس نظراً إلى أنّ مدلول الأخبار انّ ما يكون محرّماً هو إظهار العبادة على خلاف ما في السريرة بمعنى انّه يظهر للناس كون

العمل خالصاً لوجه اللّٰه و لم يكن كذلك في الواقع، فلا يدخل فيها من يظهر العمل الخالص للّٰه لغرض نفساني، و بعبارة اخرىٰ: لم يظهر من أخبار الباب فساد العمل من جهة إظهار ما في سريرته واقعاً بل الفساد فيما أظهر ما لم يكن في سريرته. و لكن الظاهر دلالة بعض الروايات على البطلان في هذه الصورة أيضاً و هو ما رواه ابن محبوب عن داود عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من أظهر للناس ما يحبّ اللّٰه عزّ و جلّ و بارز اللّٰه بما كرهه لقى اللّٰه و هو ماقت له. «1» حيث إنّ ظاهره انّ الممقوت هو إظهار ما يحبّه اللّٰه و هو العمل الخالص و مع عدم الخلوص لا يكون محبوباً للّٰه تعالى أصلًا، فالعبادة الخالصة من الرياء و نحوه إذا أظهرها للناس كما في هذه الرواية أو تزيّن بها كما في نظيرها «2» يكون إظهارها و التزيّن بها ممقوتاً عند اللّٰه فتكون فاسدة. ثمّ إنّه لا إشكال في دلالة الأخبار على بطلان العبادة في غير ما إذا كان الداعي النفساني ضعيفاً وداعي القربة قويّاً من الأقسام الأربعة المتقدّمة لأنّه عمل أدخل فيها رضا أحد من الناس، و أمّا في هذه الصورة و هي ما إذا كان داعي الطاعة في نفسه تامّاً مؤثِّراً مستقلّاً و لكن كان في نفسه داع آخر ضعيف فالظاهر بمقتضى الأخبار بطلان العبادة فيها أيضاً لدلالتها على أنّ من عمل عملًا أدخل فيه رضا

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات الباب الحادي عشر ح- 3.

(2) الوسائل أبواب مقدمة العبادات الباب الحادي عشر ح- 14.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 271

..........

______________________________

أحد من الناس فهو

مشرك، و قد عرفت انّ الداعي و لو بلغ من الضعف الغاية، و من القصور النهاية له تأثير في الشوق الذي تنبعث منه الإرادة الموجدة للفعل فهو أي الفعل معه أدخل فيه رضا غيره تعالى لا استناده إلى الإرادة الناشئة من الشوق المركّب من الداعيين معاً، نعم السرور الذي ورد نفي البأس عنه في حسنة زرارة «1» لا يكون داعياً مؤثّراً بوجه بل إنّما هو الاشتياق برؤية الناس عبادته فهو متأخّر عن تحقّق العبادة لا انّه مؤثِّر فيها و ضميمة لداعي الطاعة أصلًا كما لا يخفىٰ. ثمّ إنّه لا إشكال أيضاً في دلالة الأخبار على بطلان عبادة المرائي فيما إذا كان ريائه في مجموع العمل، و أمّا الرياء في الأجزاء فشمول الأخبار له مبني على أنّ كلّ واحد من أجزاء العبادة هل هو عمل مستقلّ فالعبادة حينئذٍ مركّبة من أعمال متعدّدة، أو انّها بأجمعها عمل واحد؟ فعلى الأوّل لا دلالة للأخبار إلّا على بطلان الجزء الذي وقع الرياء فيه فلا بدّ حينئذٍ في استفادة حكم مجموع العبادة صحّةً و بطلاناً من الرجوع إلى القاعدة و قد عرفت مقتضاها، و على الثاني يستفاد من الأخبار بطلان مجموع العبادة لأنّه يصدق عليه انّه أدخل فيه رضا غيره تعالى فهو مشرك. و الظاهر هو الوجه الثاني؛ لأنّ الصلاة و نظائرها عند المتشرّعة عمل واحد يفتتح بالتكبير و يختتم بالتسليم و لا يكون كلّ واحد من أجزائها عملًا مستقلًا بنظرهم و هذا بخلاف الحجّ و أشباهه فإنّ كلّ واحد من أجزائه عمل بحياله و عبادة مستقلّة، و الفارق بينهما من هذه الجهة هو عرف المتشرّعة، و حينئذٍ فالاستناد في كون أجزاء الصلاة أعمالًا مستقلّة إلى الحجّ كما في المصباح

لا مجال له بوجه، فالحقّ بطلان الصلاة بالرياء في أجزائها مطلقاً لأنّه يصدق بنظر العرف انّه عمل له

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات الباب الخامس عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 272

..........

______________________________

تعالى و لغيره، بل التعبير بأنّ من عمل عملًا أدخل فيه رضا أحد من الناس فهو مشرك كالصريح في الدلالة على بطلان العبادة بالرياء في أجزائها لأنّ الإدخال في العمل لا يتحقق إلّا بكون العمل ظرفاً للمدخل و هو رضا الغير في المقام، و ظرفيّته له إنّما هي بكونه داخلًا فيه، و هو لا ينطبق إلّا على الرياء في الأجزاء، هذا كلّه بالنسبة إلى الرياء في أصل العمل و أجزائه. و أمّا الرياء في خصوصياته و كيفيّاته فإن كانت تلك الكيفيّة متّحدة مع العبادة في الوجود الخارجي كإيقاعها في المسجد رياء، أو الرياء بالإضافة إلىٰ الكون فيه فالظاهر بطلان العبادة من رأس، و من هذا القبيل صلاة المعتكف رياء فإنّ الكون في الكون في المسجد يصير حينئذ محرّماً أو المفروض اتّحاده مع الصلاة فتفسد، و كذا الوضوء مستقبلًا للقبلة- بناء علىٰ كون الاستقبال شرطاً في كماله- و أمّا بناء علىٰ كونه مستحبّاً مستقلًا و ظرفه الوضوء فالرياء فيه لا يسري إلىٰ أصل الوضوء حتّىٰ يفسده و كذا المضمضة و الاستنشاق المستحبّان قبل الوضوء فإنّ الرياء فيهما يوجب بطلانه لو قلنا بكونهما شرطين في كماله، و كذا سائر الكيفيّات المتّحدة مع العبادة كهيئة التخضّع و التخشّع المستحبّة في الصلاة، و إن لم تكن الكيفيّة متّحدة مع العبادة كما إذا راءىٰ في التحنّك لا في الصلاة معه فذلك لا يوجب بطلانها، و منه ما إذا قرأ الفاتحة مع التجويد

رياء و إظهاراً أنّه يحسن القراءة و يكون عارفاً بالتجويد، و أمّا إذا رجع رياءه فيه إلىٰ الرياء في العبادة بحيث كان مقصوده إراءة انّه يصلّي كذلك فالظاهر بطلانها. و قد تحصّل من جميع ما ذكرنا بطلان العبادة مع الرياء بملاحظة الأخبار الواردة فيه بجميع الأقسام إلّا في خصوص قسم واحد و هو الخصوصيات غير المتّحدة مع العبادة إذا لم يرجع إلى الرياء في نفس العبادة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 273

..........

______________________________

(تذنيب) ذكر الشيخ قدس سره في تفسير الرياء ما ملخّصه:
اشارة

«إنّ الرياء كما ذكره بعض علماء الأخلاق طلب المنزلة عند غيره تعالى، و ظاهره الاختصاص بداعي مدح الناس، فلو قصد بذلك رفع الذمّ عن نفسه كما إذا راعى في القراءة آدابها غير الواجبة دفعاً لنسبة النقص إليه بجهله بطريق القرّاء لم يكن بذلك بأس، و ظاهر الأخبار الواردة في باب الرياء أيضاً الاختصاص بذلك، نعم لو كان دفع الضرر داعياً مستقلّاً إلى أصل العمل دون خصوصياته فسد، و لو كان جزء الداعي فحكمه حكم الضميمة المباحة لأنّه أحد أفرادها، و على هذا فمطلق الرياء ليس محرّماً لأنّ التوصّل إلى دفع الضرر و لو بطلب المنزلة عند الناس لا دليل على تحريمه بل قد يجب، و ظاهر الأخبار حرمة الرياء بقول مطلق، و الأجود تخصيصه بما هو ظاهر التعريف الأوّل، فدفع الضرر من الضمائم غير المحرّمة، نعم يبقى على ما ذكرنا طلب المنزلة عند الناس لتحصيل غاية راجحة كترويج الحقّ و إماتة الباطل، و الظاهر عدم دخوله في الرياء لأنّ مرجعه إلى طلب المنزلة عند اللّٰه، و لو نوقش في الصدق منعنا حرمته لأنّ حرمة الرياء معارضة بعموم رجحان تلك الغاية». و الظاهر كما اعترف به في ذيل كلامه

إطلاق أدلّة الرياء و شمولها لما إذا قصد به رفع المذمّة عن نفسه أيضاً، و حينئذٍ نقول: إنّ كلام ذلك البعض لا يصلح مخصّصاً له و المفروض انّه لا دليل على التخصيص سواه فلا مناص من الأخذ بالإطلاق و الحكم بالحرمة كذلك. و أمّا ما أفاده في الذيل من انه لو جعل طلب المنزلة طريقاً إلى تحصيل غاية راجحة فلا يكون ذلك رياءً أصلًا فيرد عليه منع ذلك و ظهور ثبوت الإطلاق للأخبار

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 274

..........

______________________________

بالإضافة إليه أيضاً، و تعارضها مع عموم رجحان تلك الغاية لا يوجب انتفاء حرمته لأنّه لو كانت تلك الغاية الراجحة مستحبّة فمن الواضح انّ جانب الحرمة يرجّح عليها، و إن كانت واجبة فالواجب مراعاة قواعد باب التعارض و الرجوع إلى المرجّحات و مع عدمها فإلى التخيير، و لو فرض كون المقام من مصاديق باب التزاحم فيبتنى على إحراز أهمّية تلك الغاية بالإضافة إلى ترك الواجب و الإتيان بالمحرّم هذا كلّه في الرياء. و أمّا السمعة التي معناها أن يقصد بالعمل سماع الناس به فيعظم مرتبته عندهم بسببه فحكمها حكم الرياء في جميع ما تقدّم، بل هي من أفراده و كثير من الأخبار الواردة في باب الرياء يشملها بل بعضها صريح في ذلك فليراجع.

(العجب)

و الكلام فيه يقع من جهات: الجهة الاولى: في حقيقته و معناه، و الظاهر انّه عبارة عن إعظام الإنسان نعمة أو عملًا أو اعتقاداً أو غيرها ممّا يحسبه المعجب فضيلة عظيمة، و ربّما يتحقّق بالنسبة إلى بعض الأعمال القبيحة و الرذائل التي يرتكبها المعجب، فيعجب بها و يزعمها كمالًا و فضيلة، و لا يخفى انّ هذه الصفة كالتكبّر

و الحسد و نحوهما من رذائل الأخلاق و تكون من المهلكات، و منشؤه الركون إلى عمل نفسه و الغفلة عن حقيقة شخصه و عن أعمال العباد الصالحين و الأولياء و المقرّبين، إذ بالتفكّر فيها يعلم بأنّ عمله في مقابل أعمالهم لا يعدّ شيئاً و لا ينبغي أن يحسب عملًا فضلًا عن كونه فضيلة. الجهة الثانية: في انّه هل يكون أمراً اختيارياً قابلًا لتعلّق التكليف به أم لا؟

و الظاهر انّه لا يكون أمراً اختيارياً بمعنى أن تكون علّة وجوده الإرادة نظير أفعال الجوارح الاختيارية الصادرة من الإنسان بحيث توجد بالإرادة، بل له مباد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 275

..........

______________________________

في النفس يوجد بوجودها قهراً و ينتفي بانتفائها كذلك نظير الحسد و نحوه من الصفات الرذيلة، نعم نفس تلك المبادئ يكون من الامور الاختيارية بمعنى انّه تمكن إزالتها بالتفكّر و الارتياض، فتعلّق التكليف به لا بدّ و أن يرجع إلى تلك المبادئ كما هو ظاهر. الجهة الثالثة: في انّه هل يمكن أن يكون العجب المتأخّر عن العمل و كذا الرياء المتأخّر عنه مفسداً له أو لا يمكن؟ قد يقال كما في المصباح بعدم الإمكان نظراً إلى أنّ اعتبار عدم العجب المتأخّر امّا أن يكون من قبيل الشروط بمعنى انّ عدم العجب المتأخّر يكون شرطاً في سببيّة الصلاة السابقة لإسقاط أمرها كالإجازة في الفضولي بناءً على القول بكونها ناقلة و أمّا أن يكون من قبيل اعتبار الوصف الموجود في الشي ء المنتزع من وجود الأمر المتأخّر كالإجازة بناءً على الكشف الحقيقي و كلاهما غير معقول في المقام: امّا الأوّل فلأنّ شرطية العدم مرجعها إلى مانعية الوجود، و لا يعقل التمانع بين الشي ء و ما

يتأخّر عنه في الوجود، فتأثير العجب المتأخّر نظير الحدث الواقع عقيب الصلاة في إبطال ما وقع، غير معقول، و هذا بخلاف ما إذا كان الشرط أمراً وجودياً ذا أثر فإنّه يعقل أن يتوقّف تأثير السبب الناقص على الوجود المتأخّر عنه كالإجازة في المثال. و أمّا الثاني فوجهه واضح؛ لأنّ الأمر بالصلاة مطلق فلا يعقل اختصاص الصحّة بفعل بعض دون بعض لأنّ الأمر يقتضي الاجزاء عقلًا. و لكنّك خبير بأنّ ما أفاده من عدم معقولية التمانع بين الشي ء و ما يتأخّر عنه في الوجود إنّما يتمّ في التكوينيات و نحن نزيد عليه عدم معقولية جعل المتأخّر شرطاً أيضاً و لو كان أمراً وجودياً لأنّه لا يعقل أن يؤثر الأمر المعدوم بعد وجود

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 276

..........

______________________________

الشرط إذ المفروض كون الشرط معدوماً حين وجود شرطه و إلّا يصير شرطاً مقارناً و- حينئذٍ كيف يعقل أن يؤثر المشروط المعدوم حين تحقّق شرطه، و لازم ذلك بطلان القول بكون الإجازة ناقلة، إذ العقد المركّب من الألفاظ المخصوصة التي شأنها الانعدام بمجرّد التحقّق لا يكون باقياً حقيقة عند الإجازة فكيف يؤثّر في الملكية بل تصير دائرة الإشكال أوسع من ذلك و يكون لازمه بطلان كلّ عقد إذ تأثير الإيجاب متوقّف على تحقّق القبول بعده و من المعلوم انعدامه و انصرامه حينه فكيف يؤثِّر ما ليس بموجود فعلًا. و الحلّ انّ ذلك كلّه إنّما هو في الامور التكوينية، و أمّا الامور الاعتبارية كالعبادات و المعاملات فهي تدور مدار الاعتبار، و حينئذٍ لا إشكال في أن يكون تأثير السبب الاعتباري متوقّفاً على الشرط المتأخّر بحسب الاعتبار بمعنى انّ العقلاء لا يعتبرون الملكية مثلًا في

عقد الفضولي بمجرّد العقد، بل بعد تحقّق الإجازة من المالك فكأنّهم يرون العقد أمراً باقياً إلى حين الإجازة، و عليه فلو فرض الدليل على مانعية العجب المتأخّر يصير معناه عدم تحقّق الصلاة بنظر الشارع إلّا فيما لو لم يتعقّبها عجب أو رياء مثلًا، و يكون العجب المتأخّر مانعاً عن تحقّق الصلاة باعتبار الشارع. و يردن على الأمر الثاني لعدم المعقولية و هو انّ الأمر يقتضي الاجزاء عقلًا انّ كلامنا إنّما هو بعد فرض وجود الدليل على مبطلية العجب المتأخّر و حينئذٍ- فكيف يكون الأمر بالصلاة مطلقاً؟! بل المأمور به إنّما هي الصلاة التي لا يعرضها العُجب، فعروضه يكشف عن عدم تحقّق المأمور به بجميع ما اعتبر فيه فلا وجه لأن يكون مجزياً و لعمري انّ هذا واضح جدّاً و دعوى وضوح خلافه كما عرفت في كلامه بعيدة عن مقامه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 277

..........

______________________________

الجهة الرابعة: في مفاد الأخبار من حيث حرمة العجب و كونه مفسداً للعمل، فنقول: امّا الحرمة فلا يستفاد من شي ء منها على اختلاف مضامينها كما يظهر لمن راجعها، و أمّا الإفساد فربما يتوهّم انّه تدلّ عليه رواية يونس بن عمّار عن الصادق عليه السلام قال: قيل له و أنا حاضر: الرجل يكون في صلاته خالياً فيدخله العجب؟ فقال: إذا كان أوّل صلاته بنيّة يريد بها ربّه فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك فليمض في صلاته و ليخش (و ليخسأ) الشيطان «1». نظراً إلى أنّ مفهومها يدلّ على المطلوب، و منطوقها على عدم الإفساد لو وقع في الأثناء. و قد حكى الاستدلال بهذه الرواية عن صاحب الجواهر قدس سره و لكنّه اعترض عليه في المصباح بما حاصله:

«انّ هذا لا يخلو عن غفلة لابتنائه على اعتبار مفهوم اللقب و تقديمه على اظهر المنطوق في الشرطية و هو سببيّة الشرط للجزاء، بيانه انّ قوله عليه السلام: فلا يضرّه ما دخله بعد ذلك، لا يكون جزاء للشرط لعدم صلاحيته لذلك لأنّه يلزم أن يكون مفاد القضية بحسب المفهوم انّ العجب الذي يدخله بعد ذلك يضرّه على تقدير فقد الإخلاص في النيّة و هو غير صحيح لأنّ التضرّر على هذا التقدير يحصل من فقد الإخلاص لا من العجب الذي دخله بعد ذلك و حينئذٍ- فالجملة جملة خبرية سادّة مسدّ الجزاء، و التقدير: إذا كان أوّل صلاته بنيّة يريد بها ربّه فصلاته صحيحة و تلك الجملة متفرّعة عليه و حينئذٍ فظاهر القضية الشرطية الدالّة على سببية الشرط للجزاء انّ العلّة لصحّة الصلاة هو الإخلاص و لا يضرّ بها العجب، نعم قوله عليه السلام: فلا يضرّه بعد ذلك يدلّ بمفهومه على انّ العجب لو وقع عند الشروع يكون مضرّاً، و لكن هذا من قبيل مفهوم اللقب و قد بيّن في الاصول عدم الاعتداد به».

______________________________

(1) الوسائل أبواب مقدمة العبادات الباب الرابع و العشرون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 278

..........

______________________________

أقول: و كان صاحب الجواهر قدس سره زعم انّ نيّة الرب تنافي العجب فتخيّل انّ مدلول الرواية بحسب المفهوم: انّه إن لم يكن أوّل صلاته بنيّة الرّب بمعنى كونه معجباً فلا يضرّه العجب الواقع في الأثناء، مع انّه مضافاً إلى انّه لا تنافي بينهما أصلًا ضرورة انّ العجب لا يكون من قبيل الدواعي الباعثة على العمل يرد عليه انّ فقدان نيّة الرّب و لو كان في الأثناء يضرّ بالصلاة ضرورة اعتبار استدامة نيّة

القربة إلى آخر الصلاة. و الإنصاف في معنى الرواية بعد عدم ثبوت المنافاة بينهما أن يقال: إنّ الشرط في القضية مسوق لبيان تحقّق الموضوع و يكون معنى الرواية هكذا: إذا كان قد دخل في الصلاة صحيحاً يعني إذا كانت صلاته صحيحة من سائر الجهات فلا يضرّه العجب أصلًا. و قد بيّن في محلّه انّ هذا النحو من القضايا الشرطية ليس لها مفهوم أصلًا كقوله: إن رزقت ولداً فاختنه، أو إن ركب الأمير فخذ ركابه و نحوهما من الأمثلة، فالرواية تدلّ بمنطوقها على عدم كون العجب مفسداً للعمل. و قد تحصّل ممّا ذكرنا انّ العجب لا يكون موضوعاً للحرمة مطلقاً التكليفية و الوضعية-.

3- الضمائم الراجحة

و ليعلم أوّلًا انّ فرض الضميمة إنّما هو فيما إذا كان قصد الأمر الآخر مباحاً كان أو محرّماً أو راجحاً داعياً أيضاً إلى نفس طبيعة المأمور به و أصل الفعل العبادي، و أمّا إذا صار داعياً إلى شي ء آخر غير نفس الفعل فلا يتحقّق فرض الضميمة و قد عرفت في صدر المبحث تفصيل ذلك و حينئذٍ فما ذكروه من المثال في المقام تقريباً لعدم كون الضميمة الراجحة مبطلة و هو ما إذا تصدّق على المؤمن

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 279

..........

______________________________

الهاشمي العالم- مثلًا قاصداً به امتثال الأوامر المتعدّدة المختلفة المتعلّقة بإكرام العالم و إكرام الهاشمي و إكرام المؤمن فإنّه يتحقّق امتثال الجميع بلا ريب، خارج عن باب الضميمة و لا ارتباط له بها لأنّ الداعي على إكرام العالم إنّما هو خصوص العمل المتعلّق به و كذا إكرام الهاشمي و المؤمن فإنّ الداعي له على كلّ منهما إنّما هو نفس الأمر المتعلّق به ضرورة انّه لا يعقل أن

يكون الأمر المتعلّق بإكرام العالم داعياً إلى إكرام الهاشمي لأنّ الأمر لا يكاد يدعو إلى خصوص متعلّقه، فداعي الإتيان بكل واحد من المتعلّقات إنّما هو خصوص أمره بلا ضميمة شي ء آخر. و كذا ما جعلوه مثالًا لضميمة الراجحة و هو الضوء بقصد التعليم مثلًا لا يرتبط بباب الضميمة لأنّ داعي التعليم فيما يتوضّأ بقصده إنّما يدعوه إلى إيجاد صورة الوضوء ضرورة انّ التعليم لا يتوقّف على عنوان الوضوء المتوقّف على القصد، و من المعلوم انّ الواجب إنّما هو عنوان الوضوء لأنّ مجرّد الغسلتين و المسحتين لا يتّصف بهذا العنوان لو لم يتحقّق قصده، فالأمر إنّما يدعو المكلّف إلى عنوان الوضوء، وداعي التعليم إنّما يدعوه إلى إيجاد صورته، فيما يتوضّأ بقصد التعليم أيضاً فمدعواهما مختلف فانقدح خروج مثل هذا المثال عن باب الضميمة. نعم في المثال السابق لو فرضنا قصور تلك الأوامر المتعدّدة عن أن يصير كلّ واحد منها داعياً مستقلّاً للمكلّف إلى إتيان متعلّقه بمعنى انّ المكلّف لا يتحرّك عن كلّ منها مع قطع النظر عن الباقي، بل المجموع صار داعياً إلى إكرام من ينطبق عليه جميع تلك العناوين يتحقّق الضميمة لأنّ المفروض انّ الباعث له على إكرام ذلك الشخص إنّما هو مجموع الأوامر المتعدّدة المتعلّق كلّ واحد منها بغير ما تعلّق به الآخر. لا يقال: إنّ المجموع لا يكاد أمراً آخر وراء مفرداته و أجزائه فبعد ما لم تكن مفرداته داعية و محرّكة له كما هو المفروض لا يكون هنا شي ء آخر يكون هو الداعي و الباعث. لأنّا نقول: قد عرفت سابقاً انّ الانبعاث لا يكون مستنداً إلى نفس البعث الخارجي، بل إنّما ينشأ من تصوّره مع ما يترتّب على مخالفته و موافقته من

المثوبة و العقوبة، و من المعلوم انّه يمكن تصوّر الأوامر المتعدّدة و لحاظها شيئاً واحداً ثمّ تحقّق الانبعاث الناشئ من ذلك الشي ء، و لا يخفى انّ الحكم في هذا الفرض الذي يكون مصداقاً للضميمة و لا يكون خارجاً عن بابها هي صحّة العبادة و تحقّق امتثال جميع الأوامر المتعدّدة لأنّه لا دليل على اعتبار أزيد من كون العمل للّٰه تعالى من دون مدخلية داع نفساني في إيجاده، و أمّا اعتبار أن يكون كلّ أمر داعياً مستقلّاً للمكلّف إلى إتيان متعلّقه بحيث كان مرجعه إلى لزوم عدم اشتراك أمرين أو أكثر في مقام الدعوة فلا يستفاد من دليل أصلًا فتأمّل في المقام فانّه قد وقع فيه الخلط من الأعلام و على اللّٰه التوكّل و به الاعتصام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 280

مسألة 18- لا يعتبر في النيّة التلفّظ و لا الاخطار في القلب تفصيلًا

بل يكفي فيها الإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس بحيث لو سئل عن شغله يقول أتوضأ، و هذه هي التي يسمّونها بالداعي، نعم لو شرع في العمل ثمّ ذهل عنه و غفل بالمرّة بحيث لو سئل عن شغله بقي متحيّراً و لا يدري ما يصنع يكون عملًا بلا نيّة (1).

______________________________

(1) قد ادّعى الاتّفاق على عدم اعتبار التلفّظ بالنيّة بل عن صريح جماعة عدم استحبابه أيضاً، بل ظاهر محكيّ الذكرى الإجماع عليه، بل عن التبيان في الصلاة:

الأقرب انّه مكروه و لعلّ الكراهة باعتبار انتفاء المقارنة بينها و بين العبادة أحياناً و لكن ذلك لا يوجب ثبوت الكراهة باعتبار انتفاء المقارنة بينها و بين العبادة أحياناً و لكن ذلك لا يوجب ثبوت الكراهة كما لا يخفى. و كيف كان فعمدة الوجه لعدم اعتبار التلفّظ بالنيّة عدم الدليل عليه و خلوّ الشرع عنه

فلا وجه لتوهّم الاعتبار.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 281

..........

______________________________

و أمّا الإخطار بالقلب تفصيلًا فربّما نسب إلى المشهور حيث حكى عنهم انّ النيّة المعتبرة في العبادات هي الإرادة التفصيلية المتعلّقة بالصورة التي اخطرت في القلب و الظاهر إنّه لا دليل لهم عليه إذ العبادية التي هي الأساس في هذه المباحث لا تقتضي إلّا مجرّد كون الفعل اختيارياً صادراً عن إرادة الفاعل بداعي تعلّق الأمر به و هذا كما يتحقّق بالإرادة التفصيلية المذكورة كذلك تتحقّق بالإرادة الإجمالية المرتكزة في النفس بحيث لو سئل عن شغله يقول: أتوضّأ مثلًا و هي التي تسمّى في كلماتهم بالداعي، و الشاهد له ما سيجي ء من الاكتفاء بالإرادة الإجمالية بالإضافة إلى البقاء و إن كان الحدوث مقروناً بالإرادة التفصيليّة مع انّه من الواضح انّه لا فرق بين الأوّل و الأثناء و الآخر فيما يرجع إلى معنى العبادة و ما هو المعتبر فيها فإذا كانت تكفي الإرادة الإجمالية بالإضافة إلى الأثناء و الآخر فلا بدّ و أن تكون كافية بالنسبة إلى الأول أيضاً لعدم الفرق على ما عرفت. نعم لو شرع في العمل ثمّ ذهل عنه و غفل بالمرّة بحيث لو سئل عن شغله بقي متحيّراً و لا يدري ما يصنع فالظاهر عدم الكفاية لأنّ ذلك كاشف عن انتفاء الإرادة رأساً و إلّا لامتنع الجهل بها مع الالتفات الحاصل بالسؤال، و لكن عبارة المتن غير خالية عن المسامحة لأنّ هذه المسألة مسوقة لبيان خصوصية النيّة المقارنة للحدوث، و أمّا اعتبار الاستمرار فهو مذكور في المسألة الآتية مع انّ التعبير بالشروع في العمل ثمّ الذهول و الغفلة لا يكاد يجتمع مع ذلك إلّا أن يكون المراد هو الشروع

في مقدّمات العمل لا في نفسه، كما انّه يمكن المناقشة في إطلاق القول بكون العمل بلا نيّة في هذا الفرض نظراً إلى انّه قد لا يكون الذهول و الغفلة غير الزائل عند الالتفات الحاصل بالسؤال منافياً لثبوت الإرادة الارتكازية الحاصلة في النفس، بل كان عروض بعض العوارض موجباً للذهول عنها رأساً و لو عند السؤال فإذا ارتفع يظهر ثبوتها و انّه كان عمله العبادي لأجل الداعي الصحيح و ثبوت قصد القربة فانّه لا يبعد الحكم بالصحّة في هذه الصورة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 282

مسألة 19- كما تجب النيّة في أوّل العمل كذلك يجب استدامتها إلى آخره،

فلو تردّد أو نوى العدم و أتمّ الوضوء على هذه الحال بطل، و لو عدل إلى النيّة الاولى قبل فوات الموالاة و ضمّ إلى ما أتى به مع النيّة بقيّة الأفعال صح (1).

______________________________

(1) قد عرفت انّه لا فرق بين أجزاء العبادة أوّلًا و آخراً فيما يرجع إلى جهة العبادية و ما هو المعتبر فيها فكما تجب النيّة في أوّل العمل كذلك تجب استدامتها إلى آخره، نعم لا فرق بين أن تكون النيّتان مختلفتين من حيث الإجمال و التفصيل أو غير مختلفتين فيمكن أن يكون الشروع مقروناً بالإرادة التفصيلية و الاستدامة مقرونة بالإرادة الإجمالية كما لعلّه الغالب أو العكس. و كيف كان فلو تردّد في الاستدامة أو نوى العدم و أتمّ الوضوء على هذه الحال بطل لا لأجل عدم الإتمام بل لأجل فقدان الأجزاء المتمّمة للنيّة المعتبرة و هي نيّة الوضوء و الإتيان بداعي الأمر، نعم لو عدل إلى النيّة الاولى قبل فوات الموالاة بالمعنى المتقدّم و أتى بباقي الأجزاء مع النيّة لا وجه للحكم بالبطلان لأنّه لا يعتبر في العبادة استمرار النيّة بعنوانه، بل

المعتبر إنّما هو صدور كلّ جزء منها عن الإرادة المعتبرة فيها و لو بان تعود بعد الزوال و هذا في مثل الوضوء واضح، نعم في مثل الصوم الذي حقيقته الإمساك في جميع اليوم مع النيّة ربّما يكون التردّد أو نيّة العدم منافياً لكون الإمساك في جميع اليوم مع النيّة ربّما يكون التردّد أو نيّة العدم منافياً لكون الإمساك في جميع الآنات عن نيّة فيبطل الصوم لأجل ذلك، كما انّه في باب الصلاة يمكن أن يقال بأنّ التردّد أو نيّة العدم يكون قادحاً لعدم كون الآنات المتخلّلة خارجة عن الصلاة فيجب وجود النيّة في تلك الآنات أيضاً، و أمّا في باب الوضوء فلا يقدح لك لعدم كونه غير الغسلتين و المسحتين مع النيّة فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 283

مسألة 20- يكفي في النيّة قصد القربة،

و لا تجب نيّة الوجوب أو الندب لا وصفاً و لا غاية، فلا يلزم أن يقصد انّي أتوضّأ الوضوء الواجب عليَّ، بل لو نوى الوجوب في موضع الندب أو العكس اشتباهاً بعد ما كان قاصداً للقربة و الامتثال على أي حال كفى و صحّ (1).

______________________________

(1) قد مرّ سابقاً انّه لا يجب الإتيان بالفعل العبادي لغاية وجوبه أو استحبابه أو وجههما ضرورة انّه لا ينبغي أن يشكّ أحد في تحقّق الامتثال بالنسبة إلى المكلّف الذي يعلم بتوجّه الأمر إليه و لكنّه لا يعلم انّه للوجوب أو للاستحباب فأتى به بداعي الأمر المتعلّق به بل لو نوى الاستحباب فيما كان للوجوب أو الوجوب فيما كان للاستحباب فذلك لا يضرّ بصحّة إطاعته لأنّ نيّة الخلاف لا تؤثّر في تغيير الشي ء عمّا هو عليه في الواقع فبعد كون المفروض انّ الدّاعي له إلى العمل إنّما

هو ملاحظة أمر المولى الذي هو موجود شخصي لا يمكن أن يقع على وجوه متعدّدة فلا مانع من صحّة عبادته و تخيّل كونه للاستحباب فيما كان للوجوب أو العكس لا يؤثّر في ذلك الأمر الموجود. و لكن حكى عن المشهور اعتبار نيّة الوجوب أو الندب وصفاً، و منشؤه إن كان هو توقّف الامتثال عليه فقد عرفت عدم التوقّف و تحقّقه فيما لم يعلم كون الأمر المتوجّه إليه للوجوب أو الاستحباب سواء كان عاجزاً عن المعرفة أو لم يكن، و دعوى انّ حصول الامتثال في صورة العجز إنّما هو للعجز مدفوعة بعدم كون العجز موجباً للفرق فهل يتوهّم أن يكون العجز عن الإتيان بالمأمور به رأساً موجباً لتحقّق الامتثال فالإنصاف بطلان هذا المنشأ. و إن كان منشؤه توقّف التّعيين عليه فيرد عليه مضافاً إلى أنّ ظاهرهم كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 284

..........

______________________________

قصد التوجّه معتبراً في عرض التعيين و انّه أمر آخر ورائه انّك قد عرفت في بحث التعيين عدم توقّف تمييز المأمور به عن غيره على تقييده بوصف خصوصية أمره من الوجوب أو الاستحباب فغسل الجمعة مثلًا الذي نوى الإتيان به بداعي أمره متميّز عن غيره و لا يكون فيه اخبهام بوجه و إن لم يقصد وصف الاستحباب أيضاً. و إن كان منشؤه قاعدة الاشتغال الجارية هنا حتّى بناء على البراءة في الأقلّ و الأكثر الارتباطيين لأنّ الشكّ في وجوب نيّة ذلك لا يكون شكّاً في التكليف الشرعي لخروج النيّة المذكورة عن حيّز الطلب، و إنّما الشكّ في تحقّق الامتثال المعتبر عقلًا فيرد عليه مضافاً إلى انّه على القول بإمكان الأخذ في المتعلّق كما هو مقتضى التحقيق لا ريب

في جريان البراءة العقلية لأنّه يصير حينئذٍ كسائر القيود العرضية فيتحقّق موضوع البراءة الذي هو قبح العقاب بلا بيان انّه على القول بامتناع الأخذ أيضاً تجري البراءة العقلية كما في الأقل و الأكثر الارتباطيين و إن قيل في الفرق بين المقامين بأنّ الشكّ في المقام في كيفية الخروج عن عهدة التكليف ثبوته فلا يكون العقاب على تركه عقاباً بلا بيان، و الشكّ في ذلك المقام في كمّية المتعلّق قلّة و كثرة، فعليه البيان بجميع أجزائه و شرائطه. و الوجه في جريان البراءة انّه لا معنى لسقوط الأمر إلّا إيجاد ما أمر به المولى و بعث المكلّف إليه و تمّت الحجّة بالإضافة إليه فلو امتثل كذلك و أوجد ما تعلّق به العلم و ما تمّ البيان عليه و قامت الحجّة عليه لا يتصوّر حينئذٍ له البقاء على صفة الحجّية، إذ لو كان دخيلًا في الطاعة و في تحقّق المأمور به لما جاز له الكفّ عن البيان و لو بدليل آخر، و الاكتفاء بحكم العقل بالاشتغال في المقام مدفوع بأنّه بعد الغضّ عن انّ المورد داخل في مجرى البراءة انّما يفيد لو كان من الواضحات عند عامّة المكلّفين بحيث يصحّ الاتكال عليه لا في مثل المقام الذي هو محلّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 285

..........

______________________________

البحث و الكلام، مع انّه لا فارق بين المقامين فإنّ القائل بالاشتغال هناك يدّعي انّ الأمر بالأقلّ معلوم و نشكّ في سقوطه لأجل كون الأجزاء مرتبطة كما هو المفروض أو يقول إنّ الغرض المستكشف من الأمر معلوم و نشكّ في سقوطه بإتيان الأقلّ فيجب الإتيان بكلّ ما احتمل دخله في الغرض فلا يبقى فرق بينهما أصلًا. و

قد حقّقنا في محلّه انّه كما تجري البراءة العقلية في المقام كذلك تجري البراءة الشرعية أيضاً فاعتبار نيّة الوجوب أو الندب وصفاً من طريق قاعدة الاشتغال لا يكاد يتمّ أيضاً. و ذهب جماعة إلى اعتبار نيّة الوجوب و الندب غاية، و عن الروضة انّه مشهور، و لكنّه اجيب عنه بأنّ المراد من الوجوب و الندب إن كان هو الشرعيين منهما كما هو الظاهر فيمتنع جعلهما غاية للامتثال فضلًا عن وجوبه، إذ الغاية ما تترتّب على المغيّى. و من المعلوم انّ المترتّب على فعل الواجب و المندوب سقوط الوجوب و الندب لا ثبوتهما فلا بدّ أن يكون المراد من كونهما غاية إنّهما داعيان إلى ذات الفعل فيرجع قصدهما كذلك إلى قصد الأمر و يرجع القول باعتبارهما غاية إلى القول باعتبار قصد خصوصية الوجوب أو الندب في الأمر الداعي و انّه لا يكفي قصد مطلق الأمر المردّد بين الوجوبي و الندبي و حينئذٍ يجري فيه ما تقدّم في أخذهما وصفاً للفعل و الكلام فيه هو الكلام هناك نفياً و إثباتاً، و لو فرض كون المراد الدعوة إلى الفعل الصادر عن الأمر يكون الكلام فيه كسابقه. و إن كان المراد من الوجوب و الندب العقليين اللذين هما حسن الفعل مع قبح الترك، أو لا مع قبحه فكونهما غاية لا بدّ أن يكون المراد منه أيضاً ما عرفت من مجرّد الداعوية لا ما يترتّب على المغيّى و حينئذٍ نقول أيضاً امّا أن يكون المراد الداعوية إلى ذات الفعل أو إلى الفعل الصادر عن داعوية الأمر الشرعي، فإن كان الأوّل توقّف على القول بوجوب حسن المأمور به كما هو التحقيق لامتناع تعلّق الإرادة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

أحكام التخلي، ص: 286

..........

______________________________

التشريعية بما لا يكون راجح الوجود على العدم كالإرادة التكوينية و لا يتمّ على القول بعدم لزوم ذلك ثمّ نقول: لا دليل على اعتبار قصده حينئذٍ لصدق عنوان العبادة عند العقلاء بدونه جزماً بل الإطلاق المقامي قاض بعدمه، و إن كان الثاني فممّا لا بدّ منه لأنّ الفعل عن داعي الأمر لا بدّ أن يكون من جهة حسنه الناشئ من أحد الوجوه المتعدّدة الجارية في دواعي الامتثال. هذا و ربّما يقال باعتبار نيّة وجه الوجوب أو الندب و المراد به كما عن الشهيد قدس سره:

امّا الأمر كما عن الأشاعرة أو اللطف في الواجبات و المندوبات العقلية بمعنى ما يقرب إليها كما يشهد به قوله تعالى: «انّ الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر...»

أو مطلق المصلحة كما عن العدلية و قد فسّر الوجه بذلك في «العروة» أو الشكر كما قيل. و يرد على ما عدا الأوّل انّه لا دليل على اعتبار نيّة ذلك لا تخييراً بينها و بين نيّة الوجوب أو الندب كما هو ظاهر القائلين بها و لا تعييناً لصدق العبادة بدونها و قضاء الإطلاق المقامي بعدم اعتبارها، و أمّا الأوّل فيرجع إلى قصد الأمر الذي عرفت اعتباره بلا ريب هذا كلّه في غير الوضوء، و أمّا في باب الوضوء و مثله من المقدّمات فلا مجال لهذه المباحث بوجه لعدم كونه واجباً و لا مستحبّاً بالوجوب و الاستحباب الغيريّين توضيحه: انّهم قد ذكروا في أوّل كتاب الطهارة انّ الوضوء قد يكون واجباً و هو فيما إذا كان مقدّمة لواجب آخر من الصلاة و الطواف و نحوهما من الواجبات المشروطة بالوضوء، و قد يكون مستحبّاً و هو فيما إذا كان مقدّمة للغايات

المندوبة و هي كثيرة و قد جمعها السيّد قدس سره في المدارك فراجع. و أنت خبير بأنّ هذا الكلام مبني على ثبوت الملازمة بين الأمر المتعلّق بذي المقدّمة و الأمر المتعلّق بنفس المقدّمة ضرورة انّ القائل بعدم الملازمة ينكر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 287

..........

______________________________

كون الوضوء متعلّقاً للأمر وجوبياً كان أو استحبابياً و يقول بأنّ الأمر بالوضوء في الآيات و الروايات ليس أمراً مولوياً حتى يكون للوجوب أو الاستحباب، بل إنّما يكون للإرشاد إلى مجرّد الشرطية للصلاة و نحوها من الامور المشروطة به، و نحن و إن حقّقنا الكلام في مبحث المقدّمة في الاصول و أنكرنا الملازمة العقلية تبعاً لسيّدنا الاستاذ العلّامة الماتن دام ظلّه إلّا انّه لا بأس هنا بالإشارة الإجمالية إلى دليل نفي الملازمة ليظهر الحال فنقول و على اللّٰه الاتّكال: انّه إن كان مراد القائل بالملازمة ثبوت الملازمة العقلية بين نفس البعث المتعلّق بذي المقدّمة و البعث المتعلّق بها بحيث كانت الملازمة متحقّقة بين نفس البعثين بمعنى انّه لا يمكن انفكاك البعث بالمقدّمة عن البعث بذيها بحيث لا يعقل أن يبعث المولى عبده نحو شي ء بلا صدور بعث منه نحو مقدّمته، فيردّه حكم الوجدان بثبوت الانفكاك بينهما كثيراً فانّا نرى بالوجدان في الأوامر العرفية العقلائية الصادرة من الموالي بالنسبة إلى العبيد تعلّق البعث بذي المقدّمة فقط كثيراً و عدم تعلّقه بالمقدّمة أصلًا، و كذلك في الأوامر الشرعية، فبطلان هذه الدعوى أظهر من أن يخفى على أحد. و إن كان مراده ثبوت الملازمة العقلية بين إرادة البعث إلى المقدّمة و إرادة البعث إلى ذيها بحيث كانت الملازمة بين الإرادتين فيرده استحالة تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة و

بيان ذلك: انّه إن كان المراد من ثبوت الملازمة بين الإرادتين انّه بمجرّد تعلّق الإرادة بالبعث إلى ذي المقدّمة تتولّد إرادة اخرى متعلّقة بالبعث إلى المقدّمة بحيث كانت الإرادة الأوّلية بمنزلة العلّة الفاعلية لثبوت الإرادة الثانوية فيرد عليه انّ تعلّق الإرادة بشي ء مطلقاً مقدّمة كانت أو غيرها لا بدّ أن يكون مستنداً إلى مباديها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 288

..........

______________________________

من التصوّر و التصديق بالفائدة و غيرهما من سائر مقدّمات الإرادة، و كما انّ الإرادة المتعلّقة بالبعث إلى ذي المقدّمة تكون ناشئة من مباديها كذلك الإرادة المتعلّقة إليها لا بدّ و أن تكون مسبوقة بمبادئ نفسها. و إن كان المراد به ثبوت الملازمة بين الإرادتين لا بالوجه المتقدّم بل بوجه لا ينافي استناد إرادة البعث إليها إلى مباديها فنقول: إنّ تحقّق المبادئ بالنسبة إلى هذه الإرادة ممّا لا يمكن ضرورة انّ من جملتها التصديق بفائدة المراد مع انّه في المقام خال عن الفائدة رأساً، فإنّ البعث إلى شي ء إنّما هو لغرض انبعاث المكلّف، و هو في المقام امّا حاصل و أمّا غير ممكن، ضرورة انّ المكلّف امّا أن يكون منبعثاً عن الأمر المتعلّق بذي المقدّمة فلا محالة يأتي بالمقدّمة تحصيلًا لتحقّق المبعوث إليه، و أمّا أن لا يكون منبعثاً عن ذلك الأمر فلا يعقل تحقّق الانبعاث بالنسبة إلى مقدّمته. و بالجملة: حيث يكون البعث إلى المقدّمة ممّا لا فائدة فيه أصلًا فلا يعقل تعلّق الإرادة به لعدم تحقّق مباديها، و من هنا يظهر انّ قياس الإرادة التشريعية بالإرادة التكوينية قياس مع الفارق ضرورة انّه في الإرادة التكوينية بعد ملاحظة انّ مطلوبه الأقصى لا يتحقّق بدون هذه المقدّمة فلا محالة يريد

إيجادها في الخارج ليمكن له التوصّل إليه، غاية الأمر انّ الفائدة المترتّبة على هذا المراد إنّما هو إمكان التوصّل إلى المطلوب الأقصى، و هذا بخلاف الإرادة التشريعية التي عرفت انّه لا تتحقّق مباديها لعدم ثبوت فائدة في المراد أصلًا. ثمّ إنّه لو أغمض النظر عمّا ذكرنا من استحالة تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة و قلنا بإمكان ذلك فلا يثبت معه الملازمة أيضاً ضرورة انّه لو كانت الملازمة متحقّقة بين الإرادتين لترتّب عليهما بعثمان، بعث إلى ذي المقدّمة و بعث إلى نفس

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 289

..........

______________________________

المقدّمة إذ لا يكون فرق بين الإرادتين أصلًا فلم ترتّب المراد على الإرادة الاولى و تعلّق البعث بذي المقدّمة و لم يترتّب على الإرادة الثانية بتعلّق البعث إليها، فمن ذلك يستكشف عدم تعلّق الإرادة بالبعث إلى المقدّمة أصلًا كما انّه يستكشف من تعلّق البعث بذيها تعلّق الإرادة به أيضاً فأين الملازمة بين الإرادتين؟! فظهر من جميع ما ذكرنا عدم ثبوت الملازمة لا بين نفس البعثين و لا بين الإرادتين المتعلّقتين بهما. إذا عرفت ما ذكرنا يظهر لك انّ الوضوء لا يكون واجباً بعنوان المقدّمية و لا مندوباً كذلك، و الاستدلال على ذلك بالآية و الرواية و الإجماع كما في كلماتهم لا يجدي أصلًا لأنّه مضافاً إلى ما عرفت من أنّ ظاهرها الإرشاد إلى شرطية الوضوء للصلاة و مدخلية في صحّتها لا بدّ من تأويلها بعد حكم العقل بعدم الملازمة لو سلم كون ظاهرها الأمر المولوي الغيري، نعم الوضوء بنفسه لا بعنوان المقدّمية من المندوبات النفسية و العبادات المستحبّة و هو بهذه الصفة مقدّمة للأفعال المشروطة به لا أن يكون نفس الوضوء مقدّمة لها

و قد مرّ بعض الكلام في ذلك. ثمّ إنّه ربّما يتوهّم انّه قد يعرض للوضوء حكم وجوبي و هو فيما إذا صار متعلّقاً للنذر و شبهه. و لكنه لا يخفى انّ تعلّق النذر به لا يوجب عروض الوجوب على عنوان الوضوء ضرورة انّ الوجوب إنّما تعلّق بعنوان الوفاء بالنذر و شبهه و إلّا لكان ذلك منافياً لتعلّق الاستحباب به ضرورة انّه لا يمكن اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد، مضافاً إلى أنّ صحّة النذر المتعلّق به إنّما هي لكون الوضوء راجحاً مستحبّاً فكيف يمكن أن يصير تعلّق النذر علّة لرفع الحكم الاستحبابي المتعلّق به، فاجتماع الحكمين دليل على اختلاف المتعلّقين و عدم تحقّق التضاد في البين.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 290

مسألة 21- لا يعتبر في صحّة الوضوء نيّة رفع الحدث و لا نيّة استباحة الصلاة و غيرها من الغايات،

بل لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثاً صح الوضوء، و يجوز معه الصلاة و غيرها و يكفي وضوء واحد عن الأسباب المختلفة و إن لم يلحظها بالنيّة، بل لو قصد رفع حدث بعينه صحّ و ارتفع الجميع، نعم لو كان قصده ذلك على وجه التقييد بحيث كان من نيّته عدم ارتفاع غيره ففي الصحّة إشكال (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين: المقام الأوّل: في اعتبار نيّة الرفع أو الاستباحة في الوضوء و عدمه و نقول:

الوجوه المتصوّرة فيه ثلاثة: الأوّل: أن يكون المراد انّ الوضوء الذي يترتّب عليه الرفع و الاستباحة و يؤثّر في حصولهما هو الوضوء المأتي به بنيّة الرفع أو الإباحة بحيث يكون للقصد دخل في حصول الأثرين و ترتّب الأمرين كالعناوين القصدية التي يكون القصد مقوّماً لتحقّقها. و أنت خبير بأنّ هذا الوجه لا يكاد يعقل فإنّه لو فرض انّ الأثر لا يترتّب

على نفس الوضوء بمجرّده بل لقصده أيضاً مدخلية في حصوله و ترتّبه فكيف يمكن- حينئذٍ أن يتعلّق القصد بالوضوء المبيح أو الرافع مع العلم بعدم كونه بذاته مؤثّراً في حصول الإباحة و الرفع فإنّه ليس المراد من القصد مجرّد الاخطار بالبال حتّى يمكن أن يقال: إنّه لا بأس بأن يتصوّر أثر لشي ء مع العلم بعدم ترتّبه عليه و عدم كونه أثراً له، بل المراد به هي الإرادة الواقعية الناشئة من مباد مخصوصة،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 291

..........

______________________________

و عليه فلا يعقل تعلّقها بشي ء مقيّداً بكونه مؤثّراً في أثر يعلم بعدم تأثيره فيه. و بالجملة يستحيل أن يتعلّق القصد بالوضوء المبيح أو الرافع مع العلم بعد كون الرفع أو الإباحة أثراً لذات الوضوء بل للوضوء المقيّد بهذا القصد، و هل يمكن أن يتعلّق قصد المرتعش بعدم الارتعاش مع علمه بعدم انفكاكه عنه و هذا من الوضوح بمكان. الثاني: أن يكون المراد انّ الوضوء المؤثّر في الرفع و الإباحة هو الوضوء بعنوانهما و لا يكون للقصد مدخل في ذلك بل هو إنّما يتعلّق بالوضوء المقيّد بهذا العنوان. و يرد على هذا الوجه أمران: أحدهما: الاستحالة العقلية ضرورة انّ عنوان الرافعية مثلًا إنّما ينتزع لذات الضوء بعد اعتبار كونه بنفسه مؤثّراً في الرفع، و لا يعقل أن يكون العنوان الذي يتأخّر رتبة عن تأثير الشي ء في أثر دخيلًا في تأثيره في حصول ذلك الأثر بداهة انّه يلزم أن يكون الأثر في رتبة المؤثِّر بل متقدّماً عليه. ثانيهما: ما أورد عليه الشيخ قدس سره في كتاب الطهارة ممّا حاصله: «إنّ لازم ذلك كون الوضوء مؤثّراً في حصول الرفع مع قطع النظر عن إتيانه بقصد

التقرّب وداعي أمره لأنّه بناءً عليه يأتي بالوضوء الرافع بقصد التقرّب لا بالوضوء المقرّب المترتّب عليه الرفع و حينئذٍ تصير الطهارة الحدثية كالطهارة الخبثية من الواجبات التوصّلية التي يكتفى في سقوط أمرها بمجرّد وجودها في الخارج كيفما اتّفق و ضرورة الفقه على خلافه». الثالث: أن يكون المراد انّ اعتبار نيّة الرفع أو الإباحة إنّما هو لتعدّد ماهيّة الوضوء و كون الوضوء الرافع مغايراً حقيقة لوضوء الجنب و الحائض مثلًا-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 292

..........

______________________________

فاعتبار نيّة الرفع إنّما هو لتمييز الماهية المأمور بها عن غيرها لعدم طريق إلى تشخيصها غير هذا القصد. و يرد عليه مضافاً إلى منع تعدّد ماهية الوضوء و تغاير الوضوء الرافع مع غيره بحسب الذات و الحقيقة انّه يمكن أن يحصل التمييز من غير طريق هذا القصد بأن يأتي به بداعي الأمر الشخصي المتوجّه إليه المقصود امتثاله. و قد انقدح ممّا ذكرنا عدم اعتبارية الرفع أو الإباحة في الوضوء لما عرفت من انّ اعتبارها على بعض الوجوه غير معقول، و على البعض الآخر خال عن الدليل فالأقوى وفاقاً لأكثر المتأخّرين و تبعاً للمتن هو العدم و يتفرّع عليه انّه لو نوى التجديد فتبيّن كونه محدثاً صحّ وضوئه و يجوز معه الدخول في الصلاة و غيرها من الأعمال المشروطة به، و كذا لو توضّأ عقيب المذي استحباباً بزعم كونه متطهّراً فانكشف العدم أو توضّأ استحباباً بزعم الحيض أو الجنابة فظهر خلافهما و انّه كان محدثاً بالحدث الأصغر فإنّ الأقوى صحّة الوضوء في جميع الصور لأنّ الوضوء التجديدي و كذا وضوء الحائض و الجنب و كذا الوضوء عقيب المذي لا يكون لها ماهيّات مغايرة للوضوء الرافع بل لا

يكون للوضوء إلّا ماهيّة واحدة و حقيقة فاردة كما يشهد بذلك غير واحد من الأخبار المأثورة، غاية الأمر انّه بالنسبة إلى الحائض و الجنب لا يكون المحلّ قابلًا للتأثير التامّ، بل أثر الوضوء فيهما إنّما هو تخفيف الحدث و رفع الحرمة بالإضافة إلى بعض الغايات، و هكذا الوضوء التجديدي فإنّه أيضاً يكون مثل الوضوء الأوّل غاية الأمر انّه لو لم يصادف الحدث يؤكّد الطهارة، و يؤيّده ما عن الذكرى ناسباً له إلى ظاهر الأخبار و الأصحاب من انّ الحكمة في تشريعه تدارك ما في الطهارة الاولى من الخلل. و بالجملة: لا ينبغي الإشكال في وحدة ماهية الوضوء و اتّحاد حقيقته و معه لا مجال لتوهّم

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 293

..........

______________________________

البطلان في مثل الفروض المذكورة. ثمّ لا بأس بالتعرّض لبعض الفروع التي ذكروها في المقام ممّا له تعلّق بهذه المسألة أو المسألة السابقة فنقول: الأوّل: ما حكي عن العلّامة قدس سره في جملة من كتبه من انّ من ليس عليه وضوء واجب إذا نوى بالوضوء الوجوب و صلّى به أعاد الصلاة فإن تعدّدتا يعني الصلاة و الطهارة مع تخلّل الحدث أعاد الاولى. أقول: امّا بناءً على ما ذكرنا من عدم ثبوت الملازمة بوجه و عدم كون الوضوء واجباً و لا مستحبّاً غيريّاً، بل هو مستحبّ نفسي فقط فنيّة الوجوب لغو لا يؤثّر في فساد وضوئه فإنّ عباديته ليست لأجل كونه متعلّقاً للوجوب الغيري أو الاستحباب كذلك، بل إنّما هي لكونه متعلّقاً للأمر النفسي الاستحبابي، و المفروض انّ إتيانه في الخارج إنّما هو بداعي ذلك الأمر النفسي لما عرفت من انّ الوضوء بوصف العبادية مجعول مقدّمة للصلاة و الطواف و

نحوهما و حينئذٍ فلا يبقى وجه لبطلان وضوئه كما هو ظاهر. و أمّا بناءً على مذهبهم من ثبوت الوجوب المقدّمي و الاستحباب الغيري بالإضافة إلى الوضوء فلا وجه لبطلانه أيضاً فإنّ عنوان الوضوء لا يكون متعلّقاً للحكم الغيري بل المتعلّق له على ما هو التحقيق و سيأتي توضيحه إجمالًا في الفرع الآتي، هو عنوان «المتوصل به إلى ذي المقدّمة» فلا يكون الوضوء واجباً أصلًا حتّى تكون نيّة الوجوب في ما اخذا لم يكن واجباً قادحة في الصحّة. ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ الوجوب الناشئ عن وجوب ذي المقدّمة إنّما يتعلّق بذات الوضوء فيمكن أن يقال أيضاً بصحّته في المورد المفروض؛ نظراً إلى ما عرفت من انّ عباديّته ليست لتعلّق الأمر الغيري به، بل إنّما هي لتعلّق الأمر الاستحبابي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 294

..........

______________________________

النفسي به، و سقوط أمره النفسي بناء على هذا القول و هو كون معروض الأمر الغيري ذوات المقدّمات لا يوجب أن تكون عباديته بسبب ذلك الأمر الغيري كيف و قد عرفت انّ الأمر الغيري إنّما يتعلّق بالمقدّمة، و الوضوء مع قطع النظر عن العبادية لا يكون عبادة أصلًا، بل عباديته في هذه الصورة إنّما هي لرجحانه الذاتي إذ لا يعتبر فيها ثبوت الأمر الفعلي بل يكفي فيها ملاكه. نعم لو قلنا بأنّ متعلّق الأمر الغيري إنّما هو ذات المقدّمة و انّ عباديته إنّما هي بسبب ذلك الأمر الغيري فلا يبقى وجه لصحّة الوضوء في مفروض المسألة إلّا أن يقال بالصحّة أيضاً فيما إذا كان هناك أمر واحد فتوهّم كونه للوجوب فأتى بالمأمور به بداعي وجوبه مع انّه لم يكن واجباً في الواقع، وجه الصحّة ما عرفت

في بعض المسائل السابقة من أنّ تقييد الموجود الخارجي بحسب التوهّم لا يؤثّر في تقييده بحسب الواقع ضرورة انّ التقييد الموجب للتغاير إنّما هو بالنسبة إلى المفاهيم الكلّية لا الموجودات الخارجية الشخصية. فانقدح ممّا ذكرنا صحّة الوضوء في الفرع المفروض بحسب جميع المذاهب و عليه فلا وجه لوجوب إعادة الصلاة في الفرضين. الثاني: انّه هل يجوز لمن عليه وضوء واجب أن يتوضّأ بنيّة التوصّل إلى الغايات المندوبة أم لا؟ فيه وجهان و الأقوى هو الصحّة، امّا بناءً على ما عرفت منّا في باب الملازمة فواضح، و أمّا بناءً على القول بوجوب المقدّمة و ثبوت الملازمة فنقول: إنّه لا محيص بناءً عليه من القول بالمقدّمة الموصلة كما حقّقناه في الاصول و تعرّضنا للجواب عن كلّ ما أورد عليه من إشكال الدور و التسلسل و غيرهما من الإشكالات، و عليه نقول: إنّ حيثية التوصّل و إن كانت من الجهات التعليلية لثبوت الحكم إلّا انّه قد حقّق في محلّه انّ الجهات التعليلية كلّها ترجع إلى الجهات التقييدية و حينئذٍ ينقدح انّ ذات الوضوء لا يكون متعلّقاً للأمر الغيري حتّى يقال

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 295

..........

______________________________

انّه في صورة الوجوب يسقط الاستحباب فلا يبقى وجه لصحّة وضوئه لأنّ الاستحباب المتوهّم ثبوته غير ثابت و المفروض انّه لم يأت به بنيّة الوجوب و ذلك- أي وجه بطلان هذا القول انّ المتعلّق للأمر الغيري انّما هو عنوان «الموصل إلى ذي المقدّمة» فلا مجال لسقوط الاستحباب في صورة الوجوب لا الاستحباب النفسي المتعلّق بذات الوضوء و لا الاستحباب الغيري المتعلّق ب «الموصل إلى الغاية المندوبة» ضرورة اختلاف متعلّقات الأحكام الثلاثة فإنّ متعلّق الوجوب هو الموصل إلى

ذي المقدّمة الواجب، و متعلّق الاستحباب الغيري هو الموصل إلى الغاية المندوبة و متعلّق الاستحباب النفسي هو نفس عنوان الوضوء فأين يلزم من ثبوت الوجوب سقوط الاستحبابين بعد تحقّق الاختلاف في البين. الثالث: متى وقع الوضوء الواجب الرافع للحدث المبيح للصلاة هل يترتّب عليه أثره و هو الرفع منجّزاً من غير توقّف على تحقّق الصلاة بعده، أو يتوقّف على تحقّقها؟ قولان ظاهر المشهور الأوّل، و حكى في الحدائق عن بعض انّه لا يجوز فعل الوضوء لمن لم يكن من نيّته فعل الصلاة، و انّه لو كان من نيّته فعل الصلاة و لم يفعلها تبيّن بطلانه. و قد استشكل ذلك بلزوم الدور الواضح ضرورة انّ صحّة الصلاة و تحقّقها متوقّفة على الوضوء الرافع للحدث أو المبيح للصلاة، فلو كانت صحّة الوضوء و تأثيره في الرفع أو الإباحة متوقّفة على تحقّق الصلاة بعده كما هو ظاهر هذا القول يلزم الدور. و لكنّه يمكن توجيه هذا القول بما لا يرد عليه هذا الإيراد الواضح بأن يقال: إنّه حيث كان متعلّق الأمر الغيري هو الوضوء الموصل إلى الصلاة فحيث لم تتحقّق الصلاة بعده يكشف عن عدم تحقّق متعلّق الأمر الغيري، و يؤيّد ذلك انّه لو كان مرادهم توقّف صحّة الوضوء على تحقّق الصلاة بعده فعدم تحقّقها يوجب عدم تمامية الوضوء لا انّه يكشف عن بطلانه ضرورة انّ الصلاة حينئذٍ تصير شرطاً

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 296

..........

______________________________

للوضوء، و من المعلوم انّ فقدان الشرط يوجب عدم تمامية المشروط و نقصانه لا انّه يكشف عن بطلانه، فتعبيرهم بالكشف و التبين دليل على عدم كون مرادهم ذلك المعنى لا أقول: إنّ القول بالمقدّمة الموصلة مستلزم للقول

ببطلان الوضوء فيما اخذا لم يعقّبه بالصلاة فإنّ ذلك باطل كما سيجي ء بل أقول: إنّ ظاهر كلامهم يأبى عن كون مرادهم ذلك المعنى الذي بلحاظه استشكل على القائل به بالدّور المذكور. ثمّ إنّ الحكم بابتناء كلامهم على القول بالمقدّمة الموصلة الظاهر في استلزام القول بها للقول ببطلان الوضوء في الفرض المذكور كما في المصباح حيث إنّه اعترض عليهم ببطلان المقدّمة الموصلة ممّا لا يكاد يتمّ أصلًا فإنّ القول بها كما هو التحقيق بناء على ثبوت الملازمة لا ينافي القول بصحّة الوضوء في مفروض المسألة ضرورة انّ مجرّد توقّف تحقّق متعلّق الأمر الغيري على حصول الصلاة بعده لا يوجب بطلان الوضوء لما عرفت من انّه بوصف كونه عبادة، مجعول مقدّمة للصلاة و الطواف و نظائرهما و انّ المصحّح لعباديته إنّما هو الاستحباب النفسي المتعلّق بعنوانه لا الوجوب الغيري فلا مجال لتوهّم البطلان بناءً على هذا القول أيضاً. المقام الثاني: في كفاية وضوء واحد عن الأسباب المختلفة، و ينبغي قبل التعرّض لخصوص مسألة الوضوء و مثله، التكلّم في مسألة التداخل التي وقعت معنونة في الاصول و معركة لآرائهم حتّى تظهر موافقته للأصل فيصار إليه في جميع الموارد الخالية عن القرينة على الخلاف، أو مخالفته له فيقتصر على خصوص مورد قيام القرينة على الوفاق فنقول و باللّٰه المستعان: إنّ التداخل قد يكون في الأسباب و يسمّى تداخل الأسباب، و قد يكون في المسبّبات و يسمّى تداخل المسبّبات و قد وقع النزاع في كلا الأمرين

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 297

..........

______________________________

و العمدة هو الأمر الأوّل، و المراد به انّه إذا رتّب المولى جزاء واحداً على أسباب متعدّدة فهل الظاهر تأثير كلّ سبب في

حصول الجزاء على نحو الاستقلال، أو انّ تأثيره مستقلّاً مشروط بعدم اقترانه أو مسبوقيّته بسبب آخر؟ قد نسب إلى المشهور القول بعدم التداخل، و المحكي عن المحقّق الخوانساري قدس سره خلافه، و عن الحلّي التفصيل بين اتّحاد الجنس و تعدّده. و ليعلم انّ محلّ النزاع إنّما هو ما إذا كان الجزاء قابلًا للتعدّد كالوضوء و الغسل و الضرب و الإكرام و أشباهها، و أمّا ما لا يكون كذلك كقتل زيد مثلًا فلا ينبغي الإشكال في خروجه عن محلّ النزاع. إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم انّه قد استدلّ للقول المنسوب إلى المشهور بوجوه: منها: ما هو المذكور في تقريرات المحقّق النائيني قدس سره من انّ الأصل اللفظي يقتضي عدم تداخل الأسباب؛ لأنّ تعلّق الطلب بصرف الوجود من الطبيعة و إن كان مدلولًا لفظياً إلّا أنّ عدم قابلية صرف الوجود للتكرّر ليس مدلولًا لفظياً بل من باب حكم العقل بأنّ المطلوب الواحد إذا امتثل لا يمكن امتثاله ثانياً، و أمّا انّ المطلوب واحد أو متعدّد فلا يحكم به العقل، فإذا دلّ ظاهر الشرطيتين على تعدّد المطلوب لا يعارضه شي ء أصلًا قال: و ممّا ذكرنا انقدح ما في تقديم ظهور القضيتين من جهة كونه بياناً لإطلاق الجزاء، لأنّه على ما ذكرنا ظهور الجزاء في الاكتفاء بالمرّة ليس من باب الإطلاق حتّى يقع التعارض بل يكون ظهور القضية الشرطية في تأثير الشرط مستقلّاً في الجزاء رافعاً حقيقة لموضوع حكم العقل و وارداً عليه بل على فرض ظهور الجزاء في المرّة يكون ظهور الشرطية حاكماً عليه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 298

..........

______________________________

و أنت خبير بأنّه يكون هنا ظهوران: أحدهما: ظهور القضيّة الشرطية في تأثير الشرط

مستقلّاً في الجزاء. و ثانيهما: ظهور الجزاء في كون متعلّقه هو نفس الطبيعة من دون مدخلية شي ء آخر، و من المعلوم انّ هذين الظهورين في كلّ قضية شرطية مع قطع النظر عن الاخرى لا يكونان متعارضين أصلًا لوضوح انّه لا مانع من أن يكون النوم مثلًا- سبباً مستقلّاً لإيجاب نفس طبيعة الوضوء، و كذا البول سبباً مستقلّاً لإيجاب نفس طبيعته، فإنّ كلّ واحد من هاتين القضيتين من حيث هي مع قطع النظر عن الاخرى لا تعارض بين ظهور نفسها في السببيّة المستقلّة و ظهور جزائها في تعلّق الحكم بنفس الطبيعة أصلًا، نعم بعد ملاحظتهما معاً لا يعقل اجتماعهما لأنّه يستحيل أن يؤثّر سببان مستقلّان في إيجاد حكمين على طبيعة واحدة، فاللّازم امّا رفع اليد عن ظهور الشرطية في تأثير الشرط مستقلّاً و القول بأنّ السبب هو الأمر الجامع بين الشرطين، و أمّا رفع اليد عن ظهور الجزاء في إطلاق متعلّقه و القول بأنّ الواجب هي الطبيعة المقيّدة بغير الفرد المأتي به أوّلًا لترتفع المعارضة في البين. و منه تظهر المناقشة في كلامه قدس سره لأنّ المراد بإطلاق الجزاء ليس ظهوره في الاكتفاء بالمرّة حتّى يورد عليه بأنّه ليس من باب الإطلاق و إنّما هو حكم المتعلّق و انّ الطلب إنّما تعلّق بنفس الطبيعة المطلقة من دون أن تكون مقيّدة بشي ء إذ قد عرفت انّه لا يعقل اجتماع حكمين على طبيعة مهملة فهذا الإطلاق غير حكم العقل بالاكتفاء بالمرّة و قد مرّ ثبوت التعارض بينه و بين ظهور القضية الشرطية و انّ التخلّص لا ينحصر طريقه برفع اليد عنه. و منها: ما يظهر من الشيخ قدس سره و من تبعه من أنّ مقتضى إطلاق

تفصيل الشريعة

في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 299

..........

______________________________

الجزاء و إن كان كفاية ما يصدق عليه الطبيعة من غير تقييد بغير الفرد المأتي به أوّلًا إلّا أنّ ظهور القضية الشرطية في السببية المستقلّة مقدّم عليه لأنّ الظهور في الأوّل إطلاقي يتوقّف على مقدّماته التي منها عدم البيان، و من المعلوم انّ إطلاق السبب منضمّاً إلى حكم العقل بأن تعدّد المؤثّر يستلزم تعدّد الأثر يكون بياناً للجزاء و معه لا مجال للتمسّك بإطلاقه، و ليس المقام من قبيل تحكيم أحد الظاهرين على الآخر حتّى يطالب بالدليل، بل لأنّ وجوب الجزاء بالسبب الثاني يتوقّف على إطلاق سببيّته، و معه يمتنع إطلاق الجزاء بحكم العقل، فوجوبه ملزوم لعدم إطلاقه، نعم التمسّك بالإطلاق إنّما يحسن في الأوامر الابتدائية المتعلّقة بطبيعة واحدة لا في ذوات الأسباب فإنّ مقتضى إطلاق الجميع كون ما عدا الأوّل تأكيداً له، و احتمال التأسيس ينفيه الإطلاق. و يرد عليه ما عرفت آنفاً من أنّ إطلاق الجزاء في كلّ قضية لا ينافي ظهور تلك القضية في السببية المستقلّة أصلًا؛ لأنّه لا مانع من أن يكون النوم مثلًا علّة مستقلّة لوجوب طبيعة الوضوء غير مقيّدة بشي ء، بل العقل بعد ملاحظة القضيتين أو القضايا يحكم بعدم إمكان الاجتماع لأنّه لا يعقل أن يؤثّر سببان مستقلّان أو أزيد في إيجاد حكمين أو أحكام على طبيعة واحدة، فعدم الاجتماع حكم عقلي بعد ملاحظة مجموع القضيتين معاً، و حينئذٍ فمجرّد كون الظهور في الجزاء إطلاقياً يتوقّف على عدم البيان لا يوجب ترجيح الظهور الأوّل عليه، إذ لا فرق في نظر العقل بين رفع اليد عن ظهور الصدر أو ظهور الذيل، و هل يتوهّم أحد فيما لو حكم العقل مثلًا باجتماع

الحكمين اللّذين أحدهما عام و الآخر مطلق بترجيح الأوّل على الثاني لكونه أظهر في الدلالة منه فإنّ قوّة الظهور و ضعفه خارجان عمّا هو ملاك الراجحية و المرجوحية بنظر العقل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 300

..........

______________________________

هذا كلّه مضافاً إلى انّه لا نسلّم ظهور القضية الشرطية في السببية فضلًا عن السببية المستقلّة فإنّ معنى السببية هو التأثير في إيجاد المسبّب و حينئذٍ- نقول: إنّ السبب في المقام هل هو طبيعة الشرط أو الشرط بوجوده الخارجي؟ و المسبّب هل هو وجوب الوضوء مثلًا، أو إيجابه، أو نفس الوضوء بطبيعته، أو بوجوده الخارجي؟ و كلّها غير صحيح لأنّا نرى بالوجدان انّ النوم لا يكون سبباً للوضوء خارجاً بحيث يوجد عند وجوده، و سببيّة طبيعة لطبيعة اخرى غير معقولة و إيجاب الوضوء أيضاً لا يكون مسبّباً عن النوم، بل عن إرادة الشارع الناشئة من العلم بمصلحة الوضوء عقيب النوم، و الوجوب ينتزع من البعث، و لا معنى لأن يكون مسبّباً عن النوم، فظهور القضية الشرطية في التشريعيّات في السببية ممّا لا مجال لادّعائه. نعم لها ظهور في كون الشرط تمام الموضوع لترتّب الجزاء من دون مدخلية شي ء آخر، و هذا الظهور ليس من باب دلالة اللفظ، بل إنّما هو حكم العقل بأنّ المتكلّم الفاعل المختار بعد كونه بصدد بيان تمام ما هو الموضوع لحكمه إذا لم يأخذ إلّا نفس الطبيعة يستفاد من ذلك عدم مدخلية شي ء آخر في ترتّب حكمه فقوله: إذا نمت فتوضّأ، بمنزلة قوله: النائم يتوضّأ، و عليه فالظهور في الصدر أيضاً من باب الإطلاق كظهور الجزاء لا من باب ظهور اللفظ في السببيّة. و نحن و إن اخترنا في الاصول إمكان

تعلّق الجعل بالسببية في الامور الاعتبارية كجعل عقد البيع سبباً لحصول النقل و الانتقال إلّا أنّ ذلك خلاف ظاهر القضية الشرطية، فيدور الأمر في المقام بين رفع اليد عن إطلاق الشرط في كلّ من القضيتين، و بين تقييد إطلاق الجزاء فيهما، و لعلّ الترجيح مع الثاني لا لترجيحه على الأوّل من حيث هو، بل لأنّ العرف إذا ألقى عليه هذا النحو من القضايا الشرطية يفهم منه عدم التداخل و ان كلّ سبب يؤثّر في مسبّب واحد من غير التفات إلى إطلاق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 301

..........

______________________________

متعلّق الجزاء و لزوم تقييده بالتعدّد، و هذا المقدار من الظهور العرفي كاف في المقام، و منشؤه امّا قياس تلك القضايا الشرطية الواردة في الشريعة على القضايا العرفيّة المتداولة بينهم التي يفهمون منها التعدّد، و أمّا فهمهم ثبوت الارتباط بين الشرط و متعلّق الجزاء بحيث يكون كلّ شرط مستحقّاً لجزاء على حدة، و أمّا غير ذلك ممّا لا نعلمه فإنّ العمدة هي أصل ثبوت الظهور العرفي لا الاطلاع على منشئه كما هو ظاهر. ثمّ إنّه قد يقال بأنّه لا يمكن تقييد إطلاق الجزاء في أمثال المقام ممّا لا ترتّب فيه بين الأسباب، بل يمكن أن يوجد كلّ واحد منها قبل الآخر أو بعده لأنّه لا يمكن تقييد الوضوء في قوله: إذا بلت فتوضّأ، بكلمة «الآخر» و نحوها لأنّه يمكن أن يوجد البول قبل النوم، و كذا لا يمكن تقييد الوضوء في قوله: إذا نمت فتوضّأ بمثل هذه الكلمة لإمكان أن يوجد النوم قبل البول، و من هنا يظهر انّه لا يمكن التقييد في شي ء منهما، و هذا بخلاف ما إذا أمر بالوضوءين دفعة

من دون التعليق على شي ء، أو جمع السببين فقال: إذا نمت و بلت فتوضّأ وضوءين، أو كان السبب الثاني مترتّباً على السبب الأوّل دائماً كما إذا فرض أن يكون البول مترتّباً على النوم كذلك فإنّه يجوز ذلك و لا يلزم إشكال من تقييد القضيّة التي فيها السبب الذي يوجد بعد السبب الأوّل دائماً بمثل كلمة «الآخر» كما لا يخفى. و أنت خبير بأنّه يمكن التقييد بما لا يرد عليه هذا الإشكال مثل تقييد الوضوء في القضية الاولى بالوضوء لأجل البول، و في الثانية بالوضوء لأجل النوم و لا يستلزم ذلك أن يكون ما يجي ء من قبل العلّة مأخوذاً في المعلول و هو محال إذ لا يعقل أن تكون الشمس علّة للحرارة الجائية من قبلها بحيث يكون هذا القيد مأخوذاً في المعلول، و ذلك أي وجه عدم الاستلزام انّ ما ذكر إنّما هو في العلل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 302

..........

______________________________

و المعلولات التكوينية لا في مثل المقام، هذا كلّه في الأنواع المختلفة و الماهيّات المتعدّدة كالبول و النوم. و أمّا في الأفراد من نوع واحد كبولين مثلًا فهل القاعدة تقتضي التداخل بالنسبة إليها أو عدم التداخل؟ صرّح في تقريرات المحقّق النائيني قدس سره بالثاني نظراً إلى أنّ القضية الشرطية كالقضية الحقيقية فكما انّ قوله: المستطيع يحجّ عام لمن استطاع في أيّ وقت فكذلك قوله: إن استطعت فحجّ، لأنّ كلّ قضية حقيقية راجعة إلى الشرطية و بالعكس، غاية الأمر انّهما متعاكسان، فالشرطية صريحة في الاشتراط و تتضمّن عنوان الموضوع و الحقيقية صريحة في عنوان الموضوع و تتضمّن الاشتراط، و لازم الانحلال أن يترتّب على كلّ شرط جزاء غير ما رتّب على

الآخر فعلى هذا الإشكال في عدم التداخل في مورد تعدّد الشرط من جنس واحد فضلًا عمّا إذا تعدّد من الأجناس المختلفة، فيصير هذا الظهور قرينة للجزاء و يصير بمنزلة أن يقال: إذا بلت فتوضّأ و إذا بلت ثانياً فتوضّأ وضوء آخر ثمّ إنّ طريق استفادة الانحلال امّا الوضع كالعموم الاصولي المستفاد من نحو متى و أنّى و أين و إذا و مهما و حيثما، و أمّا الإطلاق كإنَّ و أخواتها، و أمّا قيام الإجماع أو دلالة العقل عليه، انتهى ملخّصاً. و يرد عليه انّ قياس القضية الشرطية بالقضية الحقيقيّة الظاهرة في ثبوت المغايرة بينهما ممّا لا يصحّ فإنّ القضية الشرطية قد تكون قضية حقيقيّة كما إذا قال:

يجب على الناس الحجّ إذا استطاعوا، و قد تكون غيرها كما إذا قال: إذا استطاع زيد يجب عليه الحجّ. ثمّ إنّ انحلال القضايا الحقيقية إنّما هو بالنسبة إلى مصاديق الموضوع كزيد المستطيع، و عمرو المستطيع، و أمّا بالنسبة إلى مصداق واحد كزيد فلا انحلال أصلًا فتأمّل، و كيف كان فإثبات عدم التداخل من هذا الطريق مشكل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 303

..........

______________________________

و التحقيق ابتناء المستلة كما أفاده في المصباح على أنّ الشرط هل هو الطبيعة أو الأفراد و الوجودات؟ فإن كان هو الأوّل فاللّازم القول بالتداخل لأنّ الطبيعة بحسب نظر العرف لا يتكرّر فزيد و عمرو فردان من طبيعة الإنسان عند العرف لا إنسانان كما هو كذلك بنظر العقل و إن كان هو الثاني فاللّازم القول بعدم التداخل، و لا يخفى انّ مثل كلمة «كلّما» ظاهر في الثاني، و مثل «ان» و «إذا» ظاهر في الأوّل. ثمّ إنّه مع فرض كون الشرط هو الافراد

لا يبقى مجال لظهور الجزاء في إطلاق متعلّقه لأنّه لا يعقل اجتماعهما فبعد فرض وجود الأوّل يستحيل تحقّق الثاني، و من هنا يظهر انّ القول بعدم التداخل في الافراد من جنس واحد لا يستلزم القول به في الافراد من أجناس مختلفة كما عرفت في كلام النائيني قدس سره و ذلك لما عرفت من أنّ التعارض بين إطلاق متعلّق الجزاء و ظهور القضيّة الشرطية في الأوّل إنّما يكون تعارضاً بين صدر القضية و ذيلها، و مع ترجيح الأوّل لكونه ظهوراً وضعياً لا يبقى مجال للثاني، و أمّا في الثاني فقد مرّ انّه لا تعارض بين صدر كلّ قضية و ذيلها، بل العقل يحكم بعدم إمكان اجتماع الإطلاقين في كلّ قضية، معهما في الاخرى، و لا ترجيح لإطلاق الشرط فيهما على إطلاق الجزاء مع قطع النظر عن حكم العرف، فأولوية الثاني بالنسبة إلى الأوّل ممنوعة جدّاً. ثمّ إنّه لو قيل بالتداخل في الأسباب لا يبقى مجال للنزاع في تداخل المسبّبات ضرورة، و أمّا لو قيل بعدم التداخل فالظاهر انّه لا وجه للنزاع فيه أيضاً لأنّ تداخل المسبّبات إنّما هو فيما إذا كانت العناوين الموضوعة للأحكام قابلة للانطباق على موجود واحد كاجتماع عناوين «العالم» و «الهاشمي» و «المؤمن» على زيد- مثلًا و أمّا إذا كانت العناوين متباينة فلا يعقل فيها الاجتماع حتّى ينازع في التداخل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 304

..........

______________________________

و عدمه، و ما نحن فيه من هذا القبيل فإنّ مرجع القول بعدم تداخل الأسباب إلى تقييد إطلاق متعلّق الجزاء بقيد مثل كلمة «الآخر» و من الواضح انّه لا يعقل اجتماع عنوان «الوضوء» و «الوضوء الآخر» على وضوء واحد، هذا كلّه في

أصل مسألة التداخل التي هي مسألة اصولية. و أمّا مسألة الوضوء التي هي مورد البحث في المقام فهي خارجة عن النزاع في ذلك الباب للإجماع على الاكتفاء بوضوء واحد عقيب الأسباب المختلفة، و على أنّ السبب إنّما هو الحدث، و البول و الغائط و غيرهما من النواقض من مصاديق عنوان الحدث لا انّ كلّ واحد سبب مستقلّ. و بالجملة: فالضرورة و الإجماع قائمتان على أجزاء وضوء واحد عقيب الأجناس المختلفة أو الافراد من جنس واحد من النواقض فلا ينبغي البحث فيه، و إنّما الكلام في الغسل فنقول: لو قلنا بأنّ الحدث الأكبر طبيعة واحدة غير قابلة للشدّة و الضعف نظير الحدث الأصغر لكان اللّازم الاكتفاء بغسل واحد فيما لو اجتمعت أسباب مختلفة كما انّه لو قلنا بكونه طبائع مختلفة كالسواد و البياض فإن قلنا بتغاير الأغسال بمعنى انّ الغسل الرافع لحدث الحيض مغاير لما هو الرافع لحدث الجنابة مثلًا فلا إشكال في وجوب التعدّد حسب تعدّد الأسباب، و إن قلنا بأنّ الغسل إنّما يرفع جنس الحدث فلا إشكال في الاكتفاء بالواحد، و لو قلنا بأنّ الحدث الأكبر طبيعة واحدة قابلة للشدّة و الضعف فتارة يكون كلّ سبب مؤثّراً في حصول مرتبة واحدة من مراتبه، و اخرى يكون بعض أسبابه مؤثِّراً في حصول المرتبة الشديدة مع وحدته، فعلى الأوّل يجب الغسل متعدّداً حسب تعدّدها على القول بتغاير الأغسال و على الثاني يكفي الغسل لذلك السبب عن الباقي و لا يكفي الغسل للباقي عنه بناءً على ذلك القول أيضاً و كيف كان فلو احرز شي ء من الاحتمالات

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 305

..........

______________________________

فالحكم ما ذكرنا و إلّا فمقتضى القاعدة التعدّد لعدم

التداخل كما عرفت إلّا انّه ورد في المقام بعض الأخبار الدالّة على كفاية غسل واحد عن الأغسال المتعدّدة: كصحيحة زرارة التي هي العمدة في الباب لصحّة سندها و قوّة دلالتها عن أبي جعفر عليه السلام: إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر أجزأك غسلك ذلك للجنابة و الجمعة و عرفة و النحر و الحلق و الذبح و الزيارة، فإذا اجتمعت للّٰه عليك حقوق أجزأك غسل واحد ثمّ قال: و كذلك المرأة يجزيها غسل واحد لجنابتها و إحرامها و جمعتها و غسلها من حيضها و عيدها. «1» و قد ورد في بعض النسخ بدل الجمعة: الحجامة، و الظاهر انّه اشتباه من النسّاخ نشأ من تشابههما في الكتابة لأنّهم لم يكونوا يكتبون الألف في مثلها. ثمّ إنّه يحتمل قويّاً أن يكون المراد بالغسل في قوله عليه السلام: «إذا اغتسلت بعد طلوع الفجر» هو غسل الجنابة لأنّ مفاده انّ الغسل الذي يمكن الإتيان به قبل طلوع الفجر إذا أخّرته إلى بعده أجزأك... و المتبادر من الغسل الكذائي هو غسل الجنابة، و التقييد بقوله: بعد طلوع الفجر، إنّما هو لتحقّق الأسباب الاخر- و حينئذٍ- يصير حاصل مدلول الجملة الاولى كفاية الغسل للجنابة عنها و عن غيرها من الأسباب، و التفريع بقوله عليه السلام: فإذا اجتمعت... إنّما هو للدلالة على عدم اختصاص الأجزاء عن الجميع بخصوص غسل الجنابة، بل يتحقّق ذلك بكلّ غسل مستحبّاً كان أو واجباً، فإذا اغتسل للجمعة مثلًا يكفي عنها و عن الجنابة و عن غيرهما من الأسباب، فحاصل مدلول الرواية كفاية غسل واحد لجنابة كان أو لغيرها، عن الأغسال المتعدّدة و حينئذٍ لا يبقى مجال للنزاع في انّ كفاية الغسل الواحد عن الأغسال المتعدّدة هل تختصّ بما إذا

نوى جميع الأسباب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الجنابة الباب الثالث و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 306

..........

______________________________

أو يعمّ ما إذا نوى سبباً واحداً أيضاً؟ و ذلك لأنّ الرواية ظاهرة في أنّ الغسل لخصوص الجنابة يكفي عن الجميع و كذا كلّ غسل لسبب مخصوص. ثمّ إنّه لو قلنا بأنّ ظهور صدر الرواية في غسل الجنابة ليس ظهوراً عرفياً بل غايته حصول الظنّ بذلك، و لا اعتبار به في فهم الرواية فاللّازم الحكم بشمولها لجميع الأغسال المتعدّدة في الجملة، و أمّا ان كفايته عنها هل هي بنحو الإطلاق أو تختصّ بخصوص ما إذا نوى الجميع فلا تكون الرواية متعرّضة له أصلًا. و لكن الدعوى مندفعة بأنّ ظاهر الصدر يأبى عن ذلك و إن كانت الجملة الثانية غير منافية له لأنّ مفاده انّ الغسل الذي يمكن أن توقعه قبل الفجر إذا أوقعته بعده أجزأك... و من الواضح انّ الغسل قبل الفجر إنّما يؤتى به لخصوص بعض الأسباب إذ لا يعقل الإتيان به بنيّة جميعها مع عدم تحقّق بعضها كما هو ظاهر. و توهّم انّه يمكن أن يكون قوله عليه السلام: للجنابة و الجمعة... في الصدر، و لجنابتها و إحرامها... في الذيل متعلّقاً بقوله: «غسلت ذلك» في الأوّل و «غسل واحد» في الثاني لا بقوله: اجزأك، و يجزيها. مندفع أيضاً بأنّه و إن كان ممكناً إلّا أنّ الفهم العرفي الذي هو الكاشف عن الظهور على خلافه كما يشهد به سياق الرواية مضافاً إلى انّه في الذيل قرينة على خلافه و هي قوله: غسلها من حيضها، الذي هو معطوف على قوله: لجنابتها إذ لا معنى لتعلّقه بالغسل كما لا يخفى، فالرواية تدلّ على

كفاية الغسل بنيّة بعض الأسباب- جنابة كان أو غيرها عن الجميع، و لا حاجة إلى نيّتها بأجمعها. ثمّ إنّه استشكل في إطلاق الرواية بناءً على القول به كما استفدناه منها بأنّ ظهور قوله عليه السلام: يجزيك، في كون الكفاية رخصة لا عزيمة ينافي الإطلاق إذ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 307

..........

______________________________

لا يعقل مع الاكتفاء بغسل الجنابة مثلًا عن الأغسال الآخر، المستلزم لحصول أغراضها- الترخيص في الإتيان بها بعده كما هو ظاهر. و أنت خبير بما فيه: امّا أوّلًا فلأنّا لا نسلّم ظهور «الأجزاء» في كون الكفاية رخصة كما يشهد به ملاحظة موارد استعمال هذه الكلمة، أ لا ترى انّ الاصوليين يعنونون في الاصول مسألة الأجزاء الراجعة إلى أنّ الإتيان بالمأمور به على وجهه يقتضي الاجزاء، و من المعلوم انّه ليس المراد به الكفاية بنحو الرخصة إذ لا يعقل تبديل الامتثال بامتثال آخر كما قد حقّق في محلّه و دعوى كون مثله من الاستعمالات استعمالًا مسامحياً مجازياً لا يصغى إليها بوجه. و أمّا ثانياً فلأنّه على تقدير تسليم ظهور الاجزاء في كون الكفاية رخصة نقول:

إنّه لا مانع عقلًا من أن يكون للطهارة مراتب و يكون الغسل بعنوان مخصوص مؤثِّراً في حصول المرتبة التي يؤثِّر سائر الأغسال في حصولها أيضاً، و بسببه يسقط الأمر الوجوبي أو الاستحبابي المتعلّق بها لحصول غرضها، و يكون الإتيان بها بعده مؤثِّراً في حصول مرتبة أقوى من تلك المرتبة يستحبّ تحصيلها نظير الوضوء على الوضوء الذي هو نور على نور، فكما انّه لا مانع عقلًا من الأمر الوجوبي بغسل الجنابة مرّة و الأمر الاستحبابي به ثانياً لأنّه يستكشف منه انّ الإتيان به ثانياً يوجب حصول مرتبة

قوية من الطهارة مطلوبة للمولى استحباباً، كذلك لا إشكال أصلًا في الاكتفاء بغسل واحد عن الأغسال المتعدّدة و كون الإتيان بها ثانياً مطلوباً استحبابيّاً للمولى مستفاداً ذلك من التعبير بالاجزاء كما لا يخفى. هذا مضافاً إلى أنّ الإشكال لا ينحصر بالقول بكفاية الغسل بعنوان مخصوص عن الأغسال الكثيرة، بل يجري على القول بكفاية الغسل بنيّة الجميع عن الجميع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 308

..........

______________________________

أيضاً، و لكنّ الحقّ ما عرفت من انه لا مانع عقلًا من ذلك، و كيف يمكن دعوى ذلك مع ذهاب المشهور إلى الاكتفاء بالغسل للجنابة عن الجميع، و قد قوّاه المستشكل في ذيل كلامه فراجع. ثمّ إنّ هنا شبهة اخرى و هي انّه كيف يعقل أن يكفي غسل واحد عن الواجب و المستحبّ و هل هذا إلّا اجتماع الوجوب و الاستحباب في شي ء واحد شخصي؟! و كذا لا يعقل اجتماع الوجوبين أو الاستحبابين لاستحالة اجتماع المثلين كاجتماع الضدّين. و لا يخفى انّه لا تختص هذه الشبهة بالقول بكفاية الغسل بعنوان واحد عن الأغسال المتعدّدة، بل يجري على القول بكفاية الغسل بنيّة الجميع عن الجميع، بل جريانها على هذا القول أولى. و قد أجاب عنها في المصباح بما حاصله: انّه في أمثال المسألة يكون المجتمع هي جهات الطلب لا نفسها، غاية الأمر انّه يتولّد منها حكم عقلي متأكّد فإن كان فيها جهة ملزمة يتبعها الطلب العقلي، و يكون الفرد لأجل اشتماله على جهات اخر راجحة أفضل أفراد الواجب، و إن لم يكن فيها جهة ملزمة يكون الإتيان بهذا الفرد مستحبّاً مؤكّداً. و نحن قد حقّقنا في الاصول في مبحث اجتماع الأمر و النهي انّ متعلّق الأحكام هي

نفس الطبائع و العناوين؛ و انّه لا يعقل أن يكون الموجود الخارجي متعلّقاً لها لأنّه قبل وجوده لا يكون متحقّقاً ثابتاً حتّى يتعلّق به الحكم، و بعده يحصل المطلوب أو المزجور عنه، و لا يعقل تعلّق الطلب أو الزجر به حينئذٍ فلا مانع على هذا التقدير من أن يكون متعلّق الأمر الوجوبي هو غسل الجنابة بعنوانه، و متعلّق الأمر الاستحبابي هو غسل الجمعة بعنوانه، و اجتماعهما على موجود واحد شخصي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 309

..........

______________________________

لا يوجب تعلّق حكمين بشي ء واحد، و تفصيل الكلام موكول إلى محلّه. ثمّ إنّ هنا روايات آخر بعضها يدلّ على المطلوب، و بعضها يتوهّم منه التعارض مع صحيحة زرارة المتقدّمة و لكن أكثرها لا يخلو من ضعف أو إرسال، و توهّم التعارض في بعضها ناش من عدم التأمّل فيها، و قد جمعها صاحب الوسائل في الباب الثالث و الأربعين من أبواب الجنابة من كتاب الوسائل فراجعها و تأمّل فيها. ثمّ إنّك عرفت قيام الإجماع بل الضرورة على الاكتفاء بوضوء واحد عقيب الأسباب المتعدّدة مطلقاً سواء كانت متجانسة أم متخالفة فاعلم انّه لا مجال هنا لتوهّم اعتبار نيّة الجميع، بل أصل اعتبار نيّة الحدث لأنّ الوضوء ليس له إلّا ماهية واحدة و حقيقة فاردة و لا يجري فيه احتمال التغاير كباب الغسل، كما انّ الحدث الأصغر الموجب له لا يكون له مراتب مختلفة بالشدّة و الضعف فالواجب عقيبه إنّما هو الوضوء بعنوانه من دون أن يكون هنا شي ء زائد فلا يلزم نيّة رفع الاحداث الواقع عقيبها الوضوء بل لو قصد رفع حدث بعينه يرتفع الجميع لعدم تعدّد الماهية من جانب و عدم اختلاف في الاحداث

من جانب آخر، نعم لو كان قصده لرفع الحدث المعيّن على وجه التقييد بحيث كان من نيّته عدم ارتفاع غيره و توقّفه على وضوء آخر ففي الصحّة إشكال كما في المتن و الوجه فيه عدم مشروعية الوضوء الكذائي فإنّ الوضوء الرافع لخصوص حدث معيّن بحيث لم يكن رافعاً لغيره لم يكن مجعولًا في الشريعة فإنّ الوضوء المجعول ما كان رافعاً لجميع الاحداث، و عليه فما هو المجعول لم يكن مقصوداً له و ما قصده لا يكون مجعولًا إلّا أن يقال إنّ القادح ليس هو قصد ارتفاع الحدث المعيّن بوضوئه، بل قصد عدم ارتفاع غيره به و من الممكن أن يقال إنّه لغو كالحجر في جنب الإنسان لأنّه قصد آخر و أمر زائد، و كيف كان فالصحّة مشكلة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 311

فصل في موجبات الوضوء و غاياته

[أما الموجبات]

مسألة 1- الاحداث الناقضة للوضوء و الموجبة له امور:

الأوّل و الثاني: خروج البول و ما في حكمه كالبلل المشتبه قبل الاستبراء، و خروج الغائط من الموضع الطبيعي أو من غيره، مع انسداد الطبيعي أو بدونه، كثيراً كان أو قليلًا و لو بمصاحبة دود أو نواة مثلًا. الثالث: خروج الريح عن الدبر إذا كان من المعدة أو الأمعاء سواء كان له صوت و رائحة أم لا، و لا عبرة بما يخرج من قبل المرأة، و لا بما يكون من المعدة أو الأمعاء كما إذا دخل من الخارج ثمّ خرج. الرابع: النوم الغالب على حاسّتي السمع و البصر. الخامس: كلّ ما أزال العقل مثل الجنون و الإغماء و السكر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 312

و نحوها. السادس: الاستحاضة القليلة و المتوسطة بل الكثيرة على الأحوط و إن أوجبتا الغسل أيضاً (1).

..........

______________________________

(1) لا

إشكال في كون الوضوء الذي هو عبارة عن الغسلتين و المسحتين، و الغسل الذي هو عبارة عن الغسلات الثلاثة و كذا نواقضها من النوم و البول و الجنابة اموراً وجوديّة، إنّما الكلام في ترتّب أمر وجودي على الوضوء و الغسل بالمعنى المذكور و كذا في ترتّب أمر وجودي على الجنابة و البول و نحوهما، و نقول:

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1403 ه ق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي؛ ص: 312

الظاهر انّ الطهارة عن الحدث مطلقاً أمر وجودي مترتّب على فعل الوضوء أو الغسل كما يظهر بالتتبّع في الأخبار و التأمّل في التعبيرات الواردة في لسانها مثل انّ الوضوء نور، و انّ الوضوء على الوضوء نور على نور، أو انّه يأمر اللّٰه بالوضوء و الغسل فيختم عليه بخاتم من خواتيم ربّ العزّة كما في بعض الأخبار، و كما يقال:

انتقض الوضوء بكذا و كذا فإنّ النقض لا يتحقّق إلّا مع كون المنقوض أمراً وجودياً كالناقض، و ما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره في رسالة الاستصحاب من انّه لا يعتبر في المنقوض ذلك لأنّه يجوز الاستصحاب في الامور العدمية استناداً إلى الأخبار الدالّة على حرمة نقض اليقين بالشكّ، ففيه انّ متعلّق النقض في تلك الأخبار هو اليقين لا المتيقّن، و سرّه انّ اليقين حبل مستحكم مرتبط بالإنسان و بالمتيقّن بخلاف الشكّ الذي لا يتّصف بهذا الوصف، و من هنا نقول بعدم اختصاص جريان الاستصحاب بخصوص الشكّ في الرافع، بل يجري في الشكّ في المقتضي أيضاً لأنّه ليس تعلّق النقض

باليقين إلّا كتعلّقه بالعهود و الايمان و نحوهما من جهة كون المصحّح هو نفس العهد و اليمين من دون فرق في ذلك بين أقسام المتعلّق فلا فرق في المقام أيضاً بين أن يكون المتيقّن فيه استعداد البقاء و صلاحية الدوام لو لا الرافع و عدمه. و بالجملة: فالظاهر كون الطهارة عن الحدث مطلقاً أمراً وجودياً مترتّباً على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 313

..........

______________________________

فعل الوضوء أو الغسل، و أمّا نفس الحدث فلا دليل على كونه أمراً وجودياً، و ما ذكرنا من اعتبار كون الناقض أمراً وجودياً فهو إنّما يكون بالنسبة إلى النوم و نحوه ممّا انتسب النقض إليه، و الكلام إنّما هو في ترتّب حالة وجودية عقيب النوم و نحوه و لم يقم دليل عليه. و لا يخفى انّ مسألة كون الطهارة أمراً وجودياً لا ارتباط بما هو المعتبر في الصلاة لأنّه يمكن أن يكون ما هو المعتبر فيها عدم الحدث بأن يكون وجوده مانعاً عنها و إن كانت الطهارة أمراً وجودياً كما انّه يمكن أن تكون الصلاة مشروطة بالوضوء الذي هو فعل مخصوص و إن لم يترتّب عليه أمر وجودي بل كان الحدث عبارة عن الحالة الوجودية فاللّازم النظر في الدليل فنقول: إنّ المستفاد من بعض الروايات اعتبار الوضوء في الصلاة و لو لم يكن المصلّي محدثاً كالمخلوق دفعة قبل عروض النوم و البول و نحوهما و هي المروية في العلل و الواردة في جواب نفر من اليهود الذين سألوا النبي صلى الله عليه و آله عن مسائل و فيها قولهم:

اخبرنا يا محمّد لأيّ علّة توضّأ هذه الجوارح الأربع و هي أنظف المواضع في الجسد؟ فقال النبي صلى الله

عليه و آله: لما ان وسوس الشيطان إلى آدم عليه السلام و دنا من الشجرة فنظر إليها فذهب ماء وجهه ثمّ قام و مشى إليها و هي أوّل قدم مشت إلى الخطيئة ثمّ تناول بيده منها ما عليها و أكل فتطاير الحلّي و الحلل عن جسده فوضع آدم يده على امّ رأسه و بكى فلمّا تاب اللّٰه عليه فرض اللّٰه عليه و على ذريّته تطهير هذه الجوارح الأربع... «1» فإنّ ظاهرها انّ الوضوء فرض على آدم و على ذريّته مطلقاً مسبوقاً بالحدث أو غير مسبوق لأنّ الأصل في سبب وجوبه صدور العمل المعروف من آدم عليه السلام، و لنرجع إلى بيان الأحداث الموجبة للوضوء فنقول:

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الخامس عشر ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 314

..........

______________________________

لا إشكال و لا خلاف بين فقهاء الإمامية في انحصارها في الستّة المعروفة المذكورة في المتن و انّها تكون ناقضة للوضوء إجمالًا إنّما الإشكال و الخلاف في بعض الفروع و المصاديق: مثل انّه هل الحكم المترتّب على البول و الغائط هل يكون مترتّباً على أنفسهما بحيث لا يكون هناك مدخلية للخصوصية من حيث المخرج أصلًا فيكون الحكم مطلقاً شاملًا لما إذا خرج من المخرج الطبيعي أو من غيره، و سواء كان كلّ منهما معتاداً له أو كان المعتاد واحداً منهما، و سواء في الأخير بين انسداد الآخر و عدمه أم لا وجهان بل قولان. ربّما يستدلّ للإطلاق بقوله تعالى: «وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضىٰ أَوْ عَلىٰ سَفَرٍ أَوْ جٰاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغٰائِطِ أَوْ لٰامَسْتُمُ النِّسٰاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مٰاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً»* «1» فإنّ المجي ء من الغائط الذي هو كناية عن قضاء الحاجة

يعمّ جميع الصّور كما لا يخفىٰ. و يرد عليه انّ من شروط التمسّك بالإطلاق أن يكون المتكلّم في مقام بيانه فلو كان المقصود جهة اخرى لا يجوز التمسّك بكلامه لإثبات الإطلاق من هذه الجهة غير المقصودة و حينئذٍ نقول: إنّ الظاهر من الآية الشريفة انّ المقصود منها تشريع التيمّم و إفادة انّ ما يكون من الاحداث موجباً للوضوء فهو سبب للتيمّم عند فقدان الماء، و أمّا كون المجي ء من الغائط سبباً مطلقاً أو مقيّداً ببعض الخصوصيات فلا تكون الآية متعرّضة له أصلًا. ثمّ لو سلّم كونها في مقام البيان فشمولها لجميع صور المسألة حتّى مثل ما لو خرج الغائط من ثقبة موجودة في البطن لإصابة السهم و نحوه محلّ منع فإنّ ظاهرها انّ قضاء الحاجة سبب لذلك كما يدلّ عليه التعبير بالمجي ء من الغائط لا مطلق خروجه.

______________________________

(1) سورة النساء آية 43.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 315

..........

______________________________

و قد يستدلّ للإطلاق أيضاً ببعض الروايات كصحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: لا يوجب الوضوء إلّا من الغائط أو بول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها «1».

و لكن يرد على الاستدلال بالروايات التي تكون على مثل هذا المضمون ممّا يرجع إلى حصر النواقض في الامور المذكورة فيها و نفي الناقضية عن غيرها انّ الظاهر كونها في مقام بيان الحصر و نفي ناقضية الغير في قبال فقهاء العامّة القائلين بناقضية أشياء كثيرة مثل المذي و الوذي و الدّم و غيرها، و ليست في مقام بيان انّ البول مثلًا ناقض من حيث هو أو مع بعض الخصوصيات، و تقييد الضرطة بما سمع صوتها و الفسوة بما وجد ريحها لا دلالة

له على كون الرواية في مقام البيان من الجهة الثانية أيضاً نظراً إلى أنّ ذكر خصوصيات الموضوع دليل على كونه في مقام البيان من هذه الجهة، و ذلك لأنّ سماع الصوت و وجدان الريح ليس قيداً للضرطة و الفسوة، بل التقييد إنّما هو من جهة لزوم إحراز الموضوع في ترتّب الحكم، و لعلّ الوجه في عدم تقييد البول و الغائط بمثل ذلك كون إحرازهما واضحاً نوعاً بخلاف الريح فإنّ إحرازه مشكل خصوصاً مع ملاحظة ما ورد في بعض الروايات من انّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه انّه قد خرج منه ريح فلا ينتقض الوضوء إلّا ريح تسمعها أو تجد ريحها. «2» فلذا ذكر انّ طريق إحرازه سماع الصوت و وجدان الريح، فهذه الرواية و أشباهها قاصرة عن إفادة الإطلاق جدّاً. نعم يمكن التمسّك له بما عن العلل و عيون الأخبار عن الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال: إنّما وجب الوضوء ممّا خرج من الطرفين خاصّة و من

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 2.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 316

..........

______________________________

النوم دون سائر الأشياء لأنّ الطرفين هما طريق النجاسة، و ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة من نفسه إلّا منهما فأمروا بالطهارة عند ما تصيبهم تلك النجاسة من أنفسهم الحديث. «1» فإنّ الظاهر من الرواية صدراً و ذيلًا خصوصاً مع ملاحظة صدورها عن الرِّضا عليه آلاف التحيّة و الثناء لأنّ أغلب الروايات المرويّة عنه عليه السلام ناظرة إلى ما ورد من آبائه الطاهرين صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- و متعرّضة لها و لتفسيرها انّ عمدة مقصودها هو بيان

انّ ما اشتهر من ناقضية ما خرج من الطرفين ليس المراد منها الاختصاص بخصوص المخرجين بل التقييد بهما انّما هو لكونهما طريقين للنجاسة التي هي موجبة للوضوء و ناقضة له لأنّه ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة إلّا منهما، فالأمر بالطهارة إنّما يتحقّق عند إصابة النجاسة من دون مدخلية لما تخرج منه، و بالجملة: فالظاهر انّ الرواية إنّما تكون بصدد انّ الخروج من المخرجين لا مدخلية له في الأمر بالطهارة فهي كالصريحة في بيان الإطلاق. نعم يمكن أن يقال: إنّ نفي وجوب الوضوء عند عروض سائر الأشياء ربّما يمنع الرواية عن إفادة الإطلاق بالنحو المذكور لأنّه لو كان الغرض منها بيان عدم اختصاص حكم البول و الغائط بخصوص ما يخرج من المخرجين لكان الأنسب نفي الاختصاص فقط لا نفي ناقضية سائر الأشياء المقابلة للبول و الغائط و النوم. و لكنّك خبير بأنّه لا امتناع في كون المقصود من الرواية بيان الجهتين، و إفادة الأمرين، و اختصاص التعليل المذكور في الذيل بخصوص الاولى لا دلالة فيه على عدم كونها إلّا في مقام بيان جهة واحدة فلعلّ الوجه في ترك ذكر التعليل بالإضافة إلى الجهة الثانية وضوحها بحيث لا يحتاج إلى بيان لوروده في روايات

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثاني ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 317

..........

______________________________

الصادقين عليهما السلام كثيراً فظهور الرواية بل صراحتها في الإطلاق ممّا لا ينبغي أن ينكر. و لكن الإنصاف انّ المعنى المذكور و إن كان احتماله في حدّ نفسه ليس ببعيد إلّا انّه من جهة انّ حمل الرواية عليه يوجب خروجها عن المحاورات العرفية لأنّ أهل العرف لا يفهمونه بل يحتاج إلى تأمّل و تدقيق،

بعيد جدّاً. فالأولى في معنى الرواية أن يقال: إنّ ما عدا الستّة التي وقع الاتّفاق على ناقضيتها بين المسلمين، من الامور المشهورة بين العامّة على قسمين: قسم يخرج من الشخص من غير المخرجين كالنخامة و القيح و الدم و غيرها، و قسم لا يتّصف بوصف الخروج بل يكون من قبيل الأفعال كالتقبيل و مسّ الفرج و مثلهما، و- حينئذٍ نقول: إنّ الرواية متعرّضة لعلّة ناقضية الخارج من المخرجين و نفي ناقضية الخارج من غيرهما، فالمراد بسائر الأشياء ليس جميع الأشياء المقابلة للنوم و الغائط و البول، بل المراد بها الأشياء الخارجة من غير المخرجين فيصير معنى الرواية انّ وجوب الوضوء عند ما يخرج من الطرفين خاصّة دون غيره من الأشياء الخارجة من المخارج كالآخر إنّما هو لأنّهما طريقان للنجاسة دون سائر المخارج إذ ليس للإنسان طريق تصيبه النجاسة إلّا منهما، و عليه فلا تكون الرواية متعرّضة إلّا لجهة واحدة و هي علّة اختصاص الناقضية بالخارج من الطرفين دون سائر المخارج و لكن لا يخفى انّ دلالتها على الإطلاق حينئذٍ قويّة أيضاً لأنّها تدلّ على أي تقدير على أنّ وجوب الوضوء إنّما يترتّب على نفس النجاسة و لا مدخلية لإصابتها من المخرجين خاصّة، و يؤيّده انّ الرواية تدلّ على نفي ناقضية الأشياء الخارجة من غير المخرجين لا نفي ناقضية الأشياء الخارجة منهما بحسب الطبع و لو خرجت من مخرج آخر غيرهما كما لا يخفى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 318

..........

______________________________

و يبعد ما ذكرنا انّ ذكر النوم مع البول و الغائط يدلّ على انّه ليس المراد بسائر الأشياء خصوص الأشياء الخارجة من المخارج الاخر بل يعمّ الجميع. و الحقّ انّ قوله عليه

السلام: خاصّة، ناظر إلى نفي ناقضية الأشياء الخارجة من غير المخرجين، و المراد بسائر الأشياء معنى عام شامل لما عدا النوم و الخارج من جميع المخارج، فالرواية ناظرة إلى جهتين و متعرّضة لأمرين و التعليل الذي عرفته راجع إلى الجهة الاولى و يستفاد منه الإطلاق في المقام كما عرفت، و أمّا ما يرتبط بالأمر الثاني فهو قوله في الذيل بعد التعليل المذكور: و أمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي ء منه و استرخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الضوء لهذه العلّة، و أورد هذا الذيل في الوسائل في الباب الثالث من أبواب نواقض الوضوء (الرواية 13) و لعمري انّ مثل ذلك من التقطيعات الكثيرة في الوسائل يوجب التحيّر و عدم الوصول إلى المراد من الرواية فاللّازم على الطالب الرجوع إلى المدارك و ملاحظة تمام الرواية. و كيف كان فقد ذهب المشهور إلى عدم انتقاض الوضوء بما يخرج من غير المخرج الطبيعي إذا كانت عادته على البول و الغائط من سبيلهما الأصليين بأن لا ينسدّ المخرج الطبيعي و انفتح غيره إلّا مع الاعتياد، و عن الشيخ قدس سره التفصيل بين الخارج ممّا دون المعدة و ما فوقها بالالتزام بالنقض في الأوّل دون الثاني، و عن السبزواري عدم النقض مطلقاً مع الاعتياد و عدمه و اختاره صاحب الحدائق قدس سره. و ربّما يقال في توجيه كلام المشهور بأنّ حمل قوله عليه السلام: «ما خرج من طرفيك الأسفلين» الوارد في جملة من الأخبار على المعرفية المحضة لما هو الناقض حقيقة أي البول و الغائط و نحوهما بعيد، و يزيد في الاستبعاد صحيحة زرارة قال:

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- أحكام التخلي، ص: 319

..........

______________________________

قلت لأبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام: ما ينقض الوضوء؟ فقال: ما يخرج من طرفيك الأسفلين من الذكر و الدبر من الغائط و البول و مني أو ريح، و النوم حتّى يذهب العقل، و كلّ النوم يكره إلّا أن تكون تسمع الصوت. «1» حيث صرّحت بالذكر و الدبر و الغائط و البول، فلو كان المناط في النقض مجرّد خروج البول و الغائط و لم يكن الخروج من السبيلين أثر و دخل كان ذكر الأسفلين و تفسيرهما بالذكر و الدبر لغواً لا محالة فهذه الصحيحة و غيرها ممّا يشتمل على العنوان المتقدّم و هو قوله: ما خرج من طرفيك واضحة الدلالة على أنّ للخروج من السبيلين مدخلية في الانتقاض فلا ينتقض الوضوء بما يخرج من غيرهما. وليت شعري انّ تفسير الأسفلين بالذكر و الدبر و بيان المراد منهما كيف يدلّ على نفي المعرفية و بيان الموضوعية فإنّ توضيح المعرّف و بيان المراد منه هل يكون منافياً للمعرفية لأنّ المعرف لا يحتاج إلى التبيين؟! فإن كان مثل العنوان ظاهراً في المعرفية فتفسيره لا يكون منافياً لها بوجه و إن لم يكن كذلك فالتفسير لا يؤيّده أصلًا مع انّ اللّازم ممّا ذكر الالتزام بعدم النقض فيما إذا انسدّ المخرج الطبيعي و كان الخروج من غيره اعتيادياً للمكلّف. و دعوى انّ الصحيحة لا تكون ناظرة إلى هذه الصورة إثباتاً و نفياً لأنّ الخطاب فيها شخصي قد وجّه إلى زرارة و هو كان سليم المخرجين و حيث لا يحتمل أن تكون له خصوصية في الحكم كان الحكم شاملًا لغيره من سليمي المخرجين، و أمّا غير المتعارف السليم كمن لم يخلق له مخرج بول

أو غائط أصلًا فالصحيحة غير متعرّضة لحكمه فاللّازم الرجوع إلى إطلاق الآية المتقدّمة و إلى إطلاق صحيحة زرارة- المتقدّمة أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السلام لا يوجب الوضوء إلّا من غائط أو بول أو

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثاني ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 320

..........

______________________________

ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها. مندفعة مضافاً إلى انّ حمل الخطاب في الصحيحة على الخطاب الشخصي مع عدم كون السؤال مشعراً بالخصوصيّة أصلًا و وضوح كون الخطاب غير دخيل في الحكم و الاخبار عن الخصوصيات الجسمية المتعلّقة بزرارة مع انّ الواضح هو حاله لا تلك الخصوصيات ممّا لا وجه له- بما عرفت من عدم جواز التمسّك بإطلاق الآية و الرواية فراجع فالتفصيل بين صورتي الاعتياد و عدمه ممّا لا يعرف له وجه كما انّ التفصيل بين الخارج ممّا دون المعدة و ما فوقها لا دليل عليه إلّا أن يرجع إلى التفصيل في الموضوع و انّ الخارج ممّا دون المعدة من مصاديق الغائط بخلاف الخارج ممّا فوقها فتدبّر. ثمّ إنّ الصحيحة منقولة في الوسائل بالكيفية المذكورة و لكن حكى عن الفقيه و الكافي و الوافي و صاحب الحدائق انّ الصحيحة منقولة فيها بعطف البول ب «أو» أيضاً فيكون كلّ من المني و الريح أيضاً معطوفاً على الغائط و بياناً لما يخرج من الأسفلين و هذا بخلاف نقل الوسائل فإنّه بناء عليه لا بدّ من أن يكون كلّ من المني و الريح معطوفاً على كلمة الموصول و ربّما يقال: إنّه على غير هذا النقل لا تشويش في الرواية بوجه مع انّ الظاهر خلافه فإنّه ربّما يناقش عليه مضافاً إلى أنّ التفكيك

بين الامور الأربعة من جهة الإتيان باللّام في اثنين منها و حذفه في الاخوين ممّا لا يعلم له وجه بخلاف نقل الوسائل، و إلى أنّ تفسير الموصول بالمني و الريح أيضاً خلاف المتعارف، بأنّ ذلك إنّما يناسب الموضوعية و قد عرفت ظهور الرواية و أشباهها في المعرفية فالإنصاف انّ نقل الوسائل في كمال المتانة. ثمّ إنّه يلحق بالبول في الناقضية ما جعله الشارع بحكمه و هي الرطوبة الخارجة قبل الاستبراء كما انّه لا فرق في الغائط بين قليله و كثيره و كذا بين ما إذا خرج بمجرّده أو مع الدود و النواة و أشباههما لصدق الخروج في الجميع، هذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 321

..........

______________________________

كلّه في الأوّل و الثاني من الموجبات. و أمّا الثالث- و هو الريح- فالظاهر من الشيخ و الهمداني 0 في طهارتهما انّها أيضاً تكون ناقضة مطلقاً كالبول و الغائط، و لكن لا يخفى انّ رواية فضل بن شاذان- المتقدّمة- التي كانت يستفاد منها الإطلاق بأحد الوجهين المتقدّمين إنّما تكون متعرّضة للبول و الغائط و النوم دون الريح فكونها في مقام البيان لا يجدي في المقام أصلًا، و ليست هنا رواية تدلّ على إطلاق ناقضية الريح لأنّ أكثر الروايات الدالّة على ناقضيّة هذا العنوان امّا أن تكون في مقام بيان انّ وجوب إعادة الوضوء و بطلانه إنّما هو فيما لو احرزت و علم بحدوثها، و أمّا لو شكّ فيها فلا يبطل الوضوء، و أمّا أن تكون في مقام بيان بطلانها ما اشتهر بين العامّة من القول بناقضية الأشياء الكثيرة، فلا يستفاد منها الإطلاق بوجه. نعم يمكن أن يستشعر الإطلاق من صحيحة زرارة عن أبي جعفر و

أبي عبد اللّه عليهما السلام المتقدّمة، و توصيفها بالخروج من الطرفين- بناءً على نقل غير الوسائل- ليس لكون الحكم مقيّداً به بل للإشارة إلى ذلك الشي ء المعهود نظير البول و الغائط. و لكن الإنصاف انّ دلالتها على الإطلاق ليست بحيث يعتمد عليها، و على تقدير الدلالة فهي و نظائرها مقيّدة بما يدلّ على انحصار الناقضية بالضرطة و الفسوة اللتين ينحصر إطلاقهما بالريح الخارجة من خصوص الدبر مثل صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه لا يوجب الوضوء إلّا من الغائط أو البول أو ضرطة تسمع صوتها أو فسوة تجد ريحها، نعم الظاهر صحّة إطلاقهما على الريح الخارجة من المخرج المعتاد و لو لم يكن مخرجاً طبيعياً و لكن لا يشملان جميع فروض المسألة كما هو ظاهر. ثمّ إنّ الظاهر انّ المراد بالحدث الذي ورد في بعض الروايات هو ما يساوق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 322

..........

______________________________

الضرطة و الفسوة لا بمعنى الريح التي تكون أعمّ منهما. ثمّ إنّك عرفت انّ تقييد الضرطة بسماع صوتها و الفسوة بوجدان ريحها كما في بعض الروايات ليس لكونهما دخيلين في الحكم بحيث لو علم بتحقّق إحداهما من دون الوصفين لما وجبت الإعادة، بل لأنّ المقصود وجوب إحرازهما في وجوب الإعادة، و ذكرهما إنّما هو لكونهما طريقين إلى إحرازهما كما يستفاد من الأخبار الكثيرة الدالّة على أنّ الشيطان ينفخ في دبر الإنسان حتّى يخيّل إليه و يشكّكه، و يدلّ عليه صريحاً صحيحة علي بن جعفر المروية عن قرب الاسناد و عن كتابه قال: و سألته- يعني أخاه موسى بن جعفر عليهما السلام عن رجل يكون في الصلاة فيعلم انّ ريحاً قد خرجت فلا يجد ريحها، و

لا يسمع صوتها؟ قال: يعيد الوضوء و لا يعتدّ بشي ء ممّا صلّى إذا علم ذلك يقيناً «1».

ثمّ إنّه ظهر ممّا ذكرنا من انّه ليس العبرة بمطلق الريح انّ ما خرج من قبل المرأة لا يكون ناقضاً للوضوء و إن حكى الانتقاض به عن جماعة معلّلين بأنّ له منفذاً إلى الجوف فيمكن الخروج من المعدة إليه و لكنّه مدفوع بعدم كون الناقض مطلق الريح، بل الريح المعنونة بالضرطة أو الفسوة و هما لا تصدقان على ما يخرج من قبل المرأة كما انّه لا يتحقّق الصدق فيما لم يكن من المعدة أو الأمعاء كما إذا دخل الريح من الخارج ثمّ خرج و هذا واضح. و أمّا الرابع- و هو النوم- فقد عرفت انّه لا خلاف بين الإمامية في كونه ناقضاً للوضوء في الجملة و قد استدلّ عليه- مضافاً إلى ذلك- بقوله عزّ من قائل: «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ» «2» بأحد وجهين:

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 9.

(2) سورة المائدة آية 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 323

..........

______________________________

أحدهما: انّ المراد بالقيام في الآية المباركة هو القيام من النوم و ذلك لموثّقة ابن بكير قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام قوله تعالى: «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ» ما يعني بذلك؟

قال: إذا قمتم من النوم، قلت: ينقض الوضوء؟ فقال: نعم إذا كان يغلب على السمع و لا يسمع الصوت. «1» و قد نقل عن العلّامة في المنتهى و الشيخ في التبيان إجماع المفسّرين عليه، فالآية المباركة ببركة الموثّقة و الإجماع قد دلّت على أنّ النوم ينقض الوضوء و انّه سبب في إيجابه. و ثانيهما: انّ الآية المباركة في نفسها

مع قطع النظر عن الإجماع و الموثقة تدلّ على وجوب الوضوء عند مطلق القيام سواء اريد به القيام من النوم أو من غيره و إنّما خرجنا عن إطلاقها في المتطهّر بالإجماع و الضرورة القائمين على أنّ المتطهّر لا يجب عليه التوضؤ ثانياً سواء قام أم لم يقم فالآية المباركة- بإطلاقها- دلّت على وجوب التوضؤ عند القيام من النوم.

و يرد على الوجه الثاني انّ مفاد الآية الشريفة هي شرطية الوضوء للصلاة و انّه لا بدّ و أن تكون الصلاة مسبوقة به فالقيام إلى الصلاة- على هذا الوجه- كناية عن إرادة الإتيان بها و الاشتغال بفعلها و عليه فخروج المتوضّي لا يحتاج إلى قيام الإجماع و الضرورة، بل بنفس دلالة الآية الشريفة على اعتبار مسبوقية الصلاة بالوضوء، كما انّها لا دلالة لها- حينئذٍ- أيضاً على أنّ المتوضّي إذا نام لحظة- مثلًا- يجب عليه التوضّي ثانياً إلّا على فرض إثبات كون النوم ناقضاً امّا بدليل آخر و أمّا بالرواية و الإجماع على كون المراد بالقيام في الآية هو القيام من النوم فهذا الوجه الثاني لا يكاد يتمّ بوجه. و لكن الأمر سهل بعد انعقاد الإجماع على كون النوم ناقضاً و دلالة الروايات الكثيرة عليه، نعم نسب الخلاف في ذلك إلى الصدوق و والده 0 و لعلّ المنشأ ما ذكراه في الرسالة و المقنع من حصر نواقض الوضوء في البول و الغائط و المني و الريح كما حكي عن صاحب الحدائق،

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 324

..........

______________________________

و الظاهر انّ نظرهما إلى الحصر الإضافي بالنسبة إلى ما يخرج من الإنسان في مقابل القي ء و الوذي و المذي

و أشباههما لا الحصر الحقيقي الشامل للنوم و نحوه، كيف و قد روى الصدوق بنفسه صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على ناقضية النوم حتّى يذهب العقل و قد عرفت دلالة الآية عليه أيضاً و لو بضميمة الموثقة و الإجماع فلا يظنّ- مع ذلك- بمثله الفتوى بالعدم، نعم حكى عن أبي موسى الأشعري و جماعة انّهم قالوا: لا ينتقض الوضوء بالنوم بحال إلّا أن يتيقّن خروج الحدث، و قد وقع الخلاف بينهم في الناقضية في بعض الموارد فقال الشافعي: إذا نام مضطجعاً أو مستلقياً أو مستنداً ينقض الوضوء، و قال مالك و جماعة: إنّ النوم إن كثر نقض الوضوء، و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا وضوء من النوم إلّا على من نام مضطجعاً أو متورّكاً، و أمّا من نام قائماً أو ركعاً أو ساجداً أو قاعداً سواء كان في الصلاة أو غيرها فلا وضوء عليه. هذا و لكن مقتضى إطلاق الآية المباركة و الأخبار المستفيضة الواردة انّ النوم بإطلاقه ناقض للوضوء من دون فرق بين الحالات، و لكن هنا روايات ربّما يمكن أن يستدلّ بها على خلاف ما ذكر: منها: مرسلة الصدوق قال: سُئل موسى بن جعفر 0 عن الرجل يرقد و هو قاعد هل عليه وضوء؟ فقال: لا وضوء عليه ما دام قاعداً إن لم ينفرج «1».

و قد نسب الفتوى على طبق الرواية إلى الصدوق باعتبار انّه التزم في ديباجة كتابه أن لا يورد فيه إلّا ما يفتى على طبقه و يراه حجّة بينه و بين ربّه، و نحن نزيد عليه بأنّ مثل هذا النحو من المرسلات ممّا اسند إلى الإمام دون الرواية لا مجال للمناقشة في سندها أيضاً فطرحها باعتبار الإرسال لا وجه له

لأنّ الإسناد إليه عليه السلام يرجع إلى توثيق الوسائط من الرواة و لا يقصر توثيق الصدوق عن توثيق أرباب الرجال و لا يلزم كون الراوي مبنيّاً باسمه و شخصه فلا فرق بين هذا القسم من

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 325

..........

______________________________

المرسلات و بين المسندات التي وثّق رواتها كالروات الواقعة في اسناد كتاب كامل الزيارة على ما اعترف به صاحب هذه المناقشة فتدبّر. نعم ربّما يناقش في دلالتها بظهور قوله عليه السلام: إن لم ينفرج في كونه كناية عن عدم ذهاب شعوره بحيث يميل كلّ عضو من أعضائه إلى ما يقتضيه طبعها، و هذه المناقشة ليست ببعيدة و على تقدير الجواب عنها بدعوى عدم قصور الرواية من حيث الدلالة على المدّعي لا محيص عن طرحها بالشذوذ و إعراض الأصحاب عنها كما لا يخفى، و يحتمل الحمل على التقيّة لما عرفت من أقوالهم. و منها: موثقة سماعة بن مهران انّه سأله عن الرجل يخفق رأسه و هو في الصلاة قائماً أو راكعاً فقال: ليس عليه وضوء. «1» و قصور دلالتها على الخلاف واضح؛ لأنّ خفق الرأس لا يكاد يلازم النوم لأنّ المراد به- كما سيأتي- ما هو الغالب على حاسّتي السمع و البصر، و مجرّد الخفقة لا يوجب تحقّقه فلا منافاة بينها و بين ما يدلّ على كون النوم ناقضاً كما لا يخفى. و منها: رواية عمران بن حمران انّه سمع عبداً صالحاً عليه السلام يقول: من نام و هو جالس لا يتعمَّد النوم فلا وضوء عليه «2».

و منها: رواية بكر بن أبي بكر الحضرمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام هل

ينام الرجل و هو جالس؟ فقال: كان أبي يقول: إذا نام الرجل و هو جالس مجتمع فليس عليه وضوء، و إذا نام مضطجعاً فعليه الوضوء. «3» و الروايتان الأخيرتان ضعيفتان من حيث السند.

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 12.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 14.

(3) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 15.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 326

..........

______________________________

هذا مضافاً إلى معارضة هذه الروايات الدالّة بالصراحة على ناقضية النوم في جميع الحالات. كرواية عبد الحميد بن عواض عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سمعته يقول: من نام و هو راكع أو ساجد أو ماش على أيّ الحالات فعليه الوضوء «1».

و رواية زيد الشحّام قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الخفقة و الخفقتين فقال: ما أدري ما الخفقة و الخفقتين إنّ اللّٰه تعالى يقول: «بل الإنسان على نفسه بصيرة» انّ عليّاً عليه السلام كان يقول: من وجد طعم النوم فإنّما أوجب عليه الوضوء «2».

و مثلها رواية عبد الرحمن بن الحجّاج إلّا انّه قال: من وجد طعم النوم قائماً أو قاعداً فقد وجب عليه الوضوء. «3» و الظاهر عدم كون هذه الرواية رواية مستقلّة لأنّ الراوي عن زيد الشحّام في الرواية المتقدّمة هو عبد الرحمن بن الحجّاج أيضاً و من البعيد روايته عن الإمام عليه السلام من دون واسطة و معها بمضمون واحد فيقوى في النظر أن تكون هذه الرواية أيضاً عن زيد الشحّام و الاختلاف إنّما هو في السند كما لا يخفىٰ. و غير ذلك من الروايات الدالّة على بطلان الوضوء بالنوم في حال السجود أو النوم على الدابة و أشباههما، و من المعلوم

انّ الترجيح في صورة المعارضة مع هذه الطائفة لموافقتها للشهرة الفتوائية و لظاهر الكتاب- على تقدير كون المراد هو القيام من النوم و ثبوت الإطلاق لها- و مخالفتها للعامّة بل في بعض تلك الروايات

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 3.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 8.

(3) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 327

..........

______________________________

شهادة على الصدور تقيّة فتدبّر، فلا يبقى مناص عن القول بأنّ النوم ناقض مطلقاً و في جميع الحالات، نعم هنا رواية تدلّ على خروج مورد واحد و هو رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل هل ينقض وضوئه إذا نام و هو جالس؟ قال: إن كان يوم الجمعة في المسجد فلا وضوء عليه، و ذلك انّه في حال الضرورة «1».

و حملها الشيخ قدس سره على صورة عدم التمكّن من الضوء قال: و الوجه فيه انّه يتيمّم و يصلّي فإذا انفض الجمع توضّأ و أعاد الصلاة لأنّه ربّما لا يقدر على الخروج من الزحمة. و استبعده في «المنتفى» و احتمل أن تكون صادرة لمراعاة التقية بترك الخروج للوضوء في تلك الحال. و اعترض عليه بأنّ المورد ليس من موارد التقيّة بوجه لأنّ التقية بترك الخروج إنّما يتحقّق فيما إذا كان سبب الوضوء منحصراً بالنوم، مع انّه لا يكون كذلك. و ربّما تردّ الرواية بأنّها شاذّة و لم ينسب العمل بها إلى أحد. كما انّه ربّما يجاب عن الاعتراض على المنتقى بأنّ الرجل يوم الجمعة بعد ما ازدحم الناس إلى الصلاة و قامت الصفوف إن كان خرج من المسجد و خرق الصفوف

من دون أن يصرّح بعذره فلا شبهة في انّه على خلاف التقيّة المأمور بها فإنّه إعراض عن الواجب المتعيّن في حقّه من غير عذر، و إن كان قد خرج مصرّحاً بعذره ارتكب خلاف التقية لأنّ النوم اليسير أو النوم جالساً و لو كان غير يسير ليس من النواقض عند كثير منهم، و عليه فلا مناص من الحكم بصحّة صلاته لأنّها مع الطهارة على عقيدتهم و إن كان الأمر على خلاف ذلك عندنا لانتقاض وضوئه بالنوم. و يرد على هذا الجواب انّه لا مانع من الخروج من دون أن يصرّح بعذره

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 16.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 328

..........

______________________________

و لا يكون على خلاف التقيّة لأنّه لو لم يكن مريداً للجمعة لما اشترك مع الناس في الحضور في المسجد لإقامتها فالشركة دليل على عدم الإعراض كما انّه يمكن التصريح بالعذر بأنّه انتقض وضوئه من دون بيان وجه الانتقاض و علّة البطلان و لا يلزم بيان العلّة بوجه فحمل الرواية على التقية لا وجه له. و الحقّ انّه لو لم تكن الرواية مردودة بالشذوذ و الإعراض لكان اللّازم حملها على عدم وجوب الوضوء عليه لكونه في حال الضرورة و جواز الاكتفاء بالتيمّم، غاية الأمر ظهورها في جواز الاقتصار على صلاة الجمعة و عدم لزوم الإعادة و لا بأس بالالتزام به إلّا أن يقوم إجماع على خلافه و هو غير معلوم، و على أيّ فلا دلالة لها على عدم انتقاض الوضوء بالنوم في حال الجلوس. بقي في باب النوم أمران: الأوّل: انّه هل النوم بما هو نوم ناقض للوضوء أو انّ سببيّته له من جهة انّ النوم

مظنَّة للحدث و عليه فالحكم بوجوب الوضوء مع النوم من باب تقديم الظاهر على الأصل؟ وجهان و الصحيح هو الوجه الأوّل؛ لأنّ ظاهر الروايات الواردة في المقام انّ النوم ناقض بعنوانه و كونه ناقضاً مستقلّاً و حملها على أنّ الناقض أمر آخر و النوم كاشف عنه و امارة عليه خلاف الظاهر و قد صرّح في بعضها بأنّ النوم بنفسه حدث كما في صحيحة إسحاق بن عبد اللّه الأشعري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

لا ينقض الوضوء إلّا حدث و النوم حدث. «1» و هي كما ترى صريحة في انّ النوم بعنوانه حدث موجب لزوال الطهارة لا أن يكون أمارة على ما هو الحدث، نعم هنا روايتان ربّما يتوهّم منهما خلاف ما ذكر: الاولى: رواية الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الرجل

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 329

..........

______________________________

يخفق و هو في الصلاة، فقال: إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان، فعليه الوضوء و إعادة الصلاة، و إن كان يستيقن انّه لم يحدث فليس عليه وضوء و لا إعادة «1».

و الظاهر انّ المراد من الشرطية الاولى انّ الخفقة إذا كانت بحيث لو خرج منه حدث في أثنائها لم يعلم به و لم يحفظه فهي نوم حقيقة و عليه الوضوء و إعادة الصلاة و قرينة المقابلة تقتضي أن يكون المراد بالشرطية الثانية هو عدم كون الخفقة بهذه الحيثية، بل كانت بحيث لو خرج منه حدث لعلم به و حفظه و من المعلوم عدم انتقاض الوضوء في هذه الصورة لعدم تحقّق النوم حقيقة فالتفصيل في الرواية في الخفقة إنّما

هو من جهة ثبوت النوم في إحدى الصورتين و عدم ثبوته في الصورة الاخرى و لا يرجع إلى التفصيل في النوم أصلًا كما لا يخفى. و بعبارة اخرى المراد بقوله: يستيقن انّه لم يحدث، انّه لم يستول عليه النوم ضرورة انّ من استولى عليه النوم كيف يستيقن بعدم خروج الحدث منه لأنّ الاستيقان فرع التوجّه و الالتفات و هو لا يجتمع مع النوم الحقيقي فالاستيقان كناية عن عدم النوم فتدبّر. الثانية: ذيل رواية فضل بن شاذان المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: و أمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي ء منه و استرخى فكان أغلب الأشياء عليه فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة «2».

و الظاهر انّ الرواية بصدد بيان الحكمة في الحكم و انّ العلّة للجعل و التشريع غلبة خروج الريح حالة النوم بالاسترخاء الحاصل بسببه و لا دلالة للرواية على أنّ الانتقاض يدور مدار خروج الريح و عدمه. و بعبارة اخرى الرواية إنّما

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 6.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 330

..........

______________________________

هي بصدد بيان الحكمة التي لا يعتبر فيها الاطراد لا العلّة التي يعتبر فيها كذلك، و إن أبيت إلّا عن كونها بصدد بيان العلّة نظراً إلى ظهورها في ذلك خصوصاً مع التصريح بكلمة «العلّة» فيها فنقول: العلّة هي المعرضية لخروج الريح الحاصلة بالاسترخاء المتحقّق بالنوم و من المعلوم عدم انفكاك المعرضية له عن النوم الحقيقي فالمشار إليه بقوله: هذه العلّة ما ليس هو خروج الريح بل الاسترخاء و الانتفاخ الموجب لأن يكون أغلب الأشياء فيما يخرج منه

الريح فتدبّر. فانقدح انّه لا دلالة لشي ء من الروايتين على خلاف ما هو ظاهر الروايات الواردة في النوم الدالّة على كونه ناقضاً مستقلّاً فالنوم بنفسه ناقض و إن علم بعدم خروج الحدث في حاله. الثاني: في المراد من النوم الناقض و الظاهر انّ المراد به هو ما يستولي على القلب و يوجب تعطيل الحواس عن الإحساس و أمارته هو تعطيل السمع عن السماع للملازمة بينه و بين الاستيلاء على القلب و هذا بخلاف حاسّة البصر فإنّ استيلاء النوم عليها لا يؤثّر في تحقّق النوم الحقيقي لعدم الملازمة بينه و بين نوم القلب و الإذن كما قد صرّح به في صحيحة زرارة المشهورة التي استدلّ بها على حجّية الاستصحاب. و منه يظهر وجه الجمع بين الأخبار المختلفة الواردة في المقام التي يدلّ بعضها على أنّ النوم الناقض هو النوم حتّى يذهب العقل، و بعضها على أنّ الناقض هو النوم الغالب على القلب، و في بعضها النوم الغالب على السمع، و في الآخر هو النوم الغالب على حاسّتي السمع و البصر، فإنّ الظاهر انّ الملاك هو الاستيلاء على القلب الملازم لذهاب العقل، و للغلبة على السمع و البصر، نعم لا عبرة كما عرفت بالاستيلاء على حاسّة البصر خاصّة لعدم الملازمة بين نومه و نوم القلب و لا يكون في أخبار الباب ما يدلّ على الاكتفاء بنوم البصر خاصّة، و بالجملة فالظاهر انّه لا منافاة بين شتات الأخبار الواردة في المقام.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 331

..........

______________________________

و أمّا الخامس:- و هو كلّ ما أزال العقل من إغماء أو جنون أو سكر أو غير ذلك- فلا خلاف في ناقضيّته بين الأصحاب، بل بين جميع

المسلمين، و عن البحار:

انّ أكثر الأصحاب نقلوا الإجماع. و هو العمدة في المقام- بعد إمكان المناقشة في الأدلّة التي يمكن أن يتشبّث بها كما سيجي ء- إذ الظاهر عدم كون الإجماع مستنداً إلى تلك الأدلّة غير الخالية عن المناقشة في الدلالة حتّى تجب ملاحظتها من حيث هي كما في سائر المسائل التي يكون الإجماع فيها مستنداً إلى الاجتهاد. فالإنصاف انّ الإجماع في المقام- بعد كون الحكم مخالفاً لما تقتضيه القواعد و الاصول الشرعيّة، بل منافياً لما يستفاد من الأخبار الحاصرة للنواقض في امور لا يكون هذا الأمر فيها- دليل قطعي على أنّ الحكم كان كذلك في زمان الأئمّة عليهم السلام و قد وصل إلينا بتوسّط الفقهاء الذين هم حملة أحكام اللّٰه و مخازن علوم النبي و الأئمّة- صلوات اللّٰه عليه و عليهم- يداً بيد، خلفاً عن سلف، و لاحقاً عن سابق. و قد ذكر المحقّق الهمداني قدس سره انّه قلّما يوجد في الأحكام الشرعيّة مورد يمكن استكشاف قول الإمام عليه السلام أو وجود دليل معتبر من اتّفاق الأصحاب مثل المقام، كما انّه قلّما يمكن الاطّلاع على الإجماع لكثرة ناقليه و اعتضاد نقلهم بعدم نقل الخلاف كما فيما نحن فيه. و بالجملة لا مجال للإشكال في ثبوت الإجماع في المقام و في استكشاف رأي المعصوم منه و مخالفة صاحبي الحدائق و الوسائل لا تقدح في ذلك كما لا يخفى وجهه، نعم ربّما يستدلّ على ذلك ببعض الروايات: كصحيحة معمّر بن خلّاد قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن رجل به علّة لا يقدر على اضطجاع، و الوضوء يشتدّ عليه، و هو قاعد مستند بالوسائد فربّما

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 332

..........

______________________________

أغفى

و هو قاعد على تلك الحال، قال: يتوضّأ، قلت له: إنّ الوضوء يشتدّ عليه لحال علّته فقال: إذا خفي عليه الصوت فقد وجب عليه الوضوء... «1» و تقريب الاستدلال بها وجهان: أحدهما: انّ الإغفاء و إن كان قد يطلق و يراد به النوم إلّا انّه في الصحيحة بمعنى الإغماء و ذلك لأنّ كلمة «ربّما» تدلّ على التكثير، بل هو الغالب فيها و من الظاهر انّ ما يكثر في حالة المرض هو الإغماء دون النوم. ثانيهما: انّ قوله عليه السلام في ذيل الرواية: إذا خفى عليه الصوت... يدلّ على أنّ خفاء الصوت على المكلّف هو العلّة في انتقاض الوضوء و مقتضى إطلاقه عدم الفرق في ذلك بين أن يكون مستنداً إلى النوم و بين أن يكون مستنداً إلى السكر و نحوه من الأسباب المزيلة للعقل. و الجواب عن الوجه الأوّل: انّ الإغفاء بمعنى النوم الخفيف، يقال: أغفى أي نام نومة خفيفة كما في «المنجد» و استعمال كلمة «ربّما» في التكثير ممنوع، بل هي بمعنى «قد» نوعاً مع انّ مناسبة عدم القدرة على الاضطجاع الذي يكون النوم في حالته غالباً و الاستناد بالوسائد و كونه قاعداً مع النوم واضحة كما لا يخفى. و عن الوجه الثاني انّه لا دلالة للرواية على أنّ العلّة مجرّد خفاء الصوت بأيّ سبب استند لأنّ الضمير يرجع إلى الرجل المحدث بالحدث المعهود أي الرجل الذي قد أغفى فمدلولها انّ خفاء الصوت في خصوص النائم كذلك، و هذا هو ما ذكرناه في حقيقة النوم من أنّ أمارة النوم هو الغلبة على حاسّة السمع المتحقّقة بخفاء الصوت و عدم سماع الاذن، فالرواية أجنبية عن المقام بالمرّة. مضافاً إلى أنّ خفاء الصوت إنّما هو الإغماء

و نظائره دون الجنون و أشباهه.

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الرابع ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 333

..........

______________________________

و صحيحة زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام المتقدّمة «1». الدالّة على ناقضية النوم حتّى يذهب العقل و مثلها رواية عبد اللّه بن المغيرة و محمد بن عبد اللّه عن الرضا عليه السلام قالا: سألناه عن الرجل ينام على دابّته فقال: إذا ذهب النوم بالعقل فليعد الوضوء. «2» بتقريب ظهورهما في كون المناط هو زوال العقل سواء كان مستنداً إلى النوم أو إلى الجنون و السكر، بل المناط في الثاني يكون ثابتاً بطريق أولىٰ. و الجواب: انّ التقييد بإزالة العقل إنّما هو لتحديد النوم الناقض و لا دلالة فيهما بل و لا إشعار على كون الملاك هو زوال العقل بأيّ سبب استند؛ مع انّ المراد بالعقل الزائل بسبب النوم هو الإدراك و الإحساس و إلّا فالنائم لا يكون فاقداً للقوّة العاقلة، و الفرق بين النائم و المجنون مع اشتراكهما في عدم الإدراك هو انّ المجنون يكون تعطّل قواه مستنداً إلى الاختلاف الحاصل فيها بخلاف النائم فإنّه لم يعرض له بسبب النوم اختلال أصلًا، و حينئذٍ فالمراد بالعقل الذي انيط الحكم بزواله- على تقدير تسليم استفادة العلّية- هو الإدراك كما عرفت و ذهابه بهذا المعنى إنّما يتحقّق في بعض صور الإغماء فقط و لا يشمل جميع الفروض. و ربّما يستدلّ أيضاً بقوله عليه السلام في ذيل رواية العلل المتقدّمة: و أمّا النوم فإنّ النائم إذا غلب عليه النوم يفتح كلّ شي ء منه و استرخى فكان أغلب الأشياء فيما يخرج منه الريح فوجب عليه الوضوء لهذه العلّة. «3» بدعوى

أنّ كلّ ما يوجب ذهاب العقل يكون محقّقاً للعلّة الموجبة لتشريع الوضوء. و قد عرفت انّ العلّة إنّما تكون حكمة و نكتة للتشريع و الجعل بمعنى انّ إيجاب الوضوء عليه إنّما هو لكونه في معرض خروج الريح منه فلا يستفاد منها كون المجعول دائراً- وجوداً و عدماً- مدار تلك العلّة، مضافاً إلى وضوح انّ العلّة لا تجري في جميع صور المسألة فإنّ الجنون و نظائره لا يوجب الاسترخاء. و الذي يسهل الخطب ما عرفت من كون المسألة إجماعية بحيث لا حاجة فيها إلى ملاحظة دليل آخر أصلًا. و أمّا السادس:- و هو الاستحاضة في الجملة- فسيأتي البحث عنه مفصّلًا في باب الدماء الثلاثة إن شاء اللّٰه تعالى. ثمّ إنّه جعل المنيّ في صحيحة زرارة عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السلام في عداد ما يوجب انتقاض الوضوء، و هو و إن كان كذلك من جهة الناقضية إلّا انّه لا يكون من الاحداث الموجبة للوضوء لأنّه موجب للغسل كما يأتي في محلّه إن شاء اللّٰه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثاني ح- 2.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 2.

(3) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث ح- 13.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 334

مسألة 2- إذا خرج ماء الاحتقان و لم يكن معه شي ء من دون الغائط لم ينتقض الوضوء،

و كذا لو شكّ في خروج شي ء معه، و كذلك الحال فيما إذا خرج دود أو نواة غير متلطّخ بالغائط (1).

______________________________

(1) امّا عدم الانتقاض في صورة عدم خروج شي ء من الغائط مع ماء الاحتقان أو الدود أو النواة قطعاً فوجهه واضح؛ لأنّ المفروض عدم تحقّق الناقض و هو خروج الغائط كما مرّ، و أمّا عدم الانتقاض في صورة الشكّ فيدلّ عليه صحيحة زرارة

المعروفة في باب الاستصحاب حيث قال في جواب السؤال عن احتمال تحقّق الناقض بقوله: فإن حرّك في جنبه شي ء و لم يعلم به؛ لا حتّى يستيقن انّه قد نام حتّى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلّا فإنّه على يقين من وضوئه و لا تنقض اليقين أبداً بالشكّ... «1»

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 12.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 335

مسألة 3- المسلوس و المبطون إن كانت لهما فترة تسع الطهارة و الصلاة و لو بالاقتصار على أقلّ واجباتها انتظراها

و أوقعا الصلاة في تلك الفترة، و إن لم تكن لهما تلك الفترة فامّا أن يكون خروج الحدث في أثناء الصلاة مرّة أو مرّتين أو ثلاث مثلًا بحيث لا حرج عليهما في التوضؤ و البناء، و أمّا أن يكون متّصلًا بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدث و بنيا ألزم عليهما الحرج. ففي الصورة الاولى يتوضّأ المبطون و يشتغل بالصلاة و يضع الماء قريباً منه فإذا خرج منه شي ء توضّأ بلا مهلة و بنى على صلاته، و الأحوط أن يصلّي صلاة اخرى بوضوء واحد، و الأحوط للمسلوس عمل المبطون، و إن كان جواز الاكتفاء له بوضوء واحد لكلّ صلاة من غير التجديد في الأثناء لا يخلو من قوّة. و أمّا في الصورة الثانية فالأحوط أن يتوضّأ لكلّ صلاة و لا يجوز أن يصلّيا صلاتين بوضوء واحد فريضة كانتا أو نافلة أو مختلفتين، و ان لا يبعد عدم لزوم التجديد للمسلوس إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 336

ما لم يتقاطر في فواصلها و إن تقاطر في أثنائها لكن لا ينبغي ترك الاحتياط، و الأقوى إلحاق مسلوس الريح بالمبطون، بل لا يبعد دخوله فيه موضوعاً

(1).

..........

______________________________

(1) المسلوس هو من به داء السلس و هو الداء الذي لا يستمسك معه البول، و المبطون و هو من به البطن بالتحريك و هو داء لا يستمسك معه الغائط قيل أو الريح- كما نفى البعد عنه في المتن- و هما إن كانت لهما فترة تسع الطهارة و الصلاة و لو بالاقتصار على أقلّ واجباتهما انتظراها و أوقعا الصلاة في تلك الفترة لأنّه مقتضى القواعد الشرعية و كون الصلاة من الواجبات الموسّعة لا تقتضي جواز الإتيان بها في جميع أجزاء الوقت و لو مع فقدان بعض الشرائط، بل إنّما هي بالإضافة إلى من كان متمكّناً من الإتيان بها كذلك في جميع أجزاء الوقت كما هو واضح و عليه فلا تأمّل و لا إشكال في وجوب انتظار تلك الفترة. و في الجواهر في حكم المسلوس في هذه الصورة: «لا أجد فيه خلافاً هنا سوى ما ينقل عن الأردبيلي من احتمال عدم الوجوب لإطلاق الأدلّة و حصول الخطاب بالصلاة على هذا الحال» و فيها أيضاً في حكم المبطون فيها: «التأمّل في كلماتهم، بل تصريح بعضهم يقضي بخروجه عن محلّ النزاع و هو الذي تقتضيه القواعد الأوّلية، و قصور نصوص المقام الواردة في كلّ من المسلوس و المبطون عن شموله كما تقدّم ذلك في غيرهما من الأعذار و لا سيّما مع اشتمال بعض نصوص الأوّل على قوله عليه السلام: إذا لم يقدر على حبسه فاللّٰه أولى بالعذر» و عليه فلا يبقى مجال لما عن الأردبيلي قدس سره من التمسّك بإطلاق الأدلّة، كيف و فتح هذا الباب يوجب الإخلال بأكثر الشرائط لعدم التمكّن من الجميع في تمام أجزاء الوقت نوعاً، و من المعلوم انّه لا خصوصية للعذرين في المقام،

كما انّه من الواضح انصراف النصوص الواردة عن صورة وجود الفترة الواسعة للصلاة مع الطهارة فلا مجال للمناقشة في هذه الصورة.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 337

..........

______________________________

و إن لم تكن لهما تلك الفترة فهنا صورتان: الاولى: ما إذا كان خروج الحدث في الأثناء مرّة أو مرّتين أو ثلاث مثلًا بحيث لم يكن هناك حرج في التوضؤ و البناء، و الكلام فيها تارة في حكم المبطون و اخرى في حكم المسلوس. امّا المبطون ففي المتن انّه يتوضّأ و يشتغل بالصلاة و يضع الماء قريباً منه فإذا خرج منه شي ء توضّأ بلا مهلة و بنى على صلاته و احتاط فيه بأن يصلّي صلاة اخرى بوضوء واحد، و قد نسب ما في المتن إلى الأشهر أو المشهور أو المعظم أو الجماعة. و يدلّ عليه- أوّلًا- انّ ذلك مقتضى القواعد العامّة، و توضيحه ما أفاده في المصباح- بتلخيص و تقريب منّا- في المسلوس ثمّ حكم باتحاد حكم المبطون معه من هذه الجهة من انّ الأمر يدور- بعد قيام النص و الإجماع على عدم سقوط الصلاة بتعذّر الطهور- بين تخصيص «لا صلاة إلّا بطهور» أو رفع اليد عن عموم ناقضية البول في حقّ المسلوس في الجملة، لا سبيل إلى الأوّل للقطع بوجوب التطهير و إزالة أثر سائر أسباب الحدث ما عدا البول، بل البول أيضاً إذا كان اختياريّاً له بمقتضى طبعه، بل و البول قبل الاشتغال بالصلاة و إن لم يكن اختيارياً له فهذا كاشف عن عدم ارتفاع شرطية الطهارة و لو من البول في حقّه، فظهر لك عدم ورود التخصيص على قوله «لا صلاة إلّا بطهور» فتعيّن رفع اليد عن عموم ما دلّ على

ناقضية البول و ارتكاب التصرّف فيه امّا بتخصيص أو تقييد على وجه تقتضيه القواعد، و دعوى انصراف ما دلّ على ناقضية البول إلى الافراد المتعارفة و ما يتقاطر من المسلوس ليس منها، مدفوعة بمنع دعوى الانصراف و كون الحكم محمولًا على طبائع الاحداث، و لذا تجب إعادة الوضوء على من خرج منه قطرة بول أو أقلّ حتّى البلّة و لو اضطراراً بغير داء السلس فهذه الدعوى فاسدة جدّاً، بل لا بدّ من ملاحظة الدليل الذي أوجب التصرّف فيما دلّ على ناقضية البول فإن كان هو الإجماع أو قاعدة نفي الحرج أو قوله عليه السلام: ما غلب اللّٰه على

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 338

..........

______________________________

عباده فهو أولى بالعذر، فالمتعيّن هو القول بمقالة الحلّي القائل بأنّه مع تراخي التقاطر يتوضّأ و يبني على ما مضى من صلاته لعدم دلالة هذه الأدلّة على عدم الناقضية مع عدم تعذّر تجديد الطهارة و تعسّره إلّا أن يقال إنّ تجديد الطهارة في أثناء الصلاة فعل كثير مبطل للصلاة و هو ممنوع أوّلًا، كيف و قد ورد الأمر في غير واحد من الأخبار بغسل الثوب و البدن في أثناء الصلاة عن دم الرعاف و غيره و قد حملها الأصحاب على ما إذا لم يستلزم فعلًا كثيراً في العادة، و من الواضح انّه قلّما يتحقّق فرض يمكن فيه تطهير الثوب و البدن بأقلّ ممّا يتوقّف عليه الوضوء الارتماسي عند حصول مقدّماته و على تقدير التسليم نقول: يقع التعارض- حينئذٍ- بين ما دلّ على ناقضية البول و ما دلّ على مبطلية الفعل الكثير، و أمّا ما دلّ على شرطية الطهارة أو قاطعية الحدث فلا يعارض شيئاً من الأدلّة

للقطع بعدم انقطاع الصلاة بهذا البول سواء كان ناقضاً للوضوء أم لا، فالتعارض إنّما هو بين ما دلّ على أنّ البول ناقض مطلقاً و بين ما دلّ على أنّ الفعل الكثير مبطل مطلقاً و يرجع بعد تعارض الدليلين إلى استصحاب الطهارة و عدم وجود الحدث الناقض، و على تقدير المناقشة في الاستصحاب يجب عليه الاحتياط بتكرار الصلاة مع فعل الوضوء في الأثناء و تركه و ليس الأمر دائراً بين المحذورين كما قد يتخيّل و لكنّه إنّما هو على تقدير تسليم كونه فعلًا كثيراً و قد عرفت انّه في حيّز المنع.- و ثانياً- الروايات الكثيرة الواردة في المسألة: منها: موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضّأ ثمّ يرجع في صلاته فيتمّ ما بقي «1».

و منها: صحيحته الاخرى قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن المبطون

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب التاسع عشر ح- 4.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 339

..........

______________________________

فقال: يبني على صلاته «1». و المناقشة في دلالتها على المدعى بعدم ظهورها في لزوم تجديد الوضوء واضحة المنع خصوصاً مع انّه يحتمل قويّاً أن لا تكون هذه الصحيحة رواية اخرى لمحمد بن مسلم، بل كانت هي بعينها سيّما مع ملاحظة انّ الراوي عن محمد بن مسلم في كلتيهما هو ابن بكير و أقوى منه في ذلك صحيحته الاخرى عن أبي جعفر عليه السلام قال: صاحب البطن الغالب يتوضّأ و يبني على صلاته «2». فإنّ جعلها رواية مستقلّة كما في كتب الأحاديث و الكتب الفقهيّة في كمال البعد، بل احتمال التعدّد في غاية الضعف. و كيف كان فلا خفاء في انّ مفاد الرواية أو

الروايات الواردة في المبطون انّه يتوضّأ في أثناء الصلاة مع تجدّد الحدث فيها كما هو المتفاهم من الروايات ثمّ يرجع في صلاته و يبني عليها و يتمّ ما بقي منها. و لكن عن العلّامة في جملة من كتبه نفى لزوم التجديد في الأثناء في المبطون أيضاً مستدلّاً بأنّه لا فائدة في التجديد لأنّ هذا المتكرّر إن نقض الطهارة نقض الصلاة لما دلّ على اشتراط الصلاة باستمرارها. و يرد عليه- مضافاً إلى أنّ ذلك اجتهاد في مقابل النصّ لأنّه بعد دلالته على لزوم التحديد و البناء لا مجال لهذا الاستدلال و دعوى كون المراد من قوله عليه السلام: يتوضّأ هو الوضوء قبل الاشتغال و من قوله: يبني على صلاته الاعتداد بها و الاكتفاء بهذه الكيفية واضحة المنع خصوصاً مع قوله في الرواية الاولى: فيتمّ ما بقي، فإنّ التعبير بالإتمام و تعليقه على ما بقي ظاهر بل صريح فيما ذكرنا- انّه لا ملازمة بين نقضه الطهارة و نقضه للصلاة لقيام الإجماع على عدم

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب التاسع عشر ح- 8.

(2) جامع أحاديث الشيعة أبواب ما ينقض الوضوء الباب الخامس ذيل ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 340

..........

______________________________

نقضه للصلاة بوجه و أدلّة اشتراط الصلاة باستمرار الطهارة امّا أن يكون مفادها اعتبارها في مجموع أفعال الصلاة دون الاكوان المتخلّلة بين الأفعال لعدم كونها جزء للصلاة، و عدم جواز الاستدبار أو إيجاد الحدث في أثناء الصلاة حين عدم اشتغاله بفعل من أفعالها ليس لأجل كون هذا الأكوان جزء لها حتّى يشترط فيها ما يشترط في سائر الأجزاء، بل لكون الحدث و الاستدبار كالقهقهة و التكلّم قاطعاً للهيئة الاتّصالية المعتبرة بين الأجزاء،

و المفروض انّ الحدث الصادر من المبطون ليس بقاطع، و أمّا انّه على تقدير كون مفادها الاعتبار في مجموع الأفعال و الأكوان لكن الروايات المتقدّمة الواردة في المبطون دلّت على تخصيص تلك الأدلّة بما عدا هذا الجزء و لا يلازم ذلك جواز إيجاد سائر النواقض اختياراً قبل الأخذ في الوضوء لأنّ إيجاد شي ء منها يوجب نقض الصلاة لعدم قيام الدليل على عدم انتقاضها به أيضاً كما هو واضح. و كيف كان فالأقوى بمقتضى الروايات انّ المبطون يجب عليه تجديد الوضوء بعد كلّ حدث و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالإتيان بصلاة اخرى بوضوء واحد خروجاً عن شبهة الخلاف و احتمال قادحية الوضوء في الأثناء في صحّة الصلاة لاحتمال كونه فعلًا كثيراً. نعم قد يقال: إنّ الأحوط تقديم الصلاة بالوضوء الواحد على الصلاة بالوضوء مع التجديد في الأثناء، و قيل في وجهه: إنّ في تقديم الثانية احمال الإبطال المحرّم بفعل الوضوء و لا كذلك في تأخيرها لأنّ الوضوء في أثنائها امّا في محلّه أو في صلاة معادة باطلة، و أورد عليه بأنّ في ترك الوضوء و المضي في الصلاة أيضاً احتمال الإبطال المحرّم فلا فرق بين الصورتين. و أمّا المسلوس فقد نسب إلى المشهور انّه يتوضّأ لكل صلاة و عفى عمّا يتقاطر منه في أثنائها و قد مرّ انّ الحلّي قال بلزوم التجديد و البناء على ما مضى عند تراخي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 341

..........

______________________________

التقاطر كالمبطون، و عن المبسوط انّه يصلّي بوضوء واحد عدّة صلوات و لا يتوضّأ إلّا مع البول اختياراً و نسب إلى جماعة من المتأخّرين الميل إلى مقالته، و عن العلّامة في المنتهى انّه يجمع بين

الظهرين بوضوء، و بين العشاءين بوضوء و للصبح وضوء، و عن جماعة من متأخّر المتأخّرين الميل إلى قوله، و ربّما يناقش في النسبة إلى المشهور بأنّ إطلاق المسلوس في كلامهم ينصرف إلى من لا يتمكّن من التجديد و البناء، و أمّا المتمكّن منه فحكمه حكم المبطون عندهم، و عليه فيرجع قولهم مقالة الحلّي، و ربّما يفصل بين ما إذا كانت الطهارة تيمّماً أو وضوء ارتماسيّاً لا يحتاج إلى فعل كثير فيجب التجديد و بين غيره فلا يجب. أقول: امّا الحكم بالنظر إلى القاعدة فقد عرفت انّ مقتضاها لزوم التجديد في الأثناء مع عدم توالي التقاطر و عدم كون التجديد حرجيّاً، و أمّا بالنظر إلى الروايات الواردة فيه فينظر بعد نقلها و التأمل في مفادها فنقول: منها: صحيحة حريز بن عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه قال: إذا كان الرجل يقطر منه البول و الدم إذا كان حين الصلاة أخذ كيساً و جعل فيه قطناً ثمّ علّقه عليه، و أدخل ذكره فيه ثمّ صلّى يجمع بين صلاتين الظهر و العصر، يؤخّر الظهر و يعجّل العصر بأذان و إقامتين، و يؤخِّر المغرب و يجعل العشاء بأذان و إقامتين، و يفعل ذلك في الصبح «1».

و ربّما يقال: بأنّ هذه الصحيحة تدلّ على ما ذهب إليه العلّامة في المنتهى لأنّ أمر الإمام عليه السلام بالجمع بين الصلاتين بتأخير الاولى و تعجيل الثانية بنحو يسقط أذان الثانية كالصريح في عدم تجديد الوضوء للثانية فضلًا عن التجديد في الأثناء بعد حصول التقاطر فهي من حيث السكوت و عدم الأمر بإعادة

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب التاسع عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي،

ص: 342

..........

______________________________

الوضوء دليل على مذهبه، و لكن الظاهر انّ الصحيحة إنّما تكون مسوقة لبيان حكم المسلوس من حيث عروض النجاسة في أثناء الصلاة و لا تعرض فيها لحكم الوضوء و لا تكون مسوقة لبيانه أصلًا و الأمر بالجمع بين الصلاتين ليس ناظراً إلى عدم تجديد الوضوء، بل إنّما هو لأجل الاكتفاء بما فعل من أخذ الكيس و جعل القطن فيه.

و بعبارة اخرى هو ناظر إلى عدم تجديد هذا العمل. و بالجملة لا إشعار في الرواية إلى بيان حكم الوضوء خصوصاً مع عطف الدم على البول و وضوح عدم كون خروج الدم و لو من مخرج البول ناقضاً للوضوء و خصوصاً مع الحكم في ذيل الرواية بأنّه يفعل ذلك في الصبح و لو كانت الرواية ناظرة إلى نفي التجديد بين الصلاتين و الاكتفاء بوضوء واحد للجمع بينهما لما كان للذيل المذكور مجال. و منها: حسنة منصور بن حازم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: الرجل يعتريه البول و لا يقدر على حبسه؟ قال: فقال لي: إذا لم يقدر على حبسه فاللّٰه أولى بالعذر يجعل خريطة «1».

و ربّما يقال: بأنّ هذه الرواية لا تكون مسوقة لبيان حكم الوضوء و إنّما تكون مسوقة لبيان حكم المسلوس من حيث عروض النجاسة له. و أجاب عنه في المصباح: بأنّ اقتصار الإمام عليه السلام بجعل الخريطة في جواب السائل مع إطلاق سؤاله عن حكم من يقطر منه البول دليل على أنّه لا يجب عليه ذلك و إلّا لكان على الإمام عليه السلام بيانه، فعدم البيان في معرض الحاجة مع إطلاق السؤال دليل على أنّه لا أثر للقطرات الخارجة التي لا يقدر على حبسها في نقض الوضوء. و على ما

أفاده فتنطبق الرواية على ما ذهب إليه الشيخ قدس سره في محكي المبسوط ممّا عرفت.

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب التاسع عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 343

..........

______________________________

أقول: السؤال في الحسنة و إن كان في نفسه مطلقاً إلّا أنّ الجواب المشتمل على إيجاب جعل الخريطة من دون التعرّض لحكم الوضوء بوجه دليل على أنّ محطّ نظر السائل فيما صار الإمام عليه السلام بصدد الجواب عنه هو عروض النجاسة الخبثية بحيث لا يكون نظر السائل إلى حيثية الطهارة الحدثية بوجه، فالجواب يكشف عمّا هو مراد السائل و محطّ نظره، و عليه فلا مجال للتشبّث بعدم البيان في معرض الحاجة مع إطلاق السؤال، كما انّه لا مجال لما نوقش على المصباح من أنّ مفاد الرواية معذورية المسلوس في مخالفة التكاليف التي لو لم يكن العذر من قبل اللّٰه تعالى لم يكن معفوّاً عنها و هو إنّما يتحقّق بالنسبة إلى ما يقطر منه في أثناء الصلاة إذ لا محذور في نقض الوضوء قبل الصلاة سواء كان من قبل اللّٰه تعالى أو من قبل نفسه حتّى يجاب عنه بأنّ المتبادر منها انّ القطرات التي تقطر منه لمرضه لا يترتّب على المكلّف من قبلها محذور بطلان الصلاة سواء وجدت في أثناء الصلاة أو قبلها لأنّها بلاء ابتلاه اللّٰه به فهو أولى بالعذر. و ذلك لما عرفت من عدم تعرّض الحسنة لهذه الجهة أصلًا و مثلها رواية الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سئل عن تقطير البول، قال: يجعله خريطة إذا صلّى «1».

و منها: موثقة سماعة قال: سألته عن رجل أخذه تقطير من فرجه امّا دم أو غيره قال: فليضع خريطة و

ليتوضّأ و ليصلِّ فإنّما ذلك بلاء ابتلى به فلا يعيدنّ إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه. «2» و الظاهر انّ المراد من الحدث الذي يتوضّأ منه ما يوجد بمقتضى طبيعته، و احتمال كون الصفة موضحة فيكون المراد لا يتوضّأ إلّا من الحدث لا الدم الخارج منه خلاف الظاهر و لكنّه مع ذلك تكون الرواية بصدد بيان حاله من حيث عروض النجاسة، كما يدلّ عليه نفس السؤال المشتمل

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب التاسع عشر ح- 5.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب السابع ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 344

..........

______________________________

على ذكر خروج قطرات الدم الذي لا يكون بناقض للوضوء و لو خرج من المخرجين، و عليه فالمراد بقوله: فلا يعيدنّ، هو نفي وجوب إعادة وضع الخريطة إلّا عند عروض الحدث الموجب للوضوء و لا دلالة له على نفي وجوب الوضوء في أثناء الصلاة أو بين الصلاتين بوجه. و منها: مكاتبة عبد الرحيم قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام في الخصيّ يبول فيلقى من ذلك شدّة و يرى البلل بعد البلل؟ قال: يتوضّأ و ينتضح في النهار مرّة واحد «1».

و في الوسائل: و رواه الصدوق مرسلًا عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام مثله إلّا انّه قال: ثمّ ينضح ثوبه. قال في المصباح: «إنّه يحتمل قويّاً أن يكون مراد السائل انّه يجد حين البول وجعاً و أذيّة و يرى البلل بعد البلل بعد البلل عقيبه فيحتمل كونه من بقية البول و أن يكون من مرض باطني أوجب الشدّة و الألم فمراده معرفة حكم البلل المردّد بين البول و غيره ممّا يحتمل خروجه عن المجرى، و يحتمل أن يكون

المراد من التوضّي المأمور به التطهير من الخبث يعني الاستنجاء و غسل ذكره كما يؤيّده عدم التعرض لذكر الصلاة في الرواية أصلًا، و على تقدير إرادة الوضوء الشرعي الرافع للحدث أيضاً أجنبي عمّا نحن فيه، و يؤيّد المعنى الأوّل ما في القاموس في تفسير الانتضاح قال: و انتضح و استنضح نضح ماء على فرجه بعد الوضوء، لأنّ مراده بحسب الظاهر من الوضوء تنظيف الفرج لا الوضوء الاصطلاحي، فمفاد الرواية على هذا التفسير استحباب رشّ الماء على الفرج بعد غسله و لو اريد من الوضوء ما هو الرافع للحدث فالمراد من الانتضاح بحسب الظاهر إيصال الماء إلى الفرج فيكون كناية عن غسله فالأمر (حينئذٍ) للوجوب».

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الثالث عشر ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 345

..........

______________________________

و قد انقدح من ملاحظة الروايات و التأمّل فيها انّه لا يكاد يدلّ شي ء منها على خلاف ما هو مقتضى القاعدة الدالّة على لزوم التجديد لو لم يكن حرجيّاً لعدم تعرّض شي ء منها لحكم الوضوء في المقام و عدم كونه مسوقاً لبيان هذه الجهة فما في المصباح من انّه لا يبعد دعوى القطع باستفادة عدم ناقضية ما يخرج منه في أثناء صلاة واحدة منها و لو من جهة السكوت لا يكاد يتمّ أصلًا مع انّه لا يبعد دعوى كون مورد الروايات صورة توالي التقاطر الذي لا يجدي التجديد فيه فلا ارتباط لها بالمقام و مخالفة المشهور لا تقدح في ذلك بعد ما عرفت من الإشكال في نسبة نفي التجديد في المسلوس إليهم و بعد عدم دلالة شي ء من الروايات- على تقدير تسليم دلالتها- على لزوم التجديد لكل صلاة فإنّ مفادها امّا عدم

ناقضيّة القطرات الخارجة عن غير اختيار مطلقاً، و أمّا جواز الجمع بين الصلاتين بوضوء واحد و لا دلالة لشي ء منها على التجديد عند كلّ صلاة فالأحوط لو لم يكن أقوى انّ المسلوس يعمل كالمبطون و يؤيّده الأخبار المتقدّمة الواردة في المبطون، بل ربّما يستدلّ بها على حكم المسلوس أيضاً بدعوى تنقيح المناط و لكنّه محلّ تأمّل، هذا تمام الكلام في الصورة الاولى. الصورة الثانية: ما إذا كان خروج الحدث مستمرّاً متّصلًا بحيث لو توضّأ بعد كلّ حدث يلزم الحرج و الكلام فيها أيضاً تارة في المبطون و اخرى في المسلوس. امّا المبطون فقد احتاط فيه وجوباً في المتن بالتوضّي لكلّ صلاة و انّه لا يجوز أن يصلّي صلاتين بوضوء واحد فريضة كانتا أو نافلة أو مختلفتين و منشؤه عدم دلالة شي ء من الروايات الواردة في حكم المبطون المتقدّمة على حكم هذه الصورة بعد وضوح كون موردها صورة إمكان التجديد في الأثناء بحيث لا يستلزم الحرج و لكن يرد عليه انّه بعد عدم دلالة الروايات على حكم هذه الصورة لا بدّ من الرجوع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 346

..........

______________________________

فيه إلى القاعدة و هي تقتضي لزوم التجديد و أدلّة نفي الحرج إنّما تنفي التكليف الحرجي فاللّازم التجديد إلى أن يستلزم الحرج و لو كان استلزام الحرج موجباً للسقوط بالمرّة من أوّل الأمر لما كان التجديد قبل الصلاة الثانية، و ما أفاده في المصباح من انّه ليس الحدث الخارج في أثناء الصلاة و الطهارة المتّصلة بها ناقضاً لوضوئه لأنّ ما غلب اللّٰه على عباده فهو أولى بالعذر و تكليفه بتجديد الوضوء عند كلّ حدث في الفرض حرج منفي يرد عليه انّ مقتضى

الأولوية بالعذر عدم كونه ناقضاً بالنسبة إلى الصلاة الثانية أيضاً و الحرج المنفي إنّما يلاحظ بالإضافة إلى ما يكون مستلزماً له و لا دلة لدليل نفيه على السقوط من أوّل الأمر و دعوى انّ التجديد لا يكاد يترتّب عليه فائدة مدفوعة باقتضائها نفي التجديد للصلاة الثانية أيضاً هذا بالنسبة إلى المبطون. و أمّا المسلوس فقد نفى البُعد فيه في المتن- بعد الاحتياط المتقدّم- عن عدم لزوم التجديد له إن لم يتقاطر منه بين الصلاتين فيأتي بوضوء واحد صلوات كثيرة ما لم يتقاطر في فواصلها و إن تقاطر في أثنائها. و قد عرفت انّ إطلاق كلام المشهور في حكم المسلوس و انّه يجدّد الوضوء لكلّ صلاة لا في الأثناء قد نزل على هذه الصورة، و الظاهر قيام الإجماع على وجوب الوضوء للصلاة الاولى كما ادّعاه في محكي الجواهر و لولاه لم يجب الوضوء لها أيضاً على ما ربّما يقال لعدم ترتّب فائدة على الوضوء بعد اتصال خروج الحدث و استمراره. و كيف كان فاستفادة حكم المسلوس في هذه الصورة إن كانت من الروايات الواردة فيه فقد تقدّم إنّ شيئاً منها لا يدلّ على حكم الوضوء و الطهارة الحدثية أو لا ارتباط له بالمقام، و إن كانت من القاعدة فهي تقتضي لزوم التجديد إلى أن يستلزم الحرج، و إن كانت من الفتاوى نظراً إلى قيام الشهرة على عدم لزوم التجديد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 347

مسألة- 4 يجب على المسلوس التحفظ من تعدي بوله بكيس فيه قطن و نحوه،

و الظاهر عدم وجوب تغييره أو تطهيره لكل صلاة، نعم الأحوط تطهير الحشفة إن أمكن من غير حرج، في الأثناء و لزومه لكلّ صلاة، فمن الواضح انّ الشهرة بمجرّدها غير كافية خصوصاً بعد وضوح مستند

المشهور و عدم صلاحيته للاستناد و إن كانت من قاعدة: «ما غلب اللّٰه عليه فهو أولى بالعذر» فمفادها العفو عمّا يتقاطر بغير الاختيار من دون فرق بين أن يكون قبل الصلاة أو في أثنائها و لا مجال لما ربّما يقال من أنّ الظاهر من القاعدة خصوص صورة العذر العقلائي و لا عذر عند العقلاء في ترك الوضوء قبل كلّ صلاة إذا كان يترتّب على فعله وقوع بعض أفعال الصلاة حال الطهارة. نعم يمكن أن يقال: إنّ القدر المتيقّن من القاعدة هي صورة التقاطر في الأثناء فلا بدّ من الالتزام بالعفو عنه خصوصاً مع ملاحظة عدم الخلاف ظاهراً في عدم وجوب التجديد في الأثناء في هذه الصورة، و عليه فلا يجب التجديد بين الصلاتين أيضاً ما لم يتحقّق التقاطر بينهما و إن حصل في أثناء الصلاة الاولى، و أمّا مع حصوله بينهما فلا دليل على العفو عنه و بهذا يوجّه ما نفى عنه البعد في المتن ممّا تقدّم، و لكن يردّ عليه جريان هذا التوجيه بالإضافة إلى المبطون أيضاً فلا وجه للفرق بينهما، و الإنصاف انّ المسألة مشكلة جدّاً و الاحتياط المذكور في المتن لا يجوز تركه في كلّ منهما. ثمّ إنّ مسلوس الريح إن كان من مصاديق المبطون حقيقة كما لا تبعد دعواه فيجري فيه أحكامه لكونه من أفراده، و إن لم يكن من مصاديقه فالظاهر جريان أحكامه فيه أيضاً من جهة ما عرفت من عدم كون حكم المبطون من جهة الطهارة و الوضوء على خلاف القاعدة، و إن الروايات الواردة في المبطون مسوقة لبيان حكمه من جهة اخرى فلا فرق بين المبطون و بينه من هذه الجهة أصلًا.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

أحكام التخلي، ص: 348

و يجب التحفّظ بما أمكن على المبطون أيضاً، كما انّ الأحوط له أيضاً تطهير المخرج إن أمكن من غير حرج (1).

______________________________

(1) امّا المسلوس فيدلّ على وجوب التحفّظ من تعدّي البول عليه- مضافاً إلى ما دلّ على اعتبار اشتراط الطهارة من الخبث- الروايات المتقدّمة التي عرفت انّها مسوقة لبيان هذه الجهة و مفادها وجوب الاستظهار عليه بأن يضع خريطة أو كيساً فيه قطن، و لكن يقع الكلام في أنّ الأمر بذلك في الأخبار هل يكون جارياً مجرى العادة فيكفي مطلق الاستظهار و لو بغير الخريطة و الكيس كما نسب إلى ظاهر إطلاق الأصحاب، و عليه فيكفي القيام في ماء كثير و شبهه أو انّه يحتمل أن يكون للكيس و نحوه ممّا يشدّه على الحشفة مدخلية في الحكم لاحتمال إناطة الحكم بصيرورة الحشفة لأجل دخولها في الكيس بمنزلة البواطن و كون ظاهر الكيس بمنزلة ظاهر الجسد في حال الاضطرار كما هو الحال في الجبائر وجهان و الظاهر انّ الالتزام بكفاية مطلق الاستظهار مشكل خصوصاً لو كان مثل القيام في ماء كثير. و أمّا وجوب التغيير أو التطهير لكلّ صلاة فيدلّ على عدمه- مضافاً إلى إطلاق الأخبار- موثّقة سماعة المتقدّمة الدالّة على عدم وجوب الإعادة إلّا من الحدث الذي يتوضّأ منه بالمعنى الذي استفدناه منها و لا ينافيه الأمر بالجمع بين الصلاتين في صحيحة حريز المتقدّمة؛ لأنّ معناه ليس عدم المعذورية من الخبث في غير صورة الجمع، بل إنّما هو لبيان عدم البأس في الجمع و للإرشاد إلى ما هو الأصلح بحاله بحيث يدرك فضيلة الفرضين على وجه لا يشقّ عليه الاستظهار و لا تكون مسوقة لبيان اقتضاء الجمع للمعذورية خصوصاً مع التعرّض لحكم

صلاة الصبح التي لا تكون فيها جمع أيضاً، نعم حيث لا تكون الروايات متعرّضة إلّا لحكم البول الخارج من الحشفة من جهة التعدّي دون حكم نفس الحشفة من جهة تطهيره فاللّازم الرجوع في حكمه إلى القاعدة المقتضية للزوم التطهير مع الإمكان من غير حرج، نعم ربّما يستفاد من الروايات عدم لزوم تطهيره أيضاً و لكنّه محلّ نظر بل منع. و أمّا المبطون فوجوب التحفّظ عليه بما أمكن مستفاد من القاعدة بعد عدم دلالة رواياته على حكمه من هذه الجهة إلّا على تقدير كون المراد من التوضّي المأمور به فيها هو مطلق التطهير الشامل لرفع الخبث أيضاً، كما انّ تطهير المخرج له مع الإمكان من غير حرج أيضاً مستفاد منها كما في المسلوس على ما عرفت.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 349

مسألة 5- لا يجب على المسلوس و المبطون قضاء ما مضى من الصلوات بعد برئهما،

نعم الظاهر وجوب إعادتها إذا برئ في الوقت و اتسع الزمان للصلاة مع الطهارة (1).

______________________________

(1) امّا عدم وجوب قضاء ما مضى من الصلوات بعد البرء فلظهور أدلّة حكمهما في الأجزاء و الصحّة و قصور أدلّة القضاء عن الدلالة على الوجوب في هذه الصورة. و أمّا وجوب الإعادة إذا برئ في الوقت و اتّسع الزمان للصلاة مع الطهارة فلعدم دلالة دليل الاجزاء على الاكتفاء بها في هذه الصورة من دون فرق بين ما إذا كان الدليل هي القاعدة أو النصوص الواردة لعدم دلالة شي ء منهما على الاكتفاء بما مضى من صلاته مع القدرة على الإتيان بها مع الطهارة في الوقت كما لا يخفىٰ.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 351

فصل غايات الوضوء

اشارة

ما كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله من جهة كونه شرطاً لصحّته كالصلاة، أو شرطاً لجوازه و عدم حرمته كمسّ كتابة القرآن أو شرطاً لكماله كقراءته، أو لرفع كراهته كالأكل حال الجنابة فإنّه مكروه و ترتفع كراهته بالوضوء. امّا الأوّل فهو شرط للصلاة فريضة كانت أو نافلة، اداء كانت أو قضاء، عن النفس أو عن الغير، و لأجزائها المنسية، و لسجدتي السهو على الأحوط و إن كان الأقوى عدم الاشتراط، و كذا شرط للطواف الذي جزء للحج أو العمرة الواجبين، و الأحوط اشتراطه في المندوبين أيضاً. و أمّا الثاني فهو شرط لجواز مسّ كتابة القرآن فيحرم مسّها على المحدث، و لا فرق بين آياتها و كلماتها، بل و الحروف و المدّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 352

و التشديد و اعاريبها، و يلحق بها أسماء اللّٰه و صفاته الخاصّة، و في إلحاق أسماء الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام

و الملائكة تأمّل و إشكال، و الأحوط التجنّب خصوصاً في الأوليين (1).

..........

______________________________

(1) غايات الوضوء عبارة عمّا كان وجوب الوضوء أو استحبابه لأجله و هل يلزم أن يكون للوضوء غاية أم يمكن أن يكون بلا غاية بأن يكون الوضوء في نفسه مستحبّاً شرعيّاً؟ وجهان بل قولان و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى و فيما يكون له غاية يكون ارتباطها بالوضوء مختلفاً فتارة يكون الوضوء شرطاً لصحّتها و اخرى شرطاً لرفع المنع عنها و ثالثة لكمالها و رابعة لرفع الكراهة عنها. امّا القسم الأوّل فمنه الصلاة بلا خلاف و لا إشكال سواء كانت فريضة أو نافلة، ادائية كانت أو قضائية، للنفس كانت أو عن الغير لقوله تعالى: «إِذٰا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلٰاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ...» فإنّ مفاده اشتراط الصلاة بالوضوء من دون فرق بين ما إذا كان المراد هو القيام من النوم أو مطلق القيام و إرادة الاشتغال بالصلاة، و مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الأقسام المذكورة للصلاة أصلًا. و هنا روايات كثيرة دالّة على ذلك- مضافاً إلى وضوحه عند المتشرّعة- كصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: لا صلاة إلّا بطهور. «1» و صحيحته الاخرى قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الفرض في الصلاة فقال: الوقت و الطهور و القبلة و التوجّه و الركوع و السجود و الدعاء الحديث. «2» و مرسلة الصدوق المعتبرة قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: افتتاح الصلاة الوضوء و تحريمها

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الأول ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الأول ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 353

..........

______________________________

التكبير و تحليلها التسليم «1».

و مرسلته الاخرى كذلك قال: قال

الصادق عليه السلام: الصلاة ثلاث أثلاث: ثلث طهور و ثلث ركوع و ثلث سجود «2». و غير ذلك من النصوص الظاهرة في الاشتراط أو في لزوم الإعادة بدون الوضوء المساوق مع الاشتراط. و أمّا اعتباره للاجزاء المنسيّة المقضية بعد الصلاة كالسجدة الواحدة و التشهّد- بناءً على وجوب قضائه- فالدليل عليه هو الدليل على اعتباره في أصل الصلاة لأنّ الأجزاء المنسيّة هي الأجزاء المعتبرة في الصلاة، غاية الأمر انّه تغيّر مكانه لأجل النسيان و كما يعتبر الوضوء في قضاء الصلاة الفائتة لأجل النسيان أو غيره كذلك يعتبر في قضاء الأجزاء المنسية التي تبدّل مكانها من دون فرق أصلًا. و أمّا سجدتا السهو فقد احتاط فيهما استحباباً في المتن برعاية الوضوء فيهما لكون الأظهر عدم الاعتبار لعدم كونهما من أجزاء الصلاة و لا تكونان كصلاة الاحتياط التي هي مكمّلة للصلاة على تقدير النقص و صلاة مستقلّة على التقدير الآخر، بل هما خارجتان عن الصلاة أوجبهما الشارع عقوبة للنسيان الموجب للإخلال بشي ء ممّا اعتبر فيها و لذا لا يكون الإخلال بهما- و لو عمداً- موجباً للبطلان، نعم الاحتياط الاستحبابي لا ينبغي تركه. و أمّا الطواف فإن كان جزء للحج أو العمرة الواجبين فلا إشكال في اعتبار الوضوء فيه للأخبار الكثيرة الواردة فيه التي منها صحيحة محمد بن مسلم قال:

سألت أحدهما عليهما السلام عن رجل طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور قال:

يتوضّأ و يعيد طوافه و إن كان تطوّعاً توضّأ و صلّى ركعتين. «3» و منها صحيحة علي بن

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الأول ح- 7.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الأول ح- 8.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير

الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 354

..........

______________________________

جعفر عن أخيه عليه السلام سألته عن رجل طاف ثمّ ذكر انّه على غير وضوء قال: يقطع طوافه و لا يعتدّ به «1». و منها غير ذلك من الروايات الدالّة عليه. و إن لم يكن جزء للحجّ أو العمرة الواجبين فتارة يكون جزء للمندوبين منهما، و اخرى لا يكون جزء من أحدهما، بل يكون عملًا مستقلّاً يؤتى به استحباباً و قد احتاط في المتن بالاعتبار في الأوّل أيضاً و منشؤه ادّعاء الإجماع على أنّ الحج و العمرة يجب إتمامهما بالشروع فيهما مضافاً إلى دلالة قوله تعالى: «وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ» «2» على وجوب الإتمام و لكنّه يمكن المناقشة في الإجماع المنقول بعدم الحجّية و في دلالة الآية بعدم كونها مسوقة لبيان وجوب الإتمام مطلقاً و من الممكن أن يكون المراد وجوب الإتمام في الحجّ و العمرة الواجبين المعهودين، كما انّه يمكن أن يكون المراد إيجاب الإتمام للّٰه لا لغرض آخر، و التحقيق في باب الحجّ مع انّه على تقدير وجوب الأمرين بمجرّد الشروع أيضاً يمكن أن يقال: إنّ المراد من قوله:

طاف طواف الفريضة هو الطواف الذي كان العمل الذي هو جزء له فريضة لا الطواف الواجب و لو كان وجوبه لأجل الشروع في العمل الواجب لعدم كون الفريضة وصفاً للطواف، بل وصف لما اضيف إليه. نعم يبعّد ذلك قوله عليه السلام: و إن كان تطوّعاً، الظاهر في رجوع الضمير إلى نفس الطواف لا العمل الذي هو جزء له، و عليه فقرينة المقابلة تقتضي كون المراد بطواف الفريضة هو الطواف الذي كان فريضة، و كيف كان فالاحتياط في هذا القسم لا يجوز تركه. و أمّا الثاني فمقتضى الروايات

الكثيرة عدم اعتبار الوضوء فيه مثل رواية محمد بن مسلم المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: و إن كان تطوّعاً توضّأ و صلّى ركعتين، و إن كان يمكن المناقشة في دلالتها بأنّه يحتمل أن يكون مورد السؤال

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثلاثون ح- 4.

(2) سورة البقرة: 196.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 355

..........

______________________________

خصوص صورة النسيان، و عليه فالحكم بالصحّة فيها لا يلازم عدم الاعتبار مع التوجّه و الالتفات أيضاً. و رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قلت له: إنّي أطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء؟ قال: توضّأ و صل و إن كنت متعمّداً «1»، و بمثلها يجاب عن المناقشة يجاب عن المناقشة المذكورة و يعلم انّ المراد من مورد السؤال أعمّ من صورة النسيان و يشمل صورة التعمّد أيضاً، كما انّه بسبب هذه الروايات تقيد المطلقات الواردة الدالّة على أنّ الطواف يعتبر فيه الوضوء كرواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يطوف على غير وضوء أ يعتدّ بذلك الطواف؟

قال: لا. «2» كما انّه بها يفسّر ما ورد من انّ الطواف بالبيت صلاة لو كان المراد التنزيل في جميع الجهات لا التشبيه في خصوص ما يترتّب عليه من الأجر و الثواب كما لا تبعد دعواه. ثمّ إنّه لا خفاء في اعتبار الوضوء في صلاة الطواف و إن كان تطوّعاً و يدلّ عليه- مضافاً إلى ما عرفت من اعتبار الوضوء في الصلاة مطلقاً- الروايات الدالّة على اعتباره فيها كبعض الروايات المتقدّمة، بل بعضها يدلّ على إعادة الصلاة مع نسيان الوضوء دون الطواف كرواية حريز عن أبي عبد اللّه

عليه السلام في رجل طاف تطوّعاً و صلّى ركعتين و هو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين و لا يعيد الطواف «3».

فإنّ موردها امّا خصوص صورة النسيان أو الأعمّ منه و من المتعمّد. ثمّ الظاهر انّ الطواف الواجب بالنذر بحكم الطواف المستحبّ في عدم اعتبار الوضوء فيه و ذلك لأنّ الوجوب الذي يتحقّق بسبب النذر إنّما يكون متعلّقه الوفاء

______________________________

(1) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثلاثون ح- 9.

(2) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثلاثون ح- 5.

(3) الوسائل أبواب الطواف الباب الثامن و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 356

..........

______________________________

بالنذر و لا يتعدّى عنه إلى ما به يتحقّق الوفاء و لا يصير الطواف واجباً و إلّا يلزم اجتماع الحكمين في الطواف فهو قبل تعلّق النذر به و بعده على حكمه الاستحبابي، غاية الأمر موافقة الحكم الوجوبي المتعلّق بالوفاء لا تحصل إلّا مع الإتيان بهذا العمل المستحبّ فإذا فرضنا انّ الطواف المستحبّ لا يكون مشروطاً بالوضوء فكيف يتغيّر الحكم بعد تعلّق النذر و يصير الطواف مشروطاً به، و دعوى انّ ما ذكر يجري في الطواف الذي هو جزء للحجّ المستحبّ أو العمرة كذلك و إن قلنا بالوجوب بمجرّد الشروع لأنّ متعلّق الوجوب بمقتضى الآية هو عنوان الإتمام و هو لا يوجب صيرورة الطواف واجباً لعدم تعدّي الحكم عن متعلّقه إلى غيره مدفوعة بأنّ عنوان الإتمام ليس عنواناً مغايراً لبقيّة الأعمال بل هو عنوان انتزاعي لها جي ء بها كناية عنها و هذا بخلاف عنوان الوفاء بالنذر الذي هو عنوان مستقلّ لا يرتبط بالعنوان الذي صار متعلّقاً للنذر فتدبّر جيّداً. هذا تمام الكلام في القسم الأوّل. و أمّا القسم الثاني

و هو ما يكون الوضوء شرطاً لجوازه و رفع المنع عنه فمصداقه الظاهر مسّ كتابة القرآن، و الكلام في هذه المسألة يقع من جهات: الجهة الاولى: في انّه هل يحرم مسّ كتابة القرآن من غير وضوء أم لا؟ المشهور بين المتقدّمين و المتأخّرين الأوّل، بل عن المختلف و ظاهر البيان و التبيان الإجماع عليه، و خالفهم في ذلك الشيخ و ابن البراج و ابن إدريس و الأردبيلي- و التزموا- على ما حكى عنهم- بالكراهة. و قد استدلّ على مذهب المشهور بقوله تعالى: «لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ» «1». و أورد على الاستدلال به بأنّ معنى الآية المباركة انّ الكتاب لعظمة معاني آياته

______________________________

(1) سورة الواقعة: 79.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 357

..........

______________________________

و دقّة مطالبه لا ينال فهمها و لا يدركها إلّا من طهّره اللّٰه سبحانه، و هم الأئمّة عليهم السلام لقوله سبحانه: «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً». و ليست لها دلالة على حصر جواز المسّ للمتطهّر لأنّ المطهّر- بالفتح- غير المتطهّر و هما من بابين و لم ير إطلاق الأوّل على الثاني في شي ء من الكتاب و الأخبار، على أنّ الضمير في يمسّه إنّما يرجع إلى الكتاب المكنون و هو اللوح المحفوظ- الذي يكون القرآن فيه- و معناه انّ الكتاب المكنون لا يصل إلى دركه إلّا من طهّره اللّٰه و هم الأئمّة عليهم السلام فالآية أجنبية عن المقام بالكلّية. هذا بالنظر إلى نفس الآية المباركة. و أمّا بالنظر إلى ما ورد في تفسيرها ففي رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي الحسن عليه السلام قال: المصحف لا تمسّه على غير طهر و لا جنباً و

لا تمسّ خطّه و لا تعلّقه انّ اللّٰه تعالى يقول: لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. «1» و مقتضى الرواية انّ الضمير في «يمسّه» راجع إلى الكتاب الموجود بين المسلمين و انّ المراد بالمسّ هو المسّ الظاهري إلّا غير قابلة للاستدلال بها لضعف سندها من وجوه منها انّ الشيخ رواها باسناده عن علي بن حسن بن فضّال و طريق الشيخ إليه ضعيف، بل و دلالتها أيضاً قابلة للمناقشة لاشتمالها على المنع من تعليق الكتاب و حيث لا قائل بحرمة التعليق من غير وضوء فلا مانع من أن يجعل ذلك قرينة على إرادة الكراهة من النهي و لو بأن يقال إنّ الكتاب لمكان عظمته و شموخ مقاصده و مداليله لا يدركه غير المعصومين عليهم السلام و لذا يكره مسّه و تعليقه من غير طهر فالرواية لا تدلّ على حرمة المسّ و إرجاع الضمير إلى الكتاب الموجود بين المسلمين. هذا ما أفاده بعض الأعلام- على ما في تقريراته في شرح العروة-.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 358

..........

______________________________

و الجواب عنه انّ رجوع الضمير إلى الكتاب الموجود بين المسلمين ممّا لا مجال لإنكاره فإنّ الآيات الواقعة بعد قوله تعالى: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ» إنّما يكون في وصف القرآن و قد وصفه تعالى بأنّه في كتاب مكنون و انّه لا يمسّه إلّا المطهرون و انّه تنزيل من ربّ العالمين، فهل يرجع الضمير في «لا يمسّه» إلى الكتاب المكنون مع انّ التنزيل الواقع بعده صفة للقرآن لا للكتاب المكنون، فالضمير يرجع إلى القرآن بلا إشكال. و أمّا عنوان المطهّر- بالفتح- فقد قال اللّٰه تعالى في ذيل آية الوضوء: «وَ لٰكِنْ يُرِيدُ

لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ» «1»، و قال تعالى في موضع آخر: «وَ يُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ» «2» و مقتضى الآيتين صيرورة المتوضّي و المغتسل مطهّرين- بالفتح- بالتطهير الذي أراده اللّٰه، نعم الفرق بين التطهير الذي يدلّ عليه آية التطهير المعروفة و بين التطهير الذي هو مفاد آية الوضوء و شبهها هو انّ التطهير في آية التطهير متعلّقة للإرادة التكوينية و متعلّقة بالنفوس و القلوب و مرجعها إلى تطهيرها من أرجاس المعاصي و قذارات الذنوب أو ممّا هو أعظم من ذلك و أدقّ و هو التعلّق بغيره تعالى و التطهير في آية الوضوء متعلّقة للإرادة التشريعية و متعلّقة بالمتوضّي و مرجعها إلى تطهيره من قذارة الحدث. نعم يمكن الإيراد على الاستدلال بالآية بعدم ظهورها في نفسها في كون المراد من المسّ هو المسّ الظاهري و في كون المراد من المطهّرين ما يشمل غير الأئمّة المعصومين- صلوات اللّٰه عليهم أجمعين- لأنّه يحتمل قويّاً بعد رجوع الضمير إلى نفس القرآن على ما هو ظاهر الآية بلا ريب أن يكون المراد من المسّ هو

______________________________

(1) سورة المائدة: 6.

(2) سورة الأنفال: 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 359

..........

______________________________

العلم و الاطّلاع من المطهّرين خصوصهم سيّما مع فرض كون «لا» في «لا يمسّه» نافية لا ناهية، فالاستدلال بها غير تامّ. و أمّا الرواية الواردة في تفسير الآية فإن كان الاستشهاد الواقع فيها بالآية الكريمة تعليلًا حقيقيّاً فهي تدلّ على كون المراد منها هو المسّ الظاهري من غير طهر و اشتمالها على النهي عن بعض الامور غير المشروطة بالطهارة كالتعليق و مسّ غير الخطّ لا يوجب رفع اليد عمّا هو ظاهرها بالإضافة إلى المقام

إلّا أن يقال بدلالتها- حينئذٍ- على كون «لا» في الآية ناهية و المراد منها هي الكراهة دون الحرمة و يبعّده- حينئذٍ- كونه خلاف ظاهر السياق، و إن لم يكن الاستشهاد تعليلًا كذلك فمدلول الرواية- حينئذٍ- حرمة مسّ الخطّ و التعليق مطلقاً و لو مع الطهر لعدم تحقّق التقييد بالإضافة إليها و عدم كون الاستشهاد بنحو التعليل حتّى يصير قرينة على التقييد فتدبّر. و كيف كان فالاستدلال بالآية و لو بضميمة الرواية الواردة في تفسيرها غير خالية عن المناقشة، نعم حكى في مجمع البيان عن محمد بن علي الباقر عليه السلام في قوله:

لا يمسّه إلّا المطهرون قال: من الاحداث و الجنابات و قال: لا يجوز للجنب و الحائض و المحدث مسّ المصحف. و لكنّها مرسلة لا يجوز الاعتماد عليها. و أمّا الروايات فمنها: مرسلة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: كان إسماعيل بن أبي عبد اللّه عنده فقال: يا بني اقرأ المصحف فقال: إنّي لست على وضوء فقال: لا تمسّ الكتابة و مسّ الورق و اقرئه «1».

و منها: موثقة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّن قرأ في المصحف و هو على غير وضوء قال: لا بأس و لا يمسّ الكتاب «2». و الإرسال في الاولى و الضعف

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني عشر ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 360

..........

______________________________

في الثانية- على تقديره- ينجبر باستناد المشهور على طبقهما خصوصاً مع تأيّدهما بالآية و ما ورد في تفسيرها من الرواية. الجهة الثانية: في انّه لا فرق في القرآن الذي يحرم مسّه على المحدث بين الآية و

الكلمة و الحرف لأنّ الحرمة إنّما ترتّبت على مسّ القرآن النازل على النبي صلى الله عليه و آله و من الواضح عدم كون المراد هو المجموع نوعاً و مورد المرسلة و الموثقة هو مسّ البعض، فإذا كان البعض أيضاً محكوماً بحرمة المسّ لا يبقى فرق بعده بين الآية و الكلمة و الحرف بل و لا فرق في الحرف بين ما كان يقرأ و يكتب كما هو الغالب في الحروف أو يكتب و لا يقرأ كالألف في قالوا و آمنوا و أشباههما أو يقرأ و لا يكتب إذا كتب كما في الواو الثاني من «داود» إذ كتب بواوين، و كالألف في «رحمن و لقمان» نعم ربّما يستثنى من ذلك ما لا يكون صحيحاً حسب قواعد الكتابة ككتابة «ما لهذا الكتاب»: مال هذا الكتاب تبعاً للخليفة الثالث و احتفاظاً بكتابته إلى الآن نظراً إلى أنّ ما يعدّ غلطاً بحسب القواعد يكون زائداً خارجاً عن كتابة القرآن فلا يحرم مسّه. و لكن الظاهر عدم صحّة الاستثناء لعدم كون الملاك في القرآنية هي الصحّة بحسب قواعد الكتابة لعدم دوران القرآنية مدار الكتابة، أ لا ترى انّه لو كتب حروف القرآن بأجمعها منفصلة كلّ حرف عن الآخر مثل كتابة «الحمد»: ال ح م د هل يمكن الفتوى بجواز مسّه لعدم كونه مكتوباً على حسب قواعد الكتابة أم لو كتب القرآن على وفق الحروف المعروفة ب «لاتين» هل يخرج عن القرآنية و يجوز مسّه فالاستثناء في غير محلّه، نعم ترجمة القرآن و تبديله من العربية إلى سائر اللغات لا يوجب بقاء عنوانه و صدق اسم القرآن عليه؛ لأنّ القرآن النازل على النبيّ صلى الله عليه و آله عربيّ اللغة قال اللّٰه تعالى: «إِنّٰا أَنْزَلْنٰاهُ

قُرْآناً عَرَبِيًّا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 361

..........

______________________________

لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» «1». و كما يحرم مسّ حروف القرآن يحرم مسّ علامتي المدّ و التشديد و الإعراب أيضاً لأنّها و إن لم يكن مع عدم الكتابة موجباً لانتقاص القرآن و كونه غير كامل إلّا انّه مع الكتابة لا تكون خارجة عن القرآن فهي كما ذكر من الألف في رحمن و لقمان لا يكون تركه قادحاً، و لكنّه عند كتابته متّصف بالجزئية مع انّ المتفاهم عرفاً من مسّ كتابة القرآن المحكوم بالحرمة هو مسّ ما يشمل مثل ذلك و لا يكون المدّ و التشديد و الإعراب خارجاً عن موضوع الحكم بنظرهم أصلًا. ثمّ إنّه لا فرق بين ما كان في القرآن أو منه في كتاب فقه أو لغة أو غيرهما لما عرفت من عدم ترتّب الحكم على مسّ المجموع، و من الواضح عدم خصوصية لانضمام باقي الآيات و الحروف إليه لكن عن الشهيد قدس سره التصريح بجواز مسّ الدراهم البيض المكتوب عليها شي ء من الكتاب مستدلّاً برواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته هل يمسّ الرجل الدراهم الأبيض و هو جنب؟ فقال: أي انّي و اللّٰه لأوتي بالدرهم فآخذه و انّي لجنب. «2» و ذكر انّ عليه سورة من القرآن، و من الواضح انّه لا خصوصية في الحكم بالجواز للدراهم فالرواية تدلّ على جواز مسّ كتابة القرآن في غير المصحف مطلقاً درهماً كان أو غيره.

و أورد على الاستدلال بالرواية بضعف السند و المناقشة في الدلالة: امّا ضعف السند فلأنّ الراوي عن محمد بن مسلم هو البزنطي الذي هو من أصحاب الرضا و الجواد عليهما السلام مع انّ محمد بن مسلم

من أصحاب الصادقين عليهما السلام ليسا من أهل طبقة واحدة و لا يمكن للبزنطي النقل عنه من دون واسطة و لم يذكر

______________________________

(1) سورة يوسف: 2.

(2) الوسائل أبواب الجنابة الباب الثامن عشر ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 362

..........

______________________________

محمد بن مسلم في عداد شيوخ البزنطي أصلًا مع انّ المحقّق نقل الرواية في المعتبر عن جامع البزنطي و لم يثبت اعتبار طريقه إلى هذا الكتاب. و أمّا المناقشة في الدلالة فلأنّ مدلولها انّ الجنب يجوز أن يأخذ الدرهم المكتوب عليه شي ء من الكتاب، و أمّا انّ الجنب يجوز أن يمسّ تلك الآية المكتوبة عليه إذ ليست في الرواية أيّة دلالة عليه فمن الجائز أن تكون الرواية ناظرة إلى دفع توهّم انّ الجنب لا يجوز أن يأخذ الدرهم الذي فيه شي ء من الكتاب فهذه الرواية ساقطة. أقول: و يمكن المناقشة من جهة اخرى أيضاً و هي انّ الرواية لا دلالة لها على كون الدراهم البيض مكتوباً عليها شي ء من الكتاب و لم يعلم المراد ممّن ذكر انّ عليه سورة من القرآن و انّ قوله هل يكون معتبراً أم لا خصوصاً مع عدم اشتمال شي ء من الروايات الواردة في مسّ الجنب و مثله الدراهم أو الدراهم الأبيض على هذه الخصوصية، بل هي امّا مطلقة أو مشتملة على خصوصية اسم اللّٰه أو اسم رسوله أيضاً و قد حمل الشيخ رواية إسحاق بن عمّار عن أبي إبراهيم و فسّرها بما إذا لم يكن عليها اسم اللّٰه قال: سألته عن الجنب و الطامث يمسّان أيديهما الدراهم البيض؟

قال: لا بأس «1». و لو كانت الدراهم البيض مكتوباً عليها شي ء من الكتاب لكان الحمل عليه و التفسير

به أولى كما لا يخفى هذا مع انّ اشتمال الدرهم على القرآن خصوصاً على سورة منه بعيد في نفسه و هذا بخلاف الاشتمال على اسم اللّٰه أو اسم الرسول. الجهة الثالثة: في أنّه هل يلحق بكتابة القرآن أسماء اللّٰه و صفاته الخاصّة أم لا؟

______________________________

(1) الوسائل أبواب الجنابة الباب الثامن عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 363

..........

______________________________

ربّما يقال بأنّه إن اعتمدنا في الحكم بحرمة مسّ الكتاب على موثقة أبي بصير المتقدّمة لم يمكننا الحكم بحرمة المسّ في غيره لاختصاص الموثقة بالكتاب و لا سبيل لنا إلى ملاكات الأحكام الشرعية لنتعدّى عنه إلى غيره، و أمّا لو كان المدرك قوله- عزّ من قائل-: «إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتٰابٍ مَكْنُونٍ* لٰا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ»، فلا مانع من التعدّي إلى أسماء اللّٰه و صفاته الخاصّة لدلالة الآية المباركة على انّ المنع عن مسّ كتابة القرآن إنّما هو لكرامته فيصحّ التعدّي منه إلى كلّ كريم و أسماء اللّٰه من هذا القبيل. أقول: لو كان المدرك هي الآية المباركة أيضاً لما جاز التعدّي؛ لأنّ التوصيف بكلّ من الكرامة و كونه في كتاب مكنون و انّه لا يمسّه إلّا المطهّرون إنّما هو في عرض واحد بلا ترتّب لواحد منها على الآخر و لو كان التوصيف بالكرامة دخيلًا لكان الثبوت في اللوح المحفوظ أيضاً كذلك فلا فرق بين الآية و الرواية من هذه الجهة أصلًا. نعم يمكن الاستدلال على أصل الحكم- مضافاً إلى انّه لو كان كتاب شخص محكوماً بحكم يناسب احترامه و تعظيمه و تجليله لكان اسمه وصفته الخاصّة محكوماً بذلك الحكم بطريق أولى فتدبّر بموثّقة عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السلام

قال: لا يمسّ الجنب درهماً و لا ديناراً عليه اسم اللّٰه «1». و قد عرفت انّه حمل الشيخ رواية إسحاق بن عمّار الدالّة على نفي البأس عن مسّ الجنب و الطامث الدراهم البيض على ما إذا لم يكن عليها اسم اللّٰه. بدعوى انّ مورد الرواية و إن كان هو الجنب إلّا انّه لا يبعد أن يقال بأنّ المراد منه مطلق المحدث و لو كان بالحدث الأصغر و لكن هذه الدعوى ممنوعة لاختصاص الجنب و مثله بأحكام لا تجري في مطلق المحدث، و من الممكن أن يكون المقام منها فلا وجه لإلغاء الخصوصية و عليه لا يبقى للإلحاق دليل و كأنّه لأجل ذلك لم يتعرّض له الكثير من الأصحاب أو الأكثر، و منه يظهر انّ الإشكال في لحوق أسماء الأنبياء و الأئمّة عليهم السلام و الملائكة يكون أشدّ و لكن عن كشف الالتباس الإلحاق في الأوّلين أيضاً للفحوى، و يدفعه- مضافاً إلى ما ذكر- انّه لم يتوهّم أحد انّ مسّ المحدث بدون النبي أو أحد الأئمّة- عليه و عليهم السلام- حرام مع انّه أولى من مسّ أسمائهم، و على ما ذكرنا فالحكم بالإلحاق يبتني على الاحتياط من دون أن يكون عليه دليل.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الجنابة الباب الثامن عشر ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 364

مسألة 1- لا فرق في حرمة المسّ بين أجزاء البدن ظاهراً و باطناً،

نعم لا يبعد جواز المسّ بالشعر، كما لا فرق بين أنواع الخطوط حتّى المهجور منها كالكوفي، و كذا بين أنحاء الكتابة من الكتب بالقلم أو الطبع أو غير ذلك. و أمّا الثالث فهو أقسام كثيرة لا يناسب ذكرها في هذه الوجيزة، و في كون الوضوء مستحبّاً بنفسه تأمّل (1).

______________________________

(1) امّا عدم الفرق في حرمة المسّ

بين أجزاء البدن ظاهراً و باطناً فالوجه فيه إطلاق الدليل؛ لأنّ الحكم قد رتّب فيه على عنوان المسّ و هو يشمل المسّ بكلّ جزء و لو كان من الأجزاء الباطنية كالمسّ باللسان أو الأسنان، و أمّا المسّ بالشعر فقد نفي البعد عن جوازه في المتن و لعلّه لعدم تحقّق المسّ به عرفاً، و لكنّه ربّما يقال بأنّ الشعر اخذا كان قليلًا و خفيفاً فهو لا يمنع عن صدق المسّ بالبدن أو اليد و نحوهما بخلاف ما إذا كان طويلًا أو كثيفاً فانّه لا يصدق على المسّ به مسّ الكتابة باليد أو غيرها لأنّه في حكم المسّ بالأمر الخارجي الذي لا يكون مشمولًا للدليل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 365

..........

______________________________

و يرد عليه المنع عن الصدق في الصورة الاولى أيضاً فإنّ المسّ بالشعر لا يوجب صدق المسّ بالبدن أو اليد، نعم يمكن أن يقال: انّ الشعر ما دام متّصلًا بالبدن غير منقطع عنه يكون من أجزاء البدن و مقتضى إطلاق الدليل الشمول له أيضاً و إن كان ممّا لا تحلّه الحياة، و لكن يرد عليه خروجه عمّا هو المتفاهم عرفاً من الدليل فلا يبعد الحكم بالجواز و إن كان الأحوط الترك. و أمّا عدم الفرق بين أنواع الخطوط كالكوفي و النسخ و النستعليق و الثلث و أشباهها فلأنّ الحرمة مترتّبة على مسّ الكتاب أو الكتابة، و من الواضح صدقه على كلّ نوع و لو صار مهجوراً في زمان لأنّ المهجوريّة لا تخرجه عن كونه قرآناً كما لا يخفىٰ. و أمّا أنحاء الكتابة فهي أربعة: أحدها: الخطّ الباز و هو الذي يعلو على سطح القرطاس أو الجلد أو غيرهما و يكون له تجسّم.

ثانيها: الخطّ العادي و هو الذي لا يعلو على سطح القرطاس و نحوه، بل يكون كالنقش الخالي عن الجرمية و هذا هو المتعارف الغالب في الكتابة. ثالثها: الخطّ المحفور و هو الذي يحفر على الخشب أو الحجر أو نحوهما. رابعها: الخطّ المحزّم كما في الشبابيك المخرّمة. امّا القسمان الأوّلان فلا إشكال في حرمة مسّهما لصدق مسّ كتابة القرآن فيهما يقيناً، و أمّا الأخيران فقد استشكل فيه شيخنا الأعظم قدس سره لعدم كون الكتابة ممّا يقبل المسّ لقيام الخطّ فيهما بالهواء و لا يصدق المسّ فيهما عرفاً. و لكن الظاهر انّ العرف لا يرى أن يكون هناك خطّ و مع ذلك لا يكون قابلًا للمسّ، غاية الأمر انّ المسّ في الخطوط مختلف و في الأخيرين انّما يتحقّق

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 366

..........

______________________________

بمسّ أطراف الحفر المتّصلة بالسطح، نعم في مثل الشبابيك المخرّمة التي يحدث من إشراق الشمس عليها نور للشمس في الأرض بصورة الكتابة أو ظلّ كذلك ربّما يتأمّل في صدق الكتابة على ذلك النور أو الظلّ لعدم وضوح صدق عنوان كتابة القرآن عليه، كما انّه ربّما يتأمّل في صدقها فيما إذا كتب باصبعه- مثلًا- على مثل الدهن الذي له ميعان في الجملة بحيث تمحو الكتابة بعد زمان يسير و لكن الظاهر الصدق في هذه الصورة ما دام لم يتحقّق الانمحاء و عدم البقاء إلّا يسيراً لا يمنع عن الصدق ما دام باقياً. نعم في الخطّ الذي لا يكون ظاهراً فعلًا، بل يظهر بعد عمل و علاج كما إذا كتب بماء البصل حيث لا يظهر أثر الكتابة إلّا إذا أحمى على النار وقع الإشكال في أنّه هل يحرم مسّه قبل

ظهوره بالعلاج أم لا؟ و قد استظهر صاحب العروة قدس سره الحرمة و الوجه فيها انّ الكتابة موجودة قبل العلاج و إن لم تكن بارزة ضرورة انّ الحرارة ليست من أسباب تكوّنها و حدوثها، بل هي موجبة لبروزها و ظهورها و متعلّق الحرمة لا يكون مقيّداً بقيد البروز على ما هو مقتضى الإطلاق فالظاهر ما أفاده.

هذا تمام الكلام في القسم الثاني. و أمّا القسم الثالث و هو ما كان الوضوء شرطاً لكماله فله أقسام كثيرة ليس التعرّض لها خصوصاً مع كون البناء على الاختصار بمهمّ و انّما المهمّ التعرّض لما وقع مورداً للبحث و الإشكال و هو انّ الوضوء هل يكون مستحبّاً في نفسه بحيث كان الإتيان بها مجرّداً عن جميع الغايات حتّى الكون على الطهارة محبوباً أم لا، و قد تأمّل فيه في المتن و نفى البعد عنه صاحب العروة، و عن جماعة إنكار ذلك و انّ الوضوء إنّما يتّصف بالاستحباب فيما إذا أتى به لغاية من الغايات المستحبّة و لو كانت هي الكون على الطهارة بناء على أنّ الطهارة أمر يترتّب على الوضوء لأنّ الوضوء بنفسه طهارة. و قد استدلّ على الاستحباب النفسيّ بقوله تعالى: «إِنَّ اللّٰهَ يُحِبُّ التَّوّٰابِينَ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 367

..........

______________________________

وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ» «1» بضميمة الأخبار الدالّة على أنّ الوضوء طهور و هي كثيرة منها صحيحة زرارة المتقدّمة الدالّة على أنّه لا صلاة إلّا بطهور، نظراً إلى أنّ مفاد الآية انّ الطهارة محبوبة له تعالى و لا معنى لحبّه لها إلّا أمره بها و بعثه إليها، فالمستفاد منها انّ الطهارة مأمور بها شرعاً، نعم المراد بالطهارة في الآية المباركة ما يعمّ النظافة العرفية للاستشهاد

بها عليها في بعض الروايات فالآية المباركة دلّت على أنّ اللّٰه يحبّ التطهير بالماء، و حيث إنّ ورود الآية في مورد لا يوجب اختصاصها بذلك المورد فيتعدّى عنه إلى مطلق النظافات العرفية و الشرعية، و على الجملة فالمستفاد من الآية انّ النظافة بإطلاقها محبوبة للّٰه و انّها مأمور بها في الشريعة المقدّسة هذا كلّه في الكبرى، و أمّا تطبيقها على الوضوء فلأنّ الطهارة اسم لنفس الوضوء لا انّها أثر مترتّب عليه كترتّب الطهارة على الغسل في تطهير المتنجّسات فإذا قلنا: الصلاة يشترط فيها الطهارة فلا نعني انّ الصلاة مشروطة بأمرين و إنّما المراد انّها مشروطة بشي ء واحد و هو الغسلتان و المسحتان المعبَّر عنهما بالطهارة، و على هذا جرت استعمالاتهم فيقولون: الطهارات الثلاث و يريدون بها الوضوء و الغسل و التيمّم. إن قلت: الطهارة أمر مستمرّ و لها دوام و بقاء بالاعتبار و ليس الأمر كذلك في الوضوء لأنّه يوجد و ينصرم فكيف تنطبق الطهارة على الوضوء. قلت: الوضوء كالطهارة أمر اعتبر له الدوام و البقاء كما يستفاد من جملة من الروايات كما في صحيحة زرارة: الرجل ينام و هو على وضوء... و ذلك لأنّه لو لم يكن للوضوء استمرار و دوام فما معنى انّ الرجل ينام و هو على وضوء إذ الأفعال توجد و تنصرم، و كون الرجل على وضوء فرع أن يكون الوضوء أمراً مستمرّاً

______________________________

(1) سورة البقرة: 222.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 368

..........

______________________________

بالاعتبار. و بعبارة اخرى ظاهر هذا القول انّ الرجل بالفعل على وضوء و هذا لا يستقيم إلّا إذا كان المرتكز في ذهن السائل انّ الوضوء له بقاء و دوام بالاعتبار. و كما في الأخبار

الواردة في انّ مثل الرعاف و القي ء غير ناقض للوضوء و انّ البول و الغائط و النوم و المنيّ ناقض له فإنّ النقض إنّما يتصوّر في الأمر الباقي و المستمرّ، و أمّا ما لا وجود له بحسب البقاء فلا معنى لنقضه و عدم نقضه فمن هذا كلّه يظهر انّ الوضوء لا بالمعنى المصدري الإيجادي أمر مستمرّ و هو المأمور به في مثل الصلاة و هو المعبّر عنه بالطهارة في عبارات الأصحاب، فالوضوء بنفسه مصداق للطهارة و النظافة تعبّداً فتشملها الكبرى المستفادة من الآية المباركة و هي محبوبيّة النظافة و كونها مأموراً بها من قبل الشرع. فتحصّل انّ الوضوء بنفسه- من غير أن يقصد به شي ء من غاياته- أمر محبوب و مأمور به لدى الشرع كما انّه كذلك عند قصد شي ء من غاياته. أقول: إن كانت الآية الشريفة شاملة للنظافة العرفيّة خصوصاً مع الاستشهاد بها عليها في بعض الروايات فلا مجال لتكلّف دعوى كون الوضوء بنفسه مصداقاً للطهارة تعبّداً فإن كونه مصداقاً للنظافة العرفيّة لا موقع للخدشة فيه خصوصاً بعد ملاحظة الرواية التي استشهد بها عليها فيها حيث تدلّ على أنّ موردها الاستنجاء بالماء بعد تداول الاستنجاء بالأحجار بين الناس فإنّ الاستنجاء بالماء حيث كان يزيد في النظافة و الطهارة فلذا وردت الآية في مورده، و من المعلوم انّ الوضوء يوجب النظافة الزائدة و لو كانت محالّه نظيفة قبله. إن قلت: إنّ دعوى كون الوضوء نظافة شرعية تعبّدية إنّما هي بلحاظ جميع أفعاله أوّلًا مع انّ المسح بمجرّده لا يوجب تحقّق النظافة العرفيّة، و بلحاظ بقائه ما دام لم يتحقّق الحدث ثانياً و إن عرض ما يوجب زوال النظافة العرفية،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة -

أحكام التخلي، ص: 369

..........

______________________________

و بلحاظ اعتبار قصد القربة فيه ثالثاً مع انّ العرفي من النظافة لا يتوقّف عليه. قلت: إذاً لا يكاد يتمّ الاستدلال بالآية لأنّ كون الوضوء بنفسه طهارة ممّا لم يثبت و إطلاق الطهور عليه في صحيحة زرارة لا دلالة فيه على كونه مصداقاً للطهارة فإنّ معنى الطهور ما يتحقّق الطهارة به و لذا اطلق على الماء في قوله تعالى:

«وَ أَنْزَلْنٰا مِنَ السَّمٰاءِ مٰاءً طَهُوراً» «1» و على التراب في مثل قوله عليه السلام: «التراب أحد الطهورين» و لا يلزم من اشتراط الصلاة بالطهارة اشتراطه بأمرين ضرورة انّ الشرط هي الطهارة و أفعال الوضوء محصلة لها لا انّها شرط آخر في قبالها كما لا يلزم من اشتراطها بطهارة اللباس اشتراطها بأمرين مع اعترافه بأنّ الطهارة أمر يترتّب على الغسل في تطهير المتنجّسات. و أمّا كون الوضوء له دوام و بقاء مع قطع النظر عن الطهارة المترتّبة عليه فهو و إن كان يقتضيه ظاهر الروايات المتقدّمة إلّا انّه لا يبعد دعوى كون المراد هو الوضوء بلحاظ ما يترتّب عليه كما ربّما يؤيّده ما ورد فيه من انّه نور و انّ الوضوء التجديدي نور على نور أو انّه يأمر اللّٰه بالوضوء و الغسل فيختم عليه بخاتم من خواتيم ربّ العزّة كما في بعض الأخبار، نعم يمكن أن يقال: إنّ الطهارة أمر يترتّب على الوضوء و لكن لا دليل على كون الشرط للصلاة هي الطهارة المرتّبة، بل الشرط هو نفس أفعال الوضوء كما هو مفاد آية الوضوء و يؤيّده وجوب الوضوء على المخلوق دفعة و إن لم يكن محدثاً بشي ء من الأحداث أصلًا، و على ما ذكر لا يبقى دليل على استحباب الوضوء من هو،

نعم يمكن الاستدلال عليه بأنّ اعتباره في الصلاة مع كون المعتبر هو الأمر العبادي و الأمر الناشئ من قبل الأمر بالصلاة على تقدير ثبوته نظراً إلى ثبوت الملازمة لا يكاد يكون إلّا أمراً توصلياً لا يعتبر في سقوطه قصد القربة أصلًا فاعتباره في الوضوء دليل على استحبابه النفسي و انّ مقربيّته إنّما هي لأجل تعلّق الأمر النفسي الاستحبابي به إلّا أن يقال: إنّ تعلّق الأمر النفسي لا دلالة له على استحبابه فمن الممكن أن يكون تعلّقه به إنّما هو بلحاظ ترتّب الطهارة عليه و تأثيره في حصولها لا بلحاظ نفسه و لكنّه يجاب عنه بأنّه على هذا التقدير أيضاً يصير الوضوء مقدّمة لحصول الطهارة و لا بدّ من أن يكون مستحبّاً بنفسه ليؤثّر في حصول الطهارة المترتّبة عليه لأنّه لا يتّصف مقدّمة العبادة بالعبادية من جهة المقدّمية فلا بدّ من أن تكون مستندة إلى ما ذاتها من الرجحان و المحبوبيّة. فالإنصاف انّ الاستشهاد للاستحباب النفسي من هذا الطريق أولى من الاستدلال له بما ذكر و إن كان مع ذلك كلّه لا يحصل اطمئنان للنفس بالاستحباب مع قطع النظر عن جميع الغايات حتى الكون على الطهارة فتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) سورة الفرقان: 48.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 370

مسألة 2- يستحبّ للمتوضّي أن يجدّد وضوءه،

و الظاهر جوازه ثالثاً و رابعاً فصاعداً، و لو تبيّن مصادفته للحدث يرتفع به على الأقوى فلا يحتاج إلى وضوء آخر (1).

______________________________

(1) الكلام في هذه المسألة يقع في مقامات: المقام الأوّل: في أصل استحباب تجديد الوضوء و يدلّ عليه النصوص و الفتاوى، ففي رواية المفضل بن عمر عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: من جدّد وضوئه لغير حدث جدّد اللّٰه توبته من غير

استغفار، «1» و رواه في الفقيه مرسلًا و زاد: و في حديث آخر: الوضوء على الوضوء نور على نور. «2» و في رواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: الوضوء بعد الطهور عشر

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن ح- 7.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن ح- 8.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 371

..........

______________________________

حسنات فتطهّروا. «1» و في رواية سماعة بن مهران قال: قال أبو الحسن موسى عليه السلام: من توضّأ للمغرب كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في نهاره ما خلا الكبائر، و من توضّأ لصلاة الصبح كان وضوئه ذلك كفارة لما مضى من ذنوبه في ليلته ما خلا الكبائر. «2» و قال الصدوق: كان النبي صلى الله عليه و آله يجدِّد الوضوء لكلّ فريضة و كلّ صلاة. «3»

و الظاهر انّ المراد من التوضّي للمغرب و لصلاة الصبح في رواية سماعة هو الوضوء التجديدي و إن كان يمكن منعه فتدبّر. و كيف كان فلا خفاء في استحباب تجديد الوضوء و الظاهر انّ الحكم بذلك لا يتوقّف على ثبوت الاستحباب النفسي للوضوء مع قطع النظر عن جميع الغايات بل يجري على إنكاره أيضاً. المقام الثاني: في عدم اختصاص استحباب التجديد بالوضوء الثاني، بل جوازه ثالثاً و رابعاً فصاعداً، و الدليل عليه إطلاق بعض الروايات المتقدّمة كروايتي مفضل بن عمر و محمد بن مسلم، إلّا أن يقال بالانصراف إلى خصوص الوضوء الثاني و هو خال عن الشاهد خصوصاً مع ملاحظة قوله عليه السلام: جدّد اللّٰه توبته من غير استغفار. كما لا يخفى، فالظاهر- حينئذٍ- عدم الاختصاص بالوضوء الثاني. المقام الثالث:

في أنّه لو نوى الوضوء التجديدي فتوضّأ ثمّ تبيّن مصادفته للحدث هل يرتفع الحدث به كما قوّاه في المتن و حكى عن الشيخ و المحقّق و جماعة أم لا؟ و قد صرّح في العروة بالتفصيل بين ما إذا كان قاصداً لامتثال الأمر الواقعي المتوجّه إليه في ذلك الحال بالوضوء و إن اعتقد انّه الأمر بالتجديدي منه فيكون من باب الخطإ في التطبيق و تكون لتلك الغاية مقصودة له على نحو الداعي

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن ح- 10.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن ح- 4.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثامن ح- 9.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 372

..........

______________________________

و بين ما إذا كان مقصودة له بنحو التقييد بحيث لو كان الأمر الواقعي على خلاف ما اعتقده لم يتوضّأ فحكم بالصحّة و إباحة جميع الغايات به في الصورة الاولى و استشكل فيها في الصورة الثانية. هذا و يمكن تنزيل الإطلاق على خصوص الصورة الاولى. و كيف كان فقد استدلّ على التفصيل بما حاصله: انّه إذا كان المقصود الأمر الفعلي المتوجّه إلى المكلّف كان منطبقاً على الأمر الواقعي بالوضوء المطهّر فيكون الأمر المذكور مقصوداً و لا ينافيه اعتقاد كونه الأمر التجديدي لأنّ الخطإ في اعتقاد الصفة لا يمنع من قصد ذات الموصوف و هذا بخلاف ما إذا كان القصد بنحو التقييد فمن قصد إكرام جاره و كان قد اعتقد انّ عمره خمسون سنة فأكرمه كان إكرامه له مقصوداً و إن لم يكن عمره خمسين سنة، نعم لو قيد إكرامه له بالوصف المذكور فقصد إكرام جاره الموصوف بكونه عمره خمسون سنة فأكرمه لم يكن إكرامه له مقصوداً إذا لم يكن عمره خمسين سنة.

و سرّ الفرق انّ الوصف في الثاني لمّا اخذ قيداً لموضوع الإكرام المقصود فبدونه ينتفي موضوعه فينتفي بانتفاء موضوعه، و يكون الإكرام الخارجي الوارد على غير الموضوع غير مقصود، و في الأوّل لمّا اخذ خارجاً عن الموضوع لم يكن انتفاعه موجباً لانتفائه لينتفي الإكرام المقصود. أقول: الظاهر انّ عنوان التجديد ليس من العناوين المنوّعة للوضوء الموجبة لصيرورته على قسمين ضرورة انّ المراد به هو الوضوء الثاني و الثالث و هكذا، و من الواضح انّه لا حاجة في نيّة الوضوء إلى تعيين الأوّلية و مثلها فمن ينوي الوضوء التجديدي فهو ناو للوضوء فقط، غاية الأمر انّه يتخيّل كونه هو الوضوء الثانوي مثلًا. و على ما ذكرنا فإن قلنا باختلاف حكم الوضوء من جهة الوجوب و الاستحباب نظراً إلى أنّ الوضوء الرافع واجب من باب المقدّمة و الوضوء التجديدي مستحبّ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 373

..........

______________________________

فالذي يلزم في المقام تخيّل كون الأمر المتوجّه إليه هو الأمر الاستحبابي و قد حقّقنا في مباحث النيّة انّه لو نوى الاستحباب فيما كان الأمر للوجوب أو بالعكس فذلك لا يضرّ بصحّة إطاعته؛ لأنّ نيّة الخلاف لا تؤثّر في تغيير الشي ء عمّا هو عليه في الواقع لأنّ الداعي له هو أمر المولى و هو موجود شخصي لا يمكن أن يقع على وجوه متعدّدة، و إن لم نقل بوجوب الوضوء من جهة المقدّمية فالصحّة تصير أوضح لأنّ الوضوء مستحبّ نفسي مطلقاً، غاية الأمر انّه تترتّب عليه الرافعية في بعض الموارد من دون حاجة إلى القصد. فانقدح انّ الوضوء التجديدي يرفع الحدث في المقام مطلقاً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 375

القول في أحكام الخلل

مسألة 1- لو تيقّن الحدث و شكّ في الطهارة أو ظنّ بها تطهر

و لو

كان شكّه في أثناء العمل، فلو دخل في الصلاة و شكّ في أثنائها في الطهارة فإنّه يقطعها و يتطهّر، و الأحوط الإتمام ثمّ الاستئناف بطهارة جديدة، و لو كان شكّه بعد الفراغ من العمل بنى على صحّته و تطهّر للعمل اللّاحق. و لو تيقّن الطهارة و شكّ في الحدث لم يلتفت. و لو تيقّنهما و شكّ في المتأخّر منهما تطهر حتّى مع علمه بتاريخ الطهارة على الأقوى، هذا إذا لم يعلم الحالة السابقة على اليقين بهما و إلّا فالأقوى هو البناء على ضدّها، فلو تيقّن الحدث قبل عروض الحالتين بنى على الطهارة، و لو تيقّن الطهارة بنى على الحدث هذا في مجهولي التاريخ، و كذا الحال فيما إذا علم تاريخ ما هو ضدّ الحالة السابقة، و أمّا إذا علم تاريخ

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 376

ما هو مثله فيبني على المحدثية و يتطهّر لكن لا ينبغي ترك الاحتياط في جميع الصور المذكورة. و لو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه أتى به و بما بعده لو لم يحصل مفسد من فوت موالاة و نحوه و إلّا استأنف. و لو شكّ في فعل شي ء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه أتى بما شكّ فهي مراعياً للترتيب و الموالاة و غيرهما ممّا يعتبر فيه. و الظنّ هنا كالشكّ. و كثير الشكّ لا عبرة بشكّه كما انّه لا عبرة بالشكّ بعد الفراغ سواء كان شكّه في فعل من أفعال الوضوء أو في شرط من شروطه (1).

..........

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع كثيرة: الأوّل: ما لو تيقّن الحدث و شكّ في الطهارة و الواجب عليه أن يتطهّر إجماعاً كما عن المنتهى و غيره، بل عن

المدارك انّه إجماع بين المسلمين، بل عن فوائد الاسترآبادي انّه من ضروريات الإسلام و يدلّ عليه- مضافاً إلى ما ذكر- جريان استصحاب الحدث و قد حقّق في محلّه حجّية الاستصحاب مطلقاً. الثاني: ما لو تيقّن الحدث و ظنّ بالطهارة و لا فرق بينه و بين الفرع الأوّل من جهة وجوب التطهّر و جريان استصحاب الحدث؛ لأنّ الظنّ غير المعتبر لا يزيد على الشكّ، و المراد من الشكّ المأخوذ في أدلّة الاستصحاب هو غير اليقين أعني غير الحجّة المعتبرة، كما انّ المراد باليقين هي الحجّة المعتبرة و اخبار لا تنقض ناظرة إلى النهي عن نقض الحجّة المعتبرة بغيرها و لأجله تكون الامارة المعتبرة مقدّمة على الاستصحاب كما انّه لأجله يجري الاستصحاب فيما إذا كان الحكم ثابتاً في الزمان السابق بأمارة معتبرة لا باليقين و التحقيق في محلّه، مع انّه قد

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 377

..........

______________________________

صرّح في بعض روايات الاستصحاب بجريانه مع الظنّ بالخلاف، ففي صحيحة زرارة الطويلة المعروفة في باب الاستصحاب قال: قلت: فإن ظننت انّه قد أصابه و لم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه قال: تغسله و لا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذاك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبداً... «1» فإنّه مع كون مورد السؤال هي صورة الظنّ بالإصابة قد عبّر فيها عن الظنّ بالشكّ و نهى عن نقض اليقين به و ليس المراد من قوله: فنظرت فلم أرَ فيه شيئاً هو انتفاء الظنّ و تبدّله بالشكّ، بل المراد عدم وصول الظنّ إلى مرتبة اليقين بسبب الرؤية فتدبّر. الثالث: ما لو

كان الشكّ في الطهارة أو الظنّ بها بعد تيقّن الحدث في أثناء العمل المشروط بالطهارة كما إذا شكّ في أثناء الصلاة في أنّه تطهّر قبلها أم لا بعد اليقين بالحدث قبله و قد حكم فيه في المتن بأنّه يقطعها و يتطهّر و احتاط بالإتمام ثمّ الاستئناف بطهارة جديدة. و الظاهر انّ مراده هو القطع و التطهّر ثمّ البناء على ما مضى، و يحتمل أن يكون المراد هو الاستئناف بعد التطهّر، و الوجه فيما استظهرناه جريان استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأجزاء الباقية و مقتضاه لزوم التطهّر و لا مجال لجريانه بالإضافة إلى الاجزاء الماضية امّا لعدم ثبوت الشكّ الفعلي حال الدخول في الصلاة و قد حقّق في محلّه اختصاص جريان الاستصحاب بصورة الشكّ و اليقين الفعليين على ما هو ظاهر أخبار لا تنقض، و أمّا لليقين بالخلاف بناء على شمول الفرع لهذه الصورة أيضاً و عدم اختصاصه بصورة الغفلة و الذهول، و على أيّ تقدير لا يجري الاستصحاب بالإضافة إلى ما مضى، بل مقتضى القاعدة الحكم بالصحّة فيه، نعم ينبغي تقييد الحكم بناءً على هذا الوجه بما إذا لم يكن التطهير موجباً لتحقّق الفعل الكثير

______________________________

(1) الوسائل أبواب النجاسات الباب الواحد و الأربعون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 378

..........

______________________________

لو سلم شمول دليل مبطليّته لمثل المقام. و أمّا الوجه فيما احتملناه فهو انّ الاستصحاب و إن لم يكن يجري بالإضافة إلى الاجزاء الماضية إلّا انّه لا دليل على صحّتها أيضاً بعد عدم إحراز وقوعها مع الطهارة لعدم جريان القاعدة المقتضية للصحّة إلّا فيما لو كان الشكّ بعد تمامية العمل و حصول الفراغ عن جميع أجزائه و لا تجري بالنسبة إلى

كلّ جزء بعد تحقّق الفراغ منه. و أمّا الوجه في الاحتياط المذكور فهو انّه يحتمل في باب الشروط خصوصاً في مثل الوضوء الذي هو مركّب من أفعال متعدّدة و يكون الإتيان بها في الأثناء موجباً لتحقّق الفعل الكثير نوعاً أن يكون محلّ إحرازه لجميع أجزاء الصلاة قبل الصلاة لا عند كلّ جزء، فلو شكّ في أثناء الصلاة في الوضوء فهو كما لو شكّ بعدها فيه فلا يعتنى به و لأجله يجب الإتمام، كما انّه يحتمل البطلان من رأس لعدم الدليل على صحّة الأجزاء الماضية فيستأنف بطهارة جديدة. هذا و الظاهر هو ما استظهرناه من أنّ الحكم في هذا الفرع هو القطع و التطهير و البناء على ما مضى و لا مجال لما حكى عن بعض الأساطين من أنّ الشكّ في الشروط بالنسبة إلى الفراغ عن المشروط، بل الدخول فيه، بل الكون على هيئة الداخل حكم الاجزاء في عدم الالتفات فلا اعتبار بالشكّ في الوقت و القبلة و اللباس و الطهارة بأقسامها و الاستقرار و نحوها بعد الدخول في الغاية و لا فرق بين الوضوء و غيره. كما انّه لا مجال لما ذكره بعض الأصحاب كصاحب المدارك و كاشف اللثام من اعتبار الشكّ في الشرط حتّى بعد الفراغ عن المشروط فأوجب إعادة المشروط بل الأقوى كما أفاده الشيخ الأعظم قدس سره هو التفصيل بين الفراغ عن المشروط فيلغو الشكّ في الشرط بالنسبة إليه لعموم لغوية الشكّ في الشي ء بعد التجاوز عنه و بين الشكّ في الأثناء فضلًا عن الكون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 379

..........

______________________________

على هيئة الداخل فيجب الاعتناء بالشكّ؛ لأنّ نسبة الشرط إلى جميع أجزاء المشروط نسبة واحدة و

تجاوز محلّه في الشكّ في الأثناء إنّما هو باعتبار كونه شرطاً للاجزاء الماضية فلا بدّ من إحرازه للأجزاء المستقبلة و فيما إذا لم يدخل لم يتحقّق التجاوز رأساً فلا بدّ من التطهّر ثمّ الدخول خصوصاً في المقام الذي يجري استصحاب الحدث بالإضافة إليه على ما هو المفروض. الرابع: ما لو كان الشكّ في الطهارة بعد الفراغ عن العمل و قد عرفت جريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى الشروط أيضاً كالاجزاء لعموم لغوية الشكّ في الشي ء بعد التجاوز عنه و لكنّه يختصّ بهذا المشروط الذي وقع الفراغ عنه، امّا بالنسبة إلى مشروط آخر لم يدخل فيه فلا ينبغي الإشكال في اعتبار الشكّ فيه؛ لأنّ الشرط المذكور من حيث كونه شرطاً لهذا المشروط لم يتجاوز عنه، بل محلّه باق فالشكّ في تحقّق هذا المشروط شكّ في الشي ء قبل تجاوز محلّه، و لكنّه ربّما بنى بعضهم ذلك على أنّ معنى عدم العبرة بالشكّ في الشي ء بعد تجاوز المحلّ هو البناء على حصول المشكوك فيه لكن بعنوانه الذي يتحقّق معه تجاوز المحلّ لا مطلقاً فالوضوء المشكوك فيما نحن فيه إنّما فات محلّه من حيث كونه شرطاً للمشروط المتحقّق لا من حيث كونه شرطاً للمشروط المستقبل. الخامس: ما لو تيقّن الطهارة و شكّ في الحدث و حكمه عدم الالتفات بالشكّ و جواز الدخول في الصلاة إجماعاً- كما عن الخلاف و المنتهى و غيرهما، و عن التذكرة نفي معرفة الخلاف فيه إلّا من مالك، و يشهد له- مضافاً إلى ما ذكر و إلى جريان استصحاب الطهارة مع الشكّ في الحدث خصوص صحيحة زرارة المعروفة قال: قلت: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: لا حتّى يستيقن انّه قد

تفصيل

الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 380

..........

______________________________

نام حتّى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلّا فانّه على يقين من وضوئه و لا ينقض اليقين أبداً بالشكّ و إنّما ينقضه بيقين آخر. «1» و موثّقة بكير قال: قال لي أبو عبد اللّه عليه السلام: إذا استيقنت انّك قد أحدثت فتوضّأ، و إيّاك أن تحدث وضوء أبداً حتّى تستيقن انّك قد أحدثت «2». و صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام قال: سألته عن رجل يتّكئ في المسجد فلا يدري نام أم لا هل عليه وضوء؟ قال: إذا شكّ فليس عليه وضوء... «3» و غير ذلك من الروايات. و لكن عن ظاهر البهائي قدس سره في الحبل المتين: انّ البناء على الوضوء مشروط بالظنّ الشخصي بعدم الحدث فلو شكّ في الحدث أو ظنّ به تطهّر و لكن يدفعه النصوص المتقدّمة مع صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال للصادق عليه السلام: أجد الريح في بطني حتّى أظنّ انّها قد خرجت فقال: ليس عليك وضوء حتّى تسمع الصوت أو تجد الريح، ثمّ قال: إنّ إبليس يجلس بين اليتي الرجل فيحدث ليشككه «4».

نعم هنا رواية ربّما يتوهّم منها التفصيل و هي صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: سألته عن رجل يكون على وضوء و يشكّ، على وضوء هو أم لا؟ قال: إذا ذكر و هو في صلاته انصرف فتوضّأ و أعادها، و إن ذكر و قد فرغ من صلاته اجزأه ذلك «5». نظراً إلى أنّ ظاهر السؤال هو اليقين بالوضوء في السابق و الشكّ فيه في اللّاحق، و عليه فالجواب يدلّ على التفصيل بين

______________________________

(1) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 1.

(2) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 7.

(3) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 9.

(4) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الأول ح- 5.

(5) الوسائل أبواب نواقض الوضوء الباب الرابع و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 381

..........

______________________________

الاثناء و ما بعد الفراغ بالحكم بوجوب التوضؤ في الأوّل و الإعادة، و من الواضح جريان الحكم بوجوب التوضؤ فيما لو ذكر قبل الشروع في الصلاة بطريق أولى كما لا يخفى. هذا، و لكن كون ظاهر السؤال هو ما ذكر ممنوع؛ لأنّه بناءً عليه كان المناسب أن يقول: رجل كان على وضوء، فالمحتمل- حينئذٍ- أن يكون المراد هو الكون على الوضوء باعتقاده ثمّ شكّ في ذلك و ارتفع اعتقاده بالوضوء و عليه فالحالة السابقة هي الحدث، غاية الأمر انّه اعتقد زواله ثمّ شكّ في صحّة اعتقاده و الأصل الجاري في هذه الصورة هو استصحاب الحدث و التفصيل في الجواب يرجع إلى أنّ استصحاب الحدث بعد الفراغ غير جار لحكومة قاعدة الفراغ عليه، و أمّا في الأثناء فلا مانع من جريانه و نتيجته بطلان الصلاة بالإضافة إلى الأجزاء المستقبلة فاللّازم الانصراف و التوضّي لباقي الأجزاء و لعلّ الحكم بالإعادة الظاهر في بطلان الأجزاء الماضية ليس لعدم جريان القاعدة في الأثناء بالإضافة إليها، بل لأجل كون التوضّي نوعاً مستلزم للانحراف عن القبلة و تحقّق الفعل الكثير و غيرهما ممّا يوجب بطلان الصلاة من رأس، فالرواية لا دلالة لها بل و لا إشعار فيها على التفصيل في المقام. السادس: ما إذا تيقّن الطهارة و الحدث معاً و شكّ في المتقدّم و المتأخّر منهما و له

فروض كثيرة و قد تعرّضنا له بجميع فروضه في مسألة انحصار الماء بالمشتبهتين المتقدّمة فراجعها و لا حاجة إلى الإعادة هنا. السابع: ما لو تيقّن ترك غسل عضو أو مسحه و الحكم فيه لزوم الإتيان به لأنّ المفروض كونه متيقّن الترك كما انّ اللّازم هو الإتيان بما بعده- لو كان- إذا لم يحصل مفسد من رأس من فوت موالاة و نحوه و الوجه فيه ما تقدّم في بحث اعتبار الترتيب و إنّ الإخلال به موجب للإعادة و قد مرّ انّ ظاهر عبارة الشرائع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 382

..........

______________________________

التفصيل في صورة المخالفة في كلتي صورتي العمد و النسيان بين ما لو كان قد جفّ الوضوء فتجب إعادته و بين ما لو كان البلل باقياً فتجب الإعادة على ما يحصل معه الترتيب، و المحكيّ عن العلّامة في التحرير انّ هذا التفصيل إنّما هو في خصوص صورة النسيان، و أمّا في صورة العمد فتجب إعادة الوضوء مطلقاً و قد تقدّم مقتضى التحقيق و المستفاد من المتن ما هو المحكي عن العلّامة. الثامن: ما لو شكّ في فعل شي ء من أفعال الوضوء قبل الفراغ منه و الحكم فيه وجوب الاعتناء بالشكّ و لزوم الإتيان بالمشكوك مراعياً للترتيب و الموالاة و غيرهما ممّا يعتبر فيه بلا خلاف- كما عن جماعة- بل دعوى الإجماع عليه- كما عن شرح المفاتيح- و يشهد له صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا كنت قاعداً على وضوئك فلم تدر أ غسلت ذراعيك أم لا فأعد عليهما و على جميع ما شككت فيه انّك لم تغسله أو تمسحه ممّا سمى الهّٰد ما دمت في حال الوضوء، فإذا

قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها فشككت في بعض ما سمّى اللّٰه ممّا أوجب اللّٰه عليك وضوئه لا شي ء عليك فيه، فإن شككت في مسح رأسك فأصبت في لحيتك عليه فامسح بها عليه و على ظهر قدميك، فإن لم تصب بللًا فلا تنقض الوضوء بالشكّ و امض في صلاتك، و إن تيقّنت انّك لم تتمّ وضوئك فأعد على ما تركت يقيناً حتّى تأتي على الوضوء الحديث «1».

و لكن يعارضه ظاهراً موثقة عبد اللّه بن أبي يعفور قال: إذا شككت في شي ء من الوضوء و قد دخلت في غيره فليس شكّك بشي ء إنّما الشكّ إذا كنت

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الأربعون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 383

..........

______________________________

في شي ء لم تجزه «1». بناء على كون المراد من الشي ء في قوله عليه السلام: إذا شككت في شي ء، هو أفعال الوضوء و كون كلمة «من» للتبعيض و رجوع ضمير الغير إلى الشي ء المشكوك فإنّ حاصله- حينئذٍ- عدم الاعتناء بالشكّ مع الدخول في غير المشكوك فيتحقّق التعارض- حينئذٍ- بينها و بين الصحيحة، هذا و لكن لا مانع من إرجاع الضمير إلى الوضوء بقرينة الصحيحة و الإجماع على لزوم الاعتناء بالشكّ في أثناء الوضوء و المراد من الغير الذي دخل فيه ليس هو خصوص الاشتغال بعمل آخر كالصلاة و نحوها، بل هل هي الصيرورة في حال اخرى التي هي كناية عن الفراغ من الوضوء كما بيّنته الصحيحة، و عليه فلا تعارض بينهما، نعم يقع الكلام- حينئذٍ- في المراد من ذيل الموثقة: إنّما الشكّ إذا كنت في شي ء لم تجزه فإنّه

باعتبار ظهور رجوع الضمير في «لم تجزه» إلى الشي ء و ظهور عدم اختلاف المراد من الشي ء في الصدر و الذيل يتحقّق التعارض بين الصدر و الذيل نظراً إلى دلالة الصدر على كون الملاك هو التجاوز عن مجموع أفعال الوضوء، بل الدخول في غيرها، و دلالة الذيل على انحصار لزوم الاعتناء بالشكّ بما إذا لم يتحقّق التجاوز عن نفس الشي ء المشكوك و لازمه عدم الاعتناء به مع التجاوز عنه فضلًا عمّا إذا تحقّق الفراغ سيّما إذا دخل في عمل آخر كالصلاة و نحوها. و الذي يدفع الإشكال انّ التأمّل في الذيل يقضي بكون المشكوك مغايراً لما يكون فيه لأنّه لا معنى لتعلّق الشكّ بما هو فيه فالجمع بين الشكّ في الشي ء و بين الكون فيه يقضي بثبوت التغاير و لو بأن يكون المشكوك بعضاً من الشي ء الذي يكون مركّباً منه و من الأبعاض الاخر فلا بدّ من أن يكون المراد من الشي ء مجموع العمل و من المشكوك هو بعضه و الضمير يرجع إلى الشي ء المركّب

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الأربعون ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 384

..........

______________________________

لا إلى المشكوك، نعم يبقى- حينئذٍ- لزوم افتراق الشي ء في الذيل عن الشي ء في الصدر و الانفكاك بينهما و هذا و إن كان قابلًا للحلّ بأن يكون المراد من الشي ء في الصدر أيضاً هو الوضوء و يكون كلمة «من» بيانيّة إلّا أنّ الالتزام بالانفكاك مع قيام القرينة أهون من حمل الصدر على ذلك لكونه خلاف الظاهر جدّاً فتدبّر. و بما ذكرنا و إن كان يندفع التعارض بين الصحيحة و الموثقة في باب الوضوء الذي هو محلّ البحث في المقام إلّا انّه

يبقى على ذيل الموثقة إشكال معارضته مع الأخبار الدالّة على قاعدة التجاوز الجارية في غير الوضوء حيث إنّ مفادها كفاية التجاوز عن محلّ المشكوك و إن لم يتحقّق التجاوز عمّا يكون فيه من العمل كما انّ مقتضى عموم تلك الأخبار أو إطلاقها جريان قاعدة التجاوز في الوضوء فيتحقّق التعارض بينها و بين الروايتين في المقام من هذه الجهة. و قد دفع الشيخ الأعظم قدس سره الإشكال مطلقاً بأنّ الوضوء بتمامه في نظر الشارع فعل واحد باعتبار وحدة مسببه و هي الطهارة فلا يلاحظ كلّ فعل منه بحياله حتّى يكون مورداً لتعارض هذا الخبر مع الأخبار السابقة و لا يلاحظ بعض أجزائه كغسل اليد- مثلًا- شيئاً مستقلّاً يشكّ في بعض أجزائه قبل تجاوزه أو بعده ليوجب ذلك الإشكال في الحصر المستفاد من الذيل. و بالجملة إذا فرض الوضوء فعلًا واحداً لم يلاحظ الشارع أجزائه أفعالًا مستقلّة يجري فيها حكم الشكّ بعد تجاوز المحلّ لم يتوجّه إشكال أصلًا و لا يكون حكم الوضوء مخالفاً للقاعدة كما لا يخفى. و دفع الإشكال بهذا الوجه أولى من دفعه بما في «مستمسك العروة» من

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 385

..........

______________________________

حمل الشرطية في صدر المواثقة على مجرّد قاعدة الفراغ بحيث لم يكن لها مفهوم، بل كان مفادها مجرّد ثبوت الجزاء عند ثبوت الشرط من دون تعرّض لانتفائه عند الانتفاء و كون الحصر في الذيل بلحاظ إطلاق مفهومه لا بلحاظ إطلاق منطوقه، بل يكون منطوقه مهملًا فلا تكون الموثقة- حينئذٍ- منافية للصحيحة و لا لما دلّ على جريان قاعدة التجاوز في غير المقام، و ذلك لكونه خلاف ظاهر الموثّقة جدّاً. ثمّ إنّه بما أفاده الشيخ يندفع

إشكال آخر على الموثّقة و هو انّ مقتضى إطلاق مفهوم الذيل فيها عدم الاعتناء بالشكّ في جزء من غسل الوجه بعد الفراغ منه و الدخول في غسل اليد ضرورة انّ الوضوء بناء عليه شي ء واحد و ما دام لم يتحقّق التجاوز منه لا بدّ من الاعتناء بالشكّ فلا يلزم الإشكال من هذه الجهة أيضاً. التاسع: ما إذا كان الشكّ في فعل من أفعال الوضوء أو شرط من شروطه بعد الفراغ منه و الحكم فيه جريان قاعدة الفراغ و عدم الاعتناء بالشكّ و يدلّ عليه النصوص الكثيرة كصحيحة زرارة المتقدّمة و موثقة ابن أبي يعفور المتقدّمة أيضاً و خبر محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السلام يقول: كلّ ما مضى من صلاتك و طهورك فذكرته تذكراً فامضه و لا إعادة عليك فيه «1». و موثقة بكير بن أعين قال:

قلت له: الرجل يشكّ بعد ما يتوضّأ؟ قال: هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ «2».

و غيرها من الروايات الدالّة عليه. و بالجملة: لا إشكال في أصل الحكم في الجملة إنّما الإشكال في أنّ الفراغ الذي يترتّب عليه عدم الاعتناء بالشكّ بما ذا يتحقّق فهل يتوقّف تحقّقه على الدخول في شي ء آخر مطلقاً من دون فرق بين ما إذا كان الشكّ في غير الفعل الأخير أو كان في الفعل الأخير أو لا يتوقّف تحقّقه عليه مطلقاً أو يفصل بين ما

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الأربعون ح- 6.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب الثاني و الأربعون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 386

..........

______________________________

إذا كان الشكّ في الفعل الأخير فيتوقّف على الدخول في الغير و بين ما إذا لم

يكن فيه فيكفي مجرّد الفراغ و بملاحظة ذلك يقع الكلام في صورتين: الاولى: ما إذا كان الشكّ في غير الفعل الأخير و المحكي عن جماعة تحقّق الفراغ بفعل الجزء الأخير و إن لم يدخل في شي ء آخر، و عن الروضة و المدارك الإجماع عليه، و عن مجمع البرهان نسبته إلى ظاهر الأصحاب و يشهد له ظاهر خبر محمد بن مسلم الدالّ على كون الحكم بالامضاء معلّقاً على مجرّد المضيّ و من الظاهر انّ صدق المضي لا يتوقّف على الدخول في أمر آخر و كذا موثقة بكير الدالّة على كون الملاك هو بعديّة الشكّ عن التوضّي، بل و موثّقة ابن أبي يعفور المتقدّمة بلحاظ ذيلها الذي يدلّ على أنّ الملاك في الشكّ الذي يلزم الاعتناء به هو عدم التجاوز فإذا تحقّق التجاوز عن الشي ء لا يعتنى به و من المعلوم انّ التجاوز مساوق للفراغ عنه. و لكن يعارض ما ذكر صدر الموثقة و هو قوله عليه السلام: و دخلت في غيره، الظاهر في اعتبار الدخول في غير الوضوء و كذا صحيحة زرارة المشتملة على قوله عليه السلام: فإذا قمت من الوضوء و فرغت منه و قد صرت في حال اخرى في الصلاة أو في غيرها...

باعتبار ظهورها في اعتبار الصيرورة في حال اخرى كالصلاة و غيرها و ظاهرهما عدم كفاية الفراغ بمجرّده، بل لا بدّ من الدخول في الغير. و الظاهر عدم ثبوت التعارض فإنّ ذيل الموثقة المسوق لبيان الضابطة و إعطاء القاعدة ظاهر بل صريح في كون الملاك للاعتناء بالشكّ هو عدم التجاوز، و عليه فيصير ذلك قرينة على بيان المراد من الصدر خصوصاً مع ملاحظة انّ الفراغ من الوضوء ملازم للدخول في غيره لأنّ حالة

عدم الاشتغال به تعدّ مغايرة لحالة الاشتغال به و إن لم يشتغل بفعل وجودي مع انّ التعليل الذي يدور الحكم مداره في موثقة بكير يقتضي عدم اعتبار الدخول في الغير؛ لأنّ أذكرية حال التوضّي

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 387

..........

______________________________

من حال الشكّ عامّة شاملة لكلتا الصورتين. و أمّا صحيحة زرارة فصدرها يدلّ على كون الملاك للاعتناء بالشكّ هو كونه قاعداً على الوضوء و ما دام كونه فيه فهو قرينة على كون المراد من القيام هو الفراغ و التمامية و- حينئذٍ- كما انّ قوله عليه السلام: و فرغت منه، لا يكون مفيداً لأمر زائد على القيام من الوضوء، كذلك قوله عليه السلام: و قد صرت في حال اخرى لا يكون مدلوله زائداً على مجرّد القيام و الفراغ مع انّك عرفت انّ الفراغ من الوضوء ملازم للدخول في غيره و لذا عطف «في غيرها» على «الصلاة» فالظاهر بعد التأمّل في الروايتين عدم إفادتهما لاعتبار أمر زائد على ما هو مفاد الروايات المتقدّمة الاخر، فالأقوى كفاية مجرّد الفراغ في هذه الصورة. الثانية: ما إذا كان الشكّ في الفعل الأخير، و قد اختار في الجواهر تحقّق الفراغ فيه بأحد أمرين: الأوّل: اشتغاله بفعل آخر و انتقاله إلى حال اخرى و لو بطول الجلوس، و الثاني: حصول اليقين له بالفراغ آناً ما، فإذا لم يحصل كلّ منهما وجب الإتيان بالمشكوك. و عن الشيخ الأعظم قدس سره في طهارته إنكار الاكتفاء بالثاني نظراً إلى انّ الوجه فيه إن كان هي حجّية نفس اليقين بعد زواله فلا دليل عليها لاختصاص أخبار «لا تنقض» بالشكّ في البقاء و اليقين بالحدوث و لا تشمل قاعدة الشكّ الساري، و

إن كان ظهور حال المتيقّن في مطابقه يقينه للواقع فلا دليل أيضاً على حجّية الظهور المذكور إلّا في مورد الشكّ بعد الفراغ و إثبات الفراغ بمجرّد اليقين الزائل غير ظاهر الوجه. أقول: لا خفاء في أنّه لا إشعار في شي ء من الروايات الواردة في مورد الشكّ في أفعال الوضوء بالفرق بين ما إذا كان المشكوك هو غير الفعل الأخير أو كان هو الفعل الأخير، بل الحكم في كلتا الصورتين معلّق على عنوان «الفراغ» و- حينئذٍ-

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 388

..........

______________________________

لا بدّ من ملاحظة انّ الفراغ في الصورة الاولى ما معناه فهل يكون معناه هو الفراغ الحقيقي الواقعي الملازم للإتيان بجميع الأفعال مع الشرائط المعتبرة، و من المعلوم انّ الفراغ بهذا المعنى الذي لا بدّ من إحرازه إذ بدونه لا تجري القاعدة لا يجتمع مع الشكّ في الإتيان ببعض الأفعال لعدم إمكان اجتماع الفراغ بهذا المعنى مع الشكّ في بعض الأجزاء الملازم للشكّ في الفراغ، أو يكون معناه هو رؤية نفسه فارغاً عن الوضوء و تخيّل حصول الفراغ منه بالإتيان بجميع أجزائه و شرائطه و اعتقاد وقوعه صحيحاً فإذا كان المراد هذا المعنى فلا فرق بين الصورتين أصلًا و منه يظهر انّ تحقّق الفراغ في الصورة الاولى ليس لأجل الإتيان بالجزء الأخير، بل لأجل كون الإتيان به موجباً للاعتقاد و التخيّل المذكور. و على ما ذكرنا فلا يبقى لإيراد الشيخ قدس سره على الجواهر مجال فإنّ الوجه في الاكتفاء بالثاني ليس اخبار لا تنقض و لا ظهور حال صاحب اليقين، بل هي الروايات الدالّة على أنّ الملاك هو الفراغ بعد وضوح عدم كون المراد به هو الفراغ الحقيقي الموجب لسقوط

القاعدة باعتبار عدم إمكان تحقّق موضوعها، نعم يرد على الجواهر انّ جعل الأمر الأوّل مغايراً للأمر الثاني غير ظاهر الوجه بعد كون الملاك في الأمر الأوّل أيضاً هو الثاني فتدبّر. فانقدح من جميع ما ذكرنا انّه لا فرق بين الصورتين في حصول الفراغ و تحقّقه بما ذكر و انّه لا يحتاج إلى الدخول في الغير كما يقتضيه إطلاق المتن أيضاً. ثمّ الظاهر- كما هو صريح المتن- انّه لا فرق في جريان قاعدة الفراغ بين ما إذا كان الشكّ في فعل من أفعال الوضوء أو شرط من شروطه لأنّه و إن كان مورد بعض الروايات هو الشكّ في الجزء إلّا أنّ مورد بعضها الآخر ما يشمل الشكّ في الشرط أيضاً كموثقة بكير المتقدّمة الواردة في مورد الشكّ بعد ما يتوضّأ و كذا

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 389

..........

______________________________

التعليل الذي يدلّ عليه الجواب فيها فإنّ الأذكرية لا تختصّ بالأفعال و كذا يدلّ عليه إطلاق رواية محمد بن مسلم التي قد علّق الحكم فيها على مجرّد المضيّ. و أمّا موثقة ابن أبي يعفور فمورد صدرها و إن كان هو الشكّ في الجزء- بناءً على كون كلمة «من» تبعيضيّة على ما عرفت انّه الظاهر منه- إلّا أنّ الحصر المستفاد من الذيل يدلّ بإطلاقه على عدم الفرق بين الشكّ في الجزء و الشكّ في الشرط بعد تحقّق التجاوز و حصول الفراغ فالظاهر- حينئذٍ- انّه لا ينبغي الفرق أصلًا. بقي الكلام في هذه المسألة في الحكم بعدم العبرة بكثرة الشكّ فيما لو كان الشكّ قبل الفراغ و قد حكى ذلك عن الحلّي في السرائر و جماعة من المتأخّرين كالشهيدين و المحقّق الثاني و صاحب المدارك

و قد صرّح بذلك صاحب العروة و قد استدلّ له بما ورد في إلغاء شكّ كثير الشكّ في الصلاة من الروايات الكثيرة التي منها رواية محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام التي رواها المشايخ الثلاثة قال: إذا كثر عليك السهو فامض على صلاتك فإنّه يوشك أن يدعك إنّما هو من الشيطان «1».

و رواية زرارة و أبي بصير قالا: قلت له: الرجل يشكّ كثيراً في صلاته حتّى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه؟ قال: يعيد، قلت: فإنّه يكثر عليه ذلك كلّما أعاد شكّ؟ قال: يمضي في شكّه، ثمّ قال: لا تعوّدوا الخبيث من أنفسكم نقض الصلاة فتطمعوه فإنّ الشيطان خبيث معتاد لما عود فليمض أحدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصلاة فإنّه إذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشكّ، ثمّ قال عليه السلام: إنّما يريد الخبيث أن يطاع فإذا عصي لم يعد إلى أحدكم. «2» و موردهما و إن كان هو الصلاة إلّا أنّ التعليل الواقع فيهما يقضي بعموم الحكم و شموله للوضوء أيضاً مع انّ صحيحة ابن سنان مشتملة على ذكر الوضوء أيضاً قال: ذكرت لأبي عبد اللّه عليه السلام رجلًا مبتلى بالوضوء و الصلاة و قلت: هو رجل عاقل؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السلام: و أيّ عقل له و هو يطيع الشيطان؟ فقلت له: و كيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتيه من أيّ شي ء هو فإنّه يقول لك من عمل الشيطان. نعم لا يبعد أن يقال بأنّ موردها الوسواس الذي لا إشكال في عدم الاعتناء به، و أمّا الأوّلتان فربّما يناقش في استفادة المقام منهما بأنّ مفادهما انّ كثرة الشكّ في الصلاة من الشيطان

و هو لا يقتضي أن تكون الكثرة في غيرها منه أيضاً، و لكن الظاهر بطلان المناقشة خصوصاً مع اشتراك الصلاة و الوضوء في العبادية و عدم ظهور خصوصية للصلاة من هذه الجهة و لعلّه سيجي ء التفصيل في باب الصلاة.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الخلل الواقع في الصلاة الباب السادس عشر ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الخلل الواقع في الصلاة الباب السادس عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 390

مسألة 2- إذا كان متوضّأ و توضّأ للتجديد و صلّى ثمّ تيقّن بطلان أحد الوضوءين لا أثر لهذا العلم الإجمالي

لا بالنسبة إلى الصلاة التي أوقعها و لا بالنسبة إلى الصلاة الآتية، و أمّا إذا صلّى بعد كلّ من الوضوءين ثمّ تيقّن بطلان أحدهما فالصلاة الثانية صحيحة قطعاً كما انّه تصحّ الصلوات الآتية ما لم ينتقض الوضوء، و لا يبعد الحكم بصحّة الصلاة الاولى و إن كان الأحوط إعادتها (1).

______________________________

(1) أقول: امّا انّه لا أثر للعلم الإجمالي في الفرض الأوّل فلما عرفت من انّ الضوء التجديدي إذا تبيّن مصادفته للحدث واقعاً يؤثّر في رفع الحدث و حصول الطهارة و عليه فالعلم الإجمالي ببطلان أحد الوضوءين لا أثر له أصلًا؛ لأنّ الحدث قد ارتفع قطعاً امّا بالوضوء الأوّل و أمّا بالوضوء الثاني فهو متطهّر و قد وقعت صلاته مع الطهارة و يجوز له الدخول مع هذا الحالة في الصلوات الآتية

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 391

..........

______________________________

و هذا واضح. و أمّا صحّة الصلاة الثانية في الفرض الثاني فالوجه فيها أيضاً ذلك من كون الوضوء التجديدي رافعاً للحدث على تقدير مصادفته له فالوضوء الثاني يكون الشخص متطهّراً عقيبه امّا لأجله و عدم كون نيّة التجديد قادحة في الرافعية، و أمّا لأجل الوضوء الأوّل الذي لم يحدث بعده على ما هو

المفروض على تقدير كون الباطل هو الثاني فالصلاة الثانية وقعت مع الطهارة قطعاً و بذلك يجوز له الدخول في الصلوات الآتية ما دام لم ينتقض وضوئه. و أمّا صحّة الصلاة الاولى في هذا الفرض التي نفي عنها البعد في المتن فالوجه فيها امّا جريان قاعدة الفراغ بالإضافة إلى الوضوء الأوّل لأنّه مشكوك البطلان بعد تحقّق الفراغ و لا يعارضها جريانها بالنسبة إلى الوضوء الثاني أيضاً بعد العلم الإجمالي ببطلان واحد منهما لأنّ من شرائط تأثير العلم الإجمالي ترتّب الأثر عليه على كلّ تقدير و ليس في المقام كذلك؛ لأنّ بطلان الوضوء الثاني الذي لا يكون إلّا بنيّة التجديد لا يترتّب عليه أثر أصلًا فالأمر دائر بين ما له الأثر و بين ما لا أثر له و في مثل ذلك لا يتّصف العلم الإجمالي بالمنجزية، بل تجري قواعد الشكّ البدوي فلا مانع من جريان قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الوضوء الأوّل، و على تقدير عدم جريانه فيه لأجل المعارضة- فرضاً- لا مانع من جريانه في الصلاة لأنّها شكّ في صحّتها بعد الفراغ عنها و لا معارض لها أصلًا بعد كون الصلاة الثانية صحيحة قطعاً إلّا أن تكون الصلاة أيضاً واقعة في طرف العلم الإجمالي بأن يقال العلم الإجمالي حاصل ببطلان الوضوء الثاني أو بطلان الوضوء الأوّل و الصلاة الواقعة عقيبه فإذا كانت هناك معارضة تمنع عن جريان القاعدة في الصلاة أيضاً و ينحصر التخلّص- حينئذٍ- بالمنع عن المعارضة لعدم صلاحية العلم الإجمالي للتنجيز فتدبّر جيّداً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 392

مسألة 3- إذا توضّأ وضوءين و صلّى صلاة واحدة أو متعدّدة بعدهما ثمّ تيقّن وقوع الحدث بعد أحدهما يجب عليه الوضوء

للصلوات الآتية و يحكم بصحّة الصلوات التي أتى بها، و امّا لو صلّى بعد كلّ وضوء ثمّ علم بوقوع الحدث بعد

أحد الوضوءين أو الوضوءات قبل الصلاة يجب عليه إعادة الصلوات، نعم إذا كانت الصلاتان متّفقتين في العدد كالظهرين فالظاهر كفاية صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة و إن كانت إعادتهما أحوط (1).

______________________________

(1) امّا وجوب الوضوء للصلوات الآتية في الفرض الأوّل فلعدم كون الطهارة محرزة لاحتمال كون الحدث واقعاً بعد الوضوء الثاني فلا يكون على الطهارة- حينئذٍ- و يحتمل أن يكون الوجه فيه ما تقدّم في المسألة الاولى من البناء على ضدّ الحالة السابقة فيما لو تيقّن الحدث و الطهارة و شكّ في المتأخّر منهما حيث إنّ الحالة السابقة في المقام هي الطهارة المتحقّقة بالوضوء الأوّل فالبناء على ضدّها يقتضي لزوم التوضّي للصلوات الآتية. و أمّا الحكم بصحّة الصلوات التي أتى بها فلجريان قاعدة الفراغ بالإضافة إليها و كونها حاكمة على استصحاب الحدث فلا مانع من الأخذ بها أصلًا. و أمّا وجوب إعادة الصلاتين أو الصلوات في الفرض الثاني فللعلم الإجمالي بوقوع إحداهما أو إحداهما مع الحدث و لازمه وجوب إعادة الجميع لأنّ وقوع الصلاة مع الحدث مستلزم للإعادة مع الانكشاف على ما هو مقتضى الأدلّة سيّما حديث لا تعاد لأنّ الطهور من الخمسة المستثناة فيه فمقتضى تنجيز العلم الإجمالي إعادة الجميع و لا خلاف فيه ظاهراً، بل في الجواهر انّه مجمع عليه. و مقتضى الإطلاق انّه لا فرق بين كون الصلاتين ادائيتين أو قضائيتين أو مخالفتين، و لكنّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 393

..........

______________________________

ربّما يدّعي في الأخير وجوب إعادة خصوص الادائية دون القضائية لجريان قاعدة الاشتغال بالإضافة إليها الموجب لانحلال العلم الإجمالي المستلزم لجريان قاعدة الشكّ بعد الوقت بالنسبة إلى القضائية و هذا الانحلال و إن لم يكن حقيقيّاً

إلّا أنّ الانحلال الحكمي أيضاً يترتّب عليه ما يترتّب على الانحلال الحقيقي من عدم الصلاحية للتنجيز و التأثير و هذا كما فيما إذا كان أحد طرفي العلم الإجمالي بالنجاسة مجرى لاستصحاب النجاسة و الآخر لاستصحاب الطهارة أو قاعدتها فإنّ العلم الإجمالي- حينئذٍ- يسقط عن التأثير و يجري استصحاب النجاسة في خصوص أحد الطرفين و يكون الطرف الآخر محكوماً بالطهارة. و يرد عليه- مضافاً إلى أنّ جريان قاعدة الفراغ في مثل المقام ممّا كان الشكّ في الصحّة بعد الفراغ عن أصل الوجود محلّ نظر بل منع؛ لأنّ الشكّ في الصحّة مطلقاً مجرى قاعدة الفراغ و الظاهر اختصاص قاعدة الشكّ بعد الوقت بما إذا كان أصل الوجود مشكوكاً، نعم لا ينبغي الارتياب في اختصاصه بما إذا كان المشكوك هو الوجود الصحيح ضرورة انّه مع العلم بالبطلان على تقدير الوجود لا مجال لجريانها- انّه على تقدير جريان القاعدة في مورد الشكّ في الصحّة أيضاً تكون رتبتها رتبة قاعدة الفراغ لعدم الفرق بينهما في الشكّ في الصحّة بعد الوقت و تصير أيضاً طرفاً للمعارضة، غاية الأمر انّ الأصل و القاعدة في أحد الطرفين واحد و في الطرف الآخر متعدّد و مقتضى المعارضة السقوط جميعاً فلا محيص عن الإعادة مطلقاً. نعم فيما إذا كانت الصلاتان متّفقتين في العدد كالظهرين، الظاهر كفاية صلاة واحدة بقصد ما في الذمّة كما هو المشهور لما ورد في نسيان إحدى الصلوات الخمس من مرفوعة حسين بن سعيد الأهوازي المروية عن محاسن البرقي قال: سئل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 394

..........

______________________________

أبو عبد اللّه عليه السلام عن رجل نسى صلاة من الصلوات لا يدري أيّتها هي؟ قال: يصلّي ثلاثاً أو أربعاً

و ركعتين فإن كانت الظهر أو العصر أو العشاء فقد صلّى أربعاً و إن كانت المغرب أو الغداة فقد صلّى. «1» و مثلها مرسلة علي بن أسباط عن غير واحد من أصحابنا لكنه خال عن الذيل و الاستشهاد بهما في المقام مبني على انجبار سندهما بالعمل أوّلًا كما هو الظاهر و صحّة التعدّي عن موردهما الذي هو النسيان بالنسبة إلى مثل المقام كما لا يبعد أيضاً خصوصاً بملاحظة المرفوعة المشتملة على الذيل الذي هو كالتعليل الجاري في غير موردها لكنّه حكى عن جماعة كالشيخ و الحلبي و ابن زهرة و الحلّي و ابن سعيد انّه لا يجوز الاكتفاء بالواحدة المردّدة اقتصاراً على مورد النصّ، هذا و لكن الاحتياط هي الإعادة مطلقاً ثمّ إنّ مقتضى الاكتفاء بالواحدة المردّدة هو التخيير بين الجهر و الإخفات كما يستفاد من المرفوعة في مورد دوران الأمر بينهما.

______________________________

(1) الوسائل أبواب قضاء الصلاة الباب الحادي عشر ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 395

فصل في وضوء الجبيرة

مسألة 1- من كان على بعض أعضائه جبيرة فإن أمكن نزعها، نزعها و غسل أو مسح ما تحتها،

نعم لا يتعيّن النزع لو كانت على محلّ الغسل، بل ما يجب هو إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه و لو مع وجود الجبيرة، نعم يجب النزع عن محلّ المسح، و إن لم يمكن النزع فإن كان في موضع المسح مسح عليها، و إن كان في موضع الغسل و أمكن إيصال الماء تحتها على نحو يحصل مسمّى الغسل بشرائطه وجب، و إلّا مسح عليها (1).

______________________________

(1) المراد بالجبيرة في الأصل- كما في محكي الحدائق- هو العيدان و الخرقة التي تشدّ على العظام المكسورة. و لكن الظاهر من كلام الفقهاء إطلاقها على ما يشدّ على القروح و الجروح أيضاً و إن كانت

المادّة لا تساعده فإنّ الجبر إنّما يستعمل في مثل العظم المكسور، و في الدعاء يقال: يا جابر العظم الكسير، إلّا انّه

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 396

..........

______________________________

توسّع منهم لأجل عدم الفرق بينهما في الحكم و قد يشير إليه بعض الروايات الآتية لكن في طهارة شيخنا المرتضى قدس سره بعد أن حكى عن شارح الدروس انّ الفقهاء يطلقونها على ما يعمّ الألواح المشدودة على العضو المكسور و ما يشدّ به القروح و الجروح قال: و لا يبعد أن يراد بها هنا الأعمّ منها و من كلّ ما يجعل على المكسور أو المجروح أو المقروح شدّاً أو لطوخاً أو ضماداً و لم أعثر في الأخبار على استعمالها في غير الكسر فالتعدّي عنه في موارد مخالفة الأصل يحتاج إلى تتبّع دليل له. و كيف كان فالجبيرة بمعناها العام أو ما بحكمها امّا أن تكون في الموضع الذي يجب غسله لأجل الوضوء لو لم تكن فيه، و أمّا أن تكون في موضع المسح، ففي الصورة الاولى فالواجب أوّلًا هو إيصال الماء إلى ما تحتها على نحو يتحقّق به مسمّى الغسل بشرائطه و لو بنزع الجبيرة على تقدير إمكانه ففي الحقيقة إن أمكن إيصال الماء كذلك و لو مع عدم النزع يتخيّر بينه و بين عدمه و إن لم يمكن إلّا مع النزع يتعيّن عليه النزع لأنّه يمكن له موافقة التكليف من دون أن يكون هناك ضرر أو حرج كما هو المفروض مع دلالة جملة من الروايات عليه مثل موثقة عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل ينكسر ساعده أو موضع من مواضع الوضوء فلا يقدر أن يحلّه لحال الجبر إذا جبر

كيف يصنع؟ قال: إذا أراد أن يتوضّأ فليضع إناء فيه ماء و يضع موضع الجبر في الماء حتّى يصل الماء إلى جلده و قد اجزأه ذلك من غير أن يحلّه. «1» و لكن صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السلام انّه سُئل عن الرجل تكون به القرحة في ذراعه أو نحو ذلك من موضع الوضوء فيعصبها بالخرقة و يتوضّأ و يمسح عليها إذا توضّأ؟ فقال: إذا كان يؤذيه الماء فليمسح

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 7.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 397

..........

______________________________

على الخرقة، و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها. قال: و سألته عن الجرح كيف أصنع به في غسله؟ قال:

اغسل ما حوله. «1» ربّما يستفاد منها تعيّن نزع الخرقة ثمّ الغسل كما هو ظاهر محكي التذكرة حيث قال: الجبائر إن أمكن نزعها نزعت واجباً و غسل ما تحتها إن أمكن و إن لم يمكن و أمكن إيصال الماء إلى ما تحتها بأن يكرّره عليه أو يغمسه في الماء وجب. هذا، و لكن لا يخفى انّ لزوم نزع الجبيرة إن كان لتوقّف الغسل عليه فقد فرضنا حصول الغسل بدونه أيضاً لعدم اعتبار الجريان في مفهوم الغسل و حصوله بمجرّد استيلاء الماء على العضو من دون إجراء، و لذا ذكرنا صحّة الوضوء بالارتماس و الغمس، و إن كان لأجل كونه حكماً خاصّاً ثابتاً على من كان على بعض أعضائه جبيرة و إن لم يكن الغسل متوقّفاً عليه فمن البعيد أن يكون هذا الابتلاء موجباً لحكم أشدّ من غيره و تكليف زائد على حال السلامة من هذه الجهة فعند ذلك يقوى في النظر أن

يكون الأمر بالنزع في الرواية أمراً إرشادياً إلى التخلّص عن بلل الخرقة أو سهولة الغسل بعد النزع أو أشباههما. نعم ربّما يقال: إنّ الأمر بالنزع في الرواية إنّما هو للاحتفاظ بالترتيب المعتبر في أجزاء الوضوء نظراً إلى عدم حصوله غالباً إلّا بالنزع و لكنّه ممنوع و على تقديره فالكلام إنّما هو مع عدم استلزام عدم نزع الجبيرة للإخلال بشي ء من الامور المعتبرة، هذا كلّه مع إمكان النزع. و أمّا مع عدم إمكانه و عدم إمكان إيصال الماء إلى ما تحتها على نحو يتحقّق الغسل بشرائطه فالواجب هو المسح على الجبيرة بدل غسل محلّها و هو ممّا لا خلاف فيه ظاهراً، بل عن المختلف و المعتبر و المنتهى و التذكرة و غيرها الإجماع عليه و يشهد له صحيحة الحلبي المتقدّمة المشتملة على قوله عليه السلام: إذا كان يؤذيه الماء فليمسح

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 2.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 398

..........

______________________________

على الخرقة، نظراً إلى أنّ المراد بإيذاء الماء إيّاه ليس خصوص ما إذا كان الماء مضرّاً بحال المجبور بل أعمّ منه و ممّا إذا كان الغسل موجباً لنزع الجبيرة المستلزم لحصول الأذى بنفسه و إن لم يكن استعمال الماء من حيث هو كذلك و هو الذي عبّرنا عنه بعد إمكان النزع ضرورة انّه ليس المراد هو عدم إمكانه أصلًا، بل المراد هو كون النزع مستلزماً لحصول الأذى و تحقّق الشدّة و المشقّة. و يدلّ أيضاً على ما ذكر رواية كليب الأسدي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عن الرجل إذا كان كسيراً كيف يصنع بالصلاة؟ قال: إن كان يتخوّف على نفسه فليمسح على جبائره و

ليصلّ. «1» و دلالتها أظهر من الصحيحة المتقدّمة كما هو غير خفيّ. و غيرهما من الروايات الدالّة عليه. نعم صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ فقال: يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته «2».

مشعرة بل ظاهرة في عدم وجوب المسح على الجبيرة أيضاً لعدم التعرّض له فيها بل قوله: و يدع ما سوى ذلك لعلّه ظاهر في تركه و رفع اليد عنه بالغسل و المسح معاً. هذا و لكن هذا الإشعار أو الظهور ليس في مرتبة يمكن أن تقاوم مع الروايات المتقدّمة الدالّة على وجوب المسح على الجبيرة و يمكن حمل هذه الرواية على كونها بصدد بيان عدم وجوب غسل المحلّ الذي كان عليه الجبيرة كما

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 8.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 399

..........

______________________________

ربّما يؤيّده النهي عن نزع الجبائر في ذيل الرواية و عليه فلا مجال لما استجوده صاحب المدارك من حمل تلك الأخبار على الاستحباب لو لا الاجماع على خلافه كما انّه لا وجه لما عن ظاهر الصدوق من التخيير بين المسح على الجبيرة و الاكتفاء بغسل ما حولها كما لا يخفى. ثمّ إنّ الجمود على ما يتراءى من ظاهر النصوص و أكثر الفتاوى يقتضي تعيّن المسح على الجبيرة و اختلاف ماهيّته مع ماهية الغسل يقتضي عدم

الاكتفاء بالغسل و مجرّد إيصال الماء على الجبيرة من دون مسح، و عن نهاية الاحكام و كشف اللّثام احتمال أن يكون المراد بالمسح هو الغسل، و عن شرح المفاتيح للوحيد تنزيل النصوص و الفتاوى عليه، و احتمل جماعة أن يكون المراد من المسح مجرّد إيصال البلل و لو لم يكن بإمرار اليد ليكون مسحاً و لا بنحو الغلبة و الجريان ليكون غسلًا، و عن شيخنا الأعظم رحمه الله انّه لم يستبعد هذا الاحتمال. و عن ظاهر الشهيدين التخيير بين الغسل و المسح و اختاره السيّد صاحب العروة قدس سره. و ربّما يقال في وجه الاحتمال الثاني انّ المتأمّل في الأخبار و أسئلة السائلين لا يكاد يرتاب في عدم إرادة الإمام عليه السلام حيث أمر بمسح الجبيرة بدلًا عن غسل محلّها إلّا بيان انتقال حكم المحلّ إلى الحالّ و كفاية إيصال الماء إلى ظاهر الجبيرة و التعبير بالمسح إنّما هو لبيان كفاية مجرّد إيصال البلّة إليها بسبب المسح و عدم وجوب إجراء الماء عليها كما هو المتبادر من الأمر بغسل الجبيرة و الخرقة، و احتمال إرادة اعتبار ماهيّة المسح يعني إمرار الماسح على الممسوح تعبّداً فيكون الوضوء في حقّ ذي الجبيرة غسلتين و مسحات حتّى يحتاج إلى التكلّم في انّه هل يعتبر أن يكون المسح بباطن الكفّ أم يكفي مطلقه في غاية البعد كيف و إلّا لكان اعتبار اشتمال الماسح على نداوة الوضوء أو غيرها فضلًا عن وصولها إلى

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 400

..........

______________________________

الممسوح محتاجاً إلى الدليل كما ثبت ذلك في مسح الرأس و الرجلين مع انّا لا نرى أحداً من العوام يتردّد في وجوب إيصال البلّة إلى ظاهر

الجبيرة بعد أن أفتى مجتهده بالمسح عليها كما انّه تريهم يعتبرون في الجبيرة جميع الشرائط المعتبرة في محلّها مثل الطهارة و الاستيعاب و الترتيب بينه و بين سائر الأعضاء مع انّ لازمه عدم جواز الوضوء و الغسل الارتماسيين لأرباب الجبيرة و لا يمكن الالتزام به. و وجه الأخير دعوى كون الأمر وارداً مورد توهّم الحظر فلا دلالة له إلّا على مجرّد جواز الاكتفاء بالمسح عن الغسل و لا يدلّ على تعينه أصلًا. و وجه ما احتمله جماعة هو انّ التعبير بالمسح في النصوص ينفي اعتبار الاستيلاء و الجريان المعتبر في مفهوم الغسل و جواز الوضوء الارتماسي لذي الجبيرة يقتضي عدم لزوم إمرار اليد خصوصاً مع عدم اعتباره في المحلّ أيضاً و وضوح عدم كون الابتلاء بها موجباً لثبوت حكم أشدّ و تكليف زائد، و عليه فلا بدّ من الالتزام بكون المراد بالمسح ما ذكر. و أنت خبير بأنّه لم يدلّ دليل على جواز الوضوء الارتماسي لذي الجبيرة حتّى بالإضافة إلى ما كانت عليه الجبيرة من العضو و لا مانع من التبعيض في الارتماس كما مرّ فرفع اليد عن ظاهر اعتبار المسح الملازم لإمرار اليد ممّا لا مسوّغ له. و أمّا وجه ما اختاره الشهيدان فيرد عليه انّه لا فرق في الجبيرة من جهة الغسل و المسح، فدعوى كون الحظر المتوهّم إنّما هو بالإضافة إلى المسح ممنوعة جدّاً. و أمّا وجه الثاني فيمكن الإيراد عليه بأنّه بعد وضوح كون الوضوء أمراً مركّباً من الغسل و المسح و ظهور اختلاف ماهيتهما بحيث لا يتجزّى بواحد منهما لكان الآخر كيف يمكن تنزيل المسح المأمور به على الغسل، و استلزامه كون

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام

التخلي، ص: 401

..........

______________________________

الوضوء في حقّ ذي الجبيرة غسلتين و مسحات ممّا لم يمنع عنه مانع و اعتبار كون الماسح مشتملًا على النداوة كاعتبار وصولها إلى الممسوح لا يحتاج إلى قيام دليل خاصّ عليه، بل إنّما هو مستفاد من نفس بدلية المسح على الجبيرة عن الغسل اللّازم في محلّها فإنّ تناسب البدلية يهدي العرف إلى اعتبار ثبوت النداوة و وصولها إلى الممسوح، و لأجل ذلك تراهم يعتبرون فيها جميع ما يعتبر في محلّها، مع انّه ربّما نوقش في اعتبار بعض الامور المعتبرة في المحلّ فيها كما عن الذكرى حيث استشكل في لزوم وصول الرطوبة إلى تمام الجبيرة و اكتفى في صدق المسح عليها بالمسح على جزء منها و هذه المناقشة و إن كانت مندفعة إلّا انّها تكشف عن عدم وضوح كون المراد من المسح هو الغسل. و بالجملة ظاهر الروايات بدلية المسح عن الغسل، و الجبيرة عن محلّها، فالبدلية قائمة بأمرين و لا مجال لرفع اليد عن هذا الظاهر و صرف البدلية إلى خصوص الثاني، و أمّا السؤال في صحيحة الحلبي المتقدّمة عن المسح على الخرقة إذا توضّأ فلا دلالة له على أنّ الذي خطر بباله بمقتضى ما هو المغروس في ذهنه من أنّ الميسور لا يسقط بالمعسور ليس إلّا احتمال كفاية إيصال الماء إلى ظاهر الجبيرة بدلًا عن محلّها، و أمّا كفاية ماهية المسح التي هي عبارة عن إمرار الماسح على الممسوح فلا منشأ لتوهّمها قبل الاطّلاع على تعبّد الشارع به و ذلك لأنّه حيث لم يكن السائل مذكوراً في الرواية و من الممكن أن يكون قد وصل إليه من ناحية بعض الرواة ثبوت المسح في مورد الجبيرة و لكنّه لم يكن عالماً بحدوده

و خصوصياته فأراد أن يسأل للاطّلاع عليها و لا دليل على كون سؤاله ناشئاً عمّا هو المغروس في ذهنه من دون أن يصل الحكم إليه أصلًا كما لا يخفى، فرفع اليد عن ظاهر الروايات بمثل ذلك ممّا لا مجال له بوجه، هذا تمام الكلام في الصورة الاولى.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 402

..........

______________________________

و أمّا الصورة الثانية و هي ما كانت الجبيرة في محلّ المسح فمع إمكان نزع الجبيرة و المسح على البشرة يتعيّن ذلك بمقتضى الأدلّة العامّة و مع عدم إمكان نزعها يكفي المسح على الجبيرة و يدلّ عليه رواية عبد الأعلى مولى آل سام- المعروفة- قال:

قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: عثرت فانقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ، قال اللّٰه تعالى:

«مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» امسح عليه. «1» بناءً على كون المراد هو ظفر الرجل لا ظفر اليد أو أعمّ منه كما ربّما يؤيّده ترك الاستفصال و إن كان يبعّده عدم كون العثرة موجبة لانقطاع أظفار الرجل بأجمعها غالباً و وضح كفاية المسح على واحد منها و هذا بخلاف أظفار اليد التي يجب غسلها بأجمعها و يكفي انقطاع واحد منها في السؤال عن الحكم، كما انّ الاعتراض و الاستشهاد بالآية ربّما يؤيّد كون المراد هو ظفر الرجل لأنّ آية نفي الحرج لا دلالة لها على بدلية المسح عن الغسل بوجه، بل غاية مفادها نفي لزوم الغسل، و أمّا في موضع المسح فالآية تنفي لزوم المسح على البشرة و يبقى أصل لزوم المسح و لو على الجبيرة بحاله فالاستشهاد بالآية شاهد على كون المراد

هو خصوص ظفر الرجل الذي هو محلّ المسح. نعم هنا رواية ربّما تتوهّم معارضتها مع رواية عبد الأعلى و هي موثّقة عمّار قال: سُئل أبو عبد اللّه عليه السلام عن الرجل ينقطع ظفره هل يجوز له أن يجعل عليه علكاً؟

قال: لا و لا يجعل إلّا ما يقدر على أخذه عنه عند الوضوء و لا يجعل عليه إلّا ما يصل إليه الماء. «2» بناءً على كون النهي إرشاداً إلى عدم القدرة على الوضوء الصحيح عند جعل ما لا يصل إليه الماء عليه، و لكن الظاهر كما قال الشيخ قدس سره انّ موردها صورة الاختيار التي لا يجوز معها ذلك و أمّا عند الضرورة فلا بأس به فلا يعارضه في البين.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 5.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 6.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 403

مسألة 2- يجب استيعاب المسح في أعضاء الغسل،

نعم لا يلزم مسح ما يتعذّر أو يتعسّر مسحه ممّا بين الخيوط، و أمّا في أعضاء المسح يكون حال المسح على الجبيرة كمسح محلّها قدراً و كيفية فيعتبر أن يكون باليد و نداوتها بخلاف ما كان في موضع الغسل (1).

مسألة 3- الظاهر جريان أحكام الجبيرة مع استيعابها لعضو

______________________________

(1) امّا وجوب الاستيعاب في أعضاء الغسل فهو المشهور- كما عن الحدائق- و قد عرفت الاستشكال في ذلك عن الذكرى نظراً إلى أنّه يكفي في صدق المسح على الجبيرة الجبيرة المأمور به المسح على جزء منها و لكن يدفعه انّ مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي الاستيعاب فإنّ المتفاهم عند العرف هو كون الجبيرة بدلًا عن محلّها كما انّ المسح بدل عن الغسل فلا خفاء عندهم في لزوم استيعاب الجبيرة بالمسح، نعم يكفي الاستيعاب العرفي و لا يلزم المداقة بإيصال الماء إلى الخلل و الفرج بعد استلزامه للحرج المنفي في الشريعة، و منه يظهر انّ المسح على الجبيرة في موضع المسح يكون كمسح محلّها قدراً و كيفيّة فيعتبر فيه جميع ما يعتبر فيه لانصراف البدلية عن العرف و هي موجبة لترتّب ما كان ثابتاً في المبدل على البدل فيعتبر أن يكون المسح في هذه الصورة باليد و نداوتها بخلاف ما كان في موضع الغسل لعدم اعتبار شي ء من ذلك في المبدل فلا يكون ثابتاً في البدل أيضاً.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 404

واحد خصوصاً محل المسح، و لو كانت مستوعبة لمعظم الأعضاء فلا يترك الاحتياط بالجمع بين عمل الجبيرة و التيمّم إن أمكن ذلك بلا حائل و ان لا تبعد كفاية التيمّم، نعم إذا استوعب الحائل أعضاء التيمّم أيضاً و لا يمكن التيمّم على البشرة تعيّن الوضوء على الجبيرة (1).

______________________________

(1) إذا

كانت الجبيرة مستوعبة لعضو واحد فالظاهر جريان أحكام الجبيرة- حينئذٍ- لإطلاق النصّ و الفتوى و عدم الشاهد على الاختصاص بصورة عدم الاستيعاب خصوصاً بالإضافة إلى محلّ المسح الذي لا يعتبر فيه الاستيعاب امّا مطلقاً أو بالإضافة إلى العرض و عليه لا ينبغي توهّم اختصاص الدليل بما إذا لم يكن هناك استيعاب ضرورة انّه مع عدمه يتعيّن المسح على البشرة في الموضع الخالي عن الجبيرة و هذا بخلاف محلّ الغسل الذي يعتبر فيه الاستيعاب فإنّه يمكن التوهّم المذكور و لكن لا شاهد عليه بعد ثبوت الإطلاق و ترك الاستفصال. و أمّا إذا كانت مستوعبة لمعظم الأعضاء فتارة يمكن التيمّم بلا حائل و اخرى لا يمكن، ففي الصورة الثانية يتعيّن الوضوء على الجيرة لعدم إمكان المسح على البشرة على ما هو المفروض، و في الصورة الاولى نفى البعد عن كفاية التيمّم و احتاط بالجمع بينه و بين عمل الجبيرة و الوجه في الاكتفاء به قصور أدلّة الجبيرة عن الشمول لهذه الصورة، فالاجتزاء به مشكل و إن صرّح به في محكي كلام جماعة كالفاضلين و غيرهما لعدم استفادة حكمها من النصوص، نعم يمكن دعوى إلغاء خصوصية المورد عرفاً كما عن الشيخ الأعظم قدس سره استظهارها في طهارته و لكنّها ممنوعة لعدم وضوح الإلغاء عند العرف و بعد ذلك يتعيّن الرجوع إلى إطلاق أدلّة التيمّم و إن كانت رعاية الاحتياط من حيث دوران الأمر بين المتباينين بالجمع بين الطهارتين ممّا لا خفاء في حسنه.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 405

مسألة 4- إذا وقعت الجبيرة على بعض الأطراف الصحيحة

فالمقدار المتعارف الذي يلزمه شدّ غالب الجبائر يلحق بها في الحكم فيمسح عليه، و إن كان أزيد من ذلك المقدار فإن أمكن رفعها و

غسل المقدار الصحيح ثمّ وضعها و مسح عليها، و إن لم يمكن ذلك مسح عليها و لا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم أيضاً (1).

______________________________

(1) امّا لحوق المقدار المتعارف الذي يلزمه شدّ غالب الجبائر فوجهه واضح لأنّ مورد النصوص و الفتاوى هو وضع الجبيرة بالمقدار المتعارف و أمّا إذا كان أزيد من ذلك المقدار ففي صورة إمكان رفع الجبيرة بأجمعها أو رفع المقدار الزائد على المتعارف لا ينبغي الإشكال في لزومه و غسل المقدار الصحيح، و في صورة عدم إمكان رفع الجبيرة لا بدّ من المسح عليها و لكن لا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم أيضاً لاحتمال اختصاص أدلّة الجبيرة بغير ما إذا كانت زائدة على المقدار المتعارف فمقتضى الاحتياط اللّازم هو الجمع بين الطهارتين. و في العروة بعد الحكم بأنّ الأحوط ضمّ التيمّم أيضاً قال: «خصوصاً إذا كان عدم إمكان الغسل من جهة تضرّر القدر الصحيح أيضاً بالماء» و الظاهر انّ مراده قدس سره صورة تضرّر القدر الصحيح في مقابل ضرر الجرح أو القرح أو الكسر لا تضرّر الجرح أو نحوه بغسل القدر الصحيح، و الوجه في خصوصية هذه الصورة انّ شمول أدلّة الجبيرة لها في غاية الإشكال لأنّ موردها ما إذا تضرّر الجرح أو نحوه برفع الجبيرة و غسل محلّها و لا يعمّ ما إذا تضرّر القدر الصحيح أيضاً بالماء ففي هذه الصورة يجتمع دليلان: دليل الجبيرة بلحاظ تضرّر الجرح أو نحوه و دليل التيمّم بلحاظ تضرّر القدر الصحيح و حيث إنّ الحكم الواقعي مطابق لواحد من الدليلين و هو لا يكاد يعلم في البين فلا محيص من الاحتياط بالجمع بين الطهارتين و سيأتي مزيد الكلام في حكم صورة تضرّر الموضع الصحيح بالماء في بعض المسائل

الآتية إن شاء اللّٰه تعالى فانتظر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 406

مسألة 5- إذا لم يمكن المسح على الجبيرة من جهة النجاسة وضع خرقة فوقها على نحو تعدّ جزءاً منها و مسح عليها (1).

مسألة 6- الأقوى انّ الجرح المكشوف الذي لا يمكن غسله يجوز الاكتفاء بغسل ما حوله،

و الأحوط مع ذلك وضع خرقة عليه و المسح عليها (2).

______________________________

(1) القول بوجوب وضع خرقة طاهرة فوق الجبيرة النجسة محكيّ عن ظاهر الشهيدين و العلّامة، و عن المدارك انّه لا خلاف فيه و الوجه فيه انّ المسح على الجبيرة حيث يكون بدلًا عن غسل البشرة يجب تحصيله و لو بوضع خرقة طاهرة، نعم تعيّن ذلك إنّما هو فيما إذا لم يمكن تطهير الجبيرة و في صورة الإمكان يتخيّر بينه و بين وضع خرقة طاهرة عليها و ينبغي تقييد الحكم بما إذا كانت الخرقة الطاهرة على نحو تعدّ جزء من الجبيرة؛ لأنّه- حينئذٍ- يتحقّق المسح على الجبيرة الطاهرة، و أمّا إذا لم يمكن ذلك و لم تصر الخرقة الموضوعة جزء من الجبيرة فلا موجب لوضعها فوقها و لا وجه للاكتفاء بالمسح عليها، بل يجري عليه حكم ما لو لم يمكن وضع خرقة طاهرة رأساً و لم يمكن تطهير الجبيرة أيضاً فإنّه يحتمل فيه الانتقال إلى التيمّم و الاكتفاء بمسح الجبيرة النجسة أو بغسل ما حولها و مقتضى الاحتياط هو الجمع بين الامور الثلاثة فتدبّر.

(2) الجرح المكشوف إذا أمكن غسله من غير تضرّر يجب غسله بمقتضى الأدلّة الأوّلية، و إذا لم يمكن غسله كذلك فقد جوّز في المتن الاكتفاء بغسل

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 407

..........

______________________________

ما حوله، و حكى ذلك عن جماعة، بل في جامع المقاصد- في مبحث التيمّم- نسبته إلى نصّ الأصحاب، و في محكي المدارك: ينبغي القطع بذلك. و الدليل عليه ذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة قال: و سألته عن الجرح كيف أصنع

به في غسله؟ قال: اغسل ما حوله، و صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة و صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: سألته عن الجرح كيف يصنع صاحبه؟ قال: يغسل ما حوله «1».

و الظاهر منها الاكتفاء بغسل ما حوله و عدم وجوب شي ء بالإضافة إلى نفس الجرح لا غسلًا و لا مسحاً، و لكن في التذكرة و الدروس و المعتبر و النهاية- على ما حكي عنهم- وجوب مسحه و علّله في النهاية بأنّه أحد الواجبين و لتضمّن الغسل إيّاه فلا يسقط بتعذّر أصله، و لكن فيه ما لا يخفى فإنّ كونه أحد الواجبين لا يقتضي بدليته عن الآخر، و تضمّن الغسل إيّاه ممنوع لتباينهما مفهوماً و خارجاً، نعم يمكن استفادة ذلك من فحوى ما دلّ على وجوب مسح الجبيرة إذا تعذّر غسل البشرة لكنّها موهونة لأنّ السكوت عن المسح على الجرح في الروايات خصوصاً في صحيحة الحلبي بلحاظ اشتمال صدرها على الأمر بالمسح على الجبيرة يدلّنا على عدم الوجوب و انّه لا مجال لدعوى الفحوى أصلًا إلّا أن يقال: إنّ موردهما صورة إيذاء الماء و المفروض انّ استعمال الماء بنحو المسح لا يكون مؤذياً، بل غاية الإيذاء بنحو الغسل فلا دلالة للروايتين الواردتين في مورد إيذاء الماء مطلقاً على حكم المقام و الدليل على ورودهما في هذا المورد قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: إن كان يؤذيه الماء فإنّ مقتضى إطلاقه الإيذاء مطلقاً خصوصاً بعد عدم اختصاص مورد السؤال بالمواضع التي يجب غسلها في الوضوء و شموله لما يجب مسحه من الأعضاء فانّه- حينئذٍ- لا مجال لحمل الإيذاء

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 3.

تفصيل الشريعة في

شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 408

..........

______________________________

على خصوص الإيذاء بنحو الغسل، و أمّا صحيحة عبد اللّه بن سنان فالقدر المتيقّن من موردها و كذا صحيحه ابن الحجّاج. هذا و لكن يدفعه انّ الظاهر كون المراد هو الإيذاء بنحو الغسل و انّ النظر في الرواية إنّما هو إلى الأعضاء التي يجب غسلها و الشاهد عليه قوله عليه السلام: و إن كان لا يؤذيه الماء فلينزع الخرقة ثمّ ليغسلها، فإنّ الحكم بوجوب الغسل في هذه الشرطية ظاهر في أنّ مورد الرواية سؤالًا و جواباً إنّما هو ما إذا كانت الجبيرة على بعض أعضاء الغسل، و عليه فالمراد بإيذاء الماء هو الإيذاء بنحو الغسل. هذا مع انّه يمكن أن يقال: إنّ التفصيل بين صورتي الإيذاء و عدمه لا يرتبط بذيل الرواية المتعرّض لسؤال مستقلّ و جواب كذلك من دون تقييد و تفصيل، بل الرواية من هذه الجهة تصير كصحيحة ابن سنان الخالية من التفصيل و القدر المتيقّن من تقييدها ما إذا كان غسل الجرح ممكناً من دون تضرّر و في غير هذه الصورة يكون مقتضاها الاكتفاء بغسل ما حول الجرح. فالإنصاف انّ الحكم بلزوم المسح على نفس الجرح ما لم ينهض عليه دليل، بل الظاهر كما أفاده في المتن من الاكتفاء بغسل ما حوله، نعم احتاط فيه مع ذلك بوضع خرقة عليه و المسح عليها و الوجه في هذا الاحتياط امّا الاستفادة من الأمر بالمسح على الجبيرة مع انّها ممنوعة لأنّ مورده هي الجبيرة الموضوعة التي لا يمكن نزعها و لا وجه لاستفادة حكم المقام منه. و بعبارة اخرى مورده صورة وجود الجبيرة و لا دلالة له على وجوب إيجادها بوجه، و أمّا احتمال ثبوت التكليف

بالمسح على الخرقة بعد وضعها هنا بضميمة كون الاحتياط في مثل الوضوء لازم لأنّه من قبيل الشكّ في المحصّل، و لكن يدفعه مضافاً إلى بطلان لزوم الاحتياط في مثله انّه لا مجال له بعد دلالة الدليل على عدمه و لو من جهة السكوت في مقام البيان.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 409

..........

______________________________

نعم يمكن أن يكون للاحتياط- بعد كون المراد منه هو الاستحبابي لا الوجوبي- وجه آخر و هو الخروج عن مخالفة من أوجب ذلك و نقول: إنّ لازم ذلك المسح على نفس الجرح المكشوف أيضاً لما عرفت من غير واحد من وجوب المسح عليه فالاحتياط التامّ إنّما يتحقّق بمسح الجرح المكشوف أوّلًا ثمّ وضع خرقة عليه و المسح عليها أيضاً، بل يمكن أن يقال بعدم كون الاحتياط بالنحو المذكور في المتن لأنّ القائل بهذا القول إنّما ذهب إليه في صورة تعذّر مسح نفس الجرح لا مطلقاً فتدبّر جيّداً. ثمّ إنّ صاحب العروة قدس سره احتاط فيما إذا لم يمكن وضع الخرقة على الجرح المكشوف بعد الحكم بالاقتصار على غسل الأطراف بضمّ التيمّم إليه أيضاً. و قال في المستمسك في وجه التيمّم: لاحتمال خروج الفرض عن مورد النصوص؛ لأنّ حكم الجبيرة مورده الجبيرة المضطرّ إليها لا مطلق الخرقة الملفوفة على العضو فيتعيّن فيه التيمّم. ثمّ أورد عليه بأنّ هذا الاحتياط ضعيف جداً لأنّ الصحيحين كالصريحين في الجرح المكشوف، و غاية ما يناقش فيهما عدم ظهورهما في الاجتزاء بذلك، بل لا بدّ من مسح الجرح إن أمكن فإن لم يمكن مسح على الخرقة و لا يحتمل فيهما أن يكون حكمه التيمّم. أقول: يرد عليه مضافاً إلى أنّ مورد كلام السيّد صورة عدم

إمكان وضع الخرقة على الجرح و شمول نصوص الجبيرة لمطلق الخرقة الملفوفة على تقديره لا يكاد يجدي في ذلك كما لا يخفى انّ منشأ الاحتياط في كلامه ليس احتمال دلالة الصحيحين على ذلك ضرورة انّه ليس من التيمّم فيهما عين و لا أثر بل منشؤه وجود روايات كثيرة دالّة على التيمّم في مثل المقام التي تكون بظاهرها معارضة للصحيحين، بل و لجميع الروايات الواردة في الجبيرة الدالّة على كفاية المسح عليها الظاهرة في عدم وجوب التيمّم في موردها و مورد ثبوت الجرح و القرح و لا بدّ من إيرادها

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 410

..........

______________________________

و ملاحظة ثبوت المعارضة و عدمها فنقول: منها: صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن الرضا عليه السلام في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح أو جروح أو يكون يخاف على نفسه من البرد فقال: لا يغتسل و يتيمّم. «1» و مثلها رواية داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السلام «2».

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيب الجنابة قال: يتيمّم «3».

و منها: ما رواه الصدوق باسناده عن محمد بن مسلم انّه سأل أبا جعفر عليه السلام عن الرجل يكون به القروح و الجراحات فيجنب فقال: لا بأس بأن يتيمّم و لا يغتسل «4».

و منها: مرسلته أيضاً قال: قال الصادق عليه السلام: المبطون و الكسير يؤممان و لا يغسلان «5».

و منها: مرسلة ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:

سألته عن مجدور أصابته جنابة فغسلوه فمات فقال: قتلوه الّا سألوا فإن دواء العي السؤال «6».

و منها

رواية جعفر بن إبراهيم الجعفري عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: إنّ النبيّ صلى الله عليه و آله ذكر له انّ رجلًا أصابته جنابة على جرح كان به فأمر بالغسل

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 7.

(2) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 8.

(3) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 9.

(4) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 11.

(5) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 12.

(6) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 3.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 411

..........

______________________________

فاغتسل فكزّ فمات فقال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: قتلوه قتلهم اللّٰه إنّما كان دواء العيّ السؤال «1».

و منها: رواية محمد بن مسكين و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: قيل له: إنّ فلاناً أصابته جنابة و هو مجدور فغسّلوه فمات فقال: قتلوه، ألا سألوا، ألا يمّموه، إنّ شفاء العيّ السؤال «2».

و قد ذكروا للجمع بين الأخبار وجوهاً: 1- حمل أخبار التيمّم على غير ذي الجبيرة و حمل سائر الأخبار على ذي الجبيرة. 2- حمل أخبار التيمّم على المستوعب و حمل غيرها على غيره. 3- حمل أخبار التيمّم على ما لا يمكن مسحه أو مسح خرقة تشدّ عليه و حمل غيرها على ما يمكن فيه أحد الأمرين. 4- حمل أخبار التيمّم على الغسل كما هو موردها و حمل غيرها على الوضوء أو غسل ذي الجبيرة و الخرقة كما هو مورد صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج المتقدّمة. 5- حمل أخبار الطرفين على التخيير. 6- حمل أخبار التيمّم على صورة التضرّر بالغسل الصحيح و حمل ما عداها على غير هذه الصورة. و التحقيق في وجه الجمع هو الوجه الأخير

تبعاً للمحقّق الهمداني قدس سره قال في توضيحه ما ملخّصه بتقريب منّا: «إنّ المنصرف من أخبار الجبيرة و كذا الأخبار الثلاثة الواردة في الجرح المكشوف خصوص صورة عدم الخوف لاحتمال الضرر من استعمال الماء في غسل ما عدا موضع الجبيرة أو ما حول الجرح فحكم صورة خوف الضرر من استعمال الماء كذلك لا يكاد يستفاد من هذه الأخبار بوجه كما انّها لا تشمل صورة تعذّر تطهير ما عدا موضع الجبيرة أو ما حول الجرح مقدّمة للغسل الصحيح، و عليه فأخبار التيمّم بالنسبة إلى هذين الموردين سليمة عن المزاحم، و أمّا بالنسبة إلى ما عداهما فمقتضى قاعدة حمل المطلق على المقيّد يقيّد أخبار التيمّم بالأخبار الواردة في الجبيرة أو الجرح المجرّد و الحكم بأنّه مع عدم التضرّر و التعذّر لا بدّ من الأخذ بها و اختصاص أخبار التيمّم بالغسل على تقدير جواز التفصيل بين الوضوء و الغسل و عدم مخالفته للإجماع لا يجدي في انقلاب النسبة؛ لأنّ صحيحة ابن الحجّاج نصّ في العموم فلا يمكن تخصيصها بالوضوء مع انّه لا ينبغي الارتياب في عدم إرادة خصوصية الوضوء أو الغسل في شي ء من هذه الأخبار و لا في أسئلة السائلين فلا محيص عن تقييد أخبار التيمّم بما ذكر و الحكم بأنّ الانتقال إلى التيمّم إنّما هو في صورة الخوف من استعمال الماء مطلقاً أو من غسل خصوص ما حول الجرح و الجبيرة أو تعذّر تطهيره كما لا يخفى».

______________________________

(1) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 6.

(2) الوسائل أبواب التيمم الباب الخامس ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 412

مسألة 7- إذا أضرّ الماء بالعضو من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر يتعيّن التيمّم،

نعم لو أضرّ ببعض العضو و أمكن غسل ما حوله لا يبعد جواز الاكتفاء

بغسله و عدم الانتقال إلى التيمّم و الأحوط مع ذلك ضمّ التيمّم، و لا يترك هذا الاحتياط، و أحوط منه وضع خرقة و المسح عليها ثمّ التيمّم، و كذا يتعيّن التيمّم إذا كان الكسر أو الجرح في غير مواضع الوضوء و لكن استعمال الماء في

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 413

مواضعه يضرّ بالكسر أو الجرح (1).

..........

______________________________

(1) في هذه المسألة فروع: الأوّل: ما لو أضرّ الماء بالعضو من دون أن يكون جرح أو قرح أو كسر و المتعيّن فيه التيمّم و قد عبّر في محكي شرح المفاتيح بأنّ ظاهر الأصحاب التيمّم و يدلّ عليه الروايات المتقدّمة الواردة في مورد ثبوت الجرح أو القرح أو خوف البرد على نفسه الدالّة على التيمّم فإنّ خوف البرد على نفسه ليس معناه حصول الاضرار بجميع البدن، بل الاضرار و لو ببعضه كما انّ الحكم بالتيمّم في مورد الجرح أو القرح إنّما هو للتضرّر بغسلهما فالملاك هو الضرر و سيأتي في مبحث التيمّم إن شاء اللّٰه تعالى من جملة موارده صورة خوف الضرر من استعمال الماء و لو لم يكن هناك جرح أو قرح أو كسر فالحكم في هذا الفرع هو التيمّم بلا إشكال. الثاني: ما لو كان الماء مضرّاً ببعض العضو و أمكن غسل ما حوله و قد نفى البعد في المتن عن جواز الاكتفاء بغسله و عدم الانتقال إلى التيمّم ثمّ نهى عن ترك الاحتياط بضمّ التيمّم و جعل الأحوط من ذلك وضع خرقة على ذلك البعض و المسح عليها ثمّ التيمّم و أقول: امّا جواز الاكتفاء بغسله و عدم الانتقال إلى التيمّم فمنشؤه أحد امور على سبيل منع الخلوّ: الأمر الأوّل: الاستفادة من

النصوص الواردة في الجرح المجرّد الدالّة على الاكتفاء بغسل ما حوله بدعوى انّ موردها و إن كان صورة ثبوت الجرح إلّا انّه لا خصوصية لثبوته، بل الملاك هو استلزام استعمال الماء لتضرّر الجرح الذي هو ثابت في بعض العضو نوعاً فخصوصية المورد ملغاة بنظر العرف و يؤيّده انّهم تعدّوا عنه إلى الكسر و القرح، بل عن شرح الدروس انّ الأصحاب ألحقوا الكسر المجرّد عن الجبيرة بالجرح و كذا كلّ داء لا يمكن معه إيصال الماء إلى البشرة، و مرجع

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 414

..........

______________________________

ذلك كلّه إلى إلغاء العرف لخصوصية المورد و عدم فهمهم من النصوص الثلاثة الواردة في الجرح انّ الحكم المذكور فيها يختص بالجرح، بل الملاك هو تضرّر بعض العضو باستعمال الماء سواء كان لأجل الجراحة أو غيرها، و على ما ذكر فلا مجال للمناقشة في التعدّي بأنّ التعدّي إلى الكسير و القريح إنّما هو بالإجماع و هو لا يكون ثابتاً في المقام أو بأنّ النسبة في الشرح لا مأخذ لها أصلًا. الأمر الثاني: قاعدة «الميسور لا يسقط بالمعسور» بناء على انجبار ضعف مستندها باشتهار التمسّك بها في كلمات الأصحاب و إن كان يمكن المناقشة فيه بأنّ الشهرة الجابرة هي الشهرة بين القدماء من الأصحاب و اشتهار التمسّك بالقاعدة إنّما هو بين المتأخّرين و في ألسنتهم. و كيف كان فدلالتها على المقام تبتنى على أن لا يكون المراد منها هو الميسور و المعسور من أفراد الطبيعة، بل يكون المراد هو الميسور و المعسور من أجزاء الطبيعة المركّبة بضميمة انّ المأمور به في باب الوضوء هو نفس الوضوء الذي يكون أمراً مركّباً من الغسلتين و المسحتين فالقاعدة تدلّ

على أنّ الميسور من أجزاء الطبيعة المركّبة لا يسقط بالمعسور منها و لا مجال لدعوى انّ الواجب هي الطهارة و هي ليست بذات مراتب كي يحكم بعدم سقوط الميسور منها. الأمر الثالث: رواية عبد الأعلى المعروفة- المتقدّمة- «1» بناءً على أنّها كما تدلّ على سقوط شرطية الشرط المتعذّر كذلك تدلّ على سقوط جزئيّة الجزء المتعذّر بسبب الجرح. و لكنّه قد نوقش فيها- تارة- بأنّ مفادها مجرّد نفي وجوب المسح على البشرة بقرينة التمسّك بآية نفي الحرج لا إثبات وجوب الوضوء الناقص كما هو

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 5.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 415

..........

______________________________

المقصود- و اخرى- بأنّه لو بنى على الأخذ بعمومها يلزم تأسيس فقه جديد لأنّ اللّازم منه ارتفاع مشروعية التيمّم بالنسبة إلى المتضرّر بالغسل لبرد أو مرض أو نحوهما؛ لأنّ كلّ مريض متمكّن- بالمباشرة أو التولية- من مسح ما عليه من اللباس الساتر لبدنه، بل من مسح بدنه تدريجاً بيته المبلولة. و يدفع الاولى انّه لو كان مفادها مجرّد نفي وجوب المسح على البشرة لما كان وجه للاعتراض على السائل بأنّه يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه ضرورة انّ غرضه السؤال عن كيفيّة وضوئه و نفي وجوب المسح على البشرة لا يكفي لبيان الكيفية ما لم ينضمّ إليه إيجاب المسح على المرارة فالإنصاف انّ الاعتراض و الاستشهاد بالآية إنّما هي بضميمة مقدّمة مغروسة في ذهن السائل، بل جميع العقلاء في مقاصدهم العقلائية من انّ الميسور لا يسقط بالمعسور كما يشعر بذلك سؤاله حيث قال: كيف أصنع بالوضوء، فإنّ ظاهره يعطي انّ جواب الوضوء و عدم سقوطه في حقّه كان عنده مسلّماً مفروضاً

عنه و إنّما كان سؤاله عن الكيفيّة فبذلك يظهر دلالة الرواية على وجوب الوضوء الناقص عند تعذّر الشرط بل و الجزء. و يدفع الثانية وضوح انّ مسح اللباس الساتر ماهيته أجنبية عمّا هو المأمور به بخلاف مسح الجبيرة كما لا يخفى. فانقدح تمامية الاستدلال بالرواية إلّا انّه يمكن أن يقال: إنّه بناءً على ما ذكر يكون مفاد الرواية هو مفاد قاعدة الميسور بضميمة دليل نفي الحرج فلا تكون دليلًا مستقلّاً و نقول إنّ دلالتها على تمامية القاعدة بنحو التقرير تكفي للاستدلال بها مضافاً إلى أنّ مستفادة منها عدم اختصاص القاعدة بالاجزاء، بل يعمّ الشرائط أيضاً. الأمر الرابع: الاستصحاب و تقريره بوجوه: أحدها: استصحاب وجوب باقي الأجزاء على نحو القسم الثالث من أقسام استصحاب

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 416

..........

______________________________

الكلّي بأن يقال إنّه كان واجباً بالوجوب الغيري حال وجوب الكلّ و قد علمنا بارتفاعه إلّا انّه نحتمل حدوث الوجوب النفسي للباقي مقارناً لزوال الوجوب الغيري فيستصحب الجامع بين الوجوبين و القدر المشترك بين التكليفين لأنّه كان متيقّناً و قد شكّ في بقائه مع انّ اتّصاف الأجزاء بالوجوب الغيري محلّ نظر بل منع خصوصاً في مثل المقام الذي لا يكون الكلّ واجباً نفسيّاً. و يرد على هذا التقرير انّه لا يكون هذا الاستصحاب واجداً لشرط الجريان لأنّه يعتبر في جريانه أن يكون المستصحب امّا حكماً شرعيّاً أو موضوعاً لحكم شرعي، و الجامع بين الوجوبين لا يكون موضوعاً لمجعول و هو واضح و لا بنفسه مجعول لأنّه أمر انتزاعي و المجعول إنّما هو كلّ واحد من الوجوبين. ثانيها: استصحاب الوجوب الشخصي بضميمة ادّعاء ان تعذر بعض الأجزاء ممّا يتسامح فيه عرفاً و

لا يوجب حصول التغاير بين القضيتين: المتيقّنة و المشكوكة كما إذا وجب إكرام زيد ثمّ قطع بعض أعضائه فشكّ في بقاء وجوب إكرامه فانّه لا شكّ في جريان الاستصحاب و كون عدم الإكرام نقضاً لليقين بالشكّ عند العقلاء فكذا المقام. و يرد عليه انّ قياس العناوين الكلّية بالجزئيات الخارجية مع الفارق لأنّ العنوان الكلّي إذا اضيف إليه جزء أو قيد يعدّ مغايراً للكلّي الفاقد له بخلاف الامور الخارجية المتقوّمة بالشخصية و الهذية غير المتغيّرة بالزيادة أو النقيصة فالمقايسة غير تامّة. ثالثها: استصحاب الحكم الشخصي و الوجوب الجزئي أيضاً بأن يقال: إنّ الأجزاء الباقية غير المتعذّرة كانت واجبة و نشكّ في بقائه لاحتمال اختصاص جزئية الأمر المتعذّر بحال التمكّن فيبقى وجوب الباقي بحاله.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 417

..........

______________________________

و فيه انّه لا يعقل قيام الوجوب الواحد الشخصي بأمرين متغايرين تارة بالموضوع التام و اخرى بالمركّب الناقص و الالتزام بتعدّد المطلوب يوجب الالتزام بتعدّد الطلب و الإرادة و لا مجال للاستصحاب. و رابعها: استصحاب الحكم الشخصي أيضاً بأن يقال إنّ الوجوب و إن كان أمراً واحداً إلّا انّه ينبسط على الأجزاء حسب كثرتها و تعدّدها و لأجله يكون كلّ واحد من الأجزاء واجباً بعين الوجوب المتعلّق بالمركّب فمع زواله عن الجزء المتعذّر يشكّ في زواله عن الأجزاء الباقية فيستصحب. و يرد عليه انّه قد حقّق في محلّه انّ الأجزاء بنعت الكثرة لا يعقل أن تقع متعلّقة للطلب الواحد إلّا أن يصير الواحد كثيراً أو بالعكس، بل المتعلّق للبعث الواحد إنّما هي نفس الأجزاء في لحاظ الوحدة و الإجمال و في حالة الفناء و الاضمحلال و زوال وصف الانفراد و الاستقلال فالقول بالانبساط

ممّا ليس له مجال. مع انّه على تقدير تماميته نقول: إنّ الوجوب المتعلّق بالأجزاء تابع لوجوب المركّب و المفروض انّه أمر واحد شخصي ينتفي بانتفاء بعض أجزائه فلا يكون شكّ في البقاء. و يرد أيضاً على هذا الدليل بجميع تقريراته انّ الكلام في المقام في الوضوء الذي يكون مقدّمة للصلاة و اتصاف المقدّمة بالوجوب الغيري ممنوع كما قد حقّق في محلّه فلا يكون في البين وجوب حتّى يستصحب فتدبّر. هذا كلّه بالنسبة إلى الاكتفاء بجواز غسل ما حوله و عدم الانتقال إلى التيمّم. و أمّا كون مقتضى الاحتياط في المقام هو ضمّ التيمّم أيضاً فلما عرفت من انّ مورد اخباره صورة حصول التضرّر و قد عرفت انّه ليس المراد هو تضرّر جميع البدن ضرورة انّ خوف البرد على نفسه لا يلازم ذلك غالباً و من المفروض تحقّق الضرر و لو ببعض البدن في المقام فمن هذه الجهة يحتمل أن يكون التكليف هو التيمّم و مقتضى الاحتياط اللّازم هو الجمع بين الأمرين لكن الأحوط منه رعاية عمل ذي الجبيرة بوضع خرقة على المحلّ و المسح عليها ثمّ التيمّم لأنّه و إن كان مورد اخبار الجبيرة صورة وجود الجبيرة إلّا انّه يحتمل جريان الحكم المذكور فيها في مثل المقام أيضاً فرعاية الاحتياط التام تقتضي معاملة ذي الجبيرة كما لا يخفىٰ. الفرع الثالث: ما إذا كان الجرح أو الكسر في غير مواضع الوضوء و لكن كان استعمال الماء في مواضعه مضرّاً بالكسر أو الجرح أو الحكم فيه تعيّن التيمّم لدلالة أخبار التيمّم و شمولها لهذه الصورة و عدم إمكان التعدّي عن أخبار الجرح و الجبيرة بعد كون موردها ثبوتهما في مواضع الوضوء فتدبّر.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة

- أحكام التخلي، ص: 418

مسألة 8- في الرمد الذي يضرّ به الوضوء يتعيّن التيمّم،

و مع إمكان غسل ما حول العين بلا إضرار لا يبعد جواز الاكتفاء به على إشكال فلا يترك الاحتياط بضمّ التيمّم إليه، و لو احتاط مع ذلك بوضع خرقة و المسح عليها ثمّ التيمّم كان حسناً (1).

مسألة 9- لو كان مانع على البشرة و لا يمكن إزالته كالقير و نحوه يكتفى بالمسح عليه،

و الأحوط كونه على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل، و أحوط من ذلك ضمّ التيمّم (2).

______________________________

(1) يظهر حكم هذه المسألة من المسألة السابقة فانّها بعينها هما الفرعان الأوّلان المذكوران في تلك المسألة.

(2) حكى عن الذكرى التصريح بأنّ المانع على البشرة مع عدم إمكان إزالته كالقير و نحوه بحكم الجبيرة و العمدة في ذلك جريان أخبار الجبيرة بتنقيح المناط كما اعترف به الشيخ الأعظم، لكن في خصوص ما إذا كان لاصقاً لعذر، و في محكيّ الجواهر: ادّعى القطع بفساد القول بوجوب التيمّم بدل الغسل أو الوضوء

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 419

مسألة 10- من كان على بعض أعضائه جبيرة و حصل موجب الغسل مسح على الجبيرة

و غسل المواضع الخالية عنها مع الشرائط المتقدّمة في وضوء ذي الجبيرة، و الأحوط كون غسله ترتيباً لمن كان في يده قطعة قير- مثلًا- مدى عمره، و يؤيّد ذلك في الجملة روايات: منها: رواية حسن بن علي الوشّاء قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الدواء إذا كان على يدي الرجل أ يجزيه أن يمسح على طلا الدواء؟ فقال: نعم يجزيه أن يمسح عليه «1».

و منها: الروايات المتعدّدة الواردة في الحناء كرواية محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الرجل يحلق رأسه ثمّ يطليه بالحناء ثمّ يتوضّأ للصلاة فقال: لا بأس بأن يمسح رأسه و الحناء عليه. «2» و لكن مثلها محمول على حصول الضرر بكشفه كما هو المحكي عن صاحب المنتقى و غيره و يشهد له مرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبد اللّه عليه السلام في الذي يخضب رأسه بالحنّاء ثمّ يبدو له في الوضوء قال: لا يجوز حتّى يصيب بشرة رأسه بالماء. «3» هذا و العمدة ما ذكر من الاستفادة من أخبار

الجبيرة و لكن لا ينبغي ترك الاحتياط برعاية أمرين: أحدهما: عدم الاكتفاء بالمسح كما في الجبيرة، بل يمسح على وجه يحصل أقلّ مسمّى الغسل لاحتمال عدم اتّحاد حكمه مع ذي الجبيرة من هذه الجهة. و ثانيهما: ضمّ التيمّم لما ذكر من خروجه عن مورد تلك الأخبار، فتدبّر.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب السابع و الثلاثون ح- 2.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب السابع و الثلاثون ح- 4.

(3) الوسائل أبواب الوضوء الباب السابع و الثلاثون ح- 1.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 420

لا ارتماسياً (1).

______________________________

(1) لا إشكال في جريان حكم الجبيرة في الوضوء في الجبيرة في الغسل كما انّه لا خلاف فيه ظاهراً، بل عن المنتهى و غيره الإجماع عليه و يشهد له- مضافاً إلى انّه لا خصوصية عند العرف للوضوء المذكور في أكثر أخبار الجبيرة- تصريح بعضها بالتعميم كصحيحة ابن الحجّاج المتقدّمة قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن الكسير تكون عليه الجبائر أو تكون به الجراحة كيف يصنع بالوضوء و عند غسل الجنابة و غسل الجمعة؟ فقال: يغسل ما وصل إليه الغسل ممّا ظهر ممّا ليس عليه الجبائر و يدع ما سوى ذلك ممّا لا يستطيع غسله، و لا ينزع الجبائر و يعبث بجراحته. «1» و العلويّ المروي عن تفسير العيّاشي قال: سألت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله عن الجبائر تكون على الكسير كيف يتوضّأ صاحبها؟ و كيف يغتسل إذا أجنب؟ قال:

يجزيه المسح عليها في الجنابة و الوضوء قلت: فإن كان في برد يخاف على نفسه إذا أفرغ الماء على جسده؟ فقرأ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله: «وَ لٰا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُمْ رَحِيماً»

«2». و لكن قد عرفت انّ من جملة وجوه الجمع بين أخبار الجبيرة و أخبار التيمّم حمل الاولى على الوضوء و الثانية على الغسل، و عليه فيختلف الحكم بالإضافة إليهما و قد مرّ عدم تمامية هذا الجمع لعدم الشاهد عليه مع كونه مخالفاً للإجماع و للروايات المصرّحة بالتعميم كالروايتين المتقدّمتين و مرّ أيضاً انّ التحقيق في وجه الجمع هو حمل أخبار التيمّم على صورة التضرّر بالوضوء أو الغسل و يشهد له مضافاً إلى ما تقدّم ذيل العلوي المذكور في المقام فتدبّر. هذا و الظاهر انّ الوجه في كون الأحوط هو الغسل الترتيبي لا الارتماسي مضافاً إلى انّ القدر المتيقّن من أخبار الجبيرة هو الترتيبي انّ تعيّن المسح على الجبيرة بدلًا عن غسل البشرة لا يكاد يجتمع من الارتماسي و إن كان يمكن المسح تحت الماء في الارتماسي أيضاً إلّا أنّ اجتماعه مع الارتماس بعيد بنظر العرف خصوصاً لو كان الغسل الارتماسي آنياً لم يكن له امتداد كما هو أحد المبنيين و سيأتي البحث فيه إن شاء اللّٰه تعالى فالاحتياط اللّازم يقتضي الغسل الترتيبي.

______________________________

(1) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 1.

(2) الوسائل أبواب الوضوء الباب التاسع و الثلاثون ح- 11.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 421

مسألة 11- وضوء ذي الجبيرة و غسله رافعان للحدث لا مبيحان فقط،

و كذا تيمّمه إذا كان تكليفه التيمّم (1).

______________________________

(1) و قد حكى القول بالرافعية عن المختلف و كتب الشهيد و جامع المقاصد و المدارك حيث لم يوجبوا الاستئناف للغايات بعد زوال العذر، و المحكيّ عن المبسوط و ظاهر المعتبر و الإيضاح و شرح المفاتيح هو كون وضوء ذي الجبيرة مبيحاً فقط استناداً إلى قصور النصوص عن إثبات الرافعية. و لكن لا ينبغي الارتياب في

ظهور النصوص في كون وضوء ذي الجبيرة و كذا غسله يكون بمنزلة الوضوء و الغسل التامّين في كونه مصداقاً للطهور المعتبر في الصلاة و غيرها و محقّقاً للوضوء أو الغسل الواجب الذي لا بدّ أن يكون عليه المكلّف عند الدخول في الغايات. و بالجملة: لا إشكال في ظهور الأخبار في مساواة عمل ذي الجبيرة مع عمل غيره و إن اختلاف الحالتين إنّما هو كاختلاف السفر و الحضر و غيرهما من الخصوصيات التي يختلف الحكم باختلافها فلا فرق بينهما من جهة ترتّب الآثار بجميع مراتبها كما لا يخفى. و أمّا ما أفاده في «المستمسك» ممّا محصّله: «انّ مقتضى إطلاق دليل وجوب التامّ تعيّنه للرافعية و عدم كون الناقص متّصفاً بها و الجمع العرفي بين الدليلين لا يقتضي التقييد لتكون النتيجة هو كون الرافع في حال الاختيار هو التامّ و في حال الاضطرار هو الناقص، بل الذي يقتضيه هو بدلية الناقص في ظرف سقوط التامّ من جهة العجز فيكون ملاك التام ثابتاً في حال العجز كثبوته في حال الاختيار،

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 422

..........

______________________________

غاية الأمر انّه يعذر المكلّف في تركه للعجز و نتيجة ذلك عدم رافعية الناقص و إلّا لم يتعيّن التام للرافعية مع انّه خلاف إطلاق الأدلّة الأوّلية و عليه فلا بدّ امّا من الالتزام بكون الناقص مبيحاً محضاً أو بأنّ له رافعية ناقصة و إن كان الأظهر الثاني». فيرد عليه انّ مقتضى إطلاق دليل وجوب التام ثبوت الوجوب في جميع الموارد و كونه في كلّ مورد متّصفاً بالرافعية، و أمّا نفي رافعية الغير فلا يقتضيه الدليل خصوصاً لو فرض نهوض دليل على رافعيّة غيره أيضاً. و بالجملة: مقتضى الجمع

العرفي هو كون الوضوء الناقص في حال وجوبه وافياً بجميع ما يشتمل عليه الوضوء التام و يترتّب عليه، و ثبوت ملاك التام في حال العجز كثبوته في حال الاختيار لا يترتّب عليه التعيّن بعد قيام الدليل على اتّصاف الناقص بالرافعية في هذه الحالة أيضاً مع انّ للمنع عن ثبوت ملاك التام في حال العجز مجالًا واسعاً فالإنصاف انّ ظواهر النصوص الواردة في الجبيرة الدالّة على كون عمل ذيها كعمل غيره لا يعارضها شي ء أصلًا فيترتّب عليه الرفع و لا يكون مبيحاً هذا بالنسبة إلى الوضوء و الغسل. و أمّا بالإضافة إلى التيمّم فلا بدّ أوّلًا من ملاحظة انّ نصوص الجبيرة الواردة في الوضوء فقط أو مع الغسل هل يجري في التيمّم أيضاً أم لا، و قد استظهر عدم الخلاف فيه في محكيّ الحدائق مستنداً إلى أنّ المفهوم من عموم الأخبار بدليّة الجبيرة عن البشرة من دون فرق بين الطهارات الثلاث و أورد عليه بأنّه غير ظاهر و لكن الظاهر عدم تمامية الإيراد خصوصاً بعد ما عرفت من اختصاص أكثر الأخبار الواردة في وضوء ذي الجبيرة بالوضوء و بعد كون حكمه الذي هو المسح ملائماً للتيمّم الذي ماهيّته تكون كذلك مع انّ قاعدة الميسور و كذا رواية عبد الأعلى المتقدّمة بالتقريب الذي ذكرنا تدلّان على ذلك، كما انّ مقتضى الاحتياط أيضاً عدم الاقتصار على مسح الباقي و المسح على الجبيرة، أيضاً و مع ذلك كلّه لا يبقى إشكال في جريان حكم الجبيرة في التيمّم أيضاً و بملاحظة ما ذكرنا يظهر انّه لا فرق بين تيمّم ذي الجبيرة و تيمّم غيره في الآثار كما في الوضوء و الغسل.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص:

423

مسألة 12- من كان تكليفه التيمّم و كان على أعضائه جبيرة لا يمكن رفعها مسح عليها،

و كذا فيما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته (1).

مسألة 13- إذا ارتفع عذر صاحب الجبيرة لا يجب عليه إعادة الصلوات الّتي صلّاها،

بل الظاهر جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء و نحوه (2).

______________________________

(1) قد مرّ البحث في هذه المسألة المتقدّمة آنفاً و لا حاجة إلى الإعادة إلّا أنّ الذي ينبغي التعرّض له هنا انّه لا فرق في الوضوء أو الغسل على ما عرفت بين ما إذا كان على بعض الأعضاء جبيرة و بين ما إذا كان حائل آخر لا يمكن إزالته كالقير و نحوه و كذلك لا يكون بينهما فرق في التيمّم أيضاً لاتّحاد الدليل.

(2) امّا عدم وجوب إعادة الصلوات التي صلّاها فعن المنتهى و غيره نقل الإجماع عليه و مقتضى إطلاق المتن انّه لا فرق في ذلك بين الوقت و غيره و هو في الصورة الاولى يبتني على القول بجواز البدار امّا مطلقاً أو مع اليأس عن زوال العذر إلى آخر الوقت، و إمّا على تقدير القول بعدم جواز البدال كذلك فالواجب الإعادة لا لعدم دلالة النصوص على الاجزاء بل لأنّ موضوعه هي الصلاة الصحيحة و المفروض انّ من شرائط الصحّة التأخير و عدم الإتيان به في أوّل الوقت أو وسطه فعدم وجوب الإعادة لا يجتمع مع هذا القول بوجه. و أمّا جواز إتيان الصلوات الآتية بهذا الوضوء و نحوه بعد ارتفاع العذر فوجهه ما عرفت من عدم كون وضوء ذي الجبيرة مبيحاً، بل يكون متّصفاً بالرافعية كالوضوء التامّ. ثمّ إنّه لو زال العذر بعد الفراغ عن الوضوء و قبل الدخول في الصلاة فالظاهر انّه لا يجب عليه الاستئناف، نعم لو زال قبل الفراغ عن الوضوء، بل قبل مضيّ زمان إمكان تداركه رجع إلى ما يحصل معه الشرط الواقعي لانصراف النصوص عن مثل الفرض و

إن كان يمكن منعه و الرجوع إلى الإطلاق.

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 424

مسألة 14- يجوز أن يصلّي صاحب الجبيرة أوّل الوقت مع اليأس عن زوال العذر

إلى آخره و مع عدمه الأحوط التأخير (1).

______________________________

(1) جوار البدار لذي الجبيرة و إتيانه بالصلاة أوّل الوقت مبني على دعوى ثبوت الإطلاق للنصوص و اقتضائه مشروعية وضوء الجبيرة للمضطرّ أوّل الوقت و لكن هذه الدعوى بالإضافة إلى المضطرّ الذي يعلم بارتفاع العذر في الوقت و التمكّن من الصلاة مع الوضوء التامّ فيه ممنوعة جدّاً لخروجه عن منصرف النصوص و لا يبعد دعوى الجزم بالخروج، و أمّا بالنسبة إلى غير العالم بارتفاع العذر كذلك فإن كان مأيوساً عن زوال العذر إلى آخر الوقت فالظاهر تماميّة الدعوى و شمول الإطلاق له و إن لم يكن ذلك ففيه تردّد لعدم وضوح شمول الإطلاق له، فالأحوط هو التأخير و لا مجال لدعوى جواز البدار مستنداً إلى استصحاب بقاء العذر إلى آخر الوقت و الحكم بالاكتفاء به خصوصاً مع عدم انكشاف الخلاف و الاستمرار واقعاً لأنّه لم يكن الحكم مترتّباً على بقاء العذر و عدم زواله في الوقت حتى يجوز ذلك بالاستصحاب في مورد الشكّ و يحكم بالاكتفاء به و لو مع انكشاف الخلاف لاقتضاء الأمر الظاهري للاجزاء، بل الحكم مترتّب على العذر الذي لم يعلم بارتفاعه في الوقت بحيث يتمكّن من الصلاة بدونه أو مع ضميمة اليأس عن زواله إلى آخر

تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، ص: 425

..........

______________________________

الوقت فاللّازم ملاحظة النصوص و لا موقع للاستصحاب و لا لمسألة اقتضاء الأمر الظاهري للأجزاء فتدبّر جيّداً، هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بمباحث الوضوء. و قد وقع الفراغ من تسويد هذه الأوراق التي هي الجزء الثالث من كتابنا

الموسوم به «تفصيل الشريعة» في شرح «تحرير الوسيلة» بيد العبد المفتاق و الفقير المحتاج إلى رحمة ربّه الغني محمّد الموحّدي اللنكراني الشهير بالفاضل ابن العلّامة الفقيه الفقيد آية اللّٰه المرحوم الشيخ فاضل اللنكراني عفى عنهما في بلدة «يزد» المعروفة بدار العبادة و أنا مقيم فيها بالإقامة المؤقتة الإجبارية لعلّ اللّٰه يحدث بعد ذلك أمراً في مكتبة السيّد الأجلّ السيّد علي محمّد الوزيري الشهير و في الختام لا بدّ من تجديد الشكر و تقديم عظيم الحمد في مقابل نعماء اللّٰه تعالى التي لا تعدّ و لا تحصى و من جملتها أن وفّقني لكتابة هذه الأوراق مع قلّة البضاعة و ضعف المرتبة العلمية و نسأل منه التوفيق لإتمامه و إن كانت الحوادث المحزنة و الآلام المتنوّعة و الموانع الفردية و الاجتماعية يكفي كلّ واحد منها لحصول اليأس عن الوصول إلى ما هو المأمول و البلوغ إلى المراد و المقصود و لكن الرجاء الواثق بالقدرة الكاملة الإلهية الفائقة على الجميع لا يسكن عن الدعوة و التحريك كما انّ العناية الربّانية لا يبخل عن تمهيد التوفيق و رفع المانع عن الطريق و لأجله يكون المرجوّ هو التوفيق للإتمام و كان ذلك في سلخ شهري ذي حجّة الحرام من شهور سنة 1395 من الهجرة النبوية على مهاجرها آلاف الثناء و التحية.

________________________________________

لنكرانى، محمد فاضل موحدى، تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة - أحكام التخلي، در يك جلد، دفتر انتشارات اسلامى وابسته به جامعه مدرسين حوزه علميه قم، قم - ايران، اول، 1403 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.